قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن المغرب بدون “تعليم جيد في المستوى” لن يشهد أي تطور سياسي ولا ديمقراطي ولا تطوير الفكر المرتبط بالإنسان ولا أي قدرة على التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية”.
وأضاف نبيل بنعبد الله الذي كان يتحدث في افتتاح لقاء حول “إصلاح منظومة التربية والتكوين” نظمه حزب التقدم والاشتراكية أول أمس الثلاثاء بالرباط، “أعتقد اليوم أنه من الواجب علينا أن نكون من أكبر المساندين للمبادئ الأساسية لهذا الإصلاح، وأن نعي بأننا بصدد قانون إطار يضع مبادئ عامة للمنظومة”. مشيرا إلى أن المرحلة اللاحقة تقتضي النقاش حول أجرأة وبلورة المبادئ إلى أفعال وإصلاحات وذلك من خلال منهج تشاركي يفرز كيفية إدخال هذه الإصلاحات بنجاح إلى الأقسام التعليمية وكذا سبل توفير الموارد المالية التي ستشتغل بها المنظمة.
وأكد بنعبد الله أن الأساسي في المرحلة الحالية هو أن تكون هناك أرضية تأطيرية ورؤية للإصلاحات شمولية، محذرا من إشكالية الوقوف عند نقط بعينها والتغاضي عن أخرى، كمسألة المجانية، التي قال إن النقاش حولها لفت الانتباه عن كافة النصوص التي جاء بها قانون الإطار. متابعا أن قضية المجانية يجب وضعها في إطار الحلول التي يجب إيجادها لتمويل هذا المنظومة والتي يتعين أيضا وضعها باستحضار الإمكانيات التي تلائم الطبقات الشعبية والفئات الهشة.
وشدد بنعبد الله، في هذا الصدد، على أن حزب التقدم والاشتراكية الذي يقوم على الهوية والمرجعية المتشبعة بالفكر الديمقراطي، المساواتي، التنويري، التحديثي والذي يقوم كذلك على الفكر الساعي إلى إحقاق العدالة الاجتماعية، ينظر إلى قضية التعليم وفق مقاربته السياسية وفكره، والقاضي بكون المدرسة العمومية هي المدرسة ذات الجودة والتي يجب أن تضطلع بدورها الريادي في النهوض بالفكر، والتنمية والاقتصاد والإنسان بصفة عامة. مؤكدا على أن حزب “الكتاب” متشبث بمسألة المجانية خاصة بالنسبة للفئات الشعبية والطبقات الفقيرة.
وكشف زعيم الحزب أنه في نقاش مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أكد هذا الأخير له، أنه تم تحيين وتخفيف مسألة المجانية التي تتطرق لها المادة 45 من قانون الإطار، حيث نقل عن رئيس الحكومة أن هذا التعديل تم على مستوى النص الذي سيتم عرضه على البرلمان، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة تحدث عن إسهامات الفئات الميسورة.
وأوضح بنعبد الله، في هذه النقطة، أن قضية مساهمة الفئات الميسورة لم تتحدد بعد، مؤكدا أنه سيتم النقاش حول هذه الفئات وتحديدها، مشيرا إلى أن هذه النقاش حول هذه الحيثيات أمر مقبول، وسيتم مناقشته في وقته وحينه.
وأبرز بنعبد الله، في ذات اللقاء الذي سيرته رشيدة الطاهري عضوة المكتب السياسي، أن النقاش حول قضية التعليم يتميز بكون أن هناك مقاربات أخرى تنطلق من مدارس وتوجهات سياسية أخرى، مؤكدا على أن حزب التقدم والاشتراكية يقبل أن يناقش معها، كما أكد على أن الحزب لا يمكنه أن يضع هذا الإصلاح خارج المقاربة السياسية الفكرية العامة التي يؤمن بها. وذلك لكون التعليم والتربية هما مفتاح التنمية الاقتصادية والبناء الديمقراطي والمؤسساتي، مفتاح العدالة الاجتماعية”، يقول المتحدث. متابعا “إن التعليم هو المدخل الرئيسي لمسألة “تساوي الفرص” المنصوص عليها في الدستور.
وجدد الأمين العام للتقدم والاشتراكية تأكيده على أن الحزب يؤمن بأن المدرسة العمومية هي التي توفر التعليم الجيد، مشيرا إلى أن هذا المبدأ منصوص عليه عمليا في قانون الإطار. داعيا إلى العمل بشكل تشاركي من أجل تنزيل هذا القانون بما يساعد على تطوير النظام التعليمي لبلادنا والذي من شأنه أن يساهم في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب، مؤكدا على نقاش حزب التقدم والاشتراكية حول هذا الموضوع يأتي انطلاقا من التزام الحزب أمام الوطن والشعب من أجل على العطاء في هذا المجال والمشاركة في تطويره وذلك من خلال التوصيات والإسهامات التي تفرزها النقاشات الداخلية بتنظيماته.
الأمين الصبيحي: يعرض مذكرة الحزب التي رفعها إلى المجلس
الأعلى للتربية والتكوين
من جهته، وفي إطار مساهمة حزب “الكتاب” في إعداد الرؤية الاستراتيجية للتعليم، قال محمد الأمين الصبيحي عضو المكتب السياسي للحزب إن حزب التقدم والاشتراكية تقدم في أكتوبر 2013 بمذكرة إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين من أجل إعطاء انطلاقة جديدة لمسلسل إصلاح منظومة التربية والتكوين تتضمن 10 إجراءات مرتبطة بالتعليم المدرسي والتي من شأنها أن تساهم في نهوض فعلي وملائم للمؤسسات التعليمية.
وأوضح الصبيحي أن مذكرة الحزب انبثقت من أرضيات منتديات النقاش التي نظمها الحزب سنوات 2006، 2008، 2010، والتي نظمها قطاع التربية والتكوين بالحزب. وفي صياغة مقترحات الحزب، قال الصبيحي إنه بدون الرجوع إلى المرجعيات وأهداف الإصلاح، انطلقنا من ملاحظة أساسية مفادها أن مخططات الإصلاح السابقة همت بالأساس النظام التربوي في شموليته من خلال توجهات وطنية مرتبطة بتدبير النظام التعليمي وإصلاح المناهج، إلا أنه لا مناص من الاعتراف بوجود قطبين للسلطة في النظام التعليمي وهي إدارة التربية الوطنية بتوجهاتها الوطنية، والمؤسسة التعليمية وقاعة الدرس حيث يبقى الأستاذ هو المتحكم في قاعة الدرس من جهة أخرى”.
وأضاف الصبيحي أنه من السهل جدا أن نعاين قطيعة صريحة بين الغايات المعبر عنها مركزيا وترجمتها الملموسة على مستوى المؤسسة التعليمية، مشيرا إلى أن مشروع الإصلاح لم يتمكن من ولوج عتبة الحجرة الدراسية، بالنظر لكون المؤسسة التعليمية تمتلك أسلوبها الخاص بها وعلاقات اجتماعية خاصة ولا يمكن اختزالها في مجرد كيان يطبق التعليمات.
وانطلاقا من ذلك أفاد المتحدث أن حزب التقدم والاشتراكية خلص إلى كون التحدي الكبير يكمن في تمكين المؤسسات التعليمية ومجموعاتها التربوية من الاضطلاع بمسؤوليتها من خلال نظام جديد لها يحقق المسؤولية الفعلية والتعبئة المطلوبة.
في هذا الصدد قال الصبيحي إن التقدم والاشتراكية تقدم بثلاثة إجراءات أساسية، أولها إصلاح نظام المؤسسات التعليمية كإطار يوفر مرونة أكثر واستقلالية أكبر في تدبير المؤسسة ومعامل لتكريس مبدأ المسؤولية. في حين يقضي الإجراء الثاني بتقوية الإدارة التربوية للمؤسسة التعليمية بالنظر للأدوار الأساسية والمتنوعة التي تضطلع بها المؤسسة. فيما يقر الإجراء الثالث بضرورة مأسسة المشروع التربوي للمؤسسة باعتباره العنصر المحرك لإطلاق دينامية جديدة بالمؤسسة التعليمية وتسمح بتحقيق التقائية مختلف ممارسات المدرسين وانسجام ونجاعة العملية التربوية.
هذا وجرد الصبيحي أهم الإجراءات الأخرى التي جاءت بها مذكرة حزب التقدم والاشتراكية التي بعث بها للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، مؤكدا على أن الهدف الرئيسي يكمن في إعطاء المنظومة التعليمية الموارد البشرية والمادية اللازمة للقيام بدورها بشكل متكامل، مضيفا أنه من الأساسي أيضا اتباع إصلاح شمولي يساهم في التقليص من الإشكاليات المجتمعية والتعليمية كالهدر المدرسي لا سيما من خلال دعم الأسر المحتاجة وإقامة الأنشطة التثقيفية والرياضية للمتعلمين.
أحمد الرغيوي: قانون الإطار الذي تناقشه الحكومة حاليا لا يساهم في الإصلاح
من جهة أخرى قدم الأستاذ أحمد الرغيوي إطار سابق بوزارة التربية الوطنية وباحث في علوم التربية قراءة في مشروع قانون إطار 51.17، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والتي خلص فيها إلى كون هذا المشروع التربوي الجديد لا يشكل قانونا إطاريا.
وأوضح الرغيوي الذي وجه سلسلة من الانتقادات لمشروع قانون التربية والتكوين أن الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم تتضمن أهداف وإصلاحات متعلقة بنظام تعليمي واحد، في حين هناك عدة أنظمة تعليمية في المغرب والتي حددها المتحدث في التعليم الحديث، والتعليم الأصلي، والتكوين المهني، التعليم العتيق، التعليم المهني، التعليم غير النظامي، محاربة الأمية.
واعتبر المتحدث أن قانون الإطار الذي تناقشه الحكومة حاليا لا يساهم في إصلاح كافة المناهج والنظم التعليمية الموجودة في المغرب، مشيرا إلى أنه لا يوجد نظام واحد يدمج باقي الأنظمة كما جاء به الإصلاح. كما أشار إلى أن الهدف من الإصلاح هو التعاطي مع كل نظام على حدة ذلك وتحقيق التوافق التام بين جميع النظم التي يعتمد عليها النظام التربوي والتعليمي كالنظام الفلسفي، النظام السياسي، النظام الثقافي، النظام التشريعي، النظام التعليمي، النظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي.
وأرز الرغيوي، في ذات السياق، أن مشروع قانون الإطار لم يقدم شيئا لأنه ترك جميع النظم المذكورة تعمل بطريقة متباينة. كما أنه لا يحدد القيم ولا يقدم أي تفاصيل على أساس الإصلاح الذي سيضطلع به، “وبالتالي فإن المشروع المعني لا يمكن أن يحافظ إلا على الوضع الراهن”، يقول المتحدث. مشيرا إلى أن هذا القانون الذي أعده المجلس الوطني للتربية والتكوين ليس إلزاميا بالنظر لكون هذا المجلس يضطلع بدور استشاري وليس إلزاميا.
عبد الرحيم العيساوي: بدون تمول لا حديث عن أي إصلاح ولا يمكن الارتقاء بالمدرسة
من جانبه قال عبد الرحيم العيساوي نائب سابق بوزارة التربية والتكوين الذي كان يتحدث حول “تمويل المنظومة التربية، اية رؤيا؟”. إن إصلاح منظومة التربية والتكوين كان ولا يزال مطلبا مجتمعيا.
ورصد المتحدث أهم المحاولات التي تمت من أجل إصلاح المنظومة وتحسين جودتها منذ الستينيات مشيرا إلى أن هذه المحاولات فشلت في أولى محاولاتها بالنظر لمجموعة من الإشكاليات التي اعترضتها كالحكامة والتدبير والتمويل.
وأكد المتحدث أن أغلب الإصلاحات كانت تطبق في الجزء الذي لا يحتاج إلى تمويلات مالية، وبالتالي فهي، حسب المتحدث، ظلت حلول ترقيعية، مبرزا في هذا السياق تجربتين للإصلاح، أولها مشاركته بين سنتي 1983 و1985 في إعداد دراسة لإصلاح التعليم، حيث كان حينها عضوا باللجنة الوطنية لتمويل التعليم تحت إشراف الوزير الراحل عز الدين العراقي.
وأوضح العيساوي أن هذه الدراسة جاءت من أجل نظام تعليمي ناجع والتي ضمت أطرا تربوية، تحت إشراف الوزير وأكاديمية المملكة المغربية برئاسة رشيد بلمختار، مشيرا إلى أنه بعد دراسة النظام التعليمي القائم وقعت اللجنة بين اختيارين الأول إصلاح الموجود، والثاني إفراز نظام جديد بأداء مختلف، قبل أن تخلص إلى الاختيار الثاني.
وكشف العيساوي، في هذا الصدد، ان اللجنة عملت سنة ونصف على هذه الدراسة، وبعد سنيتن قدمتها أمام مجموعة من المسؤولين والأطر، لكنه قال إن هذه الدراسة بقيت طي الكتمان واعتبرها الوزير آنذاك لبنة لإصلاح مستقبلي خصوصا وأنها كانت تتطرق لتنويع مصادر التمويل من استثمارات وأرباب عمل، ومساهمات الأسر، مبرزا أن الوضع حينها كان مخيفا ولم تكن الدولة قادرة على فتح هذا الورش.
كما تطرق المتحدث لتجربة أخرى خلال الفترة ما بين 1996 و2000 حين كان نائبا لوزارة التربية والتعليم بورازازات، والتي تطرق فيها لمجموعة من الإصلاحات التي لقت بدورها فشلا بسبب غياب التمويل.
وأوضح المتحدث أن فشل منظومة التعليم سيكلف الثمن باهضا خصوصا مع تفشي الامية والهدر المدرسي الذي يتزايد، ويعيد الأطفال إلى الجهل والأمية، لا سيما في العالم القروي، بالنظر لعدد من الإشكاليات التي تطبع هذا المجال. مشيرا إلى أنه بدون تمول لا حديث عن أي إصلاح ولا يمكن الارتقاء بالمدرسة ولا يمكن توفير الفئات الهشة الفضاء المناسب والمدرِّس الكفء.
بوجمعة محتات: إصلاح منظومة التربوية مرتبط أساسا بإصلاح المنظومة السياسية والإدارية
من جانبه قال بوجمعة محتات نائب سابق بوزارة التربية والتكوين الذي تطرق لـ “تحديات استراتيجية التربية والتكوين: التوسيع الكمي لتربية وتكوين ذو جدودة”، إنه لا حديث عن إصلاح لا مركزي في الوقت الذي لا نتوفر فيها على مؤسسات لا مركزية وجهوية قوية وذلك بالنظر للإمكانيات المادية الضعيفة بهذه المؤسسات والتي لن تستطيع من خلالها تمويل نظام قوي.
وأضاف محتات أن “إصلاح منظومة التربوية مرتبط أساسا بإصلاح المنظومة السياسية والإدارية”، ولا نقاش في ذلك، يقول المتحدث لأن تقوية الجهوية والمؤسسات اللامركزية من شأنها أن تقوي أي إصلاح آخر.
وفي حديثه عن التحديات التي تواجه النظام التعليم الحالي أبرز المتحدث أن هناك كثير من الإشكالات التي يعيشها التعليم اليوم سواء التعليم الأولي أو الأساسي أو الجامعي. مشيرا على أن النقاش حول المنظومة التربوية يجب أن يشمل أيضا التعليم العالي والبحث العلمي بشكل عام.
وأوضح المتحدث أنه حين يتم الحديث عن الهدر المدرسي يتم التغاضي بشكل مباشر عن “الهدر الجامعي” الذي بدوره يعتبر إشكال حقيقي، داعيا إلى جعل الإصلاح “شموليا” أي أن يشمل بالإضافة إلى التعليم الأولي والأساسي البحث العلمي والتعليم العالي.
واختتم محتات بالحديث عن سياسية التربية والتكوين التي قال “إنها يجب أن تطور من إمكانياتها” من خلال مواجهة الإشكالات الكبيرة والتي حددها المتدخل في إشكالين، الأول يتعلق بـالطاقة الاستيعابية للمنظومة التربوية سواء الابتدائي الثانوي، الجامعي، والتي يطبعها الاكتظاظ. بالإضافة على مشكل الجودة والمنتوج الذي قدمه المدرسة، مشيرا إلى أن كل هذه المشاكل اليوم مرتبطة بالتمويل الذي أضحى ضروريا على الدولة أن توفره من أجل الإصلاح.
جدير بالذكر أن هذا اللقاء الذي نظمه حزب التقدم والاشتراكية حول “إصلاح منظومة التربية والتكوين” يندرج في إطار منتديات النقاش التي ينظمه الحزب شكل أسبوعي حول المواضيع المجتمعية الأساسية وذلك في إطار التحضير للمؤتمر الوطني العاشر، كما يذكر أن اللقاء حضره بالإضافة إلى قيادات الحزب عدد من المناضلين والمناضلات في صفوف الحزب بالإضافة إلى عدد من المهتمين بالشأن التربوي.
محمد توفيق أمزيان – تصوير: رضوان موسى