موسم الهجرة إلى ليبيا…

كثر الحديث خلال الآونة الأخيرة عن أسباب ودوافع الرحيل الجماعي للاعبي البطولة الوطنية، سواء المحليين منهم، أو الأجانب، وبالضبط نحو الدوري الليبي لكرة القدم…
وإذا أمعنا في الأسباب والمسببات، يمكن القول إنه هروب جماعي، من واقع لم يعد يشجع على البقاء، ولا على التطور، كما لا يبعث أية إشارة اطمئنان تسمح بضمان المستقبل المادي، وتحسين الوضعية الاجتماعية للممارسين، التي تبقى الهم الأساسي، بحكم أن ممارسة كرة القدم أصبحت مهنة لها حقوق وواجبات…
فأمام الافلاس المالي للأغلبية الساحقة من الأندية الوطنية، أصبح اللاعب هو من يؤدي الثمن، لتتعدد ملفات النزاعات، وتتراكم بشكل لا يطاق، حتى وصلت تبعاتها إلى الأجهزة الدولية، وبالتالي أضحت أنديتنا الوطنية، زبونا وفيا لرداهات المحاكم الرياضية، وطنيا وخارجيا…
صحيح أن العقد يحمي الممارس، كما يضمن مصالح النادي، إلا أن التأخر في الأداء بالنظر للعدد الهائل من الملفات، حول اللاعب إلى الحلقة الأضعف وسط معادلة لا تضمن الإنصاف…
فأمام ضغوطات الحياة اليومية، واعتماد أغلب العائلات على معيل واحد و-غالبا ما يكون هو اللاعب-، يضطر المسكين إلى البحث عن حلول آنية، حتى يغطي نفقات الحاجيات والمتطلبات المرتفعة تكاليفها يوما بعد يوم، والتي لا تقبل أبدا لا التأجيل ولا التأخير…
ففي ظل هذه الوضعية المؤسفة، يصبح اللاعب ضحية مساومات، وضعوطات لا تطاق، سواء من طرف مكاتب الأندية، أو من طرف محيط الفريق بتعدد مداخله، وغالبا ما يكون هذا المحيط مدفوع، أو مسير عن بعد بطريقة «ريمونت كونترول»…
إنه واقع المطرقة والسنداد، كلاهما مر، إذ يجد اللاعب نفسه ضحية واقع لا يتحمل فيه أية مسؤولية. واقع تتعدد أسبابه، ويتحمل المسير جزءا منها، إما لانعدام الكفاءة أو غياب الحكامة الجيدة، فيطلب من اللاعب التضحية أو التنازل، حتى ينعم الفريق او ذاك بالاستقرار المطلوب…
والحالة هذه، كيف يلام اللاعب على اختيار دفع له دفعا، مع أن الدوري الليبي مجرد النقطة التي أفاضت الكأس. فرحيل اللاعبين المغاربة سبق لبيبا بسنوات، إذ نجد لاعبين بدوريات مختلفة كالعراق وإيران والهند، ومختلف دول الخليج العربي، وجهات لا يمكن أن تخطر على بال…
وهنا، لابد من التأكيد على معطى أساسي، يتمثل في كون انتقال اللاعب إلى أي دوري تكون فيه الفرصة متاحة، مسألة عادية جدا بل مطلوبة. لكن أن يكون العدد هائلا بهذا الشكل -50 لاعبا دفعة واحدة نحو ليبيا- فيعد رقما مستفزا ومثيرا للاستغراب، يتطلب الوقوف عليه بكثير من الإحاطة و الدراسة، على جميع المستويات والمسؤوليات…
هناك بالفعل أزمة حقيقية تعيشها الأغلبية الساحقة من الأندية الوطنية، بجل الأقسام والفئات. وما التركيز على البطولة الاحترافية بقسميها الأول والثاني، إلا لأن هناك اهتمام وإعلام متتبع، وبالتالي فضمان مسار متوازن لكرة القدم الوطنية، يمر عبر إعادة النظر في واقع القواعد والاهتمام بمشاكلها وطرق اشتغالها، وكيفية تدبيرها، والوقوف على أسباب الاختلالات التي تعاني منها، واتخاذ إجراءات عملية، تمكن من معالجة عميقة لواقع لم يعد يحتمل.
غير ذلك، سيستمر الدوران في حلقة مفرغة، ويستمر التساؤل الأزلي: لماذا تسير كرة القدم الوطنية بسرعتين متفاوتتين؟؟
 محمد الروحلي
Top