احتفاء بذاكرة حزب…

في سياق الاستعداد لتخليد مرور سبعين سنة من عمر المدرسة السياسية والحزبية التي يجسدها اليوم حزب التقدم والاشتراكية، انتبهت قيادة الحزب إلى ضرورة تجميع ذاكرة الحزب وتوثيقها، وتهييئها لتكون مادة للاطلاع والبحث والتحليل من لدن الباحثين والطلبة وكافة المواطنات والمواطنين.
الذاكرة المراد تجميعها اليوم هي ليست فقط وثائق تاريخية تتعلق بمسار الحزب، أو أنها تؤرخ لأحداث سياسية ووقائع ومراحل عاشتها البلاد منذ نشأة الحزب في 1943، وإنما الذاكرة هي أيضا الأشخاص، أي المناضلات والمناضلون في مختلف أركان الوطن، هي حكاياتهم وصورهم وكتاباتهم وشهادات حولهم، وهي كذلك كل ما يجسد الظروف التي عاشها الحزب طيلة سبعة عقود، وهي الأفكار والسجالات التي تفاعلت بداخله وحواليه، إنها ما هو مكتوب، وما هو مصور، وما يجب أيضا أن يدون ويستخرج من تجارب المناضلين ومساراتهم الحزبية والعامة…
في 1943 برز من ينادي بأفكار الاشتراكية في هذه البلاد، ومن يقول بالمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة، ومن يحتفي بالطبقة العاملة وصغار الفلاحين وينصهر في نضالاتهم، ومن يدافع عن العدالة الاجتماعية والتقدم…
إن استحضار الظرفيات والأزمان والناس والعقليات يجعل التأمل في هذه الريادة اليوم مثيرا، ويفرض من خلال ذلك إعادة قراءة سير الرواد والمؤسسين، وتمعن حجم العطاءات التي قدمها شعبنا طيلة كل هذه العقود…
في العام السبعين من عمرها النضالي والتنظيمي، تقدم المدرسة الحزبية المحتفى بها اليوم تميزها وفرادتها كتيمتين يجدر بالباحثين والسياسيين تأملهما وقراءتهما على ضوء ما يحيط بنا اليوم…
لقد بقيت هذه المدرسة دائما منصتة لواقعية التحليل والموقف والاستشراف، وبقيت وفية لخطها القائم على «التحليل الملموس للواقع الملموس»، ولم تكن أبدا نصيرة لكل أفكار وأعمال المغامرة والتطرف رغم كل إغراءات الشعار ذات أزمان، فهل كان كل هذا صدفة أم أنه نتاج التفوق في قراءة الواقع وفي استلهام الأفكار؟
إن الاحتفاء اليوم بسبعة عقود من مسار التقدم والاشتراكية، هو احتفاء أولا بهذا التميز وهذه الفرادة، ثم إنه إعلاء لجدلية هي بالذات سر استمرار الحزب/المدرسة إلى اليوم، وهي جدلية «الوفاء والتجديد»، أي الوفاء لواقعية التحليل قبل كل شيء.
ليس النداء اليوم لتجميع وثائق الحزب وأدبياته هو مجرد وسيلة لتعريف الأجيال الجديدة من المناضلات والمناضلين بكل هذا التراكم، وإنما هو لفت انتباه إلى مدرسة حزبية وسياسية وفكرية تختلف عن غيرها، وبأن سقف السياسة لم يقطر بها البارحة، وبأن كل ما تعبر عنه اليوم من مواقف ورؤى هو من صميم ما راكمته من تجارب طيلة تاريخها الذي بلغ اليوم سبعين سنة.
الاحتفاء اليوم بالمحطة النضالية المشار إليها يجب أن يكون أيضا فرصة للمناقشة والحوار بين مختلف الرؤى السياسية، بما في ذلك المختلفة، وبمساهمة الباحثين الأكاديميين، وذلك لأن الأمر يتعلق بمنجز نضالي وطني لشعبنا.
[email protected]

Top