أزمات العالم الاقتصادية.. الإثنين الأسود” الحلقة 1

تعتبر الأزمات المالية والاقتصادية إحدى أبرز الظواهر الاقتصادية التي لها أثر عميق على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية مدة زمنية، قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.
وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام الكتاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم، محدثة بذلك تطورا للفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الاقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب السياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الشهر الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.

هو الاسم الذي ارتبط بالانهيار المفاجئ الحاد للأسواق العالمية، حيث حدثت يوم الاثنين 19 أكتوبر من عام 1987، واحدة من أكبر الأزمات التي أصابت أسواق البورصات العالمية، وحدثت في بورصة وول ستريت الأمريكية.
وتمثلت الأزمة في انخفاض مؤشر داو جونز الصناعي “The Dow Jones Industrial”، والذي يقيس تطور أكبر 30 شركة أمريكية ب 508 نقاط، وفقد 22.6٪ من قيمته، فيما فقد مؤشر S&P 500 20.4٪، وكانت بذلك أكبر الخسائر في تاريخ البورصة خلال يوم واحد، نتيجة حدوث خلل في التوازن بين العرض والطلب في الأسواق الحاضرة وأسواق العقود المستقبلية، وقد نشأ هذا الخلل من جراء سيل متدفق من أوامر البيع لم يسبق له مثيل.
فعندما فتحت بورصة نيويورك أبوابها للتعامل في تمام الساعة العاشرة، بتوقيت نيويورك، تدافع المتعاملون من كل مكان لبيع أعداد كبيرة جدا من الأوراق المالية التي بحوزتهم، بصورة هستيرية لم يسبق لها مثيل.
وامتد أثر هذه الأزمة إلى باقي الأسواق المالية العالمية، إذا سجلت بورصة نيويورك انخفاض بنسبة 26٪، وبورصة لندن نسبة 22٪، فيما تقلص تأثير الأزمة بشكل نسبي في اليوم التالي مباشرة، أي في يوم الثلاثاء 20 أكتوبر، وبدأت الأسعار بالارتفاع مع قرب إقفال السوق مما مكن المستثمرين من استرجاع جزء من ثرواتهم.
وفي التفاصيل، في صباح يوم الأربعاء 14 أكتوبر 1987، قرر مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكي الغاء التخفيض الضريبي على عمليات الدمج المالي للشركات والشراء عبر الرافعات المالية، كما تم الإعلان في نفس اليوم من قبل وزارة التجارة الأمريكية عن زيادة في العجز بالميزان التجاري الأمريكي الذي يؤثر سلبا على قوة الدولار والذي يؤدي بالتالي إلى رفع سعر الفائدة الذي ينعكس بالنهاية على الضغط السلبي لسوق الأسهم حيث تصبح تكلفة الاقتراض لشراء الأسهم عالية وبالتالي تبدأ عمليات البيع على الأسهم.
في ذلك اليوم هبط الداو جونز 95 نقطة (3.8٪) إلى 2412 نقطة، وفي صباح اليوم التالي 15 أكتوبر هبط الداو جونز 58 نقطة (2.4٪)، ثم في يوم الجمعة 16 أكتوبر، هبط مؤشر داو جونز 108 نقاط (4.6٪) وأغلق في جلسة نهاية الأسبوع عند مستوى 2246 نقطة.
وعلما ان السوق المالي الأمريكي قد أغلق جلسته الاسبوعية، إلا أن عمليات البيع الكثيفة استمرت داخل مكاتب الوساطة المالية بين العملاء خارج إطار التنفيذ عبر منصة التداول الرسمية، ونظرا لكميات البيع الكثيفة، لم تستطع مكاتب الوساطة أن تدفع لزبائنها البائعين قيمة العقود المباعة نظرا لقلة السيولة المتوفرة نظرا لأن العقود كانت تتم بين الوسطاء إلا أن يفتح السوق المالي يوم الاثنين وتتم العمليات بشكل رسمي ويتم تحويل الأموال عبر البنوك بين الوسطاء.
في صباح يوم الاثنين 19 أكتوبر 1987، كما أشير إليه آنفا، كانت هنالك مئات الآلاف من طلبات البيع تنتظر أن يفتح السوق المالي. كان هناك عدم توزان مرعب بين كمية عرض البيع وكمية طلبات الشراء، وكانت القوانين في تلك الفترة تسمح لكبار الوسطاء الماليين بتأخير وتعليق التداول على أي سهم في حال كان هنالك عدم توازن بين طلبيات البيع والشراء، فتم تعليق تداول 95 سهم في سوق s&p 500، كما تم تعليق تداول 11 شركة من أصل أكبر 30 شركة في سوق الداو جونز، ذلك أدى إلى فزع بين العملاء مما أدى إلى تكثيف طلبات البيع بشكل أكبر لتصبح بملايين الطلبات واختفت من الشاشة معظم طلبات الشراء لخوف المستثمرين.
انتشرت الأخبار حول العالم وأدى ذلك إلى سحق الأسواق المالية المجاورة والأوروبية والاسيوية وهبوطها بشكل متفاوت بين 25٪ إلى 50٪ .كان للبنك الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) دور مهم جدا في وقف النزيف بالحلقة المفرغة. حيث قام بضخ سيوله بنفس اليوم بالمليارات عبر توفير السيولة للبنوك لاقراض جميع المؤسسات المالية والأفراد بفائدة مخفضة جدا تقترب من الصفر٪ ليقوموا بالشراء في السوق المالي لتتوقف عروض البيع وتزداد طلبات الشراء. حيث نجح البنك الفيدرالي بالنهاية بوقف النزيف وازدادت طلبات الشراء تدريجيا بحيث أنه في اليوم التالي صعد مؤشر الداو جونز 102 نقاط وباليوم الذي يليه 186 نقطه.
وتطلب الامر سنتين ليستعيد مؤشر الداو جونز مركزه بحلول شهر شتنبر 1989.

> عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top