FFICAK يقارب قضية الجمالية في السينما الإفريقية

قال محمد محيفيظ، أستاذ الفلسفة السياسية وتاريخ الفن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إن المقصود بجمالية السينما هو العناصر المكونة للفيلم التي تمنحه صفة الجمال والجميل.

وأكد محمد محيفيظ، في ندوة المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة (FFICAK)، حول “قضية الجمالية في السينما الإفريقية”، أن جمال الصورة على مستوى الشكل، يتجلى بحسب إجماع الباحثين والنقاد في حركتها وإيقاعها، واختيار اللقطات والزوايا، إضافة إلى توظيف الألوان، وأداء الممثلين، والمونتاج، والموسيقى التصويرية.

ومقابل هذا المستوى الشكلي، نجد وفق محمد محيفيظ، المعنى الثاني الذي يحيل إلى المبحث النظري والفكري، الفلسفي أساسا، الذي يتجلى في مضمون النص الفيلمي الذي يعبر بشكل فني عن القضايا الاجتماعية والسياسية المختلفة.

وأوضح محمد محيفيظ، في الندوة التي أشرف على تسييرها الناقد والباحث بوشتى فرقزيد بالمكتبة الوسائطية OCP، أنه يصعب مقاربة جمالية السينما الإفريقية في شكلها الشمولي والموسع، نظرا لوجود سينمات وتجارب إبداعية وفنية مختلفة الألوان، ارتبطت بأسماء شهيرة من قبيل عثمان سيمبين ونوري بوزيد وآخرين.

ويعد إيمانويل كانط من بين الفلاسفة الذين اهتموا فكريا بالجماليات، محدثا تطورا في هذا الحقل الفكري، بحسب محمد محيفيظ، نظرا لاهتمام كانط بالمعرفة الحسية في مقاربة الجميل والجمال.

وأسهب محمد محيفيظ في الحديث من وجهة نظر كانط عن اختلاف الأذواق الفنية، والتغيرات والتقلبات التي تحدث في الأذواق، وهو ما يجعل كانط ينادي بـ”الذوق النسبي”، الذي لا يعني اليقين لدى الجمهور.

وفي ظل وجود هذا التصور، يشير محمد محيفيظ أنه يصعب الحديث عن جمالية السينما الإفريقية الأصيلة بالمفهوم الفلسفي، نظرا لأن الإنتاج كان يتم في البداية في شروط سياسية واجتماعية مختلفة، لهذا نعثر على أن الأفلام الإفريقية الأولى اهتمت أكثر بقضايا تحرير الشعوب وطرد المستعمر. وفي هذا الشأن، أتى محمد محيفيظ على ذكر تصور بيير بورديو الذي انتقد كانط بشأن الجمال الذي يتمثله في شكله الراقي فقط، دون استحضار السياقات.

ودعا محمد محيفيظ إلى اهتمام المخرجين بخصوصية الثقافة الإفريقية، باعتبارها أكثر تعبيرا عن الصناعة المحلية، مشيرا إلى النموذج الآسيوي الذي يمتح إبداعه من داخل المجتمعات المحلية، وهو ما جعله مميزا بين باقي الأفلام الأخرى.

 

الذاكرة والحكي

من جهته، اعتبر بادو ندوي الأستاذ بكلية الآداب والفنون بجامعة الشيخ أناتا جيوب بالسينغال، أن فكر الجمال في السينما عموما والإفريقية على وجه التحديد يتخذ مجموعة من الأشكال، التي لها علاقة بما هو تقني، وكذا طبيعة الموضوع.

وأوضح بادو ندوي أن المخرج السينمائي يبحث، دائما، عن الأساليب الممكنة لترجمة الجمال والحلم إلى ما هو بصري، دون الإخلال بالمضمون العام للفلم، الذي في نظره يجب أن يعبر عن الالتزام السياسي ويعكس الواقعية الاجتماعية.

وشدد بادو ندوي على أهمية إلمام المخرج بالجوانب البيداغوجية في الاختيارات التقنية والفنية، وكذا أثناء الإنتاج، حتى يعكس الفيلم السينمائي الثقافة الحقيقية للمجتمعات الإفريقية عبر استعمال اللغات واللهجات المحلية، وكذا أسلوب الكتابة والحوار، فضلا عن التصوير في الفضاءات التي لها ديكورها وألوانها وإكسسواراتها المميزة بالنسبة للمحيط الإفريقي.

ويرى بادو ندوي أن هذه الصورة التي يتحدث عنها، قادرة بشكل كبير على حماية وحفظ ذاكرة الشعوب الإفريقية، بينما أن أي نشاز في صناعتها يمكن أن يفقد هذه الذاكرة أيضا، لهذا يدعو إلى أهمية الإبداع داخل الثقافة الإفريقية وليس خارجها، على سبيل تحقيق تراكم سينمائي إفريقي جماعي.

وترتبط السينما لدى بادو ندوي بالإرادة السياسية، التي يجب أن تتجلى في المحيط المحيط الذي تنتج فيه الأعمال، أو عبر هذه الأفلام البصرية التي تنفذ إلى عقل وأحاسيس الجمهور المحلي.

من جانبه، طرح فؤاد سيد المخرج والسيناريست المصري، سؤالا إشكاليا في البداية، حول ما إذا كانت هناك سينما إفريقية واحدة أم هناك سينمات متعددة؟

وفي جوابه عن هذا السؤال، كشف فؤاد سيد انطلاقا من خلفيته السينفيلية، أن هناك سينمات مختلفة من دولة أخرى.

ومن وجهة نظر فؤاد سيد، فإن الجماليات في السينما، يجب أن ينظر لها بالسينما، وليس بالفلسفة، لأن الفن السابع باعتباره وسيطا جماهيريا له أدواته الخاصة في التعبير.

ووقف فؤاد سيد عند مستوى حضور الحكي والسرد الفيلمي الإفريقي الذي يعكس بحق الثقافة الإفريقية على مستوى حوار الشخصيات، وطبيعة الملابس وغيرها من التفاصيل التي تبنى عليها قصة القطعة السينمائية.

وتحدث فؤاد سيد عن السينما العابرة للنوع، مشيرا إلى حضورها في إفريقيا التي تختلف بيئات الإنتاج فيها، باختلاف السياقات السياسية والاجتماعية المحلية.

 

السينما المستقلة

وشهدت الندوة الرئيسية للمهرجان الدولي للسينما الإفريقية، مشاركة عزة الحسيني مديرة مهرجان الأقصر بمصر، التي أوضحت أنها تفكر أيما مرة في مدى وجود سينما إفريقية بالفعل.

ونبهت عزة الحسيني إلى حجم الاختلافات والتفاوتات الحاصلة بين سينما هذه الدولة وتلك، ومن ثم لا يمكن الحديث، في تصورها، بيقين تام عن سينما إفريقية مشتركة.

بيد أن عزة الحسني لم تخف وجود قضايا مشتركة بين هذه السينمات استنادا إلى الخصوصية المرتبطة بكل دولة، من قبيل تسليط الضوء على الأوضاع الاجتماعية والسياسية للشعوب الإفريقية التي تنشد الحرية من الاستعمار، ووضع المرأة، والأطفال، وغيرها.

وسجلت عزة الحسني أن السينما الإفريقية مطالبة ببذل مجهود مضاعف لكسر نمط السينما الهوليودي والغربي الذي يدافع عن قيم وتصورات معينة لا علاقة للشعوب الإفريقية بها.

وذكرت عزة الحسيني أن توصيف “السينما الإفريقية” ما زال قيد البحث والدرس، وعلى النقاد والسنفيليين والإدارات الفنية للمهرجانات الإفريقية تتبع هذه التجربة عن كثب ورصد التحولات والتراكم الذي يطرأ في الواقع.

ودافعت عزة الحسيني عن الاختلاف الحاصل بين سينما كل دولة، بل وعن الإبداع الفردي بين أبناء نفس الدولة، ذلك أن هذا التعدد في الرؤى والتصورات يساهم في اكتشاف المساحات التي لم يسبق الوقوف عندها في الأعمال السينمائية، لا سيما تلك التي ترصد الإنسان الإفريقي المضطهد.

وانتقلت عزة الحسيني للحديث عن تمويل أفلام المخرجين الأفارقة، الذين يتلقون الدعم من الخارج، وهو ما قد يؤثر في نظرها على الجمال الإفريقي الذي يتم الحديث عنه.

وفي ظل الآثار السلبية التي تحدث على الفيلم بفعل التدخل الخارجي، ظهرت موجة السينما المستقلة، التي تعتمد على التمويل الخاص والذاتي بدل الاعتماد على دعم الدولة أو صناديق مؤسسات برانية.

ومع هذه الموجة الثالثة بعد الرعيل الأول والجيل الثاني، ترى عزة الحسني، أنه بدأنا نشاهد أفلاما تبرز الحلم الإفريقي، وتنقل تصورات المواطن الإفريقي الذي له هواجسه وأفكاره المنبثقة من مجتمع معين، منوهة بالمستوى الذي يظهر به بعض الممثلين على هذا المستوى.

خريبكة: يوسف الخيدر

Top