قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن مشكل البطالة مشكل خطير في ظل السياق الوطني والدولي الحالي، مشيرا إلى أنه ليس مرتبطا بالمغرب فحسب بقدر ما هو مشكل مطروح عالميا
وأضاف بنعبد الله، في تعقيبه خلال لقاء علمي نظمه مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث، يوم الأربعاء المنصرم بالرباط حول “البطالة بين الخطاب والواقع”، أن الإشكال بالنسبة للمغرب على خلاف مجموعة من الدول هو موثوقية الإحصائيات التي تصدر.
وسجل بنعبد الله أن هناك إشكالا أساسيا بالنسبة للمغرب يتعلق بموثوقية الإحصائيات الواردة عن الحكومة والتي تدخل في سجال مع مؤسسات عمومية مستقلة عنها والتي تقدم أرقاما مخالفة لها، كما هو الحال بالنسبة للمندوبية السامية للتخطيط أو بنك المغرب أو مؤسسات عمومية أخرى، مردفا أن هذا المشكل تمكنت مجموعة من الدول من تجاوزه وفهم الأمر كبداية للإصلاح ومواجهة المخاطر المتعلقة بالبطالة وغيرها من الظواهر الاجتماعية.
وعبر بنعبد الله عن عدم تفهمه لاستمرار تنازع الحكومة مع المؤسسات العمومية مثل بنك المغرب والمندوبية السامية والتخطيط، في مسألة الإحصائيات، مشيرا إلى أنه أمر ينبغي تجاوزه من أجل فهم جيد ومن أجل الواقعية في الإحصائيات والتي ستمكن من وضع حل معضلة البطالة في المسار الصحيح.
وشدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على ضرورة إنصات الحكومة للتشخيصات والإحصائيات المقدمة بخصوص ملفات كبرى وعلى رأسها مسألة التشغيل والبطالة، منبها من الارتكان إلى خطاب الطمأنة والارتياح الذي تروجه الحكومة.
ولفت بنعبد الله إلى أن مسألة التشغيل مسألة معقدة وتحتاج إلى الإنصات وإلى المشاركة في الحل وتقبل الآراء والمقاربات والاقتراحات التي تقدمها الأحزاب الوطنية والهيئات المختصة، لكونها ليست مقاربة محاسباتية، حيث أكد أن مسألة التشغيل مسألة سياسية ترتبط بتوجه وبمقاربة سياسية.
وزاد بنعبد الله أن مسار القضاء على البطالة يجب أن يعتمد بالإضافة إلى مقاربة تنموية شاملة، على حل أساسي، وهو مقاربة سياسية، بالنظر لكون المقاربة التنموية لا تكفي لوحدها كما هو الحال بالنسبة لتجارب عديدة في العالم التي تطورت على المستوى الاقتصادي والتنموي لكنها ظلت تسجل أرقاما عالية فيما يخص البطالة.
وبالنسبة للمغرب يرى بنعبد الله أنه أمام هذا الوضع هناك حاجة للمساهمة في تنوير بمقاربة تنموية صحيحة، وأيضا بمقاربة سياسية، وأن تقوم الحكومة بالإنصات لمختلف مقترحات الفاعلين والأحزاب وفق مقاربة تشاركية، وليس عبر الشعارات فقط، وخطاب الطمأنة والارتياح الذي تروجه.
وأوضح بنعبد الله أن وضعية سوق الشغل بالمغرب وضعية خطيرة وتنذر بتوجهات التي يمكن أن تكون سلبية أكثر بالنسبة للمستقبل، وذلك بالرغم من المكتسبات التي تحققت على مدى السنوات الماضية بالمقارنة مع عقود مضت، مسجلا أن هذه الدينامية تحتاج إلى المواصلة في نفس النهج وليس عبر شعارات تروجها الحكومة الحالية دون أن تعي الواقع وما يحدث في الساحة.
ونبه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الحكومة من مخاطر سلوكها وعدم تقبلها للانتقاد والتنبيهات بخصوص الفشل أو النقص في ملفات تعالجها، مشيرا على أن وصلت إلى حد التهديد والوعيد، في سابقة من نوعها لم تحدث في المغرب حتى في عقود غابرة.
وجدد زعيم حزب “الكتاب” دعوته الحكومة إلى التحلي بالإنصات وبالرغبة الحقيقية في حل ملفات اجتماعية من قبيل التشغيل عبر فهم المقاربات والعمل بها بدل الشعارات، مشيرا إلى أن أول خط المسار الصحيح هو التشخيص وتملك إحصائيات صحيحة، وبداية المعالجة، التي قال إنها تحتاج إلى الوقت.
وقال بنعبد الله إنه يجب استثمار التحولات الموجودة والمكتسبات المسجلة، ومع التشخيص الجيد ووضع المقاربات الصحيحة يمكن الدفع في تجاه حل هذا الملف، حيث خلص إلى القول بأن بداية المسار الصحيح هو اعتماد مقاربة ناجعة للتصنيع، إذ أورد في هذا الصدد “لا توجد أي بلاد تستطيع وضع المسار الاقتصادي والتنموي على سكة التشغيل ومحاربة البطالة دون الاعتماد على تصنيع حقيقي”.
لحسن العملي: المعدل الحقيقي للبطالة في المغرب أعلى بكثير من النسب المعلنة
من جانبه قال الأستاذ الجامعي لحسن العملي الذي قدم عرضا حول البطالة بالمغرب بين الخطاب والواقع، إن معدل البطالة المعلن من طرف المندوبية السامية للتخطيط أقل من المعدل الحقيقي.
وأضاف العملي أن أي نقاش حول إشكالية البطالة في المغرب يرتبط حتما بمسألة التوظيف، مشدداً على أن المعدل الحقيقي للبطالة في المغرب أعلى بكثير من النسبة التي تتجاوز 13 بالمئة والتي أعلنتها المندوبية السامية للتخطيط.
وذكّر العملي بأن المغرب اعتمد عددا من البرامج لمواجهة البطالة منذ تسعينيات القرن الماضي من قبيل “مقاولتي” و”تأهيل” و”فرصة”، قبل إطلاق الإستراتيجية الوطنية للتشغيل 2015-2023 التي تم تبنيها في أواخر عام 2014.
وأوضح المتحدث أن القائمين على هذه الإستراتيجية كانوا قد أكدوا أنها “تقدم مقاربة جديدة لسياسة التوظيف تهدف إلى تجاوز السياسات التقليدية النشطة في سوق العمل وإشكالية البطالة”. مردفا أن الهدف منها، على العكس، هو جعل التوظيف محور العمل العمومي، مع اعتماد نهج شامل يدمج الجوانب الاقتصادية والمالية والميزانية والمؤسسية، مع مراعاة كافة عجز التوظيف والفئات المتضررة من هذا العجز.
وزاد المتحدث أن القائمين على هذه البرامج قالوا أيضا إن “الهدف الرئيسي لهذه الإستراتيجية هو توفير الظروف المواتية لخلق وظائف كافية من حيث العدد ومرضية من حيث الجودة، لتلبية تطلعات الشباب وتصحيح الفوارق بين الجنسين والتفاوتات الإقليمية في مجال التوظيف.” بالإضافة إلى تأكيدهم أن هذا البرامج تشكل فرصا للنهوض بالإنتاج، وتعزيز رأس المال البشري، والحكامة الجيدة لسوق العمل المحاور الرئيسية لضمان ظروف عيش كريمة للفئات الهشة ومكافحة الفقر والهشاشة بشكل مستدام.
وسجل المتحدث أنه بالرغم من ذلك، ومع حلول نهاية عام 2014، ظلت معدلات النمو منخفضة التأثير على خلق الوظائف، رغم السياسات القطاعية التي أُطلقت في مجالات متعددة (السياحة، مخطط المغرب الأخضر، ومؤخراً “الجيل الأخضر” في مجال الزراعة، وغيرها). حيث أبرز أن هذه المخططات القطاعية تهدف كذلك إلى تحسين نتائج التوظيف والحد من البطالة.
فيما يتعلق بموضوع البطالة، أشار العملي إلى أن القطاع يعاني منذ سنوات من معدل مرتفع للغاية، موضحاً وجود مرحلتين زمنيتين متميزتين: من 1998 إلى 2011، والتي سجلت خلالها انخفاض في معدل البطالة، لكن بدءاً من عام 2011، بدأ المعدل في الارتفاع دون توقف.
بحلول عام 2020، يقول العملي إن البطالة وصلت إلى مستويات قياسية نتيجة تضافر عدة عوامل، من بينها الجفاف وجائحة كوفيد-19 من جهة، وعوامل هيكلية من جهة أخرى. مسجلا أن الوضع الحالي يتسم بمعدل بطالة مرتفع للغاية، وهو ما يؤثر بشكل كبير على النساء (بنسبة تتراوح بين 26 و36 بالمئة)، وعلى الشباب، وخريجي التعليم العالي (أكثر من 42.5 بالمئة في عام 2023)، وكذلك على غير الحاصلين على شهادات.
وزاد المتحدث أنه في عام 2023، بلغ معدل البطالة الإجمالي أكثر من 13 بالمئة، وهو ما يتناقض بشدة مع توقعات الإستراتيجية الوطنية للتشغيل، التي كانت تهدف إلى خفض معدل البطالة إلى 3.9 بالمئة مع حلول عام 2025 مقارنة بـ9.2 بالمئة في عام 2013.
كما أشار الأستاذ المحاضر إلى وجود تفاوتات كبيرة بين المناطق الريفية والحضرية وبين مختلف جهات البلاد في هذا المجال. مردفا أنه ما يتعلق بالأشخاص غير المتعلمين أو غير الملتحقين بالتعليم أو العمل أو التدريب، فإن وضعهم يشبه البطالة، لكنه لا يعتبر كذلك رسميا.
وأوضح المحاضر أن معدل البطالة الحقيقي أعلى بكثير من الرقم الذي تعلنه المندوبية السامية للتخطيط (HCP)، حيث إن حساباتها لا تأخذ في الاعتبار جميع العناصر. مشيرا إلى أن جائحة كوفيد-19 تسببت في فقدان المغرب حوالي 447 ألف وظيفة في عام 2020.
كما أوضح أن قطاع الزراعة والفلاحة لم يعد يستوعب الكثير من القوى العاملة المتوفرة، وأن الفائض في المناطق الريفية والقروية يجد ملاذا في قطاع الخدمات، بسبب افتقار البلاد إلى صناعات تحويلية قادرة على لعب هذا الدور.
وأشار إلى أن الصناعة تساهم بنسبة تتراوح بين 10 و12 بالمئة فقط في التوظيف. أما قطاع الخدمات، فقد ارتفعت مساهمته في التوظيف من 40 إلى 51 بالمئة بين عامي 2014 و2024.
وسجل العملي أن التأخر الذي يعاني منه المغرب في مجال التصنيع، وعجز الزراعة وقطاع الفلاحة عن استيعاب الفائض من اليد العاملة، جعل العمال يتجهون بشكل أساسي نحو قطاع الخدمات، الذي شهد نمواً كبيراً في مجال التوظيف.
وعند الحديث عن أهمية القطاع غير الرسمي، أشار العملي أنه يمثل حوالي 30 بالمئة من الاقتصاد الوطني وفقاً لبنك المغرب. حيث شدد على أنه رغم معدلات الاستثمار الكبيرة التي تحققت على مدى سنوات، فإن معدلات النمو الاقتصادي والتوظيف لم تتماشى مع تلك الاستثمارات، نظراً لتوجيهها نحو قطاعات تحقق أرباحاً مرتفعة وسريعة.
أما بالنسبة للاستثمار العام، أورد العملي أنه تأثر بتأجيلات متتالية للفوائض من سنة إلى أخرى، خاصة على مستوى الجماعات المحلية، التي لم تتمكن من استثمار جميع الاعتمادات المخصصة لها.
وفيما يخص القطاعات الصناعية (السيارات، الطيران، الصناعات الغذائية، والنسيج)، أوضح المتحدث أن الاستثمارات الكبرى التي نفذها الموردون الأجانب لم تسفر إلا عن نسبة منخفضة من الإدماج المحلي.
محمد الشيكر: القطاع غير المهيكل يتمتع بإمكانات كبيرة يجب استغلالها لتعزيز فرص التشغيل
من جانبه، قال محمد الشيكر رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال الذي أدار أطوار اللقاء العلمي الذي احتضنه المقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، إن التشغيل يعد المؤشر الرئيسي لتقييم السياسات العمومية.
وأضاف الشيكر أن التشغيل يتسم بأبعاد متعددة، من بينها البعد الاقتصادي باعتباره مولداً للثروة، والبعد السياسي نظراً لدوره في تحقيق الاستقرار، والبعد الاجتماعي حيث يساهم في توفير الدخل للفئات المحتاجة، بالإضافة إلى كونه يعزز مكافحة الفقر وتمكين المرأة، وهو شرط أساسي من بين شروط أخرى لتعزيز وتحقيق المساواة بين الجنسين.
كما سجل الشيكر أن التشغيل يحمل بعدا ثقافيا ومجتمعيا من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي والشعور بالانتماء الوطني. مسجلا في نفس السياق أن هناك ثلاث تحديات رئيسية تطبع هذا الملف في الوقت الراهن.
وحدد رئيس مركز الأبحاث والدراسات عزيز بلال هذه التحديات في التحدي البيئي، حيث يؤثر الجفاف الهيكلي في المغرب بشكل مباشر على التشغيل، لاسيما في المناطق القروية أو الريفية. بالإضافة إلى التحدي التكنولوجي، حيث أصبحت الرقمنة، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي تؤثر بشكل كبير على سوق العمل. بالإضافة إلى التحدي الديموغرافي، إذ تؤدي شيخوخة السكان إلى فقدان المغرب ميزة التركيبة السكانية الشبابية.
وأوضح المتحدث أن إثارة هذا النقاش تأتي في توقيت مناسب، بالنظر لما يعرف ملف التشغيل من تحولات خطيرة مع ارتفاع أرقام البطالة في المجتمع واستفحالها وسط فئات مختلفة، لافتا إلى أن السياسات العمومية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في المغرب لم تحقق النتائج المرجوة لحل هذا الملف أو حتى التخفيف من حدته.
وذكر المتحدث بعدد من السياسات التي تمت ولكن لم تأت أكلها، وآخرها تخصيص الدولة مبلغ 14 مليار درهم لدعم الشركات خلال سنة 2025 بهدف تعزيز التوظيف، لكنها لم تكن ناجعة وفاعلة، حيث يرى الشيكر أن دور الشركات يظل محصورا في تحقيق الأرباح، معتبراً أن هذا الدعم لن يكون كافياً لتغيير الوضع القائم.
وأشار إلى أن هناك 3.6 ملايين شخص فقط مسجلون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) من بين أكثر من 20 مليون فرد يمثلون السكان النشيطين، بالإضافة إلى 700 إلى 800 ألف موظف بالإدارات، بمن فيهم موظفو الإدارة الترابية والتجار، مما يجعل العدد الإجمالي للمسجلين في CNSS يتجاوز قليلا 4 ملايين.
وخلص الشيكر إلى أن سن سياسة تشغيل حقيقية يجب أن يركز على القطاع غير المهيكل، الذي يشمل كل القوى العاملة غير الموظفة في القطاعين الخاص والعام. مشيرا إلى أن هذا القطاع يتمتع بإمكانات كبيرة يجب استغلالها لتعزيز فرص التشغيل.
يشار إلى أن اللقاء الذي نظمه مركز عزيز بلال للأبحاث والدراسات عرف نقاشا واسعا بين عدد من الحاضرين من الأساتذة والأطر والمختصين وفاعلين سياسيين، الذين أجمعوا على ضرورة أن تحظى مسألة التشغيل بالأولوية بالنظر للوضع الخطير الذي أصبحت عليه مع استفحالها بالمغرب، خصوصا أمام الأرقام التي تقدمها مؤسسات وطنية رسمية والتي تحذر من تفاقم البطالة والفقر بالبلاد.
محمد توفيق أمزيان
تصوير: رضوان موسى