الحوار الاجتماعي وتدابير احتواء تداعيات أزمة كوفيد 19

احتضن مجلس المستشارين، بتاريخ 25 ماي الماضي، الجلسة الشهرية لتقديم أجوبة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، وفيما هذا الصدد تفاعل عبد اللطيف أعمو عن المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية مع رئيس الحكومة حول موضوع الحوار الاجتماعي وتدابير احتواء تداعيات أزمة كوفيد 19، وفيما يلي تفاصيل المداخلة:

السيد رئيس الحكومة المحترم،
السيد رئيس المجلس،
السيدات والسادة المستشارون،
لقد أثرت جائحة كورونا على الحياة العامة وفجرت الفوارق الاجتماعية وأججتها، كما أثرت على مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030، وخصوصا منها المرتبطة بالمجال الاجتماعي والبيئي.
ويأتي الاحتفال بعيد العمال لهذه السنة صامتا، في ظل تداعيات هذه الأزمة، التي كشفت عن العديد من الاختلالات والنواقص في عدد من القطاعات، وخصوصا منها المجال الاجتماعي، الذي يهم الطبقة العاملة بشكل خاص، ويمس تحديدا الفئات الهشة من المجتمع، وعلى رأسها المرأة المغربية.
وقد بادرت الحكومة، منذ مدة، إلى تجميد الأجور والتعويضات، ولجأت إلى نظام التشغيل عبر التعاقد،… في وقت عرفت فيه أسعار المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك (الزيوت، …) وأسعار المواد الطاقية وفواتير الماء بجانب العديد من الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم، والتي تم تبضيعها بشكل مخيف ومجحف ارتفاعا صاروخيا… في ظل بطالة متصاعدة ومقلقة لحاملي الشهادات العليا، إضافة إلى نصف مليون من عمال المقاهي والمطاعم وقطاع السياحة والصناعة التقليدية … فاقدين لوظائفهم بفعل جائحة كوفيد 19 وحالة الطوارئ الصحية المصاحبة لها.
وفي ظل تآكل وتدهور القدرة الشرائية للطبقة العاملة وللطبقة الوسطى، على حد سواء، ما زالت الحكومة تعتمد حوارا اجتماعيا شكليا ومناسباتيا، مما يدفع في غالب الأحيان إلى اتخاذ قرارات أحادية يغلب عليها التسرع، وتفتقد للحد الأدنى من التوافق المطلوب.
فالحكومة لم تستطع ابتكار واقتراح وضع قانوني قار للحوار الاجتماعي، ولم تفلح بعد في خلق مجلس أعلى للحوار الاجتماعي ليكون فضاء مثاليا للتشاور، ويحتضن لقاءات الأطراف الاجتماعية بهدف تبادل الأفكار وبلورة المقترحات. مما كان له تأثير سلبي على عمل عدد من المؤسسات الدستورية، بما فيها البرلمان (تجميد عدد من مشاريع القوانين ذات الصلة، لعدة أشهر وأعوام). مما يدل على عدم تأكد الحكومة من جدواها، وما يترتب عن ذلك من شلل في السياسات العمومية، ويطرح تساؤلا مشروعا حول جدية عمل ونوايا الحكومة في هذا المجال.

السيد رئيس الحكومة،
نحن بالتأكيد في حاجة ماسة إلى حوار اجتماعي مؤسساتي منظم ومقنن بضوابط قانونية، ويعتمد على بيداغوجية للتداول حول المشاكل المطروحة على طاولة التفاوض الاجتماعي، ولا يستجيب فقط لضغط الشارع أو للإملاءات العديدة أو لتدبير موسمي ومناسباتي.
فالأكيد أن نسبة الإنجاز فيما يخص الاتفاقيات التي وقعتها الهيئات النقابية الأكثر تمثيلية مع الحكومات السابقة والحالية قد لا يتعدى الثلث على أبعد تقدير. وهو ما يطرح إشكالية الالتزام والمسؤولية في التفاعل مع المطالب الاجتماعية لمختلف شرائح المجتمع.
وهو ما يستدعي أولا تفعيل منشور رئيس الحكومة رقم 2020.07 المتعلق بالحوار الاجتماعي بين النقابات والوزارات المعنية (التعليم – الصحة) منعا لتراكم المشاكل داخل قطاعات اجتماعية محورية، أبانت جائحة كورونا عن دورها الاستراتيجي والحساس في حماية المجتمع وتحصينه، والتي تعاني من مشاكل بنيوية وتنظيمية متراكمة لسنوات، في غياب حلول عملية ومقنعة.

السيد رئيس الحكومة،
إدراكا منا بأن الحوار الاجتماعي يساهم في تماسك المجتمعات وتلاحمها، وأنه هو المدخل لتحقيق السلم الاجتماعي والمفتاح لبناء اقتصاد صحي ومنتج ومتماسك ومنسجم؛
واقتناعا منا بأن النقابات العمالية تلعب دورًا رئيسيًا في توازن المجتمعات والحد من الاحتقان ومن عدم المساواة ومكافحة التمييز بين الجنسين في سوق العمل.
واعتبارا بأن جائحة كورونا (COVID-19) فوق كونها صحية، تمتد لتصبح أزمة إنسانية وكونية شاملة. وتمثل تهديدا مباشرا لرفاهية ومستوى عيش وأمن كل فرد، بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو انتمائه الوطني أو موقعه ومكانته في المجتمع.
وبالتالي، فإن انعكاساتها وآثارها الجانبية الرئيسية – التي أحدثت اضطرابات عميقة في النشاط الاقتصادي، وولدت أزمة تشغيل مست أمن المواطنين، وكان لهما امتداد وتأثير عالمي على الأفراد وعلى الدول.
ومن المرجح أن تستمر هذه الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، لعدة سنوات. وسيتأثر عالم الشغل بشكل كبير، وسيظل كذلك على مدى أطول، وتنضاف هذه الصعوبات إلى التحولات التي طرأت على فضاء العمل، والمرتبطة بشكل خاص بالتكنولوجيا، وبالتغيرات البيئية والديمغرافية والجيو سياسية.
ومن هنا يتضح بجلاء أنه لا يمكن تحقيق السلام والأمن إلا على قاعدة العدالة الاجتماعية، وهذا يذكرنا بمدى أهمية ما تضعه الجائحة على المحك اليوم، ألا وهو التماسك الاجتماعي – الذي يقوم على الوعي الجماعي بأن النظام الاجتماعي والاقتصادي والبيئي العادل – لا يمكن أن يقوم إلا على أساس الكرامة الإنسانية، التي يضمنها العمل اللائق والعيش الكريم، مع التوفر على نسيج مقاولاتي قوي، بحس وطني عالي، قادر على خلق مشاريع مستدامة ومناصب شغل لائقة وحافظة لكرامة العمال.

السيد رئيس الحكومة،
إن لجائحة كوفيد 19 ما قبلها وما بعدها من تأثير على مستقبل عالم الشغل. ومن المرتقب أن تكون للأزمة الصحية تداعيات إنسانية عالمية عميقة ومستدامة على عدة مستويات، فمن المتوقع أن تكون من مميزات مرحلة ما بعد الجائحة، ارتفاع معدل البطالة وتفشي البطالة المقنعة وتوسع مستويات الهشاشة واللآمساواة، خصوصا بالنسبة للشباب والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة وللمسنين.
كما ستشهد مرحلة ما بعد كورونا تدهورا ملحوظا وشاملا في موارد المالية العامة، مما قد يشكل حاجزا إضافيا أمام تنفيذ السياسات العمومية والقدرة على إيجاد وابتكار أجوبة سياسية حقيقية للأزمة، وخصوصا في البلدان التي تعاني بالفعل هشاشة بنيوية، سواء بسبب محدودية الموارد أو بسبب ضعف بنيتها التحتية الأساسية أو بسبب ضعف حكامتها التدبيرية…
هذا بجانب التسارع الملحوظ في التحولات الرقمية التي فرضتها الجائحة على النشاط الاقتصادي بشكل عام، لا سيما بانفجار وتطور أساليب التواصل والعمل عن بعد، والتي يمكن أن تقدم مزايا أكيدة، لكنها ستنتج عقبات وحواجز إضافية يتعين تخطيها بحزم وبشجاعة من أجل ضمان العمل اللائق والكريم، وخصوصا المرتبطة منها بظروف العمل وحماية الشغيلة.
كما سيشهد هيكل الاقتصاد تغييرات عميقة، بسبب انكماش قطاعات معينة، تأثرت أكثر بفعل تداعيات الجائحة، مثل الشركات الصغيرة والصغيرة جدا وعدد من القطاعات والأنشطة المرتبطة بالاقتصاد غير المهيكل أو تلك التي تتعرض للمنافسة المباشرة من المنتوجات والخدمات الرقمية، فيما ستشهد قطاعات أخرى تطورا وازدهارا أكيدا.
كما ستتعرض سلاسل الإمداد والتموين العالمية لإعادة هيكلة عميقة، أو أحيانا، حتى للتقليص في بعض خدماتها، بهدف تعزيز مرونتها وقدرتها على التكيف وعلى ضمان استمرارية الأنشطة، وبالخصوص بفعل تداعيات الأزمة على قطاع النقل والخدمات اللوجستية، على سبيل المثال لا الحصر.
هذه الهيكلة ستسير لا محالة في اتجاه التمكين من تعزيز الديناميات البيئية والتكنولوجية والصناعية التي كانت أصلا تسير في هذا الاتجاه، وسيتم التسريع من وتيرتها بشكل كبير، وبإصرار أكيد. كما ستشكل تحديًا إضافيًا لمستقبل الصناعات المعتمدة على اليد العاملة الكثيفة.
وفي ظل هذه التحولات، يعتبر توفير فرص الشغل وضمان الحماية الاجتماعية ضرورة للاقتصاد، وشرطا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويجب، من هذا المنطلق، أن تكون في صلب الاستراتيجيات الوطنية للنمو الاقتصادي وللتنمية.

السيد رئيس الحكومة،
إن ما يقرب من 90% من الإجراءات المالية المتخذة في العالم للاستجابة لتداعيات الأزمة، قد تم اتخاذها في البلدان المتقدمة. وحتى في هذه البلدان، فليس من المؤكد أن هذا الجهد – الذي تمثل كلفته ​​5% من الناتج المحلي الإجمالي كمعدل – قد يكون مثمرا ومستداما، بالنظر إلى السرعة التي يرتفع بها مستوى المديونية العامة.
هذا، في الوقت الذي تم فيه اتخاذ أقل من 3% من التدابير التحفيزية العالمية في البلدان ذات الدخل المتوسط ​​وفي البلدان النامية، وتواجه العديد من هذه البلدان بالفعل تحديات مالية جدية، بما في ذلك وقع تسديد الديون الخارجية التي تزيد عن 1000 مليار دولار، ويتوقع سدادها ما بين سنتي 2020 و2021. لذلك، يجب إيجاد طرق جديدة، أو تكميلية، لتحفيز النمو الاقتصادي، وكذلك خلق فرص عمل نوعية، في ظل ضغط المديونية على المالية العامة .
ويتعين التفكير جديا، من الآن فصاعدا، في تجديد وتطوير النموذج التنموي، بشكل يجعل الاقتصاد الوطني غير معتمد بعد اليوم على النموذج التقليدي للتنمية فقط، والمعتمد أساسا على تدابير التحفيز المالي والنقدي، باعتبار أن الاستراتيجيات القائمة على هذا النموذج قد استنفذت، ولم تعد لها فوائد اقتصادية أو اجتماعية إيجابية.
نحن اليوم نعيش نقلة نوعية changement de paradigme في مسارنا التنموي بشكل عام. ونحن بالتأكيد في مفترق الطرق.
ونحن هنا نسائلكم، السيد رئيس الحكومة، حول السياسات العامة المرتبطة بمحور “الحوار الاجتماعي وتدابير احتواء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة كوفيد 19” نتساءل حول ما أعدته الحكومة للاستجابة لكل هذه التحديات والرهانات؟

السيد رئيس الحكومة،
لا أحد ينكر بأن الحوار الاجتماعي يلعب دورًا أساسيًا في فترة الأزمات، بغض النظر عن كونها اجتماعية أو اقتصادية أو صحية أو بيئية…
وبحكم طبيعتها غير المتوقعة وحجمها ووقعها، فجائحة كوفيد 19 تمارس ضغطًا أكيدا على الاقتصاديات الوطنية وعلى عالم الشغل وفضاءات العمل، بدرجات متفاوتة ومتباينة، بما في ذلك الضغط على مسار ونتائج الحوار الاجتماعي.
فالحوار الاجتماعي ضروري لأنه أداة للتشارك المؤسساتي قبل أن يكون أداة للتشاور مع الهيئات النقابية والتمثيليات العمالية في وضع وتنفيذ السياسات وفي اتخاذ القرارات التي تؤثر على عالم الشغل، بشكل عام، وهو أكثر أهمية وحيوية في السياق الحالي للأزمة الصحية وتداعياتها، لأنه قد يجنبنا الدخول في دوامة التفريط في حقوق العمال والأجراء والمنتجين، مخافة المس بقدرتهم الشرائية وبتوازنهم الاجتماعي الهش.
وتتطلب الاستجابة لتعقيدات الأزمة وتشعباتها توحيد وتعبئة جهود جميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في المجتمع كجزء من الإجراءات التي تتخذها الحكومة بالتنسيق مع الشركاء الاجتماعيين في عالم الشغل. ومع ذلك، فإن تجربة العديد من المنظمات والهيئات النقابية وتقييمها للأوضاع، تبين لنا بجلاء أنه تم تهميشها وتركها جانبا، في تصور الحلول للأزمة الصحية، ولما بعدها. والأسوأ من ذلك كله، أن هياكل الحوار الاجتماعي القائمة تكاد تكون معطلة ومشلولة طيلة فترة الأزمة.
ولا شك أن للحوار الاجتماعي، القائم على احترام الحرية النقابية والاعتراف الفعال بالحق في التفاوض بين الحكومة وأرباب العمل وممثلي الأجراء، دور حاسم في تطوير السياسات العمومية القائمة على العدالة الاجتماعية. وهو شرط أساسي لتوفير العمل اللائق والعيش الكريم لمختلف فئات المجتمع.
إن المسألة تهم الجميع وتتطلب تعبئة الجميع، من هيئات تمثيلية وسياسية ومدنية، بما يتطلب ذلك من حس وطني كبير ومن تقدير واعي لمتطلبات المرحلة الدقيقة والحساسة، ومن تفاعل إيجابي ومسؤول مع خطورة الأزمة وتداعياتها.
فعلى الرغم من الطابع الفريد والغير المسبوق لجائحة كورونا COVID-19، فهذا لا يمنع من استنباط أوجه التشابه مع الأزمات السابقة، فيما يخص دور الحوار الاجتماعي في بلورة الأجوبة المناسبة والموجهة الهادفة إلى دعم التشغيل وتعزيز الانتعاش الاقتصادي والبحث عن أفضل أوجه التوازن الاجتماعي الخلاق والمحفز.
وهذا لن يتأتى، من منظورنا إلا باعتماد مقاربات جديدة، وبتفعيل الدعامات الأساسية التالية:

الاهتمام بتنمية المهارات والتعلم مدى الحياة كمحور لوضع الإنسان في قلب المنظومة التنموية:

السيد رئيس الحكومة،
إن تنمية المهارات والتدريب مدى الحياة تكتسي أهمية قصوى بالنسبة للإدارة، وكذلك بالنسبة للهيئات النقابية، من موقعها التمثيلي في تحديد محتوى التداريب، وتطويرها وتقييمها… ومن موقعها كمستفيد من دينامية التكوين داخل فضاءات العمل، ومن مصلحتها اليوم أكثر من أي وقت مضى، الاهتمام بهذا الجانب، بحكم التغيرات الحاصلة والمرتقبة في عالم الشغل، والمتميزة بسرعتها وتعقدها وصعوبة توقع آثارها الآنية والبعيدة، تحت تأثير التطورات التكنولوجية وتطور الاتجاهات الديموغرافية وتغير المناخ، وعامل الزمن وسرعته، وكذلك رهانات الاستدامة البيئية والتكامل الاقتصادي العالمي، كجزء من تحول عالم الشغل، وغيره…
مما سيعرض سوق الشغل وعالم المقاولات لاضطرابات كبرى، مع انقراض فئات معينة من الوظائف، فيما ستعرف الوظائف الحالية تطورات عميقة، وستظهر في ذات الوقت وظائف جديدة.
وهكذا، ففي ظل التغيير المستمر لعالم الشغل، تظل وظيفة تنمية المهارات والتعليم المستمر مدى الحياة خيارات لا محيد عنها، وتوجها استراتيجيا ضروريا في زمن ما بعد كورونا لتسليح جميع العمال والأجراء في مواجهة المستقبل، سواء كانوا نشيطين أو باحثين عن عمل، وسواء انخرطوا في الاقتصاد الرسمي وفي الاقتصاد غير المهيكل. وهي فرصة لا تعوض لتطوير المهارات وتنفيذ برامج طموحة للتعلم مدى الحياة من أجل مواجهة التحديات التي يواجهها العمال.
فما أنتم فاعلون، السيد رئيس الحكومة، في هذا المجال؟

تطوير التشغيل ووضع جيل جديد
من سياسات التوظيف وتعزيز العمل اللائق في عالم متغير

السيد رئيس الحكومة،
في سياق الأزمة الصحية الحالية، يتعين تعزيز خلق فرص الشغل والعمل اللائق، ووضع سياسات وطنية شاملة في مجال التشغيل، تدمج مقاربة النوع الاجتماعي وتوفر استجابة فورية وطويلة الأمد وتدابير للإنعاش الاقتصادي، تكون كفيلة بضمان التعافي المستدام والمبدع من الأزمة، وتوفير فرص الشغل، وحماية سبل عيش المواطنين.
ويمكن أن يساعد تطوير وتنفيذ جيل جديد من سياسات وبرامج التوظيف الشاملة والمراعية لمقاربة النوع الاجتماعي والقائمة على الاستدلال والبرهنة والتقييم في ضمان التعافي المستدام والإبداعي من الأزمة، وتوفير فرص العمل، وحماية سبل العيش لمختلف شرائح المجتمع.
وعلى هذه السياسات أن تخلق الظروف الملائمة لإدماج عناصر الاستدامة، وخاصة لصالح المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة. فالاقتصادات والمجتمعات تحتاج اليوم إلى تدابير توفر المساعدة العاجلة، بجانب تدابير متوسطة وطويلة الأمد لخروج أقوى وأكثر مرونة من ذي قبل من الأزمة.

تسهيل الانتقال من الاقتصاد غير المهيكل إلى الاقتصاد الرسمي في سياق جائحة كورونا (COVID 19)

السيد رئيس الحكومة،
يجب معالجة السمة غير الرسمية للاقتصاد غير المهيكل بشكل عاجل من أجل التخفيف من آثار الوباء على النشاط الاقتصادي وعلى سوق الشغل لمنع تآكل سوق الشغل الرسمي.
فقد تأثر العاملون في الاقتصاد غير المهيكل أكثر جراء أزمة كوفيد 19، حيث ارتفع معدل الفقر النسبي وتنامت مظاهر الهشاشة، وتأثر أزيد من 5 مليون مواطن بإجراءات الإغلاق والحجر الصحي.
وقد تأثرت النساء وتأثر الشباب بشكل خاص، باعتبارهم ممثلين بشكل كبير وواسع في اقتصاد الهامش وفي الاقتصاد غير الرسمي. علاوة على ذلك، كانت آثار الأزمة متفاوتة على مختلف قطاعات الاقتصاد غير المهيكل. وبالتالي، غالبًا ما يصعب الوصول إلى العمال والحصول على معلومات ومعطيات دقيقة حول مستخدمي الوحدات الاقتصادية في الاقتصاد غير المهيكل، وتقييم الحاجيات بشكل دقيق، وغالبًا ما لا يتلقون الدعم الذي يحتاجون إليه.
ومع استمرار انتشار الوباء، تم إجراء تشخيصات سريعة لتقييم عواقب السياسات الحالية على الاقتصاد، إلا أن الافتقار إلى تدابير ناجعة في مجال السلامة والصحة المهنيتين، والعقبات التي تعترض الوقاية والسلامة في أماكن العمل، وزيادة مخاطر تشغيل الأطفال… هي من بين المشاكل العديدة التي يواجهها أولئك الذين يشتغلون في القطاع الغير المهيكل. ويتعين أن ينصب الحوار الاجتماعي مستقبلا على مختلف جوانبها وانعكاساتها.
ويجب أن تأخذ السياسات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد الهادفة إلى خلق ظروف العمل اللائق في الحسبان الاقتصاد غير المهيكل، باعتماد استراتيجيات التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر والنمو الشامل، في أفق تحقيق أهداف وغايات التنمية المستدامة (2030) فضلاً عن تعزيز الظروف المواتية للنشاط الاقتصادي وتحفيز الاستثمار، وتعزيز ريادة الأعمال، ودعم المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن نماذج وأنواع أخرى من وحدات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مثل التعاونيات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي… وغيرها، والتي تساهم في تعزيز النسيج المقاولاتي بالعالم القروي والجبلي، والذي تضرر بشكل كبير، وفي صمت، جراء تداعيات الجائحة.
كما يجب على الحكومة تسليط الضوء أيضا على التدابير التي اتخذتها وستتخذها مع الشركاء الاجتماعيين لتقليص الطابع غير الرسمي في الأعمال والوظائف، لضمان مستوى كافٍ من الدخل أو دعم الدخل والتسريع من وتيرة توسيع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل الجميع.
ضمان حوار اجتماعي تشاركي للاستجابة بطريقة مناسبة لـتداعيات الجائحة، بشكل يساهم في تعافي الاقتصاد الوطني ويعزز قدرته
على الصمود

السيد رئيس الحكومة،
إن الانطلاق من قاعدة أساسية مفادها أن وضع وتنفيذ سياسات وبرامج التشغيل الوطنية وجميع تدابير الاستجابة والتعافي من تداعيات الجائحة يجب أن يقوم على أساس تشاور ثلاثي مسؤول وعلى حوار اجتماعي شامل dialogue social inclusif
حيث يعتبر الحوار الاجتماعي الممأسس،Institutionnalisation du dialogue social ( الثنائي أو الثلاثي)، ضروريًا لتطوير سياسات واستراتيجيات على المدى الطويل، خاصة بعد الأزمة، بهدف تعزيز الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي وتعزيز التماسك الاجتماعي، وبناء المرونة résilience على قاعدة الاستقرار stabilité.
ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن تدابير الحجر الصحي، قد تشكل، في معظم الحالات، عقبة إضافية أمام دينامية الحوار الاجتماعي. وفي هذا الصدد، أدى حجم الأزمة والحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة إلى اشتغال الحكومة بمعزل عن باقي الفاعلين، ودون استشارة الشركاء الاجتماعيين أو المجتمع المدني.
وفي ذات الوقت، أعاق الوباء الأنشطة النقابية لمنظمات أرباب العمل والعمال وأثر على انتظام علاقاتهم بقواعدهم. وكان عليهم تكييف أساليب عملهم لتقديم خدمات استشارية بشكل ملائم. ولقد تأثر الحوار الاجتماعي بشكل كبير، مما قلص من حجم ونوعية الاتفاقيات الجماعية المبرمة مقارنة بالسنوات الماضية.
ولكن، مع ذلك، فالاستثناء، لا يمكن أن يتحول إلى قاعدة !
ويتعين هنا الإقرار بأن مسار التغلب على الأزمة، تقتضي من الحكومة ألا تعمل بمفردها، وفي معزل عن باقي الفاعلين في المجتمع.
ومن المهم أن تنسق عملها وتتعاون مع مختلف الفاعلين والمؤثرين في فضاء الشغل لمواجهة الوباء، وتخفيف آثار تدابير الحجر وإعادة بناء مناخ الأعمال والاقتصاد والمجتمع على أسس البناء المشترك والمسؤول. وهو ما سيؤدي لا محالة إلى الرفع من منسوب الثقة لدى الفاعلين المعنيين، وتمكينهم من وضع السياسات المناسبة وفقًا لاحتياجات من هم في سوق الشغل، فضلاً عن الحد من الصراعات والمواجهات والتشنجات.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الحوار الاجتماعي شاملاً ويشارك فيه ممثلو النقابات و مكونات المجتمع المدني الذين سيتأثرون بالتدابير المتخذة، ولاسيما العاملين في الاقتصاد غير المهيكل والأشخاص في وضعية إعاقة وغيرهم من الفئات الضعيفة والهشة، مع ضمان تمثيلية النساء في الهيئات والمنظمات النقابية.

بناء مستقبل أفضل للجميع لما بعد الجائحة

السيد رئيس الحكومة،
إن تبني الحوار الشامل والمسؤول مع مختلف الفاعلين في عالم الشغل، بشكل تدرج فيه سياسات وبرامج التشغيل الوطنية انشغالات واحتياجات السكان، يقتضي التوفر على سياسات وطنية من الجيل الجديد، والتي تغطي جوانب النمو الاقتصادي، دون إغفال متطلبات العدالة الاجتماعية والترابية، وتعتمد أساس توافق الآراء وتضمن تكافؤ الفرص ومعالجة التفاوتات القائمة، بجدية وواقعية ومسؤولية.
فالحقيقة، أن المواطنين لا يمتلكون جميعًا نفس الوسائل والإمكانيات لحماية أنفسهم، وللتعامل المتساوي مع عواقب الوباء. والفئات الهشة أصلا، مثل النساء، هي بالفعل الأكثر تضررًا من الأزمات، مما يزيد من تفاقم وتأزيم وضعها.
وبهذا المعنى، فإن الآثار المدمرة للوباء وتدابير الحجر والتباعد الجسدي أثرت بشكل غير متناسب على العديد من القطاعات التي تنتشر فيها النساء بالخصوص، مثل صناعة النسيج والصحة والاتصالات والرعاية الشخصية والعمل المنزلي، ومختلف قطاعات الخدمات… وغيرها
بالإضافة إلى ذلك، أدت تدابير الحجر الصحي، ولا سيما إغلاق المدارس ودور الحضانة، إلى زيادة حجم مهام الرعاية المنزلية غير المدفوعة، والتي لا تزال المرأة هي التي تؤديها في المقام الأول.
كما أدت التزامات العمل والأسرة، التي أججتها ظروف الحجر، إلى خلق ضغوط نفسية إضافية على النساء المغربيات، مع ما يصاحب ذلك من مظاهر العنف ومن مختلف المخاطر على الصحة العقلية والتوازن النفسي للعديد من النساء بوجه خاص.
وغالباً ما يواجه الشباب كذلك صعوبات جمة للولوج إلى سوق الشغل. وقد ساءت هذه الحالة بشكل كبير خلال الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة لسنة 2008، ولم نتخذ منها عبرة … وجاء وباء كورونا وتدابير الحجر والاحتواء ليؤثر من جديد على الشباب، ولا سيما من خلال: انقطاع وتدبدب مسار التكوين والتدريب، مما يقلل من قابليتهم للتوظيف؛ ومن صعوبة العثور على وظائف قارة ومحفزة؛ كما أدت موجة فقدان الشباب للوظائف إلى انخفاض دخل هذه الفئة وتدهور ظروف عملها. ويمكن أن تؤدي عواقب وتبعات الوباء النفسية والاجتماعية إلى ظهور ما قد يسمى بـــ “جيل الحجر الصحي” المتذمر من الأوضاع والفاقد لحس المسؤولية والانتماء.
كما يتأثر كذلك العمال المهاجرون، والعمال المسنون، والعاملون المنزليون، والعمال القرويون بالوضع بشكل أصعب وأقوى من ذي قبل.
وغالبا ما تتركز هذه المجموعات بشكل عام في الوظائف منخفضة الأجور، وفي القطاعات الأكثر تضررًا من الوباء، وتجد نفسها في غالب الأحيان في ظروف محفوفة بالمخاطر، ويواجهون الآن مستويات متزايدة من الهشاشة والعنف والمضايقة والتحرش، وخصوصا المنخرطين منهم في الاقتصاد غير المهيكل وغير الرسمي.
فما موقع هذه الفئات الهشة من البرامج الحكومية، على ضوء تبعات جائحة كوفيد 19 ؟

التطلع إلى المستقبل بعين واثقة

السيد رئيس الحكومة،
إن بلورة جيل جديد من سياسات التشغيل الشاملة والقائمة على معطيات دقيقة ومحينة والمراعية لمقاربة النوع الاجتماعي والمستندة إلى معايير العمل الدولية، من شأنها أن توفر قاعدة صلبة وأساسًا متينًا لبناء المستقبل.
وأن وضع الحوار الاجتماعي بين الحكومة والهيئات النقابية الممثلة للعمال وأرباب العمل وممثلي المجتمع المدني المتأثرين بالتدابير المتخذة، على سكة صحيحة مبنية على قاعدة تعزيز التماسك الاجتماعي، وبناء المرونة والاستقرار كفيل ببناء الأسس المتينة لترسيخ وتنفيذ جيل جديد من السياسات والبرامج الشاملة التي تأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع والبعد البيئي والمستدام للسياسات العمومية والتحولات العميقة المرتبطة بالتشغيل وتدبير فضاء المقاولة.
وبهذه الطريقة، يمكن لدينامية الحوار الاجتماعي البناء وللأدوات والآليات المعتمدة في مجال التشغيل أن تساهم في مرونة المجتمعات والاقتصادات والمؤسسات القادرة على بناء مستقبل أفضل وأكثر شمولية وإدماجا لمختلف شرائح المجتمع.

< بقلم : عبد اللطيف أعمو

Related posts

Top