أكبر من انتخابات العام المقبل…

أحزاب الأغلبية الحالية لم تتردد نهاية الأسبوع المنصرم، خلال أنشطة حزبية أو لقاءات تنظيمية متفرقة، في الإعلان صراحة عن بدء تحركاتها الميدانية والفعلية للانتخابات التشريعية المقبلة، وأبدت كلها تطلعها لتصدر النتائج وتولي رئاسة حكومة 2026، كما أنها لم تخف انتقادها لبعضها البعض أو للأداء الحكومي.

بشكل عام، من الطبيعي أن تكثف الأحزاب استعداداتها التنظيمية واللوجيستية اللازمة لاستحقاق تشريعي تفصلنا عن موعده سنة واحدة فقط، ولكن غير الطبيعي هو أن تتحول أحزاب الأغلبية الحالية فجأة إلى قوى تعارض الحكومة، وتبدأ في انتقاد برامج وسياسات هي أصلا مساهمة في صنعها وتطبيقها على أرض الواقع.

هذا يعني ببساطة انتهازية انتخابوية، ويفيد أن أحزاب من الأغلبية اختارت اقتراف النفاق مع المغاربة في العام الأخير من الولاية الحكومية، وقضاء سنة كاملة داخل الحكومة وفي الآن نفسه معارضة لها في التجمعات والخطب والبيانات.

السياسة تصاب إذن بالعمى وتلفها… البذاءة.

المكونات الثلاثة لأغلبية اليوم يجب أن تعترف للمغاربة أنها وعدت بأشياء كثيرة ولم تطبق معظمها، وعليها أن تقدم الحساب أولا، وتتحمل المسؤولية بشكل مشترك فيما بينها.

قد نسجل لهذه الحكومة بعض الإجراءات الإيجابية القليلة، ولو أنها كانت جزئية أو جرى تطبيقها بشكل انتقائي، وهي لم تغير كثير أشياء في واقع الناس.

وقد نقر بتحقق أشياء مهمة بفضل حرص جلالة الملك وتوجيهاته السامية…

ولكن لا أحد اليوم بإمكانه إنكار كون الحكومة الحالية نجحت في تدمير كثير أشياء، وأضعفت الأمل لدى المغاربة في التغيير، وفي تحسن أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، وفي تمسكهم بالثقة…

فئات واسعة من شعبنا اليوم، تعاني بسبب قرارات حكومية عشوائية ومتسرعة وقصيرة النظر، وأوساط مختلفة، بما في ذلك داخل الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين وعالم المقاولات، تشتكي من وجود وزراء ومسؤولين هواة بلا معرفة أو خبرة أو حس سياسي أو كفاءة تدبيرية أو بعد نظر، ومن غياب الشفافية والمنافسة الشريفة، ومن تداعيات تنازع المصالح وضعف دولة القانون في المجال الاقتصادي والمالي، وبالتالي من غياب الثقة.

هذه الحكومة عجزت منذ يومها الأول عن التواصل مع الرأي العام الوطني، وبالرغم من سعيها المتوالي للهيمنة على وسائل الإعلام، وكثير ممارسات تحكمية على هذا الصعيد، فهي خسرت امتحان الكلام مع المغاربة وإقناعهم، كما أنها أمعنت في تجاهل البرلمان ومؤسسات الحكامة وأحزاب المعارضة، وبقيت لا تنصت إلا لذاتها وتكلم نفسها بلامبالاة متكلسة وغارقة في البلادة.

ولا يمكن كذلك لأي ملاحظ يمتلك الحد الأدنى من الصدق والموضوعية أن يغفل كون هذه الحكومة وبعض أحزابها اقترنت ولايتها الحالية بتورط قياديين فيها في فضائح مرتبطة بالفساد والريع، وحتى بتجارة المخدرات على الصعيد الدولي، وعدد منهم يقبعون اليوم في السجون وملفاتهم ينكب عليها القضاء.

أمام كل ما سبق، يتساءل الكثير من المغاربة والمحللين المطلعين على شأننا الوطني: إلى أين ستصل هذه الحكومة ببلادنا؟

وعندما نفكر في الانتخابات القادمة وما سيترتب عنها من نتائج، يصير السؤال استنكاريا ولا يخلو من خوف على مستقبل البلاد.

منصات التواصل الاجتماعي ومعظم مجالس الحديث تعج بالتعبير عن هذا الخوف من المستقبل، وتأمل في التغيير.

لقد نجحت الحكومة الحالية في إضعاف السياسة والنقابات والأحزاب والصحافة والمجتمع المدني ومنظمات المثقفين، وأضعفت أدوات التعبير والترافع في المجتمع، وأحكمت قبضتها، بطرق عديدة ومعروفة، على كثير تفاصيل، وضمنها تلك المؤثرة في حسابات ومعادلات العمليات الانتخابية، ولم يعد هناك حديث اليوم لا عن مراجعة القوانين الانتخابية ولا عن منظومة مراقبة نزاهة الانتخابات أو محاربة المال الانتخابي، وبالتالي أحاطت أحزاب الحكومة نفسها بكل ما يتيح لها مواصلة القبض واستمرار خنق الأنفاس.

فهل تستطيع الانتخابات المقبلة إذن تحقيق أمل المغاربة في التغيير وفي إصلاح وتحسين أوضاعهم وتقوية ثقتهم في بلادهم وفي المستقبل؟

المطلوب اليوم أن تمثل انتخابات 2026 موعدا لصنع التغيير الحقيقي، وصياغة ظروف وطنية تستطيع تقوية أمل المغاربة وتعزيز ثقتهم، وإسناد البلاد لكي تكسب التحديات المطروحة عليها.

العقل وبعد النظر يقتضيان اليوم أن تستعيد السياسة نبلها في بلادنا، وأن يبتعد عنها أباطرة الفساد والريع والمتاجرون في الممنوعات والمتورطون في الفضائح ومن حضنهم ورعاهم ومكن لهم داخل الأحزاب ووسط المؤسسات…

الغيرة على المغرب تفرض اليوم التفكير في مصلحته وصورته وأن تعاد للمجتمع أدواته التعبيرية والترافعية في السياسة والصحافة، وأن تستعيد متانتها واستقلاليتها واحترامها، وأن يتحقق، عبرها، ترسيخ نفس ديمقراطي وحقوقي عام في البلاد.

المصلحة العليا للبلاد تفرض اليوم معالجة معضلات الغلاء وتضارب المصالح والفساد وتدهور القدرة الشرائية، وإصلاح قطاعات التعليم والصحة والشغل والسكن والإدارة والقضاء..

ولكل هذا، يجب التفكير في الانتخابات المقبلة ضمن هذا الورش، وفي إطار السعي لاستعادة ثقة المغاربة، وتقوية الأمل في التغيير لديهم.

محتات الرقاص

[email protected]

Top