أصبح الهجوم على مهرجان (موازين) ومطالبة البعض بمنعه مقترنا بخطاب يطفح بكثير من الشعبوية والمبررات المغلوطة.
عندما تبتعد أبصار هؤلاء وعقولهم عن النداء الأخير للائتلاف المغربي للثقافة والفنون والنقابة المغربية للموسيقيين، وعما تضمنه من حيثيات، ويتم الإصرار على ربط تنظيم المهرجان بالاستجابة لمطالب ساكنة المناطق النائية وتشغيل العاطلين وإنشاء البنيات التحتية، فإننا نجد أنفسنا فعلا أمام من يسخر منا كلنا، وأمام صورة ما يريد أن يجرنا إليه بعض الأصوليين.
لن ندخل هنا في كل التفاصيل، إنما نريد أن ننبه إلى خلفية المنع الثاوية وراء هذا الهجوم، أي مطالبة السلطات بالتدخل لمنع مهرجان، وهو ما يمكن أن يقود غدا إلى المطالبة بمنع فيلم (وقد حصل فعلا هذا)، أو منع كتاب، ولم لا منع فنان أو أديب من ممارسة عمله الإبداعي، وهنا سنكون فعلا قد جررنا كلنا بعيدا إلى …الوراء.
الخطورة الثانية، يمكن أن ندركها عندما نتذكر حملة العام الماضي ضد دعوة موازين للفنان إلتون جون، واعتقد البعض أن الأمر يهم فنانا معينا وليس المهرجان برمته، وهذه السنة ارتفع السقف إلى المطالبة بمنع المهرجان في كليته، وهنا ينتصب مرة أخرى سؤال جوهري: هل يطالب المهاجمون اليوم بمنع المهرجانات الفنية بشكل مطلق؟ وهل يريدون من منظمي المهرجانات إحالة قوائم الفنانين المدعوين على لحيهم لتبارك من تريد وتحكم باللعنة والرفض على من تشاء؟.
مسألة ثالثة تفرضها علينا عبثية المهاجمين، وهي القول بأن الثقافة والفنون لا تهمنا الآن، ويمكن تأجيلها إلى أن تتحقق المطالب الاجتماعية والتنموية، وهذا يذكرنا بنقاش مغلوط آخر يقوم على تأجيل الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أن نستكمل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهذا (التنظير) مردود عليه، بحيث أن المشروع المجتمعي الذي يخوضه المغرب اليوم هو (باكاج) يشمل تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية للساكنة ولمختلف المناطق، وأيضا تلبية الحاجيات الثقافية والفنية للناس، والمهرجانات تمثل فضاءات للاستمتاع بهذه الحقوق، بالإضافة إلى أنها تحقق فرص عمل لعديد من الفنانين والتقنيين المغاربة.
من جهة أخرى، فإن الإصرار اليوم بالذات على تنظيم موازين وإنجاحه، هو واجب رمزي تجاه بلادنا وتجاه صورتها في العالم.
إن مجيء كبار الفنانين إلى موازين يعني اليوم أن أهداف الإرهابيين فشلت في تخويف العالم من القدوم إلى المملكة، ويعني أن هؤلاء الفنانين النجوم سيكونون سفراء، ولو في محيطهم القريب وفي أوساطهم الإعلامية والفنية، ينقلون للآخرين استقرار بلدنا.
الموقف اليوم ليس دفاعا عن المبدأ وعن موازين فحسب، إنما أيضا دفاع عن بلادنا.
[email protected]