التحدي النقابي

أدى إضراب  الحافلات أول أمس في الدار البيضاء إلى شل حركة النقل في العاصمة الاقتصادية، والحيلولة دون وصول مئات المواطنين إلى وجهاتهم. وهنا لن نتوقف عند الإضراب وملفاته المطلبية، إنما نود لفت الانتباه إلى كون الإضراب تم  بشكل مفاجئ للمواطنين الذين عانوا الأمرين خصوصا أن اليوم كان شديد الحرارة، وأيضا أن الإضراب جرى بالرغم من صدور بلاغ مشترك بين السلطات المحلية ومجلس المدينة والمدير العام للشركة والمركزيات النقابية، وتضمن الإعلان عن ( قرار تعليق  الإضراب ) كخلاصة لاجتماعات مطولة بين الأطراف المذكورة.
القيادات النقابية تقول من جهتها إنها لم تتمكن من إبلاغ كل العمال بمضمون القرار، في حين القواعد العمالية تقول إنها ترفض القرار ، لأنها لا تثق في الإدارة، وتطالب بترجمة الوعود واقعيا، كما أنها تهدد بتحويل الإضراب الانذاري لأول أمس إلى إضراب مفتوح.
التفسيران معا يقودان إلى النتيجة ذاتها، وهي غياب الانضباط النقابي، وضعف الانسجام داخل النقابات بين الأجهزة القيادية المفاوضة وبين القواعد.
إن السؤال النقابي بات أكثر ملحاحية اليوم، خصوصا أمام استمرار واقع التشرذم الواضح في الميدان، وأيضا واقع الضعف الملحوظ منذ سنوات إن على صعيد التنقيب بصفة عامة  أو على صعيد الحركية النقابية من حيث معناها النضالي والتأطيري.
ما جرى بالنسبة لإضراب الحافلات أول أمس في الدار البيضاء،هو إلى حد ما  ما حصل خلال الجدل حول مدونة السير، وما يتكرر، وان بشكل مختلف نسبيا، مع احتجاجات الخريجين العاطلين، وهذه المعطيات المستجدة تستوجب نقاشا عميقا وحقيقيا حول واقع ومستقبل العمل النقابي في بلادنا.
إن هذا النقاش الذي بقي دائما أليفا لدى اليسار، على غرار ما يحصل في كل العالم، أصبح منذ فترة يعني الجميع، خصوصا أنه نفسه عانى من الانكماش الفكري والتنظيري لقوى اليسار، وصار اليوم جليا مدى انعكاس التحولات التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين، وسيادة العولمة على ما يعانيه العمل النقابي من تقوقع وتراجع، وباتت الظرفية الدولية عاملا موضوعيا في محاصرة العمل النقابي، علاوة على العوامل الذاتية السلبية، وقد أفضى الكل إلى جعل فعلنا النقابي المغربي اليوم أمام تحديات فكرية وثقافية وتنظيمية وهيكلية ونضالية جوهرية.
عندما يغيب الالتفاف الداخلي،وتبدأ القواعد في رفض القبول بقرارات الأجهزة القيادية التي يفترض أنها تمثلها، وعندما تحضر في الشارع أنماط احتجاج جديدة (جمعيات، تنسيقيات، مجموعات العاطلين ،حركات تلقائية..)، وعندما تكثر الانشقاقات وتتزايد الحوانيت النقابية، وعندما يسود الالتباس بين السياسي الحزبي والنقابي، وعندما تضعف المصداقية النضالية، هنا تصير للحيرة مبرراتها ،ويتحول موضوع تأهيل العمل النقابي إلى مهمة مرحلة.

Top