الأحداث التي تستهدف هذه الأيام الثورتان المصرية والتونسية تجعل الكثير من أصدقاء البلدين والمعجبين بانتفاضتي الشعبين يخشون من المآلات، ويضعون أيديهم على قلوبهم خشية أن يضيع الأفق، وتتمكن اللوبيات المناهضة من إجهاض الحلم. إن الاشتباك الطائفي في مصر واستهداف أرواح المواطنين الأقباط، وكل الدم الذي سال منذ أيام وجه ضربة موجعة للثورة المصرية ولشعاراتها ولشبابها، وأدخل الشعب المصري في سلسلة من الاستفهامات حول المستقبل، وحول كل هذا الذي يصير.
أما الانفلات الأمني في تونس، والمواجهات في الشارع بين المحتجين وقوات الأمن، والتصريحات الأخيرة لوزير الداخلية السابق وما خلفته من احتجاجات ومن خشية على الآتي، فكل هذا يفتح اليوم السؤال هناك عن مدى قدرة الثورة على الصمود في وجه القوى المضادة لها.
ماذا يعني كل هذا ؟
يعني، أن التحولات الكبرى في المجتمعات لا تكون دائما خطية ومستقيمة مهما خلصت النوايا، ومهما ساد سحر الشعارات والكاميرات، وأن المخاطر دائما موجودة، ويمكن أن تنجح حتى في إجهاض الثورات والانقلاب عليها، وبالتالي العودة إلى الصفر.
وإذ نتمنى لشعبي مصر وتونس تجاوز كل المطبات والفخاخ، والانتصار للثورة وبها، من أجل ألا تسود الخيبة هناك، وأيضا في باقي بلدان المنطقة، فإننا أيضا نلفت إلى أن إصرار نظامي بنعلي ومبارك طيلة سنوات حكمهما على الانفراد بالسلطة وقتل (السياسي)، وتحويل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمثقفين والفنانين إلى مجرد كراكيز أو ملحقات بالمشهد الخادع، هو الذي أنتج اليوم الخواء.
إنه الدرس الأبرز لنا نحن أيضا هنا في المغرب، كي نحافظ على تميزنا وعلى تفرد ما نحياه من دينامية سياسية وديمقراطية.
الصورة اليوم لا تحدثنا فقط عن تونس ومصر، إنما تصدمنا بمأساوية الأوضاع في ليبيا واليمن وسوريا، ومن هناك أيضا يطل علينا الدرس المذكور ليحذرنا من عواقب أي تفريط في تعدديتنا السياسية والمجتمعية، وأي تلكؤ في إنجاح الجيل الجديد من الإصلاحات الشاملة، وفي العمق منها النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لشعبنا، وتطوير أسس دولة القانون والحياة الديمقراطية.
في شارعنا المغربي أيضا تتحرك المطالب والشعارات وتقام المسيرات والوقفات، وهي دينامية منقذة لنا من السبات، لكنها في استمرارها تتطلب حسن الإنصات لما يجري في بلدان الجوار، وتفادي ذات المآلات على شعبنا.
التحركات النضالية الناجحة تستوجب التسلح بوضوح الرؤية والهدف، فضلا عن الانطلاق من مرجعية سياسية وفكرية يتم بموجبها تحديد المسار والحلفاء، أما السير العشوائي فقد يعرض الدينامية برمتها لحوادث سير قد لا تكون دائما بسيطة.
في النهاية، فالمناضلون تهمهم أولا مصلحة بلادهم وشعبهم…أليس كذلك؟.
[email protected]