برلماننا من جديد

لم ينجح برلماننا في جعل مناقشات تصريح الوزير الأول تجسد لحظة رفيعة للحوار السياسي الجدي الذي يحتاجه المغرب اليوم. فبالرغم من أن تصريح الحكومة لمنتصف الولاية لا يعقبه أي تصويت، ومن ثم فاللحظة كانت للحوار السياسي أكثر منها للحسابات الحزبية والانتخابية، فإن برلماننا مع ذلك أفلت فرصة جذب اهتمام المغاربة للعملية السياسية. إن أي حكومة في العالم تحرص في أي تدخل لها أمام البرلمان أو أمام وسائل الإعلام على استعراض حصيلتها والدفاع عنها، والمعارضة هي المسؤولة عن إبراز تحاليلها المضادة وتقديم سياسات بديلة تكشف للناخبين فشل التدبير الحكومي، لكن عندما تحتكر أحكام القيمة الكلام، ويصير توزيع الاتهامات هو الخطاب المضاد، وتتسيد الإطلاقية في الأحكام وفي المواقف، هنا نبدأ في البحث عن فرق وأحزاب لها قليل جدية في التعامل مع ذكاء الناخبين.
بالفعل أنصتنا لأحزاب تعرض مواقفها وتحاليلها لأوضاع البلاد، ووقفنا على خطب يضبطها خيط ناظم، وتنطلق من منظومة فكرية ومواقفية معروفة لدى هذه القوى، لكن في نفس الوقت استمعنا إلى فرق وإلى برلمانيين يقولون أي شيء.
ما معنى اليوم أن ترغد فرق وتزبد بحجة أن الحكومة لا تفعل سوى أنها تنسب لنفسها ما يقوم به جلالة الملك من مبادرات تنموية ؟
ما معنى أن تلمح الفرق نفسها إلى علاقة الثقة بين الملك وحكومته؟ وما معنى جعل الموقف كله تحت عنوان كبير، هو أن الحكومة الحالية هي أضعف حكومة في تاريخ المغرب، وأن الأولى لها أن تستقيل ووو……
لنسأل هؤلاء: هل المغاربة إلى هذه الدرجة يفتقدون إلى ذاكرة ؟
إن الجواب عن تيه الكلام وطيشه، موجود في طبيعة المنشأ وفي المكان الذي قدم منه الوافدون الجدد.
التوقف اليوم عند سوريالية بعض المواقف، الغاية منه ليس الدفاع عن الحكومة أو تسجيل المواقف، إنما التنبيه إلى أن المغرب يحتاج إلى ممارسة سياسية وأداء برلماني لهما كثير من الجدية.
عندما يختار عاهل البلاد احترام المنهجية الديمقراطية في تعيين الوزير الأول، فذلك يعني دعوة إلى جعل منظومتنا السياسية تقوم على احترام المؤسسات، ومن هنا  فإن الانتظام في الأغلبية له معنى مشترك في كل الدنيا، والتموقع في المعارضة أيضا، بما في ذلك أن إسقاط الحكومة له مسطرة معروفة، ليس من بينها على كل حال إلقاء الخطابات التي يمكن أن تصلح لحشد التأييد داخل حلقات النقاش الطلابي  في الجامعات، لكنها  أبدا ليست مداخلات سياسية جدية  لمناقشة تصريح حكومي في البرلمان.
من جديد برلماننا في حاجة إلى تأهيل حقيقي، وحياتنا الحزبية والسياسية في حاجة إلى تطهيرها من كثير اختلالات.

Top