يعد مجال الاستثمار العقاري، من أكثر المشاريع المربحة بالنسبة للمحتالين والنصابين، كما تتمثل خدع وطرق النصب العقاري في صور متعددة ومتنوعة، تساير التغيرات في القطاع لتتخذ صورا أخطر.
وقد استفحلت ظاهرة “النصب العقاري”، بشكل خطير في المجتمع المغربي، ما ولد خوفا لدى المواطنين المغاربة من الاستثمار في هذا المجال، حيث تتخذ بعض الشركات من المعارض المشبوهة، منصة لاستغلال المواطنين بطريقة غير قانونية، وتتعمد سلب أموال الأشخاص اعتمادا على أساليب مغرية.
يقول محمد البالغ من العمر 30 عاما، إنه وقع ضحية عملية نصب، تتعلق بأحد أهم المشاريع العقارية بالمملكة، وذلك بعدما قرر تأسيس أسرة صغيرة والحصول على شقته الخاصة، ليتبخر حلمه بشكل مفاجئ.
وكشف المتحدث في تصريح لجريدة “نفس”، عن تفاصيل تعرضه للإحتيال، من طرف إحدى الشركات العقارية، بعدما تم إيهامه بحصوله على الشقة “الوهمية” في ظرف سنة ونصف، ليكتشف بالصدفة وعن طريق أحد أصدقائه، أن المشروع لا أساس له من الصحة.
وأردف الشاب قائلا: “سلمت المسؤول التجاري عن المشروع، مبلغا ماليا أوليا قدره 10 ملايين سنتيم، في انتظار مده بالمبلغ كاملا والذي يقدر بـ80 مليون سنتيم، وذلك بعد حصولي على شقتي”.
وتابع: “قمت بزيارات متكررة لأرض المشروع العقاري، ليتبين لي أن المسؤولين عن هذا المشروع، لم يباشروا أشغال البناء، فقررت استرجاع المبلغ المالي”.
البنود القانونية تغيب عن عقود البيع
ألمو محمد المحامي بهيئة الرباط، قال في تصريح لجريدة “نفس” إن مافيا العقار، تستغل ثقة المواطن المغربي في وصلات الإشهارات العقارية التي تبثها القنوات الوطنية، حيث إنها تقدم على فتح مكاتب لبيع عقارات “وهمية”، وذلك بعد إبرامها لعقد يتعلق بوعد بالبيع مع أحد مالكي الأرض، إذ يتم مده بتسبيق مالي مغري، شريطة السماح لها بالشروع في بيع الشقق “الوهمية”، لتتحصل على أقساط أولية من طرف الضحايا ثم تلوذ بالفرار.
وطالب المتحدث نفسه السلطات المختصة، بإخضاع العمليات العقارية لمراقبة خاصة، مع عدم الإعتداد بها إلا في حالة تسجيلها بالسجلات العقارية، إلى جانب تتبع المشاريع العقارية والتأكد من سلامة جميع الإجراءات القانونية المتعلقة بها، على رأسها شراء الوعاء العقاري وضمان عملية البناء وعملية تسليم الشقق لأفرادها.
وفي نفس السياق، أكد المحامي، أنه وجب على الزبناء أخذ الحيطة والحذر أثناء اقتناء العقارات المحفظة، وذلك عبر توجههم إلى المحافظة العقارية للإستفسار عن وضعية هذا العقار، مع توثيق عقد البيع لدى الجهات الموكول لها هذه المهمة، والحرص على تسجيلها بالسجلات العقارية.
وأشار المتحدث نفسه، إلى أن الحد من انتشار هذه الظاهرة، رهين بالتدخل الوقائي للنيابة العامة الموكول إليها تلقي الشكايات في هذا الشأن، وذلك من خلال رصد وتتبع هذا النوع من الجرائم، مع الحرص على إفشال المشاريع الإجرامية لمافيا العقارات.
وتابع أن عدم مراقبة الجهات المعنية للوصلات الإشهارية، التي تبثها وسائل الإعلام الرسمية، وعدم تأكدها من سلامة المنتوج الإعلاني، يعد تزكية لهذه الجريمة.
من جهته أكد مراد العجوطي، محامي بهيئة الدار البيضاء، في تصريح لجريدة “نفس”، أنه يجب تقييد عقد البيع بمجموعة من البنود، والمتمثلة في الإدلاء بهوية الطرفين، تحديد محل المخابرة المتفق عليه، الإدلاء برقم الرسم العقاري الأصلي المحفظ أو مراجع ملكية العقار، تحديد الحقوق العينية والتحملات والإتفاقات، مع تحديد مراجع لضمان استرجاع المبلغ من طرف المشتري في حالة عدم احترام بنود العقد، وتقديم نسخة من التصميم العقاري للعقار في طور الإنجاز.
وأشار المتحدث نفسه، إلى أن عقد البيع يعتبر باطلا، في حالة عدم توفره على البنود المذكور أعلاه، وذلك في حال وقوع المشتري ضحية عملية نصب واحتيال.
سذاجة الزبون توقعه في الفخ
مصطفى العلالي، عضو الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، قال في تصريح لجريدة “نفس”، إن الزبون يعتبر المسؤول الأول، عما يتعرض له من نصب واحتيال في هذا الخصوص، كونه ينساق وراء العروض العقارية المغرية، والتي تكون أغلبها “وهمية”، دون التحقق من صحتها.
وأضاف المتحدث نفسه، أن “مافيا” العقار المنتشرة بشكل عشوائي في مختلف مناطق المملكة، تصطاد فريستها بدقة، وبالتالي وجب على المواطن المغربي أخذ الحيطة والحذر، خاصة في ظل غياب أي ضمانات من شأنها حماية حقوقه.
تطبيق “محافظتي” يفشل خطط مافيا العقار
بعد توالي القضايا المتعلقة بتعرض المواطنين المغاربة، للنصب والإحتيال من طرف شركات عقارية وهمية، أعلنت مديرية المحافظة العقارية والمسح العقاري، في وقت سابق، عن إطلاق خدمة جديدة، تحت عنوان “محافظتي”ع بوابتها الإلكترونية، مطالبة المحافظين على الأملاك العقارية بتفعيل هذه الخدمة الجديدة.
ويتم عبر هذه الخدمة، إشعار المالكين للعقارات والمنخرطين، بالتقيدات التي ستنجز على رسومهم العقارية، عبر رسائل نصية بالبريد الإلكتروني، وتسعى هذه الخطوة إلى حماية العقارات والأملاك من مافيات العقار.
ويشترط كي يستفيد المالك من الخدمة، أن يودع طلب انخراطه لدى أقرب محافظة بعد ملئ الاستمارة، المتوفرة في البوابة الإلكترونية.
مشروع “باب دارنا”..نقطة أفاضت الكأس
يذكر أن المصالح الأمنية بمختلف جهات المملكة، قد استقبلت بالسنوات الأخيرة، مئات الشكاوى المقدمة من طرف ضحايا “مافيا” العقار، وتراكمت ملفات القضايا المتعلقة بـ”النصب العقاري” في مكاتب النيابة العامة، آخرها كان ملف مشروع “باب دارنا”، حيث خلف اعتقال محمد الوردي، صاحب الشركة المذكورة، ضجة كبيرة على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.
وجاء اعتقال صاحب الشركة، على خلفية اتهامه بالنصب والإحتيال، وتورطه في جرائم مالية عديدة، وذلك بعد تماطله لسنوات في تسليم الشقق لأصحابها، بالرغم من المبالغ المالية الضخمة التي تحصل عليها، ليتم وضع المتهم رهن الاعتقال الإحتياطي بسجن عكاشة بالدار البيضاء.
وقد شرع قاضي التحقيق بالمحكمة الزجرية عين السبع بالدار البيضاء، في الاستماع إلى ضحايا الملف وذلك بعدما تقدم حوالي 800 ضحية، بشكايات يتهمون فيها صاحب المشروع بالنصب عليهم في مبلغ إجمالي قدره 44 مليار، كما يرتقب ارتفاع عدد الضحايا خلال الأيام المقبلة، كون البعض منهم يتواجد خارج أرض الوطن.
سكينة لبطيحة