يوميات نادل… -الحلقة 14-

صفارة القدر

تعود أم معاذ أدراجها، تاركة وراءها طنجرة الضغط، بما يموج داخلها فوق زرقة ألسنة لهب خامدة، تتراقص بغنج على عتبات ثقوب موقد الغاز، المستأنس بعروض لف الخصر التي باشرتها صفارة القدر، التي أبدعت سمفونية انتظمت في سياقها رزمانة من النوتات السليمة.

في حضرتها أقدم استقالتي وأعفى من رعاية الرضيع، لأن لمسة الأنوثة وعاطفة الأم وحنانها أكبر من فحولة الرجل.

جفت الحروف من لسانها من فرط ما تغنت بصغيرها، ولهجت باسمه.

بقوة ناعمة تسحبه، إلى دواخلها، وبكلمات لا يسمعها إلا من ترفع إليه، تهمس على مسامعه، زاهدة في عشقه.

همساتها تسحبه ليرتد عن صخبه وتمرده الأنيق، ليستبدل ضجيجه، انضباطا ولو لحظويا.

هكذا ودون مقاومة يذوب معاذ بين أحضانها، وكله شوق لوجبة حليب بنكهة الحنان.

مستغلا وصالهما المثير للغيرة، أباشر زيارة للبيت الأزرق، أبغي التسكع  بين جدارياته، رغم أن موقفي منه لا يخرج عن كونه برنامج تواصل فوضوي، لا يحترم الخصوصيات، ولا يقدم محتويات نافعة، إلا ما ندر، ناهيك عن تخصصه في بث الدعاية المزرية.. 

“الله أكبر” “إنا لله وإنا إليه راجعون”، تدوينة أشبه ببلاغ نعي سطرت على إحدى صفحات أحد أبناء بلدتي، تفيد أن الطريق اغتالت 3 شبان في حادث سير مروع.

هكذا خبر نزل على كياني كالصاعقة، ومرة أخرى يحصد الموت المزيد من الأرواح،  ويغيب شبابا في مقتبل العمر..

ترى من ذا الذي يوقف سهام المنية القاتلة؟.

لا راد لقدر الله، هكذا حدثث نفسي، داعيا بالرحمة والمغفرة، لأولئك الذين التحقوا بدار البقاء.

جرد لقائمة من قضوا نحبهم يكاد لا ينتهي، لتكون الخلاصة أن آية “وتلك الأيام نداولها بين الناس” أجدر بالتوقف عندها، متأملين لعبة الموت الغادر، كتيمة تحضر حيث نتجاهلها، وتندس في صغار التفاصيل، لتبقى متربصة بنا كطائر كاسر، ينتظر انقضاء الآجال، لينقض على فريسته، حتى يرديها طريحة.

من فضل الله، وكجزء من حسنات الطفرة المعلوماتية، أنها اختصرت المسافات، جاعلة البعيد قريبا، لتغدو مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا لتبادل التهاني، أو بالأحرى التعازي، كلما حلت المصائب في غفلة منا.

جو جنائزي مهيب، وعيون مكحلة بالعبرات، وطقوس تأبين في أروقة الفايسبوك.

غير محلق خارج السرب، انخرطت في أجواء العزاء بعبارات المواساة، والدعوة لأهالي من قبضت أرواحهم على قارعة الطريق.

بقلم: هشام زهدالي

Related posts

Top