العمق الإفريقي للثقافة الحسانية

محور ندوة علمية أقيمت بمناسبة النسخة 17 لموسم طانطان

بمناسبة النسخة السابعة عشر لموسم طانطان، ومن تنظيم مؤسسة الموكَار، احتضنت قاعة العروض بالمركز الثقافي بطانطان ندوة علمية في أربع جلسات تمحورت حول موضوع “موسم طانطان والعمق الإفريقي للثقافة الحسانية”، وذلك يوم الأحد 30 يونيو الماضي.. شارك في الندوة باحثون من المناطق الجنوبية المغربية ومن موريتانيا والنيجر ومالي وبوركينا فاصو. وقد سبقتها ندوة أخرى في موضوع “الاستثمار الأخضر والثقافة” سلطت الضوء على المؤهلات الاقتصادية والطبيعية وآفاق الاستثمار بجهة كلميم وادنون.. بيان اليوم تتبعت الحدث وأعدت التقرير التركيبي الإخباري التالي:

ورقة الندوة

نحو صون وتثمين الموروث الثقافي الحساني  بمجال “البيظان”

     لعب موسم طانطان دورا مهما في إحياء الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين مجالي ضفتي الصحراء الكبرى. هذه الروابط تأسست تاريخيا عبر الامتدادات القبلية والهجرات البشرية من الشمال نحو الجنوب والجنوب الشرقي، مما أثمر انتشار الحسانية بحمولتها الثقافية والدينية على نطاق مجالي واسع اصطلح على تسميته بـ “اتراب البيظان” الممتد شمالا من وادي نون ووادي درعة إلى الضفة اليمنى لنهر السينغال جنوبا، ومن المحيط الأطلسي غربا إلى شمال النيجر ومالي شرقا. 

     واستنادا إلى موقعه الجغرافي الواسع، أصبح هذا المجال الثقافي “البيظاني” يشمل تسع دول إفريقية، خضعت تاريخيا للتأثيرات الدينية والصوفية التي رافقت شبكة الطرق التجارية العابرة للصحراء وقد لعبت العناصر الحسانية دورا أساسيا في هذا التواصل البشري وما نتج عنه من حضارة وثقافة امتزجت فيها الروافد الصنهاجية والزناتية الأمازيغية بالحسانية العربية وبثقافات شعوب وقبائل الساحل والصحراء التي شكلت على الدوام جسراً للتلاقح الحضاري والثقافي، حيث لعبت طرق القوافل، على مدى قرون عديدة، دوراً كبيراً في التثاقف ونقل الأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد والأعراف، فضلاً عن تبادل السلع والمنتجات.

     واعتبارا للتراكمات التي حققها موسم طانطان منذ سنة 2005، تاريخ الاعتراف الأممي به كتجسيد للثقافة “البيظانية”، وإدراجه في لائحة اليونسكو لروائع التراث غير المادي للإنسانية، فقد اكتسب الموسم شرعية إحياء وتجسيد ثقافة “البيظان” وجعلها في خدمة التنمية المحلية مع الانفتاح على العمق الإفريقي.

     هذا الانفتاح، سيُمكن النخبة الثقافية الإفريقية، وخاصة المبدعين منهم باللغة الحسانية، من التواصل مع إخوانهم بالشمال الغربي للقارة. ومن المأمول أن يمثل موسم طانطان حلقة وصل بين ضفتي الصحراء ويساهم بالتالي في إحياء وتفعيل الروابط التاريخية والفكرية والدينية التي تربط جنوب المغرب بجذوره الإفريقية.

     وتكتسي نسخة الموسم لهذه السنة أهمية خاصة واسـثنائية، لأنها تصادف الاحتفاء بالذكري العشرين لعودته وانبعاثه من جديد، باستضافة ممثلين عن المكوِّن “البيظاني” الحساني بمختلف الأقطار الإفريقية من أجل المشاركة في فعاليات واحتفالات الموسم، فضلا عن الإسهام في الندوة الرئيسة للمهرجان، قصد إغناء محتواها التاريخي والعلمي وإثراء النقاش البناء حول الرهانات والتحديات التي تواجه الحسانية وتعبيراتها الثقافية والأدبية والفنية المختلفة.

     كما سيكون لهذا الحضور النَّوعي للباحثين الأفارقة ومشاركتهم في الندوة دور مهم للغاية في الحوار وتبادل التجارب والرؤى في أفق صياغة تدابير وتوصيات تروم صون وتثمين الموروث الثقافي الحساني بمجال “البيظان”.

افتتاح بنكهة اقتصادية تنموية محمد فاضل بنيعيش:

الصحراء قطب اقتصادي منفتح على العمق الإفريقي في علاقاته الثقافية والاقتصادية والروحية مع المغرب

    تميزت الجلسة الافتتاحية للندوة بكلمة رئيس مؤسسة ألموكَار، السيد محمد فاضل بنيعيش، والتي ألقاها بالنيابة عنه الباحث د. عبد الله العلوي، عضو مكتب المؤسسة والمشرف على الندوة، جاء فيها:

شكل المغرب منذ القدم مجالا للتفاعل والتواصل الثقافي والحضاري بحكم موقعه الاستراتيجي الذي أهله للربط بين شمال إفريقيا ومجتمعات جنوب الصحراء، فضلا عن كونه مهداً للمبادرات الخلاقة الهادفة إلى تحقيق تنمية شاملة تستثمر المؤهلات الطبيعية لإنتاج الطاقة والعناية بالخيرات البحرية على غرار الخيرات الثقافية التي تعد الصناعات الإبداعية مدخلا هاما من مداخل تشجيعها، لاسيما في ظل إطلاق مشاريع ضخمة تجعل من الصحراء قطبا اقتصاديا منفتحا على العمق الإفريقي الذي حافظ على صلاته الثقافية والاقتصادية والروحية مع المغرب طيلة قرون خلت.

ويرجع الفضل في هذا التواصل التاريخي إلى القوافل التجارية العابرة للصحراء، والتي لم تكن حمولاتها مقتصرة على البضائع بل شملت كذلك أفكاراً علمية ودينية انتشرت على نطاق واسع في هذا المجال، كما كان للامتدادات القبلية والتنقلات البشرية التي فرضها النمط الاقتصادي المبني على الترحال من الشمال إلى الجنوب، دور مهم في إغناء الموروث الثقافي البيضاني المشترك بين ضفتي الصحراء الكبرى، وقد حظي هذا الموروث الثقافي الممثل في موسم طانطان، باعتراف الأمم المتحدة وبالعناية الملكية السامية التي تدعو إلى تثمين التظاهرات الثقافية والفنية والعمل على تشجيع البحث والدراسة في تجليات هذه الثقافة.

وقد حملت مؤسسة ألموكَار طانطان على عاتقها دعم المبادرات والإبداعات والمساهمة في تحقيق التنمية، لذلك ستشهد نسخة هذا العام توقيع ميثاق للاستثمار الجديد بمشاركة عدد من الشركاء بمن فيهم شركات مختصة بالأحياء المائية وأخرى حققت نجاحات في ميدان الطاقات المتجددة، فضلا عن دعم الصناعات الإبداعية ومواكبة التعاونيات المحلية، تكريساً للطابع الذي يميز جهة كلميم وادنون باعتبارها محضنا للاقتصاد الاجتماعي التعاضدي، ولا غرو، فالمنطقة عرفت منذ القدم بكونها ملتقى القوافل التجارية.

لقد حرص المغرب عبر تاريخه الطويل على الحفاظ على وهج العلاقات المغربية الإفريقية على كافة المستويات، وخاصة الثقافية والفكرية والروحية التي تعد أرضاً مثمرة تؤتي ثمارها في كل حين، فلقد كانت قضايا إفريقيا ولا زالت تحظى بالعناية والاهتمام اللازمين.

تأسيسا على ذلك، وتماشيا مع المبادرة الملكية الأطلسية ارتأت مؤسسة ألموكَار أن يشمل هذا الاعتناء، مجالا جغرافيا أوسع نطاقا، يمتد إلى دول الساحل والصحراء، هذه الدول التي نعتبرها صديقة شقيقة تربطها بالمغرب علاقات تاريخية ترسخت وتوطدت من خلال المشترك الديني والاجتماعي والثقافي.

وتكتسي نسخة الموسم لهذه السنة أهمية خاصة واستثنائية، لأنها، أولا، تصادف الاحتفال بالذكرى العشرين  لعودة موسم طانطان وانبعاثه من جديد، وثانيا لأن موضوع هذه النسخة ينقسم إلى شطرين يلتقيان في الهدف العام الذي يحدو المؤسسة، وهو المساهمة في تحقيق التنمية بكل أبعادها، لذلك، ستضع الفعالية الأولى نصب اهتمامها دعم الصناعات الإبداعية وتشجيع الاستثمار ومواكبة التعاونيات، بمشاركة عدد من الفاعلين الاقتصاديين والخبراء والمهنيين الذين أوجه لهم وافر الشكر والامتنان على تلبية دعوة مؤسسة ألموكَار طانطان للمشاركة في هذه الفعالية الهامة التي تنسجم مع طبيعة اهتماماتهم وتعزز مبادراتهم إلى المساهمة في التنمية التي ينشدها هذا البلد تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة نصره الله وأيده.

 كما ستعنى الفعالية الثانية بإحياء وتفعيل الروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية التي تربط المملكة المغربية الشريفة بعمقها الإفريقي، ولهذا الغرض تمت استضافة الخبراء في التراث الثقافي غير المادي، والذين تحملوا أعباء السفر ليشاركوننا احتفالية الموسم من بلدان إفريقية شقيقة، أذكر منها الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وجمهورية النيجر وجمهورية بوركينا فاصو وجمهورية مالي، وكذلك باحثين ومختصين في دراسة الثرات الحساني من أبناء الأقاليم الجنوبية للمملكة.

     نجدد الشكر والترحاب بهم وبجميع الضيوف الكرام.

نأمل في هذا الملتقى العلمي أن نستفيد من تجربة أشقائنا بدول الساحل والصحراء في تنزيل وتطبيق اتفاقية2003  لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ببلدانهم الصديقة.

ونحن في هذه المؤسسة على استعداد للعمل معا لكسب الرهانات الأساسية لصون وتثمين الموروث الثقافي المشترك بيننا ولنجعل منه رافعة لتنمية الثقافية الاقتصادية.

 

الجلسة العلمية الأولى:

تطبيق اتفاقية اليونسكو لعام 2003 المتعلقة بحماية التراث غير المادي للإنسانية

 افتتح مداخلات هذه الجلسة الباحث البوركينابي ليونسي الذي قدَّم تقريراً عن تنفيذ اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي في بوركينا فاسو منوٍّها بجهود بلده في تفعيل اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي منذ 21 يوليوز 2006، مذكرا بالمشاركة بنشاط في اللجنة الحكومية الدولية حتى عام 2026. أما الباحث النيجَيري مامان إبراهيم، فقد تحدث عن حالة تنفيذ اتفاقية اليونسكو لعام 2003 لحماية التراث غير المادي في النيجر، وقال بأن التراث الثقافي اللامادي ببلده منظم بقانون صادر سنة 1997، مبرزا أنه تم جرد أكثر من ألفي عنصر تراثي، منها عنصرين فقط تم تقييدهما على لائحة اليونسكو، داعيا في نفس الوقت إلى حماية هذا الموروث من الاندثار، لاسيما في ظل مجموعة من الأزمات والصراعات التي تعيشها المنطقة، بينما لفت لاسانا سيسي الانتباه إلى أهمية اتفاقية اليونسكو الخاصة بصون التراث غير المادي، مستعرضا مجموعة من العناصر التراثية التي تم تصنيفها ببلده، منها التعبيرات الموسيقية والمسابقات التقليدية المحلية، ومذكرا أيضا بإدراج مالي في الفترة من 2008 إلى 2023، لعشرة عناصر في قوائم التراث الثقافي غير المادي كجزء من تنفيذ اتفاقية عام 2003 في ظل اندلاع صراعات وأحداث مدمرة للتراث الإنساني بالمنطقة.

     وختم مداخلات هذه الجلسة الباحث المغربي مصطفى جلوق بمداخلة بعنوان “التراث الثقافي غير المادي المغربي: الحصيلة والأبعاد”، أبرز فيها الجهود التي تقوم بها وزارة الثقافة منذ إقرار اتفاقية اليونسكو سنة 2003 الخاصة بصون التراث غير المادي، والتي صادق عليها المغرب سنة 2006، مذكرا بمساهمة المغرب في إنشاء وتنفيذ برنامج إعلان روائع التراث الشفهي وغير المادي للبشرية، إذ تم الإعلان عن الفضاء الثقافي لساحة جامع الفنا وموسم طانطان، في إطار هذا البرنامج، في عامي 2001 و2005 على التوالي. وفي وقت لاحق، ساهم المغرب في صياغة واعتماد اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي، الذي اعتمدته اليونسكو في عام 2003، بالإضافة إلى وثائقه المرجعية، ولاسيما التوجيهات التنفيذية.

الجلسة العلمية الثانية:

الامتدادات السوسيو – تاريخية للثقافة الحسانية بالساحل والصحراء

     خلال هذه الجلسة تحدث الباحث الموريتاني أحمد ولد احظانا عن السمات الإفريقية للموسيقى الحسانية التقليدية معتبراً الموسيقى الحسانية (أزوان) موسيقى أفريقية قاريا لأنها ولدت وترعرعت واكتملت في حيز القارة الأفريقية. إلى جانب أصولها العربية الحسانية الهلالية، الراسخة، حيث حصر بعض روافد ومصادر الانتماء القاري لهذه الموسيقى المؤلفة تأليفا فنيا محكما، منها المصدر الهلالي الحساني، المصدر الموسيقي الأندلسي المغاربي، الرافد الصنهاجي والرافد الإفريقي، مبرزا أن الموسيقى الحسانية تأثرت بالموسيقى الأفريقية في المثاقفة مع بعض “الأشوار”، مثل: “السونكي” في مقام “تنجوكه”، و”جلي بوار” وكذلك “انجرو” في ابياظ الطريق الكحله.

     كما تناول الباحث أحمد البشير ضماني تراب البيضان كمجال للتلاقح الثقافي مع العُمق الإفريقي، حيث قال بأن التراب الذي يقطنه أو يجوبه البيضان الناطقون بالحسانية، سواء الرحل منهم أو قليلو الترحال، من تخوم جبال الأطلس الصغير وباني وصاغرو شمالا إلى الضفة اليُمنى لنهر السنغال جنوبا، ومن ساحل المحيط الأطلسي غربا إلى أدرار إيفوغاس بأزواد وصولًا إلى عقفة نهر النيجر بمنطقة تيمبكتو وعرق إكيدي بمنطقة تندوف شرقا، والذين ميزوه عبر التاريخ بمخيماتهم وواحاتهم وآبارهم ورسخوا فيه روابطهم العائلية ونمط تحالفاتهم وطرق تدبيرهم للموارد وإجماعهم الديني ورموزهم الثقافية المميزة لهم عن غيرهم من بدو الصحراء الكبرى، كشكل الخيمة ونوع الراحلة (القتب) وطريقة ارتداء الثياب.

     من جهته تطرق الباحث الحسان منصوري إلى مجموعة من مظاهر الحضور الحساني في المجال الافريقي، معتبرا الثقافة الحسانية موضوعا مشتركا بين مجموعة من الدول في غرب إفريقيا التي تعرف بمجال البيضان، وتشمل المغرب وموريتانيا والجزائر ومالي، كما أن لها امتداد داخل بلدان أخرى كالسنغال والنيجر… إلخ. كما ذكر بمجموعة من الدراسات الهامة التي بحثت في تجليات هذه الثقافة وقيمتها، ومناطق امتدادها، مركزة على البعد المادي واللامادي لهذه الثقافة؛ ومنها الحرف التقليدية والألعاب والرقص، وأشكال التعبير الشفاهي من الحكاية والأمثال والشعر التي تحفظها الذاكرة وتتطلب صيانتها مجهودات مضاعفة، خاصة أمام تحديات العولمة والتكنولوجية ووفاة كبار السن، التي تهدد هذا التراث في البقاء والاستمرارية.

    مداخلات هذه الجلسة ختمها الباحث محمود الزهي بعرض حول “الحياة الفكرية بالمجتمع الحساني المعاصر- قضايا ونماذج”، مؤكدا بأن الثقافة التي أنتجها الفضاء الحساني بشقيها الشفوي والمدون قضية شديدة التركيب، تتطلب من الباحثين الدارسين لها امتلاك عُدة معرفية منفتحة على تخصصات اجتماعية وإنسانية وقانونية لإدراك حجم الأفكار والمشاريع التي سطرها رموزها في مختلف المجالات والفنون، والتي تمثل بحق حضارة غنية استفادت من تأثرها وتلاقحها بثقافات صنهاجية وعربية وإسلامية وإفريقية وأوروبية.

 

الجلسة العلمية الثالثة:

المشترك الثقافي والجمالي في المجال “البيظاني”

     افتتح هذه الجلسة الباحث إبراهيم الحَيْسن بمقاربة إستتيقية وصفية تحليلية لمجموعة من الإنتاجات الفنية والجمالية التي أبدعها هذا المجتمع الحساني في الصحراء بصور متناسقة زاوجت بين النفعي والوظيفي وفي تقاطعها مع الفنون الإفريقية المجاورة، توجد في طليعتها الموسيقى التقليدية التي ترتبط بفئة اجتماعية تحترف هذا الفن وتعتاش منه، هي فئة “إيڭـَّاوَنْ” Griots، وأيضاً الرقص الشعبي كخطاب، وكذا الحديث عن الخيمة التقليدية سقف الصحراوي في الحياة ومصدر ظلِّه وراحته، والأردية التقليدية بتعدُّدها وتنوُّعها إن على مستوى طرزها أو من حيث أشكالها، وأيضا في الجانب المتصل بالمشغولات اليدوية التي تجسِّد جهود الصُنَّاع والحِرفيين وأصحاب المهن التقليدية الرَّامية إلى تأصيل هذه الأشكال التراثية دون عزلها عن جذورها الإفريقية..

     بعد ذلك، تحدث الباحث اسليمة أمرز عن “التراث الثقافي الحساني وتشكلاته الفرجوية”، حيث اعتبر هذا الموضوع كوة تواصل نحو تجسير أفق البحث وربط امتداده واختياراته، بأشكال التراث الثقافي الحساني بشقيه المادي واللامادي المكون لأي فرجة حسانية، من خلال الكشف عنها وتحليلها، ومن ثمة، التعريف بها وتقديمها على نطاق أوسع. وأيضا بالعمل على رصد ملامح تشكل تلك الفرجة المشهدية المتجددة، وتحققاتها المعاصرة في المسرح الحساني سواء على مستوى النص أو العرض.

     من جهته قدم الباحث الوالي جودا مداخلة بعنوان “البيظان وارتحالات المعنى” أشار فيها إلى حديث العديد من الباحثين عن مجال البيظان معتبرا إياه كلا موحدا منسجما، ويراه البعض مناطق مختلفة حد التناقض، وكلا الرأيين صائب بنسبة ما، لكن التأويل الذي يمكن الاطمئنان إليه هو كونها جميعها تندرج في إطار الوحدة المتعددة أو المفرد الجماعي على المستوى الإثني والجغرافي واللغوي وعلى مستوى العادات والتقاليد والأشكال الرمزية، دون إنكار الاختلافات التفصيلية التي لا تؤثر على الإجمال المؤطر.

 أما الباحث نور الدين أواه فقد خص مداخلته لحضور الإبل في الثقافة البيطانية كعناصر جمالية واجتماعية، متحدثا عنها كسفائن الصحراء التي كانت، فيما مضى، الوسيلة المثلى للسفر عبر كثبان الصحراء في فضاء البيظان؛ وذلك لسمات مهمة امتازت بها عن غيرها من الأنعام. ونظرا لذلك، شكلت موضوعا خصبا للشعراء والساكنة البيظانية يتغنون بها وينقلون عبر الأجيال قصصا عنها وفوائد جمة لها؛ حتى أضحت مكونا رئيسا في بعض العادات والتقاليد الاجتماعية.

الجلسة العلمية الرابعة:

موسم طانطان ودوره في صون وتثمين التراث الثقافي غير المادي بمجال “البيظان”

     افتتح مداخلات هذه الجلسة العلمية الرابعة والأخيرة الباحث بوزيد الغلى متحدثاً عن دور موسم طانطان في صون وتثمين التراث الثقافي غير المادي بمجال “البيظان”، مبرزا أن الموسم اضطلع بدور فعال في حفظ وصون التراث الحساني الذي يعد وشيجة ثقافية تزيد من لحمة البيضان حيثما وجدوا، إذ أن الموسم يعدّ وسماً ثقافيا حاملا للقيمة والمعنى، فهو ملتقى يحج إليه الناس من بقاع شتى، مضيفا بأنه ليس خافيا أن الموسم انتزع صفة تمثيل الثقافة الحسانية وتقديمها للعالم الذي أضحى مهتماً بالموعد الثقافي والتراثي الفريد، ليس من خلال حضور ضيوف المهرجان كل سنة فحسب، وإنما عبر تغطيات إعلامية واسعة، مما أثمر تراكم مادة جاهزة للدراسة والتحليل، كما أن الموسم أسهم في إحياء كثير من عناصر التراث وصونها من الاندثار، ولنا أن نضرب المثال بسباق الهجن المعروف لدى البيضان بـ: “لز لبل”.

     في السياق نفسه اعتبر الباحث لحبيب عيديد موسم طانطان تجمعا سنويا للبدو الرحل في المناطق الصحراوية في جنوب غرب المغرب. ويعد بمثابة احتفال كبير يجسد مختلف مظاهر الحياة الصحراوية المنتمية إلى مجال مجتمع “البيظان” بعاداتها وتقاليدها المتنوعة والعريقة. متسائلا أيضا عن كيفية مساهمة موسم طانطان في صون التراث الثقافي غير المادي بمجال البيظان؟ وعن السبل الكفيلة بتثمينه ليصبح رافعة للتنمية والتكامل بين مختلف مكونات مجال “البيظان”؟

     بدوره تحدث الباحث محمد فاضل الفيرس عن موسم الطنطان ودوره في صون وتثمين التراث الثقافي غير المادي بمجال “البيظان”، واعتبر موسم طنطان عبر مساره التاريخي الطويل سواء في حلته القديمة والجديدة مجالا لترسيخ التراث الثقافي الحساني بكل تجلياته وتمظهراته، وفرصة مهمة في سبيل الانفتاح على الثقافات الإنسانية التي تتقاطع مع الثقافة الحسانية في بعض جوانبها، ونخص بالذكر سباق الهجن كما هو الشأن بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فضلا عن ارتباطه بمجال “البيظان” عموما، وما يعنيه هذا من التلاقح الحاصل بين مختلف أرجاء الصحراء الكبرى. بينما قارب الباحث فعراس عبد العزيز واقع وآفاق حماية وتثمين شجرة الطلح بالمجال الصحراوي من خلال تقديم خلاصة دراسة ميدانية بجماعة لمسيد إقليم الطنطان، ساعيا من خلال ذلك إلى تقديم نتائجها وتوصياتها، إلى جانب تسليط الضوء على أهمية استثمار هذا التراث الثقافي والبيئي في تدبير وحماية التشكيلة النباتية الفريدة لشجرة الطلح.

توصيات الندوة

مقترحات مشاريع.. من العمق نحو الامتداد

     خلصت ندوة “موسم طانطان والعمق الإفريقي للثقافة الحسانية” إلى استصدار مجموعة من التوصيات العامة والخاصة ساهم بها الباحثون المشاركون، وقد قام الباحث د. بوزيد الغلى بتجميعها وتصنيفها، وهي كالآتي:

     أولاً: توصيات عامة

– الاستفادة من تجارب دول إفريقية في تثمين وصيانة الثقافة المادية واللامادية.

– تبادل التجارب مع خبراء متخصصين، والتعريف بالتجارب المغربية في صيانة الثقافات الوطنية وخاصة الثقافة الحسانية.

– الانفتاح على تجارب من شرق إفريقيا الناطقة بالانجليزية.

– استثمار المؤهلات الثقافية وجعلها رافعة للتنمية المستدامة.

– ترتيب وتصنيف المواقع الأثرية والنقوش الصخرية بالصحراء وتوفير الحماية القانونية لها.

– دعم السياحة الثقافية والأركيولوجية وتثمين وحماية المواقع الأثرية.

– ترميم المعالم التاريخية المحلية واستثمارها في السياحة والتنمية على نحو عام.

– إنشاء مؤسسة عمومية تُعنى بالعمق الإفريقي للثقافة الحسانية، بما في ذلك رعاية البحث العلمي والأركيولوجي في هذا المجال الذي ما فتئ يعاني من محدودية الجهود الفردية للباحثين فيه.

– تعميق الاهتمام بالمشترك الثقافي الإفريقي المغربي وتكثيف الزيارات المتبادلة بين المختصين والباحثين الأكاديميين من كلا الجانبين وعقد الندوات ذات الموضوعات المتمحورة حول إحياء هذا التراث العريق من العلاقات وإعادة نشر الكتب والدراسات الصادرة بشأنها وتشجيع النشر والتوثيق والتعريف بها بالوسائل التقنية الحديثة، بما في ذلك الأفلام الوثائقية.

– تعزيـز الدبلوماسـية الثقافية عبر إحـداث آليـات تنسيق وتعاون منتظمة بين مختلف القطـاعات الحكومـية وهيئات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية المعنية.

– تفعيل دور الملحق الثقافي بالسفارات من أجل تعزيز التعاون على مستوى الثقافة والتراث.

– تأمين مشاركة الفرق الموسيقية وفرق الألعاب التراثية في المسابقات والمهرجانات الإفريقية.

– دعم شراكة جمعيات المجتمع المدني مع هيئات أفريقية مهتمة بمجالات الفنون التشكيلية والموسيقى الشعبية وكذا الألعاب والرياضات التراثية.

– تنظيم قوافل مسرحية بين جهات الصحراء ودول إفريقيا جنوب الصحراء التي تشترك وإياها في المعطى الفرجوي.

– دعم المقاولة الثقافية ماديا ومعنويا من خلال تشجيع التكوين وتأهيل مواردها البشرية، ومصاحبة هذا النوع من المقاولات من أجل ضمان حسن الترويج والتسويق داخليا وخارجيا.

     ثانيّاً: توصيات خاصة

– ترجمة الكتب الأجنبية الخاصة بالثقافة الحسانية.

– نشر الدراسات الأكاديمية حول الثقافة الحسانية المرقونة والمركونة في خزانات الجامعات.

– إعداد موسوعة حول ذاكرة المدن والمداشر بالجنوب المغربي: مثل ذاكرة كليميم، ذاكرة الطنطان…إلخ.

– صون ذاكرة موسم طنطان وتظهير كافة عناصره الثقافية بما في ذلك الطابع الديني المتمثل في رمزية ضريح الشيخ محمد لغظف من خلال حث المجلس العلمي للطنطان ومديرية الأوقاف على تنظيم أنشطة دينية وأمداح نبوية تزامنا مع إحياء ألموكار الطنطان كل سنة.

إدماج الموروث الحساني في المناهج التعليمية إلى جانب باقي الروافد الثقافية لتعريف النشء بالثقافة الحسانية.

– تنظيم مسابقات ثقافية تلاميذية تعنى بالثقافة الحسانية في إطار التشبيك على مستوى أكاديميات الصحراء في أفق تعميم التجربة وطنيا.

– إنشاء بوابة إلكترونية وصفحات بمواقع التواصل الاجتماعي لتوثيق الموروث الثقافي الحساني بالجهات الجنوبية.

– خلق بوابة إلكترونية تتضمن أرشيف دورات الموسم، وكذا مكتبة رقمية خاصة بالصور والفيديوهات.

– تحفيز الكشف عن الوثائق الخاصة والمخطوطات الموجودة لدى الأسر والأفراد في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والتي من شأنها أن تساعد على إغناء وتشجيع البحث العلمي التاريخي والسوسيو -اقتصادي في هذا المجال، بما في ذلك إحداث جائزة محلية خاصة بالوثائق والمخطوطات.

– توثيق الموسيقى البيظانية بإنتاج موارد سمعية بصرية وأنطولوجيات خاصة بكافة الألوان الموسيقية، وكذا تقعيدها من أجل تسهيل تدريسها في المعاهد الفنية والجامعات.

– ضرورة انفتاح مؤسسة ألموكار على الفرجات الحسانية واستلهامها في الكرنفال الفني على شكل لوحات تراثية قابلة للتمسرح وخزان للتراث المحلي المادي منه واللامادي.

– العمل على استئناف أو إعادة طبع ونشر مجلة ثقافة الصحراء التي كانت تمثل المشروع البحثي المنتظم الذي يجمع الباحثين عبر المجال الحساني.

– ضرورة الإسراع بتفعيل مجلس اللغات والثقافة المغربية.

– إحداث جائزة ألموكار الطنطان الدولية للتراث.

– تشييد قرى ثقافية وتراثية بالمنطقة.

– كتابة الموسيقى بالنوطة وتوثيقها بالصوت والصورة.

– خفض عدد الندوات وتحديد تيماتها بدقة.

– خلق المؤسسة لنادي معني بحفظ التراث.

– تخصيص يوم إفريقي للاحتفاء بشجرة الطلح.

– تخصيص الإبل باهتمام أوسع بالنظر إلى أهميتها في حياة إنسان الصحراء. 

إعداد: الحسين الشعبي

 

Top