الأسلوب الملكي الجديد

ترأس جلالة الملك أول أمس، أي يوما واحدا فقط بعد خطاب تاسع مارس، حفل تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، وفي الصورة دلالتان جديدتان لاتخلوان من بعدهما التاريخي.
الدلالة الأولى، تتجسد في كون المغاربة لأول مرة يعرفون من سيتولى تعديل دستورهم، ولأول مرة أيضا تسند المهمة لكفاءات وطنية برئاسة فقيه قانوني مغربي حظي تعيينه بارتياح الأغلبية الساحقة من المتابعين.
صحيح، أن البعض تخوف من «محافظة» بعض أعضاء اللجنة، وصحيح أن البعض الآخر تخوف من «جيوب مقاومة» قد تخترق اللجنة نفسها، لكن كل التخوفات تنطلق من الخشية أن تضيع الفرصة هذه المرة، ومن الرغبة في امتلاك وثيقة دستورية في مستوى جرأة عاهل البلاد، وتعكس مضامين وإشارات خطابه التاريخي.
إنها مسؤولية أيضا تاريخية يتحملها اليوم أعضاء اللجنة، والمغاربة يعولون على كفاءتهم العلمية، وأيضا على وطنيتهم وبعد نظرهم، وحسن التقاطهم للإشارات الملكية.
الدلالة الثانية، تضمنها خطاب التنصيب الذي ألقاه جلالة الملك، والذي دعا خلاله أعضاء اللجنة إلى اعتماد منهجية الإصغاء والتشاور مع جميع الهيئات والفعاليات المؤهلة بدون استثناء، والاجتهاد الخلاق، لاقتراح نسق مؤسسي مضبوط، كما شدد جلالته على ألا يقتصر دور الأحزاب على تقديم تصورات أمام اللجنة، وإنما أن تكون مشاركتها موصولة في هذا الإصلاح الهيكلي من بدايته إلى نهايته، وتبعا لذلك أعلن عن إحداث آلية سياسية مهمتها المتابعة والتشاور وتبادل الرأي بشأن مشروع الإصلاح الدستوري، تضم بصفة خاصة، رؤساء الهيئات السياسية والنقابية، كما لفت جلالة الملك إلى أن الكلمة الأولى والأخيرة، بشأن مشروع الدستور، تظل للشعب المغربي، الذي سيعبر عنها مباشرة عبر استفتاء حر ونزيه.
كل هذه المضامين تعكس المنهجية الملكية الجديدة، والتي تقطع مع الأسلوب السابق، الذي كان الملك بموجبه يعد التعديلات الدستورية، عبر خبراء فرنسيين عادة وأحيانا بمساعدة بسيطة من بعض الأساتذة المغاربة، ثم يعرض ذلك على الاستفتاء، في حين يشدد الأسلوب الملكي اليوم على تشاور واسع وانخراط أكبر للأحزاب، وأيضا النقابات، علاوة على الإنصات لمنظمات المجتمع المدني وجمعيات الشباب، ثم حث اللجنة على الاجتهاد، وفي الأخير عرض المنتوج على الشعب المغربي من خلال استفتاء عام.
وواضح هنا أنه فضلا عن التشاور الواسع، فإن الاحتكام في النهاية هو للشعب، وللإرادة الشعبية بواسطة استفتاء يقول ملك البلاد بأنه سيكون «حرا ونزيها»، ومن ثم فإن رفع شعار «المجلس التأسيسي المنتخب» اليوم، يفرض على المتشبثين به العمل الجدي على الأفكار، والانتقال بالعقليات إلى الوقت السياسي الحالي، حيث أن شرعية الإرادة الشعبية اليوم تسقط ما سواها من آليات.
من مسؤولية كل الديمقراطيين اليوم العمل على جعل هذه المرحلة مدخلا لتعزيز انتقالنا الديمقراطي، وفي هذه المهمة التاريخية نحتاج إلى بعض الذكاء السياسي.

[email protected]

Top