نعود من جديد إلى موضوع غياب البرلمانيين عن أعمال المؤسسة التشريعية، وهو، أولا وقبل كل شيء، إخلال بتعاقد يجمع بين «ممثل الأمة» والمواطنات والمواطنين الذين وضعوا فيه ثقتهم أثناء الانتخابات. اليوم، الجميع يقر بسلبية الظاهرة، وانعكاساتها على صورة المؤسسة التشريعية لدى الناس، وأيضا على صورة البرلماني والفاعل السياسي بصفة عامة، وقد أكد رئيس الغرفة الثانية قبل أيام، أن الظاهرة تسيء بشكل كبير إلى المشهد السياسي وإلى البرلمان بصفة عامة، معترفا، في نفس الوقت، أن المقاربة القانونية وحدها لا تكفي للحد من هذه الظاهرة.
المقاربة القانونية، وإن كانت فعلا غير كافية لوحدها، فهي ضرورية وآلية مركزية في محاربة الظاهرة، كما أن إقرار تحفيزات مادية واجتماعية ومساعدات لوجيستيكية للبرلمانيين الراغبين في العمل، بغاية إسنادهم وتحسين جودة عطائهم، أيضا مدخل من مداخل الإصلاح، ويندرج ضمن المطلب القاضي بالمساهمة في تأهيل عمل الفرق البرلمانية، وتمكينها من موارد بشرية ذات خبرة، ما سيكون له انعكاس إيجابي على مستوى الإنتاج التشريعي والأداء الرقابي والسياسي للفرق ولأعضائها.
من جهة ثانية، إن منظومة العلاقة داخل الفريق البرلماني، وقيامها على قاعدة الانتخاب بالنسبة للرئيس بشكل سنوي، وكون التمثيلية تبقى في النهاية فردية، فضلا عن تعقيدات المادة الخامسة من قانون الأحزاب المثيرة للجدل، كل هذا يحد من إمكانية تدخل الفرق أو رؤسائها لاعتماد إجراءات ضد البرلمانيين المقيمين في «ركن المتغيبين»، ما يجعلهم يكتفون بالتحسيس أو التفرج على هذا الواقع من دون أي قدرة قانونية أو واقعية على تغييره.
أما بالنسبة للأحزاب، فبالرغم من كون منح التزكيات أو حجبها، يبقى وسيلة لإبعاد عدد من «مشاريع» البرلمانيين المتغيبين، فإن هذه المسطرة تبقى بدورها غير ذات فاعلية، خصوصا أنه لا يمكن للأحزاب أن تمارس علم الغيب لتبرر رفض تزكية مرشح بمبرر أنه «مؤهل» ليكون من بين …المتغيبين، ثم إن النظام الانتخابي المعمول به في بلادنا، والمنظومة السلوكية المرتبطة بذلك، يجعلان الهيئات السياسية كلها في سباق يروم نيل أكبر عدد من الأصوات، وتجاوز العتبة، وكسب مقاعد.
وعليه، فإن المقاربة يجب أن تكون شاملة، والهدف في النهاية يكون هو تقوية الأحزاب، وجعلها تتحرر من إكراهات المنظومات القانونية والتمويلية المعتمدة اليوم وتعقيداتها، وفي نفس الوقت تتحرر من القوة المتنامية اليوم للوبيات تتغطى بالحصانة البرلمانية وبالتزكية الحزبية لحماية مصالحها الضيقة، وأحيانا تتحول أحزاب إلى رهينة لديها توجهها كيفما شاءت.
الحد من غياب البرلمانيين، وجعل الكفاءات السياسية الوطنية تتواجد داخل المؤسسة التشريعية، وتحسين جودة الأداء، كل هذا سيكون في النهاية نتيجة طبيعية لنجاح الجميع في المقاربة الشاملة لإصلاح ممارستنا الانتخابية والسياسية.