الثابت والمتحول في علاقة الحزب الشيوعي المغربي باليهود المغاربة – الحلقة 15-

إذا كان عمل الوطنيين المغاربة محكوما خلال مرحلة الثلاثينات بمجموعة من العوامل، فإن ذلك لم يساعد بشكل كبير على رسم معالم تنظيمات سياسية ترقى إلى مستوى ما يمكن نعته بالأحزاب، تفتح المجال لرصد توجهاتها باعتماد منهج تفكيكي يرتكز على رصد آليات التحول والتطور في طبيعة العلاقة التي ميزت كل « هيئة سياسة » باليهود المغاربة، في حين اختلف الوضع قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ ظهرت على الساحة السياسية المغربية أحزاب وطنية، ذات أنماط فكرية مختلفة، لكن “هجينية” تتناسب وطبيعة محددات النشأة التي انعكست على طبيعة نظرتها إلى الأقلية اليهودية المغربية.
كما أن تحديد الشروط الذاتية والموضوعية التي ظلت حاضرة على مستوى البرامج السياسية، ومدى إمكانية انسجامها مع الطروحات التي تبنتها فئة من المثقفين اليهود المغاربة، جعلت علاقتها تتسم بنوع من التباين بين مختلف هذه الأحزاب في نظرتها لليهود المغاربة. فما هو إذن موقع التحول في العمل السياسي، والانتقال من مرحلته الجنينية إلى المرحلة الأكثر تقدما في تحديد طبيعة التداخل بين ما هو سياسي وما هو ديني ضمن مستويات الوعي لدى أبرز هذه الأحزاب، وخاصة الحزب الشيوعي المغربي؟
ذلك ما سنرصد له في هذه الحلقات من أطروحة لنيل دكتوراة الدولة في التاريخ المعاصر، للدكتور محمد براص أستاذ التاريخ المعاصر، مهتم بتاريخ الأحزاب الوطنية والمغاربة اليهود، وعضو الجمعية المغربية للبحث التاريخي، تحت عنوان “الأحزاب الوطنية واليهود المغاربة: بين تطور الأوضاع الداخلية وأصداء القضية الفلسطينية 1934 -1967 ” التي سنبين فيها طبيعة علاقة الحزب الشيوعي المغربي باليهود المغاربة.

إدمون عمران: حضور قوي ونشاط فعال في الحزب بعد المؤتمر الوطني الأول )5-7 غشت 1946(

لقد ارتأت القيادات الشيوعية ضرورة عقد مؤتمر وطني للحزب، كان الهدف منه إشراك المندوبين في تدارس المشاكل التي تعاني منها البلاد بكل حرية وبكل استقلالية،مع تمكين الأعضاء من وضع الخط السياسي الذي يجب على الحزب سلوكه. حيث تم عقد المؤتمر أيام خامس وسادس وسابع من شهر غشت من العام 1946.وقد جاء برنامجه شموليا؛ إذ ربط بين النظر في القضايا المحلية والدولية على حد سواء.فشكل المؤتمر فرصة واضحة للأعضاء الشيوعيين للتعرف عن قرب على طبيعة توجهات الحزب العامة. كما مكنهم من فهم أراء القيادات تجاه القضايا المطروحة.

 وقد لقي نداء القيادات الشيوعية إقبالا مهما من مناضلي الحزب الواسع الامتداد، حيث شمل الحضور ممثلين عن كل من مدن وجدة وجرادة وبوعرفة ودبدو وتازة وفاس وإفران ومكناس وأزرو وميدلت والقنيطرة والدار البيضاء والرباط، إذ سجل المؤتمر حضور 312 مندوب عن مختلف المناطق من المسلمين واليهود،حضر فيه إدمون عمران المالح بصفته ممثلا للشبيبة الشيوعية المغربية؛وهي القوة الضاربة لدى الحزب آن ذاك.

لقد أعطى المؤتمر الفرصة أكثر للممثلين المغاربة للتعبير عن مواقفهم تجاه أبرز القضايا، وفتح المجال لانتخابهم لقيادة الحزب. كما هيأ الظروف العملية لتحويل الحزب على مستوى الممارسة، من فرع للحزب الشيوعي الفرنسي إلى حزب مغربي.

وهكذا تبنى إدمون عمران المالح جميع المبادئ والقضايا التي ناقشها المؤتمر وتم الاتفاق حولها، حيث زاوجت تلك المبادئ في اهتماماتها ما بين القضايا المحلية والدولية. فعلى المستوى الأول، جدد الحزب تأكيده على ضرورة محاربة الفقر والتصدي لجميع أساليب الاستغلال الاقتصادي والسياسي للسكان، والتي اعتبرت من وجهة نظره، سببا مباشرا في انتشار المجاعة والأوبئة. كما دعا الحزب في نفس المؤتمر إلى ضرورة إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لليهود المغاربة في الملاحات وفي المناطق النائية الباردة. وهو في ذلك يؤكد على ضرورة الاهتمام بجميع المغاربة دون تمييز أو حيف؛ بل دعا إلى تحقيق وحدة بين المسلمين واليهود والفرنسيين.

وعلى المستوى الخارجي، أعاد الحزب صياغة نظريته المعادية للحركة النازية والفاشية على حد سواء؛ وهي المبادئ التي آمن بها إدمون عمران المالح؛ إذ ربط بين نشاط العملاء النازيين في المغرب والوضع الاقتصادي المتدهور به. واعتبر تجربة حكم فيشي دليلا قاطعا على سلبية الحركة النازية؛ فهي حركة تعتمد أسلوب الإقصاء والميز العرقي. كما حث مناضليه على ضرورة التصدي لها، من خلال تجميع القوى وتحالف الطرفين المسلم واليهودي لتفادي الوقوع في فخ التفرقة والعزلة.

مبادئ كثيرا ما ألح عليها إدمون عمران المالح في توجهاته وقناعاته الخاصة، بل أدان رفقة زملائه في المؤتمر سياسة الجنرال فرانكو، وطالب باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاقتصادية المستعجلة لخنق الموارد المالية للحركة الفرنكاوية. مقابل ضرورة دعم الجمهوريين الإسبان، وذلك بتقديم العون المعنوي والمادي لهم وبحماية مناضليهم باعتبارهم يدافعون على نفس المبادئ التي يؤمن بها الحزب ويجعلها ضمن أولوياته.

 تمكن إدمون عمران المالح إلى جانب زملائه في الحزب خلال هذه الفترة من إصدار جريدة ليسبوار ) (L’espoirفي عددها الستين في الرابع عشر من شهر أبريل بصفتها « لسان حال الحزب الشيوعي المغربي » عوض « الحزب الشيوعي للمغرب »،مع إبداء الرغبةفي  نفس الوقت في إصدار صحيفة باللغة العربية، وذلك لتحقيق تواصل أوسع مع السكان المحليين.  

 لقد أصبح عمل الحزب الشيوعي المغربي يعتمد بشكل قوي على نظام الوداديات، وهو ما يفيد بأن دور الشباب الذين كان إدمون عمران يمثلهم وله نشاط مهم في تأطيرهم له دوره الفعال في بناء وتوسع قاعدة الحزب، وهي مواقف مخالفة تماما لما جاء في بعض الشهادات عن هذه الشخصية، من قبيل شهادة الطاهر بن جلون على اعتبار أن الرجل لم يكن له دور قيادي للجماهير، على عكس ما أشار إليه سيمون ليفي الأكثر دقة في التأكيد على الدور القيادي لإدمون عمران، وهو دور انسجم مع التحولات التي عرفها الحزب في إطار تطوره التاريخي من مرحلة إلى أخرى.

   وفي سياق إعادة قيادة الحزب لهيكلته السياسية، وذلك بالتخلي عن نظام الخلايا وتعويضه بنظام الوداديات واستقطاب كل القرويين الذين يتعاطفون مع الحزب الشيوعي المغربي مع التركيز على فئة الشباب، تم إنشاء منظمة للشبيبة الشيوعية عرفت تحت اسم الشبيبة المغربية، فتم وضع هذه المنظمة تحت إشراف إدمون عمران المالح،وحددت مهمتها في محاربة الأمية بين أوساط الشباب المغربي، كما اهتمت بتنظيم بعض الأنشطة الرياضية،والتي كان الهدف منها خلق الانسجام بين مختلف مكونات الشباب المغربي من المسلمين واليهود.

> ذ.محمد براص

Related posts

Top