شارك فيلم «سودان يا غالي» للمخرجة التونسية هند المدب، في المسابقة الرسمية للدورة 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2024، الذي نظم ما بين 29 نونبر و7 دجنر 2024. وينقل العمل الوثائقي نضال الشعب السوداني في ثورة سنة 2018، والتي رفع فيها شعار «مدنية لا عسكرية»، ذلك أنه اختار الخروج إلى الشارع بعد تفاقم الوضع الاجتماعي والسياسي.
وعبرت شجن سليمان، ومها الفقي، وأحمد مزمل، وخطاب أحمد، طيلة 78 دقيقة، عن معاناة الشعب السوداني مع ديكتاتورية العسكر الذي يحاول حكم البلاد للاستفادة من ثرواتها في الزراعة والمعادن.
وبعد عرض العمل أمام جمهور المهرجان، أجرت جريدة بيان اليوم، حوارا مع المخرجة التونسية (المغربية، الفرنسية)، للحديث عن تجربة تصوير الفيلم الذي حظي بإعجاب الجمهور والنقاد.
> كيف تلقيت خبر مشاركة عملك «سودان يا غالي» في المسابقة الرسمية للدورة 21 للمهرجان الدولي للسينما بمراكش؟
< شعور جد رائع أن أشارك في الدورة 21 للمهرجان الدولي للسينما بمراكش، إنه حدث استثنائي في مساري الفني، فالمغرب بلد القلب. البلد الذي أحب. بلد والدتي. كنت أزوره منذ الصغر، وأرفض، وقتها، العودة إلى باريس، وكانت جدتي تتعاطف معي، وتدعو والدتي إلى أن أعيش هنا في المغرب. تطلعت أيما مرة للاستقرار في المغرب، وحاليا، أعيش بين طنجة وباريس، في انتظار الاستقرار النهائي في المستقبل، بعد الانتهاء من بعض الترتيبات الضرورية، وإلى اليوم أبكي عندما أغادر التراب المغربي.
أنا سعيدة اليوم بعد عرض فيلمي بالمغرب، وبالمناسبة فهو أول عرض في بلد عربي. لقد شاركت بأفلامي السابقة في مهرجانات أخرى، ولم يسبق أن عرضتها في مهرجان مراكش. وبالمناسبة عرضت فيلمي كمخرجة تونسية لأن والدي تونسي. لكن الحقيقة، أتشبث بمغربيتي، وأتحدث الدارجة بطلاقة، أي تربطني بالمغرب مجموعة من المشاعر.
وبالنسبة لي، فالمشاركة في المهرجان، تعني الشيء الكثير في مسيرتي الإبداعية، لأن الأمر يتعلق بالمشاركة في بلدي المغرب. وقلت شجن سليمان الشخصية الرئيسية في العمل: بعدما زُرت بلدك السودان وصورنا فيه، أتيت أنت لزيارة بلدي المغرب. وعندما تم اختيار «سودان يا غالي» للمنافسة على النجمة الذهبية في المهرجان، غمرتني سعادة خاصة، وفرحت أيضا بفرصة زيارة طاقم الفيلم للمغرب ومراكش.
> ما هي خلفيات الاهتمام والاشتغال على الموضوع سينمائيا؟
< لا يدخل الفيلم في تفاصيل الوضع السياسي بالسودان، ولا يحاول أن يشرح الظروف الجيوسياسية المحيطة بما يحدث في الداخل. «سودان يا غالي»، هو رسالة حب للسودان. فيلم للصداقة. نظرة مختلفة للداخل.
اطلعت على ما يحدث في السودان بباريس، حيث تعرفت على مجموعة من السودانيين اللاجئين، الذين كان يتم رفض تواجدهم في الشارع، ويتعرضون للمضايقات من قبل الشرطة، الأمر الذي كنت أستغرب له في بلاد يفترض أنها تحترم حقوق الإنسان.
وبسبب الأوضاع السياسية يجد المواطن الليبي والصومالي والأفغاني والمالي نفسه مضطرا إلى اللجوء لدول أخرى، وهو ما حدث مع نساء ورجال السودان، الذين وجدت نفسي أتعاطف معهم، وحاولت مساعدتهم قدر الإمكان، ومنهم من أصبح صديقا لي، وساعدني بين سنة 2018 و2019 في تصوير الفيلم، وهي فترة اتسمت بالاحتجاجات القوية للمطالبة بالحرية، وحاولت أن أكون في هذا العمل محايدة، وأنقل ما يحصل في الشارع بدون تدخل ذاتي.
وبحكم تنشئتي بين العالم الأوروبي والعربي، كنت لا أستسيغ الصور التي يروجها الأوروبيون عن العرب، لهذا حاولت أن أنقل في «سودان يا غالي» تجربة مختلفة عن الشباب، لتغيير الصور النمطية التي يحملها الغرب عن الشرق، بمعنى إعطاء الصورة الحقيقية لما يحدث في الواقع.
يتلخص العرب في نظر الغرب، في أبو بكر البغدادي، وأسامة بن لادن، والإرهاب، واضطهاد المرأة، بينما خاضوا في الشرق وإفريقيا معارك طويلة من أجل حرية المجتمعات العربية والإفريقية، وعملي يساهم في التعبير عن هذا الاتجاه التحرري، الذي ظهر منذ مناهضة الاستعمارات الأجنبية.
ويندرج «سودان يا غالي» ضمن مشروع إعادة صياغة التخييل الجمعي لإحداث التغيير في عقول الجمهور، استنادا إلى تصوير أوجه مختلفة عما هو سائد من معتقدات بشأن المواطن العربي والإفريقي، لهذا أعتبر شخصيات عملي، رائعة، وملهمة، وصادقة في كل ما عبرت عنه من أفكار وأحاسيس ومشاعر، لأنها كانت تحكي بعفوية كبيرة عن تجربتها في الشارع.
> استرعى الشعر، والموسيقى، والكرافيتي، كأشكال للتعبير عن أفكار التغيير، باهتمام الجمهور، هل كانت هذه الاختيارات فنية؟
< صورت بالكاميرا ما كان يحدث في الشارع، لم أتدخل أبدا في الحوارات التي دارت بين الشخصيات، لقد تركت لآلة التصوير مهمة التقاط ما كان يوجد في الشارع.
صحيح، حضر الشعر في الفيلم، وهذا راجع إلى اهتمام السودانيين به، إن الشعر يحضر بقوة في حياتهم اليومية، فهو متنفسهم الوحيد، وشخصيا، لم أتدخل في هذا المعطى، لأن قلب السودانيين ينبض شعرا، لارتباط هذا البلد تاريخيا بالشعر.
وليست هذه الثورة الأولى في تاريخ السودان، بل التجربة الثالثة في المسار السياسي لهذا البلد، وهدفي من تصوير الفيلم، هو نقل تجربة الثورة الشبابية وتقاسم لحظاتها مع المتلقي، من خلال أبرز المشاهد التي توثق لما يحدث في الداخل.
وإذا كانت الثورة السودانية الأولى سنة 1965، والثانية سنة 1985، تعيد إنتاج الدكتاتورية العسكرية والدينية، فإن ثورة سنة 2018، رفعت شعار: «المدنية»، التي تعتبر في نظري أهم منجز حققه الأوروبيون ضد الكنيسة.
إن المدنية تحيل على الدولة المواطنة التي تحتضن الجميع بصرف النظر عن الاختلافات. والحرية موجودة في الإسلام. ويتعايش السودانيون فيما بينهم، رغم وجود الاختلاف الديني، لقد صورت قيم التسامح فيما بينهم في رمضان، حيث التقيت بأشخاص لا يصومون، بيد أنهم لا يواجهون أي تضييق في الشارع العام، وهو ما يعني إمكانية العيش في ظل الاختلاف.
وما يهمني كامرأة عربية، هو بناء حضارة مشتركة تحتضن الجميع بدون مركب نقص أو حساسية اتجاه فئة معينة. ووقفت بين المحتجين في السودان على حب الحياة، ونشر قيم التسامح والتعايش، والحاجة إلى تنفس الحرية، والرغبة في بناء مستقبل تسوده الديمقراطية، لهذا فـ«سودان يا غالي» لا يستهدف المواطن السوداني فحسب، وإنما يمس قلوب كل الجماهير التي تشاهد العمل.
وأرى بأن الشعوب تطمح، دائما، إلى التغيير من أجل بناء مجتمع صالح لاحتضان جميع الأشخاص، ولهذا استشهد الكثير من المحتجين في الشارع، أثناء المطالبة بـ«المدنية»، وبتوفير شروط الحياة من قبيل التعليم الجيد، والخدمات الصحية اللائقة، وتحسين ظروف النقل، وتقوية البنيات التحية الوطنية.
وتبقى كل هذه المطالب صغيرة وعادية جدا، وتحقيقها رهين بالاحتجاجات والثورات المناهضة للحكم الديكتاتوري، والثورة تعني في آخر المطاف، بناء إنسان حر، على عكس الحكم العسكري الذي يكون هدفه دائما، تدمير الإنسان، وتكسير أحلامه وطموحاته، لهذا سيكون الشعر، ووحده الشعر، المناهض للعنف والتطرف، وأداة التطلع إلى مستقبل تسوده العدالة.
> أن تصور في الشارع العام وفي ظروف الثورة، معناه مواجهة مجموعة من المشاكل، أليس كذلك؟
< نعم واجهت مجموعة من المشاكل في الميدان، وجرى التصوير في ظروف كارثية، ودخولي إلى السودان كان بدعوة من بيت الشعر بالخرطوم، وما ساعدني على النجاح في المهمة، هو إتقاني للعربية، وتوفري على جواز سفر عربي جنبني مجموعة من العراقيل التي كانت ستحدث لو سافرت للسودان بجواز سفر فرنسي.
حاورها: يوسف الخيدر
– تصوير: أحمد عقيل مكاو