فاعلون يقاربون أزمة الصحافة بالمغرب

عدد عدد من المتدخلين في الندوة الوطنية التي نظمتها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف يوم السبت الماضي بالرباط، المشاكل التي تواجه الصحافة بالمغرب في ظل المرحلة الراهنة وفي ظل متغيرات كثيرة شهدها القطاع في السنوات الأخيرة.
وطرح المتدخلون في الندوة الوطنية التي تمحورت حول “الصحافة المغربية: الأزمة الوجودية وسبل الإنقاذ”، قراءات متعددة في الوضع الراهن الذي تعرفه قطاع الصحافة سواء من حيث التحولات التي شهدها القطاع، أو من حيث المحطات الهامة في تاريخ الإصلاح الذي عرفه قطاع الإعلام والصحافة.
وأجمع وزراء اتصال سابقون وأكاديميون وصحفيون وممثلو عدد من الهيئات الجمعوية والمدنية على أن الصحافة عرفت تراجعات مهولة في مسار الإصلاح خصوصا في السنوات الأخيرة، لاسيما مع المحاولات المستمرة لإقبار تجربة التنظيم الذاتي للمهنة ومحاولات الالتفاف على المكتسبات المحققة وعلى رأسها المجلس الوطني للصحافة.
محمد نبيل بنعبد الله: الإعلام يلعب دور أساسي في البناء الديمقراطي وتبخيسه إلى جانب السياسة يضر بالبلاد

في هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير الاتصال السابق الناطق الرسمي باسم الحكومة إن قطاع الصحافة يعيش أزمة كبيرة تنضاف لما يعرفه المشهد الوطني والسياسي في ظل الحكومة الحالية وفي ظل سياسات تبخيس أدوار السياسة والإعلام.


وأضاف بنعبد الله في الجلسة التي سيرها عبد الإله التهاني الكاتب العام السابق بوزارة الاتصال والذي تقلد مسؤوليات عديدة في القطاع، (أضاف) أنه في مسار الإصلاح المتراكم وقعت انتكاسة على هذا المستوى، داعيا إلى العودة في المرحلة الراهنة إلى المقومات الأساس التي يجب على الجميع الالتفاف عليها والتي تمت خلال السنوات الماضية.
ولفت بنعبد الله إلى المشاكل التي عرفتها تجربة المجلس الوطني للصحافة، والتي قال إنها تسير في اتجاه إقبار التجربة والالتفاف عليها عبر لجنة مؤقتة، من خلال جعلها لجنة دائمة، وهو الأمر الذي اعتبره غير مقبول.
وتسائل وزير الاتصال السابق حول الجدوى من تعيين لجنة مؤقتة الأمر الذي ينتفي مع الديمقراطية ومع تجربة التنظيم الذاتي للمهنة وتطويرها، كما تسائل عن مصير التجربة بعد انتهاء مهلة عامين والتي تنتهي عمليا في شتنبر المقبل، وهل ستتجه الحكومة إلى قانون آخر للتمديد مجددا.
وجدد بنعبد الله التأكيد على ضرورة العودة للركائز الأساسية للإصلاح، ضمنها استقلالية الفضاء الإعلامي وتقويته بالنظر إلى دوره الهام في البناء الديمقراطي. معتبرا أن المشهد السياسي الوطني يحتاج إلى مؤسسات قوية وأحزاب قوية، وإعلام قوي أيضا ويضطلع بأدواره الأساسية.
ودعا بنعبد الله إلى إعادة التفكير المشترك في نموذج دعم قوي للإعلام، وكذا إعادة النظر في تجربة المجلس الوطني للصحافة وتقوية التدبير الذاتي للمهنة، من أجل النهوض بالقطاع وجعله مساهما في البناء الديمقراطي ويلعب أدواره الأساسية على هذا المستوى.

الحسن عبيابة: يجب التفكير في الإعلام والصحافة بشكل استراتيجي وليس بشكل قطاعي

من جانبه، قال الحسن عبيابة وزير الشباب والثقافة والتواصل السابق إن الصحافة تعيش على وقع أزمة كبيرة في الوقت الراهن، وذلك في الوقت الذي يعرف فيه المغرب تطورات وتحولات هامة ويشهد محطات بارزة على مستويات مختلفة، وعلى رأسها الحدثين الهامين كأس افريقيا 2025، وكأس العالم 2030.
وسجل عبيابة أن هذه الأحداث الكبرى تحتاج إلى المواكبة والتأطير، وهو الدور الذي تضطلع به الوطنية، داعيا إلى ضرورة التدخل والإصلاح وجعل القطاع أقوى مما هو عليه ليكون في مستوى التطلعات.
وقال عبيابة إن التفكير في إصلاح قطاع الصحافة لا ينبغي أن يكون من منطلق قطاعي محض بقدر ما يجب التفكير في الصحافة بشكل استراتيجي، مشيرا إلى أن هذا الأمر يجب أن يكون قرار دولة، وبإرادة سياسية قوية.
وشدد عبيابة أن مسألة الدعم هي مسألة ضرورية لخدمة القطاع، والتي أكد أنها يجب أن تتضاعف على اعتبار أن دعم الصحافة حاليا لا يكفي بالنظر للتطورات التي يشهدها القطاع، حيث عاب على الحكومة دعم عدد من القطاعات مقابل إغفال قطاع الصحافة والنشر لدوره الهام في البناء الديمقراطي وفي مواكبة التطورات والتحولات التي تعرفها البلاد.
ودافع عبيابة عن استمرارية دعم الإعلام وتقوية الحضور الإعلامي خصوصا الصحافة المكتوبة التي قال إنها تلعب دورا هاما في التأطير وأيضا في أرشفة تاريخ المغرب والاعتماد على هذا الأمر في البحث العلمي وفي الجامعة المغربية.
وجدد عبيابة تأكيده على أن قطاع الصحافة والإعلام يبقى ضعيفا بالنظر للتطورات التي شهدتها عدد من البلدان على هذا المستوى، حيث أكد على ضرورة الانفتاح الإعلامي وتدخل الدولة واعتبارها قطاع الصحافة قطاع استراتيجي من خلال تدعيمه وإعطاء مساحات أكبر للإعلام بكل تلاوينه مكتوب والكتروني ومرئي وسمعي، وكذا دعم التعددية وإفراز وسائل وأدوات متعددة على هذا المستوى.

محمد اشماعو: الصحافة واجهة حقوقية وهناك حاجة لاحترام الدستور واحترام حرية التعبير

بدوره، توقف محمد اشماعو المحامي بهيئة الرباط عند الانتكاسات التي يعرفها قطاع الصحافة والنشر خصوصا على المستوى الحقوقي والتضييق على الصحفيين، وكذا على المقاولات الصحفية الصغرى.
وطرح اشماعو إشكالية مختلفة مرتبطة بالتدبير الذاتي للمهنة وآلية المجلس الوطني للصحافة التي انتقد التراجع عنها لصالح لجنة مؤقتة، وكذا ما يرتبط باتجاهات الدعم الجديدة التي تقصي عدد من المقاولات الإعلامية، خصوصا الصغرى منها.
وبخصوص تجربة التدبير الذاتي للمهنة، قال اشماعو إن تجربة المجلس الوطني للصحافة لا تعكس السبب الذي تم تأسيسها من أجله، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 28 من الدستور.
وزاد المحامي اشماعو أن المجلس الوطني للصحافة تخلى عن دوره الهام وسمح في قدسيته القانونية لصالح جهات أخرى، منتقدا هذا التراجع في تجربة هامة كان بإمكانها أن تنقل الصحافة إلى مستويات أخرى.
وبعدما جرد مجموعة من التجاوزات والمشاكل على هذا المستوى، لفت المحامي والخبير القانوني إلى أن هناك مشكلا في السنوات الأخيرة ومحاولات للتضييق وتبخيس أدوار الصحافة.
ويرى اشماعو أنه هناك عدم تفهم لأدوار الصحافة وعدم وجود قناعة بحرية التعبير على هذا المستوى، محذرا من هذه القناعات الضارة ليست بالقطاع فقط وإنما على البلاد وصورتها الحقوقية والديمقراطية.

مصطفى الخلفي: لا يجب ربط الدعم بالاستثمار والبناء الديمقراطي يحتاج إلى إعلام قوي

وفي جلسة ثانية سيرها يونس مسكين مدير نشر موقع صوت المغرب، قال مصطفى الخلفي وزير الاتصال السابق إن منظومة الدعم الحالية وحجم الدعم لا يكفي للنهوض بقطاع الصحافة والنشر.
واعتبر الخلفي أن الرفع من قيمة الدعم من 60 مليون درهم إلى ما يزيد عن 350 مليون درهم يبقى غير كافي بالنظر إلى الهشاشة التي يعيش فيها القطاع، وكذا الإكراهات التي يعرفها على مستويات مختلفة.
وسجل الخلفي أن الدعم يبقى ضروريا لقطاع الصحافة والنشر بالنظر لأدواره الأساسية، خصوصا في البناء الديمقراطي والتأطير المجتمعي، وأيضا على مستوى استقلال القرار الوطني وتجاوز أي تدخل أجنبي على هذا المستوى.
وعن برامج الدعم السابقة، أوضح الخلفي أنه في عهد وزارته كانت جميع أشكال الدعم وجميع المبادرات التي تمت تعرض مباشرة على المجلس الأعلى للحسابات للتدقيق فيها، مشيرا إلى أنها ارتبطت أساسا بدعم المقروئية والتعددية.
وعبر المتحدث عن أسفه لكون أشكال الدعم السابقة التي دعمت المقروئية لم تفي بغرضها بالنظر للتراجعات المهولة في قطاع المبيعات الخاص بالصحف والتي انخفضت من مما يزيد عن 400 ألف نسخة إلى ما لا يتجاوز 20 ألف نسخة في المرحلة الحالية.
ويرى الخلفي أن أي نموذج دعم جديد يجب أن يكون من أجل دعم التعددية ودعم القطاع، مشيرا إلى أنه لا يتفق مع قضية ربط الدعم بالاستثمار، بالنظر لكون القطاع له أدوار هامة وأساسية ويحتاج إلى التعددية، خصوصا في ظل إكراهات ترتبط بسوق الإشهار ومشاكل منظومة التوزيع وغيرها من الأمور التي قال إنها هي الأخرى تحتاج إلى الحل من أجل قطاع إعلامي وطني قوي ويلعب أدواره الأساسية.

عبد المجيد فاضل: قطاع الصحافة يعيش أزمة هيكلية وهناك حاجة لنموذج اقتصادي جديد

من جهته، يرى عبد المجيد فاضل المدير السابق والأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط أن الصحافة بالمغرب تعيش على وقع أزمة هيكلية تعصف بها منذ سنوات على مستويات مختلفة.
وقال فاضل إن هذه الأزمة تفاقمت بشكل أكبر في السنوات الأخيرة، بالنظر لعدد من التحولات والإكراهات التي مست القطاع، وخصوصا على مستوى بنية المقاولة والنموذج الاقتصادي لها.
وزاد فاضل أن من بين مظاهر الأزمة تراجع المقروئية، وأيضا ما يتعلق بسوق الإشهار الذي تحول إلى منصات رقمية أخرى، وذلك في ظل التكاليف الثابتة التي ظلت تثقل كاهل المقاولات الإعلامية.
وسجل الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال والخبير في اقتصاد الإعلام أن الصناعة الإعلامية والصحفية صناعة مكلفة، خصوصا في السنوات الأخيرة مع ضعف العائدات، ومحدودية نموذج الدعم المعمول به.
ويرى الأستاذ فاضل أن حاجة وضرورة إلى نموذج اقتصادي جديد للمقاولات الصحفية بالمغرب ولنموذج الدعم، يتجاوز الأشكال التقليدية ويفرز بنية مقاولاتية صحفية قوية،

محمد زواق: شركات عالمية تسيطر على سوق الإشهار بالمغرب بنسبة 70 بالمئة وتركت الفتات للصحافة الوطنية

من جهته، قال محمد زواق مدير نشر موقع “يا بلادي” في مداخلته إن المقاولات الإعلامية بالمغرب أضحت تواجه تحديات وصعوبات كثيرة في ظل عدد من التحولات التي يعرفها العالم على مستوى مجال الصحافة والنشر.
وأضاف زواق أن هذه التحديات أرخت بظلالها على المغرب، ومست بشكل اكبر قطاع الصحافة الذي كانت مقاولاته تعاني منذ عقود، حتى في أشكالها التقليدية والمشاكل المرتبطة بالدعم والإشهار.
وزاد زواق أن ما يتعلق بأزمة الإشهار بالمغرب والمشاكل المرتبطة به على مستوى المقاولات الإعلامية زادت حدته بشكل أكبر بعد منصات عالمية للمنافسة والتي أضرت بالقطاع بشكل كبير.
وسجل المتحدث أن المنصات العالمية سيطرت على سوق الإشهار بنسبة كبيرة، وأضحت المقاولات الصحفية لا تستفيد إلا من الفتات، وكذا وفق معايير معينة، ما يطرح الكثير من التساؤلات على هذا المستوى.
ولفت زواق إلى أن حوالي 70 بالمئة من الإعلانات في المغرب تستحوذ عليها الآن شركات مثل “ميتا ” التي لها منصات تابعة لها تسيطر على سوق الإشهار مثل “فيسبوك” ومنصات تواصلية أخرى، وكذا وشركة “غوغل”، مما لا يترك سوى الفتات للصحافة الوطنية، وفق تعبيره.
ونتيجة لحرمانها من الإعلانات وسوق الإشهار، يخلص زواق إلى أن المقاولات الإعلامية لا يبقى لها للاستمرارية وضمان وجودها والبقاء على قيد الحياة إلا بفضل الدعم العمومي على الرغم من المشاكل المرتبطة به هو الآخر.
وتسائل زواق عن دور الدولة على هذه المستوى، والتي قال إنها مطالبة للتدخل لمواجهة توحش الشركات العالمية الكبرى التي تسيطر على سوق الإشهار، من خلال مطالبتها بجزء من الأرباح التي تجنيها بشكل سهل من أرباح الإعلانات بالمغرب، أسوة، كما فعلت فرنسا.
كما دعا المتحدث إلى ضرورة اكتشاف أشكال جديدة لدعم الصحافة بالمغرب والبحث عن بدائل لبنية الدعم التقليدية، وكذا استكشاف مسارات تمويل جديدة مستوحاة من تجارب ناجحة لبعض الصحف الكبرى مثل “واشنطن بوست” و”لوموند”.
يشار إلى أن اللقاء الذي نظمته الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، أول أمس السبت بالرباط، كان قد عرف نقاشا موسعا بين عدد من المتدخلين وبين الحاضرين حول أوجه الدعم وتأهيل المقاولات، وكذا ما يتعلق بالتحديات التي تواجه الإعلام الوطني على مستويات مختلفة.
كما طرح عدد من المتدخلين في المناقشة ما يتعلق بتأهيل المقاولات الصحفية على المستوى الجهوي، وكذا بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وكذا سبل دعم الإعلام المحلي الذي أصبح يضطلع بأدوار هامة وأساسية على المستويات التي يشتغل فيها.
ويذكر أن اللقاء خلص أشغاله بتقديم تقرير شامل، قدمه محمد كريم بوخصاص الأستاذ الجامعي والصحفي والباحث في الإعلام والتواصل، والذي تضمن خلاصات النقاش التي ارتكزت على التأكيد على أن الصحافة بالمغرب تواجه أزمة وجودية حقيقية تطال بنية المقاولة، والعاملين في القطاع، وتشمل حتى المحتوى الذي يقدمه الإعلام في ظل تداخل تداخل فوضوي للمحتوى، وكذا تداخل مفاهيم الصحافي والأدوار التي يضطلع بها وبروز التطفل على المجال الذي أدى هو الأخر إلى تحول الإعلام من أداة للتبليغ والتنوير إلى وسيلة للتزييف والتهييج والتمييع والدعاية والعدوانية والتطرف.
وأكد بوخصاص في التقرير التركيبي على ضرورة إعادة النظر في ما يجري والانتباه إلى المخاطر التي تواجه الصحافة، وذلك من منطلق تقوية الأجهزة المؤسساتية، وعلى رأسها المجلس الوطني للصحافة الذي دعا إلى إعادته إلى وضعه الطبيعي، وتقوية تجربة التدبير الذاتي للمهنة والانكباب على صون الصحافة كرسالة وكأداة للتبليغ والتنوير والتأطير.

***

العلمي المشيشي: هناك أزمة عميقة بالإعلام والصحافة بالمغرب

قدم الأستاذ محمد الإدريسي المشيشي العلمي وزير العدل السابق والفقيه القانوني البارز الدرس الافتتاحي للقاء الذي نظمته فدرالية الناشرين في الرباط، والذي دق من خلال ناقوس الخطر إزاء ما تعرفه مهنة الصحافة من تحولات عميقة وتغيرات في الأدوار.
وقال الأستاذ المشيشي العلمي في الدرس الافتتاحي الذي قدمه في شكل حوار مع محمد عبد الرحمان برادة المدير السابق لسبريس إن الإعلام بالمغرب يعيش مشكل وجودي، بحيث أنه تعرض لتحولات وتغيرات عميقة في الجوهر، لم يعد معها الإعلام هو الإعلام ولم يعد معها رجال الإعلام في حقب ماضية هم رجال الإعلام اليوم ولا الوسائط هي الوسائط نفسها.
وسجل المشيشي عدد من التغيرات حتى في بنية الصحافة إذ لم تعد وسائل الإعلام هي المرسل والمجتمع أو القارئ هو المتلقي أو المستقبل، بل أصبحت الأدوار تختلف، وأصبحت وسائل الإعلام مرسلة ومستقبلة، والعكس أيضا، حيث أصبح المواطنات والمواطنين مستقبلين ومرسلين أيضا، بل ويفرضون حتى التوجه في أحيان كثيرة.
هذا التغير في البنية الصحفية دفع وزير العدل في حكومتي محمد كريم العمراني وحكومة عبد اللطيف الفيلالي قال إنه إلى أدى تراجع حضور الدولة وإلى بروز ما وصفه بـ السياسات الضاغطة.
هذا التحول يزيد المشيشي العلمي أدى إلى ممارسات مشوهة أساءت لمهنة الصحافة ولأدوار الإعلام، وأضعف أدوار الإعلام والصحافة في تأطير الرأي العام، الذي أصبح بدوره فاعلا في القطاع ومؤثرا فيه من خلال خروجه من جدلية المتلقي إلى كونه متلقي ومرسل أيضا ويفرض خيارات ما يريد أن يراه هو.
ولفت المشيشي العلمي إلى أن هذه التحولات العميقة جعلت من الإعلام في الوقت الراهن أداة في أيدي “المتكالبين” و”المفسدين” كما لا تزال، أيضا، أداة في أيدي “العقلاء”، معتبرا أن هذه المعركة مستمرة، لكنها أفرزت وضعا معقدا يتطلب الكثير من الحذر.
ولفت المتحدث إلى أن تجربة التنظيم الذاتي للمهنة وما عرفته من تقلبات لم يساهم في تدبير المرحلة بدقة، حيث قال إن تشكيل اللجنة المؤقتة للصحافة استند إلى مسار قانوني واضح، سواء تم عبر تشريع برلماني أو مرسوم تنظيمي. غير أن هذا الأساس لا يبرر بأي حال من الأحوال استمرار اللجنة خارج الإطار القانوني المحدد لها.
المشيشي شدد على أن اللجنة وصلت اليوم إلى نهاية ولايتها، دون أن تنجح، لأسباب متعددة، في تنظيم انتخابات تفرز مكتبا شرعيا وقانونيا. “ومن هنا، كان من الواجب اللجوء إلى القضاء الإداري لتعليق مهام المكتب السابق بشكل قانوني، وتعيين هيئة انتقالي، سواء من داخله أو من خارجه، تتكفل بتدبير المرحلة المؤقتة وتهيئة الظروف الملائمة لانتخابات نزيهة وشفافة”، وفق تعبيره.
وأضاف المشيشي أن هذه الأزمة لا تعكس فقط خللا في تدبير المرحلة الانتقالية داخل قطاع الصحافة، بل تجسد أزمة أعمق تضرب جوهر الإعلام نفسه، ليس فقط في المغرب بل على الصعيد العالمي.
وجدد العلمي المشيشي التأكيد على أن الإعلام، الذي كان رمزا للنضال من أجل الحرية، والعدالة، والديمقراطية، تحول في أيدي بعض الفاسدين إلى أداة تخريب وتشويه، تهدد التوازن المجتمعي وتقوض أسس الدولة القانونية.
وخلص المشيشي إلى أن تجاوز هذه الأزمة وإنقاذ الإعلام المغربي، وإعادة الاعتبار له كركيزة أساسية في النقاش العمومي، وجعله رافعة لبناء ديمقراطي متوازن ومسؤول يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الدولة، وتعبئة جادة من الفاعلين في القطاع”.

محمد توفيق أمزيان
تصوير: رضوان موسى

Top