الحلقة 1
هذا الصباح اللعين
استيقظت كعادتي متثاقلا على وقع رنين منبه الهاتف.
عقارب الساعة ترسو على ضفاف الخامسة والنصف صباحا.
أجاهد لرفع أجفاني التي يثقلها الكرى..
تلزمني دقائق لفك عقال مقلتاي الناعستين اللتين ألفتا الفرك في كل الصباحات الشتوية.
أزحت لحافي ونزلت من السرير، كأنما أحمل ساقيي..
بنصف نظر وبلا وعي سرت مترنحا كالثمل إلى الحمام،
لا شيء يستهويني غير إتمام مراسيم الاستيقاظ في حضرة التثاؤب الذي أناجيه وأنا قائم قبالة المرآة أتأكد من هويتي ومن ملامحي التي اختطفها النعاس في غفلة مني.
لا أكلف نفسي عناء استعمال الفرشاة ومعجون الأسنان..
تكفيني بضع صفعات من ماء الحنفية على وجهي، لأباشر ارتداء ملابسي غير آبه بتناسقها.
بعصبية مضمرة أحاول أن أحجز لذاتي حيزا في عالم الصحو التعيس في الصباحات الباردة، التي لا تستقيم دون تخمة من نوم عميق يكون كفيلا بتخليصك من شوائب الكوابيس التي علقت به في حصة سبات طهي على نار إكراهات الحياة.
في لحظة شرود يلتقط دماغي إشارة كان الأسلاف يعظمونها بقولهم إن من يبتغي الدنيا والآخرة فليتخذ لنفسه مقعدا مع المبكرين، لكن سرعان ما أعلن كفري بهكذا مقولة أمام سلطان النوم الذي يأبى إلا أن يستفزني حين يزف لي نفسه عروسا أجدر بالمضاجعة على بساط سرير يفور دفئا تزيده موسيقى نقرات عقارب الساعة الحائطية رونقا، لتحول المشهد إلى زفاف تحت حلكة ظلام يغتصبه شعاع حمرة ينبعث من جهاز الاستقبال المرابط على أعتاب التلفاز.
هي أضغاث أحلام أردتها سهام نفحات البرد المتسللة من الباب الموارب قتيلة لحظة انسحابي بخطى وئيدة وأنا أهيم توجيه وجهي شطر مقر العمل.
مستاء من هكذا قدر ومن سخريته اللعينة، أستعير متن الكبير محمود درويش يوم أعلن أنه لا شيء يعجبه، “لا الراديو، ولا صحف الصباح، ولا القلاع على التلال”.
بشبيه حال ذاك الذي أراد أن يبكي، لا شيء يروقني لا صوت المآذن الذي استعمر تفاصيل السماء، ولا قطرات ماء الوضوء المتناثر في مراحيض الجوامع، ولا عبق الفجر، وتراتيل الفاتحة التي تصدح بها حناجر من آمنوا أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها.
“هو الجمال الذي لن يستوعبه النائمون وهو الحظ الوافر لمن أدرك صلاة الفجر”، هكذا قال لي أحدهم ذات يوم وهو يعتقد أن سيهديني الله على يديه، ليخرجني من بحر الظلمات إلى بر الأمان ويرفع الله طابعه عن فؤادي.
بقلم: هشام زهدالي