الثورات و…النيت!!!

أثارت مسيرات الشباب في المغرب «20 فبراير»، وقبلها انتفاضات تونس ومصر، وباقي الديناميات الاحتجاجية في المنطقة العربية، سؤال الانترنيت وعلاقته بالسياسة وبالأحزاب السياسية، وهذا النقاش لم يبدأ اليوم، على كل حال، حيث يكفي استعراض بسيط لأحداث دولية جرت خلال العقد الأخير في بلدان مختلفة لندرك أن مناطق وشعوب أخرى أبرزت هذا المعطى من قبل. فلقد لعبت «الرسائل النصية» مثلا دورا حاسما في الإعداد لنزول الآلاف من الفلبينيين لميدان «ايبافنيودي لوس سانتوس» في العاصمة مانيلا، في يناير 2001، ما أدى إلى تنحية الرئيس جوزيف استرادا، ونتذكر كذلك  دور الانترنيت والرسائل الهاتفية النصية في الإعداد لمظاهرات 2004 في إسبانيا، والتي أفضت إلى إسقاط أزنار على خلفية تصريحاته بشأن تفجيرات قطارات مدريد، ثم هناك دور هذه التقنيات في الإعداد لاحتجاجات مولدوفا سنة 2009، ما تسبب للحزب الشيوعي هناك في خسارة السلطة عقب تزوير كبير للانتخابات.
وعكس هذه الحالات، فإن أحداث أخرى أكدت أن الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي لا تقود بشكل أوتوماتيكي إلى تحقيق الأهداف، وسواء في إيران في يونيو 2009، أوفي احتجاجات حركة «القمصان الحمر» في تايلاند سنة 2010، أو أثناء الاحتجاجات في بيلاروسيا ضد تزوير الرئيس ألكسندر لوكاتشينكو للانتخابات، فإن الدولة هناك نجحت في قمع التظاهرات.
ورغم هذا، وفي الحالتين معا، فإن الانترنيت وما يعرف اليوم بالإعلام الاجتماعي، برزا كأدوات تنسيق وحشد للجماهير عبر العالم، وهذا ما جعل الدول والحكومات تتحرك لترسم خطط واستراتيجيات المواجهة، علاوة على بروز نقاش عالمي مهم حول التقنين، وحول حكامة الانترنيت وغير ذلك.
وبالنسبة لطبقتنا السياسية المغربية، وخصوصا الأحزاب، فإن الدرس الواجب استيعابه أولا هو أن الإعلام الاجتماعي أو الانترنيت بصفة عامة صار اليوم حقيقة من حقائق الحياة، وبتزايد التحاق الجمهور بالشبكة، فإنه يصير في موقع يمكنه أكثر من الوصول إلى المعلومات، ويتيح له المزيد من الفرص للانخراط في الخطاب العام، والمزيد من القدرة على القيام بعمل جماعي، وبالتالي القدرة على التنسيق، وخلق الشبكات والهياكل للمطالبة بالتغيير، ولو بأشكال غير واضحة، وعلى أحزابنا بدورها أن تحدث رجة في منظومتها التنظيمية للبحث في سبل فهم ما يحياه اليوم فضاؤنا العمومي من متغيرات ثقافية وأيضا سياسية، ومن تمثلات في الوعي وفي السلوك تجاه الذات وتجاه الغير.
لقد أعلن حزب التقدم والاشتراكية مؤخرا عن بداية لافتة بهذا الخصوص، وأسس أمينه العام لحوار مفتوح ومباشر مع الشباب عبر المواقع الاجتماعية، وهي مقدمة يجب أن تدفع الحزب، وهيئات أخرى، للسير بعيدا على صعيد «ثورة تنظيمية» تستحضر المستجد التكنولوجي والإدراك الثقافي.
وفي الإطار نفسه، وبشكل جدلي، لا بد من الاقتناع أن الشعوب وحركات التغيير، مع ذلك، لا تبني دولا على الانترنيت، ومن ثم فإن الرهان الأساسي اليوم يبقى هو استثمار الانترنيت للصعود نحو الشباب، وفي نفس الوقت اقتناع هؤلاء بالنزول إلى الواقع، وعند اللقاء يمكن للمسلسلات النضالية الواضحة والعقلانية أن تحقق المكاسب وتبني الديمقراطية، وتحدث التغيير.
[email protected]

Top