الملثمون

ذهل المغاربة وهم يشاهدون صور مدينة الداخلة، حيث المكان شبيه بساحة حرب…
ماذا يجري ؟؟
ليس هناك عاقل يمكن أن يعتبر ماجرى نضالا من أجل مطالب، أو احتجاجا من أجل الإصلاح، وإلا سنكون أمام توصيف خطير لمعنى السياسة. إن الصورة المرعبة التي جاءتنا من المدينة الصحراوية الجميلة تجسد معناها في ملثمين يركضون في كل الاتجاهات، ويحرقون كل شيء، دون أن نتبين نحن  ملامحهم، أو يكشفون هم عن هويتهم، وقد عادت ذاكرة مشاهدتنا فورا إلى أحداث العيون لتذكرنا بصورة مشابهة، ثم ليرتفع السؤال أمامنا: لماذا يحرص هؤلاء الملثمون على إخفاء وجوههم عنا ؟؟
وعند تصفح بعض جرائد نهاية الأسبوع المنصرم، ومتابعة بعض كلام الإذاعات الخاصة، وسيناريوهات صالونات الرباط، ننتبه إلى أننا من جديد أمام «ملثمين» من طينة أخرى، ولا يخلو عملهم من خطورة.
إقالة الوزير الأول، إعفاء وزراء ذكروا بالاسم، تحديد مكان وزمان اجتماع مجلس الوزراء، تفصيل جدول أعماله، تعيين وزير أول جديد وكشف اسمه، إعداد برنامج حكومي في افتتاحيات الصحف….
كل هذه الكشوفات أوردها لنا ملثمون، ولم نعرف نحن هوية من يسرب، ولا السبب، وبقينا كلنا قابعين لأيام أمام شاشة عبثيتنا السياسية نقرأ ونسمع فتوحات كتبة و…ملثمين، وبعض»الشناقة» وخدم السخرة نقلوا لنا بالصوت الرنان أن هذه «إشاعات لم تتأكد»، ومع ذلك رمونا بها …
هل نرد كل هذا إلى  الإشاعة، وإلى مختبرات إنتاجها السرية؟ هل نبحث عن التفسير في ضعف آليات الوصول إلى الخبر والمعلومة؟ هل نسارع إلى القول بأن ترويج الإشاعات هو دليل تخلف حقلنا الإعلامي والسياسي معا؟ هل نعتبر الفعل ارتزاقا أو سعيا وراء مصلحة أو حالة باتولوجية؟
بالفعل إن الأمر هو كل ذلك في نفس الوقت، وما حصل يحيل على أحد مقومات التحديث السياسي الذي يتطلبه مغرب اليوم، إنه الوضوح.
الوضوح هو الذي يجعلنا نعتبر ملثمي الداخلة قطاع طرق ولصوص، وليسوا أصحاب قضية أو مطلب..
الوضوح هو الذي يجعلنا نمقت ملثمي السياسة الذين يحركون بعض قصيري النظر لترويج متمنياتهم كما لو أنها أخبار مؤكدة.
الوضوح يعني أن تعديل الحكومة أو تغييرها هو أمر معروف لمن أوكله الدستور، كما أن «الجيل الجديد من الإصلاحات» الذي يشترك في مطلبه اليوم الكثيرون، هو أكبر مما روج له الملثمون، وأن الأهم والأكبر من كل الأشخاص اليوم هو أن نضخ نفسا جديدا وحقيقيا في انتقالنا الديمقراطي.
وكما أن الداخلة لم تعد آمنة ليلة دخلها الملثمون، فإن الخطر على سياستنا أن نجعلها مباحة للملثمين الآخرين، لأننا وقتها سنفتحها على مزيد من القبح، وعلى كثير من المخاطر.
قضايا الوطن الكبرى منزهة عن العبث.
[email protected]

Top