في أجواء احتفالية وتوعوية يخلد المغرب هذه الأيام الذكرى 40 ليوم الأرض العالمي للبيئة، الذكرى التي تنطلق فعالياتها الرئيسية من مدينة الرباط العاصمة المغربية التي وقع عليها الاختيار من طرف الجمعية الأمريكية (أورث داي نيتوورك) كأول مدينة خضراء. ومن دلالات هذا الحدث، الذي يتميز بمشاركة دولية هامة، أن الاهتمامات البيئية أضحت تحتل موقعا متقدما ضمن الاهتمامات الوطنية وفي أجندة البلاد وجدول أعمالها. وهذه خطوة مهمة على طريق التقدم نحو استراتيجية النهوض البيئي وإدراج المشاريع الاقتصادية ضمن تصور قار للتنمية المستدامة بما يحمي الموارد الطبيعية ويوفر في ذات الوقت المناخ وشروط البيئة السليمة للسكان. على هذا الطريق يلاحظ، بالتأكيد، أن السنوات الأخيرة سجلت إنجاز مجموعة هامة من المشاريع التى قد تكون بمثابة نقط الارتكاز ولاسيما في ما يخص مجال المياه وصيانة السدود، ووضع ترسانة قانونية تهم الغابة والمحميات الطبيعية، والنفايات الصلبة المنزلية والصناعية. كما تم إنجاز العديد من الدراسات كتلك المتعلقة بالتلوثات الطارئة وحماية بعض المدن وقياس جودة الهواء. وفي مجال البيئة الحضرية يمكن اعتبار ما تتوفر عليه مدينة الرباط، حسب تصريحات مسؤولي مجلسها البلدي، من فضاءات خضراء (260 هكتارا)، وحزام أخضر يغطي 1063 هكتارا، نموذجا لما ينبغي أن تكون عليه جميع المدن المغربية. مع ما يمكن كذلك للملاحظ أن يسجله هنا، فالواضح أن الصورة في عموميتها ليست كلها (خضراء)، بمعنى أن الخطوات والإقرارات الحالية، بكل ما لها من أهمية، مجرد تعبير عن إرادة والتزام بالانخراط العملي والمستمر في مواجهة المعضلات البيئية التي ماتزال تشكل هاجسا مقلقا للمواطنين ولكل المعنيين بهذا الموضوع، وهي معضلات لايمكن الاستهانة بها. فبالإضافة إلى التحديات الإيكولوجية المعروفة، يجدر التذكير بملف البيئة الحضرية بكل تشعباته. وهنا نستحضر أقرب المدن إلى الرباط (المحظوظة) أي الدار البيضاء حيث الغابات أو الأحزمة الخضراء لا تغطي سوى 4% من مساحة هذه الجهة التي تستقر بها 2689 من المنشآت الصناعية، وهي أيضا الجهة التي تنتج من النفايات الخطرة للقطاع الصحي 1030 طنا سنويا و93227 طنا من النفايات الصناعية الخطرة سنويا علاوة على ما أصبح ملموسا ومعاشا من تدهور جودة الهواء. وباختصار وبالمقارنة المبسطة أو حتى الساذجة، يمكن التساؤل: هل يمكن مقارنة شارع محمد الخامس بالرباط مع حالة شارع محمد الخامس بالدار البيضاء مع كل ما يرمز إليه هذا الأخير من ذاكرة وطنية وما يمثله من تراث ثقافي وإنساني؟ هنا وفي أجواء المناسبة، قد لا يكون من المناسب الاسترسال في تشخيص الوضع والتحديات بقدر ما يكون من الأفيد التوجه نحو المستقبل المنظور للتأكيد على الانتظارات المطلوبة من السلطات العمومية لتنفيذ المشاريع المسطرة وإصدار القوانين التنظيمية للتشريعات المعلنة وتفعيل وترجمة توجهات الميثاق الوطني للبيئة وما يقتضيه هذا الميثاق من جعل البعد البيئي حاضرا في كل السياسات العمومية. وفيما لاتخفى واجبات ومسؤولية المواطن وما تقتضيه روح المواطنة تجاه دفء البيت البيئي المشترك، تبقى مسؤولية الجماعات المحلية كبيرة في الالتزام بقواعد حماية البيئة سواء على مستوى الخدمات الجماعية أو في ما يخص تسليم الرخص ومنح الامتيازات واستغلال المجال. مع ما يمكن أن تساهم به المؤسسات المحلية المنتخبة من تنظيم الأعمال التطوعية لصيانة البيئة ومحاربة التلوث، ودورات تكوينية وتربوية، سعيا وراء جعل المدن المغربية كلها مدنا (خضراء).