الأجهزة نجحت في الاختبار

ألقت الأجهزة الأمنية المغربية القبض على منفذي التفجير الإرهابي بمراكش، وذلك في ظرف زمني يعتبر قياسيا في مثل هذه الحالات، وهو ما يستحق التسجيل وأيضا التنويه. التنويه بعمل السلطات الأمنية بخصوص تفجير مراكش لا يعود فقط إلى تمكنها من الوصول إلى المنفذين، إنما مرده أيضا الأسلوب الذي اعتمدته في عملها هذه المرة، مقارنة بما أعقب تفجيرات 16 ماي 2003 مثلا.
لم تتعامل الأجهزة هذه المرة، برد فعل أمني متسرع، ولم تبادر لا إلى التلويح بتفسير لما حصل ولا إلى إصدار أحكام أو اتهامات، إنما انكبت تعمل وتتحرى وتحقق، تحت إشراف النيابة العامة.
لم تعمد الأجهزة الأمنية هذه المرة كذلك إلى جر مئات أو آلاف الناس إلى المخافر، إنما كانت تستمع إلى مشتبه فيهم، وقد أفرجت عن الكثيرين عقب الاستماع إلى إفاداتهم.
ولم تلجأ السلطات أيضا إلى رمي المسؤولية المادية أو المعنوية على أحد (فردا أو حزبا أو جماعة)، ولم تخلق تهويلا أو ترويعا في المجتمع، بل كانت تعلن عن مؤشرات يتوصل إليها البحث، من دون أن تحدد أية اتهامات، وذلك إلى أن أعلنت عن إلقاء القبض عن المنفذين.
كل ما أوردناه هنا ليس بالشيء البسيط، خصوصا في ظرفية سياسية وطنية وإقليمية كالتي نحياها هذه الأيام، ويكفي أن نتخيل كيف كانت ستكون الصورة لو قامت الأجهزة الأمنية بعكس ما لفتنا إليه أعلاه.
إن التدبير الأمني لملف تفجير مراكش تميز فعلا بكثير من المهنية وبالانفتاح على التعاون الدولي وعلى التواصل مع الرأي العام، وأيضا بعدم التسرع، وهذا مكسب مهم، وقد مكن بلادنا من عدم الانجرار إلى فخاخ الإرهابيين.
إن تغير منهجية التدبير الأمني هي التي ساهمت أيضا في جعل الإرادة السياسية المعبر عنها عقب الفعل الإجرامي واقعا، حيث لم تكن للحظة انعكاسات سلبية على الأجواء العامة في البلاد، ولم يتم اللجوء إلى التشدد الأمني المبالغ فيه، أو خنق الحريات العامة، أي أن المغرب نجح في حماية دولة القانون، وهنا أيضا عنوان جوهري آخر للنجاح، ودليل آخر على فشل الإرهابيين في هدفهم.
الآن، وبعد إلقاء القبض على المنفذين، لابد من مواصلة منهجية العمل ذاتها من طرف أجهزة الأمن ومن طرف القضاء، وأيضا لابد من مواصلة سياسة الانفتاح على الرأي العام، واطلاعه على كل المستجدات، وبهذا فقط سنكرس الطمأنينة وسط شعبنا، وسنمنح الثقة للمستثمرين المغاربة والأجانب في بلادنا وفي إرادتها الديمقراطية الراسخة.

[email protected]

Top