الثقة في بلادنا

ليست زيارة أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى المغرب مجرد لقاء عادٍ بين قائدي بلدين شقيقين، ولا هي أيضا مجرد ما أسمته الصحافة انفراجا في العلاقات بين الرباط والدوحة، أو أنها فقط لحظة التوقيع على عقد شراكة لإنشاء الهيئة المغربية للاستثمار السياحي، التي شهد عليها كذلك الفريق الأول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، والشيخ مصطفى جاسم الشمالي، وزير المالية الكويتي، إنما هي إشارة ثقة كبيرة في المغرب وفي مستقبله الاقتصادي، وأساسا السياسي. الزيارة والتوقيع جاءا ساعات فقط قبل الانتخابات التشريعية، الأولى في ظل الدستور المغربي الجديد، وضمن سياقات عربية لا زالت متفاعلة وساخنة، وهذا ما يؤكد ثقة الصناديق السيادية الخليجية في الاستقرار السياسي المغربي، وفي جاذبية الاقتصاد الوطني، ويؤسس، بالتالي، لمرحلة جديدة قادمة في علاقات المغرب ببلدان هذا التجمع الإقليمي الذي سبق أن دعا المغرب والأردن إلى الانضمام إليه.
من جهة ثانية، فقد جاءت المساندة الخليجية للسياحة المغربية متزامنة مع مبادرات وبرامج أخرى مع عدد من المؤسسات المالية الدولية وإلاقليمية الأخرى، علاوة على الاتفاقيات الموقعة مؤخرا في المجال الفلاحي مع الجزائر، وأيضا التوصية التي صدرت عن المجلس الوزاري الخليجي الأخير في الرياض، والتي دعت المجلس الأعلى إلى إقرار برنامج تنمية اقتصادية مدته خمس سنوات لتمويل مشاريع التنمية في المغرب والأردن، وكل هذا يكشف ثقة حقيقية ومتزايدة في بلادنا وفي مقدراتها وتطلعها إلى المستقبل.
إن الرسالة الأساسية من وراء هذه الدينامية هي أكبر من المشاريع والاتفاقيات نفسها، وهي تحملنا نحن المغاربة مسؤولية جوهرية قوامها ضرورة تعزيز ثقتنا في بلدنا، وأهمية حماية تميزه عن جواره المغاربي والعربي، وضرورة تقوية استقراره وأمنه، وتكريس مشروعه المجتمعي الديمقراطي الحداثي.
الرسالة اليوم تحثنا على أهمية جعل المحطة الانتخابية ليوم أمس انطلاقة حقيقية وقوية لمسلسل تعزيز الإصلاحات، وللتفاعل مع مطالب شعبنا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي تحقيق الكرامة والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
إن كل تراجع عن دينامية التغيير من شأنه إرباك الثقة التي يضعها المستثمرون العرب والأجانب وكبريات المؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية في بلادنا، ولهذا تبرز حاجتنا القصوى اليوم إلى تقوية ثقتنا نحن في بلدنا وفي مستقبله، وتثمين ذلك بإجراءات وبرامج ملموسة يحس بها الناس في حياتهم اليومية، وتكون قادرة على جذب اهتمامهم وانخراطهم في دينامية تنمية وطنهم وحماية استقراره وتعزيز إشعاعه.
إن تميزنا الديمقراطي، وديناميتنا السياسية والثقافية، وانفتاح بلدنا على العالم، هي مقومات ثقة العالم فينا، ومن ثم فهي الرأسمال الأساسي الذي علينا اليوم حمايته والدفاع عنه من خلال مواصلة الإصلاحات وتطويرها.
[email protected]

Top