يوميات نادل…-الحلقة 16-

على إيقاع الجوع

خائفا من أن يضيع المطبوخ، فوق لهب النار الغادر، ويتحول إلى قطعة فحم، أنبه زوجتي التي كانت بصدد إعادة تركيب أزرار قميصي، ورتق بعض ملابسي، في عملية ترقيع واسعة، شملت أعدادا من ثيابي.

بابتسامة ناعمة، قابلت تنبيهي، قائلة “لا عليك عزيزي، ولا خوف على العشاء”.

أهل مكة أدرى بشعابها، وهي العارفة بمقدار الماء، الذي يعفي الطنجرة من الاحتراق، ويقيها شر الاشتعال، هكذا أقنعت نفسي.

انتهى الكلام، لينتهي معه خوفي من خسارة الوجبة، التي بدأت أتوق إليها، مستجيبا لنداء معدتي.

أعوذ من حيث أتيت، ساعيا إلى استبيان تفاصيل أحداث الفيلم الذي كنت أشاهد، منتظرا لحظة اعتلاء عبارة “النهاية” على الشاشة، معلنة عن انتهاء أشواط من التشويق والإثارة.

قائمة لإعادة الثياب التي طالها الإصلاح إلى رفوف الدولاب، استبشرت خيرا، وعلمت أن موعد العشاء بدأ عده العكسي.

“أخفض صوت التلفاز قليلا كي لا تقض مضجع معاذ”، الذي كان قد استسلم لغزل النوم في غفلة منا، كانت هي كلماتها الأخيرة التي بسطتها على أذني وهي تهيم بالتوجه لاستطلاع مصير الطنجرة.

كشبحها ألحقها إلى المطبخ، حيث كانت تضع آخر اللمسات على العشاء.

مساعدتي لها لا تخرج عن وضع الخبز والماء مع السلاطة، إن حضرت على المائدة.

كسلوقي، أقتفي رائحة المرق، المنبعثة من أعماق الغليان، وكلي كفر بالمقولة الشعبية “الليل حدورة”.

لا يعنيني في شيء أن يكون الليل منحدرا، أو عقبة، بقدر ما يعنيني إطعام ذاتي، غير تارك المجال لمعدتي، للاحتجاج على سياسة الأمعاء الخاوية، محاولا بذلك صد كل الكوابيس التي قد تجتاحني، حينما أغمض عيناي، على إيقاع الجوع.

كالعادة، وبنهم فلاح قفل من حقله، بعد اشتغال مضن، وفي عز شتاء قارس، ألتهم وجبتي، لاعقا أصابعي، امتثالا لما قيل لنا أن بركة الطعام قد تضيع بين الأنامل لنحرم من فضل القوت، حتى وإن وصلنا حد التخمة في الأكل.

ذاك الجميل، الذي قدمته لبطني، سيكون شفيعا لي، وواقيا من كل دخيل على نعاسي، الذي بدأ يناديني.

بقليل من معجون الأسنان وفرشاة، أحاول صيانة أشباه أسناني المتهالكة، والتي غدت خرابا بعد عين.

تسوس في كل أرجاء الفم، وحفر اتخذت منها بقايا الطعام ملجئا، وصفرة من فرط التدخين أصبحت بادية للعيان لا تسر الناظرين.

هو حال فمي المسكين، الذي أشفق عليه كلما سعيت إلى مباشرة حملة تنظيفية لدروبه.

إلى المرآة أرفع رأسي، احمرار مقلتاي، وسلسلة من التثاؤب، بوادر لمغادرة عالم الصحو.

بقلم: هشام زهدالي

كاتب وإعلامي

الوسوم ,

Related posts

Top