يرحل الكبار ولا يموتون

شمعون ليفي يرحل عنا، ويفارق الحياة بعد معاناة مع المرض الذي قاومه بثبات على مدار الأسابيع الأخيرة…
وقبل ذلك، أي في العام الماضي، رحل عنا الكاتب المبدع ادمون عمران المالح بعد حياة غنية بالعطاء طيلة أزيد من تسعة عقود..
وقبل الاثنين وافت المنية أبراهام السرفاتي بعد حكاية امتدت طويلا وعميقا في السياسة وفي الموقف… هل يرحل مثل هؤلاء الكبار؟
إن شمعون ليفي لم نعرفه ليهوديته، وإنما عرفناه مناضلا حقيقيا وقياديا سياسيا كبيرا حضر في عمق الصراع السياسي والاجتماعي لبلده على امتداد أزيد من نصف قرن، وكان أستاذا فعلا لعدد من الأطر السياسية داخل اليسار التقدمي المغربي..
وأيضا ادمون عمران المالح لم تشهره يهوديته، بقدر ما قدمته لنا سيرته النضالية التقدمية أولا، ثم كتاباته الإبداعية الساحرة  في الأدب وفي التشكيل وفي الصحافة وفي الصورة …
وأبراهام السرفاتي، كان قائدا لفكر ولتوجه سياسي تقدمي، اعتنقه الكثيرون، وتأسست حوله الحكاية…
الثلاثة اشتركوا في الرفض المبدئي الصارم للصهيونية، ولم يحنوا الهامات للإغراءات الإسرائيلية، وبقوا أوفياء لضمائرهم ولشعبهم، ولموقفهم المدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني…
وهنا خسارتنا جميعا كمغاربة كبيرة جراء غياب مثل هذه الرموز التي أنجبها تعددنا الديني والثقافي والحضاري، وبقينا نفاخر بها الأمم، ونقدمها عنوانا لتميزنا كبلد وكشعب…
وبالرغم من أن الموت حق علينا كلنا، فإن موت الكبار يبقى له دائما وقع الرهبة في النفوس، ويكبر فينا الإحساس بحجم الرزية والخسارة…
ليس سهلا أن نجد في القريب شمعون وادمون وأبراهام آخرين من بين المغاربة اليهود، وإن كنا نقدر ما يبذله كثير من مواطنينا اليهود في مناطق مختلفة من العالم، وحتى داخل الوطن…
على هذا الصعيد الخسارة في الثلاثة الراحلين ليست خسارة مواطنينا اليهود وحدهم، إنما هي خسارة بلد بأكمله، وخسارة للنضال الفلسطيني ضد الصهيونية…
لكن هم الكبار لا يموتون…
هم وحدهم تخسر النهاية نزالها ضدهم، ويصير معناها نسبيا، ولا يرتبط بالمطلق أو بالنسيان الأبدي…
لقد بقي لنا من شمعون ومن ادمون ومن أبراهام ما لا يرحل ولا يتقادم ولا ينسى…
بقيت لنا السير النضالية، وبقيت لنا التضحيات للوطن وللإنسان وللمبادئ، وبقيت لنا الكتابة والكلمات والمواقف والسلوكات…
بقيت لنا كل الدلائل على انتصارهم على النهاية…
هم لن يرحلوا…
ونحن في «البيان» وفي مدرستها السياسية والفكرية والمهنية نعتز أن للثلاثة مكانا في أركانها وفي تاريخها صنعوه هم وأسسوا له، ونحن نفتخر بهم وبهم ونصون المودة والذكرى والحكاية…
سنبقى نتعلم منهم كلهم…
سنذكرهم دائما، لأنهم لا يموتون…
لهم السلام..
[email protected]

Top