بدأ الدكتور جميل حمداوي اهتمامه بنقد القصة القصيرة جدا في أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة، وكان أول عمل نقدي أنجزه حول هذا الفن المستحدث، تحت عنوان” القصة القصيرة جدا بالمغرب: المسار والتطور” سنة 2008م، وقد اتبع فيه منهجا تاريخيا وببليوغرافيا؛ حيث جمع بين التحقيب الزمني والقراءة الكمية، واستعمال التحقيق والتوثيق.
وبعده، تم إصدار مجموعة من الدراسات والكتب النظرية والنقدية التي انصبت على تناول القصة القصيرة جدا بالقراءة والتحليل والتقويم والتوجيه والتنظير.
وتبنت هذه الدراسات مناهج ومقاربات نقدية متنوعة في تناول القصة القصيرة جدا، انطلقت من خلفيات نظرية ومعرفية مختلفة على مستوى التصور والتطبيق، ويمكن حصرها في: المقاربة الميكروسردية، والمقاربة الأنطولوجية/ الببليوغرافية، والمقاربة الفنية… كما تتداخل هذه المقاربات النقدية، في بعض الأحيان، على مستوى النص الوصفي الواحد.
1 – المقاربة التاريخية :
يعد كتاب “القصة القصيرة جدا: المسار والتطور” لجميل حمداوي من أهم الدراسات النقدية التي تناولت القصة القصيرة جدا في ضوء مقاربة تاريخية، حيث جمع فيه بين التحقيب الزمني، والتوثيق الببليوغرافي الذي يهدف إلى التعريف بكتاب القصة القصيرة جدا ونقادها بالاعتماد على الترتيب والتصنيف والوصف.
يحاول الدكتور جميل حمداوي، في كتابه الأول، تتبع “تطور القصة القصيرة جدا في المغرب عبر مراحلها الفنية قصد معرفة ثوابتها الفنية والجمالية وقضايا الدلالة ومقاصدها القريبة والبعيدة” 1 .
وقد تطرق الباحث، في القسم الأول من الدراسة، إلى ذكر أهم المراحل الفنية التي عرفتها القصة القصيرة جدا، عبر مسيرتها الإبداعية بالمغرب؛ حيث حددها في أربع مراحل، وهي: مرحلة التأسيس والترهيص، ومرحلة التجنيس الفني، ثم مرحلة التجريب، وأخيرا مرحلة التأصيل.
وفي القسم الثاني من الدراسة، حاول الكاتب أن يقدم ببليوغرافيا حول القصة القصيرة جدا بالمغرب؛ حيث استعرض المجاميع القصصية التي تنتمي إلى هذا الجنس الأدبي الجديد، والمقالات والدراسات النقدية المتعلقة بها… ثم قدم مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات، في آخر الكتاب.
2 – المقاربة الميكروسردية :
من أهم المنظرين للقصة القصيرة جدا نذكر الناقد الناظوري جميل حمداوي، الذي يدعو إلى دراسة هذا الفن الجديد باعتماد مقاربة جديدة ومناسبة له؛ حيث اقترح مقاربة جديدة أطلق عليها المقاربة “الميكروسردية”. وتدرس هذه المقاربة القصة القصيرة جدا في ضوء مكوناتها الداخلية وشروطها الخارجية، اعتمادا على مجموعة من المستويات الداخلية والخارجية، مع الاستعانة بمجموعة من المعايير والمقاييس والضوابط النقدية والمصطلحات النقدية الإجرائية. كما تخضع لخطوتين أساسيتين، وهما: مرحلة المكونات، ومرحلة السمات، كما تخضع، على صعيد المستويات، لمرحلتي الداخل والخارج، أو مرحلتي التفكيك والتركيب.
هذا، وقد شرع جميل حمداوي، في تطبيق مقاربته هذه، في كتابه “مقومات القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري”؛ حيث تناول فيها بالدراسة والتحليل والتقويم والتوجيه، بنية الجملة ومقاييسها التركيبية لدى جمال الدين الخضيري، كما رصد أنواع الحبكات، والمقدمات، والنهايات، والأجساد السردية في أعماله القصصية. وبعد ذلك، انتقل إلى استعراض مخـتلف المكـونات والمقومات الدلالية والفنية والجمالية التي تتميز بها قصص الخضيري. إضافة إلى “القصة القصيرة جدا بالمغرب: قراءة في المتون”، و”خصائص القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي برطان”. والدراستان معًا لحمداوي نفسه.
3 – المقاربة الأنطولوجية/ الببليوغرافية :
تعد (أنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب) لجميل حمداوي وعيسى الدودي، أول كتاب يظهر في المغرب يهتم بتناول القصة القصيرة جدا في ضوء المقاربة الببليوغرافية. وهو يجمع بين التعريف بالمبدعين والنقاد، وتوثيق أعمالهم وتأريخها. وقد اعتمدت منهجية الباحثَينْ على ذكر سيرة كل كاتب في شكل ترجمة مقتضبة، وعرض صورة شخصية له، وتعداد مؤلفاته وكتاباته الإبداعية والوصفية، وذكر نماذج تمثيلية من نصوصه القصصية القصيرة جدا.
ومن أهم الدراسات النقدية التي تمثلت المقاربة الببليوغرافية كذلك ما أنجزه جميل حمداوي ومحمد مختاري، بعنوان ” ببليوغرافيا القصة القصيرة جدا بالمغرب”، ويحتوي على أربعة فصول علاوة عن مقدمة وخاتمة. الفصل الأول خصصه للدرس الببليوغرافي بالمغرب، والفصل الثاني للجرد والتوصيف، أما الفصل الثالث فهو عبارة عن ببليوغرافيا الكتابة النسائية والأمازيغية والنقدية، بينما خصص الفصل الرابع والأخير للتفسير والاستنتاج.
وكان قد أنجز الباحث جميل حمداوي، من قبل، دراسة سنة 2008عنونها بـ” القصة القصيرة جدا بالمغرب: المسار والتطور، مع ببليوغرافيا شاملة”، جمع فيها بين التحقيب الزمني (المسار والتطور)، والتوثيق الببليوغرافي الذي يهدف إلى التعريف بكتاب الق الق ج ونقادها بالاعتماد على الترتيب والتصنيف والوصف.
4 – المقاربة الفنية :
من أهم الكتب النقدية التي تبنت المنهج الفني في دراسة القصة القصيرة جدا- إلى جانب المقاربة الميكروسردية- نذكر “مقومات القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي البطران” للباحث جميل حمداوي الذي كان غرضه من الكتاب البحث عن خصائصها الموضوعية والفنية والجمالية والمرجعية… كما تطرق إلى تاريخ القصة القصيرة جدا بالسعودية.
وفي هذا المنحى نفسه، ألف الباحث، مؤلفا نقديا آخر، عنوانه “القصة القصيرة جدا بالمغرب: قراءة في المتون”، ضمنه دراسات نقدية، تتميز بمرونة نقدية ومنهجية؛ لكونها تتأرجح بين دراسة الخصائص الفنية والشكلية، والخصائص الدلالية، وشعرية القصة القصيرة جدا ومقوماتها.
وهناك دراسات أخرى لنفس الكاتب، تبنت المنهج نفسه، جمعها في كتابه الموسوم بـ “دراسات في القصة القصيرة جدا”، الذي تناول فيه، مراحل القصة القصيرة جدا في الأدب العربي، والقصة القصيرة جدا في المغرب، ثم تطور القصة القصيرة جدا في الجهة الشرقية. كما تحدث فيه عن مهرجانات القصة القصيرة جدا وملتقياتها، و لم يغفل قضية الكتابة النسائية، إضافة إلى قضية التجنيس، ومقاربات القصة القصيرة جدا في الوطن العربي. ثم انتقل إلى الحديث عن أنواع الجسد السردي في القصة القصيرة جدا، وخصائص الكتابة النسائية في القصة القصيرة جدا، وأنماط التشذير، وآليات التشخيص الدلالي والفني، والمعمار النصي في مجموعة (أقواس) لسمية البوغافرية، والقفلة في القصة القصيرة جدا، إضافة إلى الرؤية الإسلامية في القصة القصيرة جدا، دراسة حول الحسن الموساوي باعتباره رائد القصة الأمازيغية القصيرة جدا، وأنواع البداية في القصة الأمازيغية القصيرة جدا… ومعظم الدراسات المنشورة في هذا الكتاب سبق أن نشرها الكاتب في كتب أخرى سابقة، ومنابر إعلامية ومجلات وجرائد وطنية وعربية.
إذا، لقد تبنى الباحث في نقد ودراسة القصصة القصيرة جدا، مجموعة من المقاربات النقدية، الببلوغرافية/ الأنطلوجية، والتاريخية، والميكروسردية والفنية، والملاحظ أنه ينشر بعض المحاور والدراسات في أكثر من كتاب، علاوة على نشر أغلبها – وإن لم نقل كلها – في الجرائد والمجلات الورقية والإلكترونية، قبل تضمينها في كتاب. وهي ظاهرة نلحظها لدى آخرين كثيرين.
الهوامش:
1 – جميل حمداوي: القصة القصيرة جدا.. المسار والتطور، دار التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع، أسفي، الطبعة الأولى سنة 2008 م، ص: 5.
> بقلم: عبد الملك قلعي