أحكام اكديم ايزيك

أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بالرباط أحكامها في ملف مخيم اكديم ايزيك، وهي القرارات التي بقدر ما لقيت ترحيبا من طرف أسر ضحايا الأحداث، بقدر ما رفضتها، طبعا، الجبهة الانفصالية. بداية، إننا لن نناقش هنا الأحكام في حد ذاتها، ذلك أن من له الصفة يمكنه اللجوء إلى محكمة النقض، خاصة عند وجود خرق للإجراءات الجوهرية للمسطرة، أو شطط في استعمال السلطة، أو عدم الاختصاص، أو خرق جوهري للقانون، أو انعدام للأساس القانوني أو انعدام للتعليل.
كما نذكر هنا أيضا بالنقاش الموجود في الأوساط الحقوقية والقانونية والسياسية الوطنية حول المحاكم الاستثنائية، وحول المحكمة العسكرية نفسها ومستقبلها ضمن الدينامية الجارية لإصلاح جوهري وشامل للعدالة، وهو النقاش الذي لا يخلو من مشروعية وأهمية، لكن في نفس الوقت المحكمة المشار إليها موجودة اليوم، وهي تعمل وفق القانون، وأن المطروح عليها في هذا الملف كان هو هل المتهمون ارتكبوا الجريمة أم لا؟ وبحسب ما توفر لدى الهيئة القضائية من قناعة صدرت الأحكام.
ومن جهة أخرى، فقد كان لافتا عدم الحكم بعقوبة الإعدام، وهذه إشارة إيجابية، وتمثل رسالة مهمة للدينامية الحقوقية المطالبة بإلغاء المغرب لهذه العقوبة.
ومن خلال متابعة مختلف جلسات المحكمة العسكرية بالرباط حول هذا الملف، فقد كان واضحا بالخصوص نجاح القاضي في تدبير الجلسات بكثير من الهدوء والرصانة، وقد مكن المتابعين من كامل الوقت الضروري لعرض أفكارهم وإجاباتهم، ولم تربكه الشعارات الانفصالية التي كانوا يرددونها داخل قاعة الجلسات، وقد سجل كل الملاحظين، مغاربة وأجانب، هذا الأسلوب المتبع من لدن القاضي، وأيضا تمكين محاميي المتابعين من بسط مرافعاتهم بكل حرية.
الملاحظة الثانية، المرتبطة بسير الجلسات، تتعلق بعلنيتها، ذلك أن عشرات الصحفيين، مغاربة وأجانب، تابعوا مختلف أطوار الملف، بالإضافة إلى مراقبين يمثلون منظمات حقوقية وطنية وأجنبية، كما حضر برلمانيون أوروبيون وديبلوماسيون، وأيضا أسر المتابعين ومؤيدوهم، ووفرت المحكمة ترجمة لوقائع الجلسات لفائدة الأجانب الحاضرين، وكل هذا جعل المحاكمة تمر، بحسب معظم من تابعها، في ظروف عادية وهادئة.
الآن، وبعد أن بلغ الشق الجنائي لملف مخيم اكديم ايزيك ما بلغه، وصدرت بشأنه الأحكام المعروفة، فإن جانبا آخر لا يقل أهمية يجب أن يبقى حاضرا في البال، ويتعلق بالشق السياسي والتدبيري الذي كان موضوع جدل وتحليل كبيرين عند وقوع الأحداث في العيون.
إن الجهات الحزبية والسياسية التي كانت تسعى إلى فرض أساليب التحكم والهيمنة في المشهد الحزبي والسياسي لم تكن بعيدة وقتها عن أخطاء التقدير والتدبير، والمنطق يفرض اليوم الاستفادة من الدرس، والانكباب على تفعيل المخطط الوطني الذي أعلن عنه مؤخرا، ويروم تقوية المنجز التنموي في أقاليمنا الجنوبية، وتلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية للساكنة المحلية، وتعزيز أجواء الثقة والحرية والإنصات إلى النخب الحقيقية ذات المصداقية والنزاهة، وإلى الشباب والفعاليات المحلية، بعيدا عن عقليات الريع والانتفاع التي أنتجت واقعا من الإقصاء والتهميش مس فئات واسعة من الناس، على غرار ما حصل في مناطق أخرى من البلاد.
وبالإضافة إلى أهمية الإنجازات التنموية في المنطقة وتقوية الثقة، فإن المرحلة اليوم تفرض كذلك رفع إيقاع الهجومية الديبلوماسية على الصعيد الدولي، خصوصا في أوساط المنظمات الحقوقية العالمية، وفي المحافل السياسية والإعلامية والبرلمانية والحزبية، بالإضافة إلى ما يتعلق بالمسلسل الأممي الرامي إلى وضع حد للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية.
[email protected]

Top