رشيدة داتي تؤكد قرب تشييد قنصلية فرنسية بالصحراء المغربية

شبهت علاقات المغرب بفرنسا بقصة حب
أكدت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أن موعد تشييد قنصلية فرنسية في الصحراء المغربية آت، مشيرة إلى أن العلاقات بين المغرب وفرنسا تتطلب تدرجا في بناء الثقة وتعزيز التعاون الثنائي.
وأشارت داتي، خلال ندوة صحفية مشتركة مع وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، محمد المهدي بنسعيد، صباح الثلاثاء بالرباط، أن العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا لا تبتعد كثيرا عن قصص الحب التي تجمع أشخاصا عاديين، بما يميزها من صراعات وتقلبات.
وقالت داتي أن علاقات الرباط وباريس تظل مبنية على الثقة والتعاون المشترك في مختلف المجالات، وخاصة في الجانب الثقافي الذي اعتبرته ركيزة أساسية للتفاهم بين البلدين.
وأضافت الوزيرة الفرنسية أنها سعيدة للغاية بزيارتها للمغرب، التي وصفتها بالناجحة، مشيدة بدور السفير الفرنسي في تحقيق هذا النجاح، مؤكدة أن زيارة الدولة التي قام بها قادة البلدين قبل أشهر رسمت خارطة طريق واضحة لتعاون مثمر في عدد من المجالات، من بينها التراث، ألعاب الفيديو، والاتصال السمعي البصري.
وخلال زيارتها التي شملت مدنا عدة، منها طرفاية والعيون، أثنت داتي على حجم التطور الذي شهدته البنية التحتية الثقافية في الصحراء المغربية، مشيرة إلى مشروع مستقبلي في مدينة العيون يعكس رؤية واعدة للمنطقة، وأوضحت أن المغرب لم ينتظر أحدا لتطوير هذه المناطق، بل عمل باستقلالية وفعالية على تحقيق تقدم ملموس.
كما عبرت داتي عن تفاؤلها بشأن تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الترجمة والكتاب، مؤكدة أن الثقافة ستكون عنصرا مهما في الاستحقاقات الدولية المقبلة، مثل مونديال 2030، حيث اعتبرت فرنسا المغرب نقطة انطلاق مثالية لتطوير المبادرات الثقافية.
واختتمت رشيدة داتي حديثها بالتأكيد على أهمية الثقافة كوسيلة لتجاوز الأزمات السياسية، معتبرة أن الأرشيف الثقافي المشترك بين البلدين يمثل ذاكرة حية تشهد على قوة الروابط التاريخية، ؤكدة أن الثقة المتبادلة ستظل عاملًا حاسمًا في استمرار هذا التعاون.
وكانت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، قد قامت أول أمس الاثنين، برفقة محمد المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل المغربي، بزيارة إلى مدينة العيون في الصحراء المغربية، في أول زيارة لعضو في الحكومة الفرنسية إلى المنطقة، تأكيدا لاعتراف باريس بسيادة المغرب عليها وتحويل هذا الاعتراف إلى واقع ملموس من خلال تعدد الزيارات والمشاريع المشتركة في مختلف المجالات.
وشكلت الزيارة الرسمية للمسؤولة الحكومية الفرنسية فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية في سياقها الجديد، الذي حمل إلى جانب البعد الثقافي أبعادا اقتصادية وسياسية، خاصة بعد الإعلان الرسمي عن دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء والاعتراف بسيادة المملكة المغربية على كامل ترابها بما فيه الأقاليم الصحراوية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد خلال زيارة دولة إلى المغرب في أكتوبر الماضي، تأييد بلاده “لسيادة” المملكة على هذه المنطقة المتنازع عليها مع جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.
ووقّعت شركات فرنسية خلال تلك الزيارة نحو 40 عقدا أو اتفاق استثمار مع شركاء مغاربة لإنجاز عدة مشاريع، بعضها في الصحراء الغربية.
وأتاح الموقف الفرنسي الذي سبق لماكرون إعلانه في رسالة للعاهل المغربي الملك محمد السادس نهاية يوليوز، تطوير العلاقات بين باريس والرباط إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، لكنه، بالتوازي، تسبب في أزمة حادة بين فرنسا والجزائر.
واستهلت داتي زيارتها للأقاليم الجنوبية المغربية بتفقد قصبة طرفاية، المعلمة البريطانية التاريخية التي تم تدشينها سنة 1938، قبل أن تقف بدار البحر “كاسمار”، الحصن التاريخي الذي يعود إنشاؤه إلى التاجر والمهندس الإنجليزي دونالد ماكنزي بدعم من الحكومة البريطانية، الذي انتقل لاحقا إلى الإسبان بقيادة مانويل فيتيغو، الذين جعلوا منه مركزا للمبادلات التجارية.
ويعد هذا الموقع، الذي تم تقييده في عداد الآثار الوطنية بقرار رسمي، شاهدا على قرون من التفاعل بين الثقافات، كما ظل صامدا في وجه أمواج الأطلسي لأكثر من 140 عاما.
وزارت الوزيرة الفرنسية متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي يحتفي بإرث الكاتب الفرنسي الشهير مؤلف “الأمير الصغير”، الذي استقر في طرفاية سنة 1927 حين كان مكلفا بإيصال البريد الجوي بين فرنسا والمغرب.
ويعرض المتحف، الذي افتُتح سنة 2004، مقتنيات ووثائق توثق لهذه المرحلة، مسلطا الضوء على ارتباط المدينة بتاريخ الطيران والبريد الجوي.
وتندرج هذه الزيارة في إطار تعزيز التعاون الثقافي المغربي – الفرنسي، كما تعكس اهتمام الجانب الفرنسي بتثمين المواقع التاريخية التي تشهد على عمق الروابط بين البلدين، وترجمة الجهود المغربية لحماية الموروث الثقافي لمناطق الجنوب، باعتبارها جسرا للتلاقح الحضاري بين أوروبا وأفريقيا.
وأكدت رشيدة داتي، إثر زيارتها إلى مدينة طرفاية، على البعد الرمزي والتاريخي لهذه المحطة، مشيرة إلى أن “المدينة تحمل إرثا ثقافيا عريقا، خاصة من خلال ارتباطها بالكاتب والطيار أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي شغل منصب مسؤول المطار في المنطقة.”
وأضافت وزيرة الثقافة الفرنسية، في تصريح لوسائل الإعلام أن هذه الزيارة تأتي في سياق ترسيخ العلاقات الثقافية بين المغرب وفرنسا، مشددة على أن “الروابط بين البلدين تعززت بشكل كبير منذ زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرسالة التاريخية التي وجهها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي أكد فيها أن حاضر ومستقبل هذه المنطقة يتحققان ضمن السيادة المغربية””
وأعلنت داتي عن توقيع اتفاقيات جديدة تشمل مجالات الألعاب الإلكترونية، والسينما، والقطاع السمعي البصري، والتراث، وعلم الآثار، إلى جانب إطلاق معهد للإعلام والسمعي البصري، وإنشاء فرع للتحالف الفرنسي في المنطقة.
واعتبرت أن هذه المبادرات تجسد الروابط التاريخية بين المغرب وفرنسا، مؤكدة أن “التعاون الثقافي سيظل محورا أساسيا في تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين الشقيقين.”
Top