تغير المناخ و فيروس كورونا .. أية علاقة؟!

ربما تهدد بعض ناقلات الفيروسات، البعوض على سبيل المثال، بقاء الكائن البشري على قيد الحياة، هذا ما تبين بعدما بدأ الباحثون الأمريكيون والصينيون، الذين انطلقوا منذ خمس سنوات في حفر الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا، في تحليل العينات المستخرجة حيث كانت النتيجة جد مقلقة: وجود ما لا يقل عن ثلاثة وثلاثين فيروسا، خمسة منها فقط معروفة لدى العلماء.
في دراستهم التي نشرت في السابع من يناير 2020، يحذر هذا الفريق من الباحثين من عواقب الاحترار العالمي، وخاصة ذوبان الجليد الذي يمكن أن يعطي الانطلاقة لانتشار مجموعة من الفيروسات عبر العالم، وبالتالي فإن المعرفة الدقيقة للفيروسات الموجودة في بيئتنا ستكون “أحد الأصول”، كما أوضح هذا الفريق البحثي.
ووفقا لتقارير العلماء، “اختلفت الميكروبات اختلافا كبيرا بين عينتين جليديتين، وهو ما يُفترض أنه يمثل ظروفا مناخية مختلفة جدا في وقت الترسب”، لأنه حتى لو كان كلاهما من أقدم نهر جليدي على سطح الأرض، “غوليا في التبت”، فقد تم التقاطهما مرتين مختلفتين، في عامي 1992 و2005، لذلك كان من الضروري التخلص من حوالي 1.5 سم من أجل أن تصل إلى طبقة الجليد غير الملوثة بالبكتيريا اليوم.
“في أفضل الحالات، فإن ذوبان الجليد سيجعلنا نفقد البيانات الميكروبية والفيروسية الثمينة التي يمكن أن تبلغنا عن النظم المناخية السابقة لكوكبنا”، كما أوضح الباحثون، مع إضافة أنه “في أسوأ الحالات، يمكن أن يكون الاحترار العالمي هو مصدر إطلاق مسببات الأمراض الجديدة في بيئتنا”.
تحذير ليس من غير المرجح أن يكون ذلك، لأنه في عام 2016 توفي طفل يبلغ من العمر 12 عاما بعد إصابته بفيروس الجمرة الخبيثة، و لم يتم الإبلاغ عن هذا المرض منذ عام 1941، وكان هذا الأخير قد تلوث بعد تناول لحم الرنة، المصابة بامتصاص النباتات الملوثة بعد ذوبان التربة الجليدية.
اليوم، الكوكب بأكمله يرتجف تحت تهديد فيروس كورونا الجديد الذي ظهر قبل أسبوعين في الصين، ولم يتم اكتشاف الباحثين للفيروس المذكور في جليد الهيمالايا لطمأنتنا. فقد تم اكتشاف عدة فيروسات لم تكن معروفة من قبل. لكن ألا يحتمل أن يؤدي الاحترار العالمي وذوبان الجليد إلى تغيير الوضع قريبا؟
غادر فريق من الباحثين الأمريكيين والصينيين سنة 2015 إلى التبت من أجل حفر الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا لتحليل العينات الجليدية المستخرجة وبالتالي البحث عن البكتيريا والفيروسات الأخرى التي يمكن أن تحتويها، وفي طبعة سابقة لمقالهم، أخبروا العالم أنهم اكتشفوا ما لا يقل عن 33 فيروسا، 28 منها لم تكن معروفة من قبل للعلماء والباحثين المختصين.
تم اكتشاف الفيروسات المذكورة في الجليد لعمر لا يقل عن 15000 سنة و على عمق يصل الى حوالي 50 مترا، ولضمان عدم تلوث هذه العينات بتعرضها للهواء، اتبع الباحثون بروتوكولات دقيقة للغاية وصارمة، خاصة وأن تركيزات الكائنات الحية الدقيقة القديمة في هذه العينات منخفضة للغاية مقارنة بتلك الموجودة في البيئة الحالية، مما دفع بالباحثين الى وضع إجراءات جديدة لأخذ العينات فائقة النقاء و التي تنطبق على الفيروسات.
لقد اضطروا إلى الاستقرار في غرفة باردة تم إحضارها إلى درجة حرارة تقل عن 5 درجات مئوية وشاهدوا الطبقة الخارجية من العينات الجليدية – بسمك 0.5 سم – باستخدام منشار شريطي معقم. بعد ذلك، تم غسل العينات بالإيثانول لإزالة طبقة أخرى ربما تكون ملوثة تبلغ 0.5 سم، ويتم تنظيف 0.5 سم التالي بالماء المعقم.
ليس من الغريب أن يكتشف الباحثون العديد من الفيروسات غير المعروفة سابقا، حيث تختلف هذه الفيروسات تماما من عينة جليدية إلى أخرى و التي يرجع تاريخها إلى 15000 عام، والآخر عمره 520 عاما فقط. لا شك أن الاختلافات تكشف عن الظروف المناخية المتباينة في وقت إيداعها. لذلك توفر هذه الاختلافات معلومات مهمة للباحثين حول كيفية نمو الفيروسات أو عدم تطورها وفقا للظروف البيئية.
هي إذن فرصة للعلماء لجذب انتباه الجمهور إلى مشكلة جديدة يواجهونها اليوم: ذوبان الجليد نتيجة الاحترار العالمي: “في أفضل الحالات، فإن ذوبان الجليد سيجعلنا نفقد البيانات الميكروبية والفيروسية الثمينة التي يمكن أن تخبرنا عن النظم المناخية الماضية من كوكبنا”، كما يوضح الباحثون في مقالتهم. ولكن التطور المحتمل للكائنات الحية الدقيقة مع التغيرات المناخية في المستقبل: “في أسوأ الحالات، قد يكون الاحترار العالمي – والتعدين الجديد في المناطق التي يتعذر الوصول إليها في السابق – “مصدرا لمسببات الأمراض الجديدة في بيئتنا”.
الامر قد يبدو أوضح في ضوء بعض الأمثلة التي حدثت مؤخرا: ففي عام 2016 في أعماق سيبيريا، توفي صبي يبلغ من العمر 12 عاما بعد إصابته بالجمرة الخبيثة، ويبدو أن هناك سلالة أطلقتها جثة الرنة أثناء موجة الحر التي ضربت المنطقة في صيف عام 2016.
في عام 2017، اكتشف الباحثون فيروسا عملاقا عمره 30 ألف عام في التربة الصقيعية، وقد تمكنوا، تحت السيطرة، من إعادة تنشيطه، دليل على أن الفيروسات يمكنها البقاء على الأقل 30000 عام.
قد يمد ذوبان الجليد فرصة ثانية للفيروسات التي تنتشر على سبيل المثال: الانفلونزا الإسبانية الخطيرة لعام 1918.
حتى الآن تم اكتشاف فيروسات غير معروفة في جليد الهيمالايا و ستظهر الفيروسات القديمة مع ذوبان الأعمدة الجليدية
تحبس البحيرات المتجمدة في القطبين البكتيريا والفيروسات والفطريات التي لم يعرفها البشر. استجابة لتغير المناخ، يذوب الجليد وقد يجلب فيروسات عمرها ملايين السنين إلى سطح الأرض.
إذا عثر البشر على الماموث في التربة الصقيعية، فإن الجليد يخفي العديد من الكائنات الحية الأخرى. فالفيروسات والبكتيريا والفطريات محاصرة في البحيرات المتجمدة في القطب الشمالي والقطب الجنوبي. وإذا أعيد إطلاقها في الجو، فقد يصبح بعضها خطيرا!
يتم تكييف الجهاز المناعي للإنسان مع بيئته: فهو بالتأكيد لن يكون قادرا على الدفاع عن نفسه ضد بعض الفيروسات التي يرجع تاريخها إلى 3 ملايين سنة على سبيل المثال. وهكذا، في السياق الحالي لتغير المناخ، يحذر المجتمع العلمي من نتائج الذوبان الجليدي، لذا يجب أن نتوقع وصول أمراض جديدة.
في عام 2009، أخذ فريق علمي إسباني عينات من المياه من بحيرة ليمنوبولار المتجمدة في أنتاركتيكا، كشفت نتائجها المنشورة في مجلة “العلم”، عن وجود أكثر من 10000 نوع من الفيروسات تنتمي الى 12 عائلة مختلفة، بعضها لم يكن معروفا من قبل للعلماء. حتى بدون التحدث عن ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن مناطق مثل سيبيريا تعتبر بالفعل موطنا محتملا للبكتيريا.
والبحيرات تذوب بشكل دوري وتنبعث منها وتسقط البكتيريا أو الفيروسات، وغالبا ما تكون الطيور المهاجرة السبب الرئيس في توزيع هذه الفيروسات، كما أظهر شوهام وروجرز أن الفيروس قد عاود الظهور على التوالي في الثلاثينيات والستينيات وعام 2006.
بعض الفيروسات لا تنجو بعد ذوبان الجليد، لكن البعض الآخر يتأقلم جيدا. هذه عادة هي مشكلة الانفلونزا الكبيرة.
فقد ضربت جائحة الأنفلونزا دوريا في التاريخ: في القرن الماضي، حدثت الأنفلونزا الإسبانية في عام 1918، والأنفلونزا الآسيوية في عام 1957، وأنفلونزا هونج كونج في عام 1968، لكن في غضون توالي هذه الأوبئة، أين كان الفيروس؟ يقترح البعض أنه كان محاصرا في الجليد في سيبيريا.
وفي الختام يصعب التنبؤ بالأوبئة، ويكاد يصبح من المستحيل تتبع مصدرها، وبالتالي، فإن الاحتباس الحراري العالمي يزيد من خطر حدوث عدد من مسببات الأمراض والفيروسات لكل من البشر والكائنات الحية الأخرى.

< محمد بن عبو (*)
(*) ناشط بيئي، رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top