جرائم بصيغة المؤنث

ارتبطت الجريمة عموما بالرجل، والدليل على ذلك، أن أغلب السجون مكتظة بهم، فيما ظلت نسبة النساء المجرمات ضئيلة جدا مقارنة مع الرجال. لكن الملاحظ، أنه في العقدين الأخيرين، بدأ الحديث عن الجريمة بصيغة المؤنث يعرف تصاعدا، وهذا مرده، إلى كون الجرائم التي كانت مقصورة على الرجال، أضحت مشتركة وبدأت تعرف تورط النساء بدورهم، حيث تزايدت جرائمهن في مجال السرقة وتهريب المخدرات والدعارة والقوادة وقتل أزواجهن بل أبنائهن أيضا. وقد بيّنت بعض الدراسات أن المرأة في المغرب والجزائر وتونس مسؤولة عن نحو 6 في المائة من الجرائم مقارنة بالجرائم التي يرتكبها الرجل. وهذا ما جعل العديد من النساء خلف القضبان.
وهكذا لم يعد السجن خاصا بالرجال، كما كان في الماضي، بل أصبحت المرأة تتقاسمه مع الرجل ، إذ   بلغ مجموع  الساكنة السجنية  بالمغرب  خلال سنة   2019  ، 86 384  سجينا ضمنها 2,34  في المائة نساء، حسب تقرير المندوبية العامة للسجون لسنة 2019، ولتقريب القارئ من الجرائم المقترفة بصيغة المؤنث، سنكشف في هذه الحلقات عن مجموعة من النساء المجرمات اللواتي اشتهرن بجرائمهن، سواء داخل المغرب أو خارجه.

< إعداد: حسن عربي

الحلقة 20

“إلسى كوخ”.. نازية صنعت من جلود المعتقلين أغلفة للكتب

ولدت” إليزا كوخ” في دريسدن بألمانيا، 22 سبتمبر 1906، لوالد كان يعمل في مصنع، لم يعرف عن طفولتها الكثير، لكن أساتذتها في هذه الفترة قالوا إنها مهذبة وسعيدة، ودخلت “إليزا” مدرسة في سن الخامسة عشرة.
بدأت”كوخ” العمل كموظفة “كاتبة بيانات” في مصنع للتبغ، في وقت كان فيه اقتصاد ألمانيا يناضل من أجل إعادة بناء نفسه بعد الحرب العالمية الأولى، وفي أوائل ثلاثينات القرن العشرين، انضمت مع العديد من صديقاتها إلى الحزب النازي، وعن طريق أحد قيادات الحزب تزوجت من “كارل أوتو كوخ” عام 1936.
في العام التالي، أصبح “كارل” قائدًا لمعتقل “بوخينفالد” بالقرب من فايمار بألمانيا، والذي كان مشهورًا عنه أن العمر الافتراضي للسجين هو ثلاثة أشهر، ويتوفى بعدها من صعوبة المعيشة في هذا المعتقل.
شاركت “كوخ” زوجها في قيادة المعسكر، دون وجه حق، بصفتها زوجته فقط، وعاشت حياة مرفهة جدًا، وسط أجواء الجوع والعطش والذل والتعذيب التي يعيشها السجناء، فكانت تسرق أموال السجناء، وأسنانهم الذهبية ومجوهراتهم، ووضعتها هي وزوجها في حساب بنك سري، لدرجة أنها شيدت صالة رياضية بمبلغ قدره 62 ألف دولار من أموال السجناء، لتتمكن من ركوب الخيل.
كانت تسلية “كوخ”، أنها تتمشى في ساحة المعتقل، وتحاول إثارة السجناء، بملابسها الضيقة والمثيرة، لكن إذا نظر إليها أحدهم، تجلده بالسواط، وذكر بعض الناجين من المعتقل في وقت لاحق، أثناء محاكمتها لارتكابها هذه الجرائم، أنها كانت تتحمس لتعذيب السجناء، خصوصًا عندما تأمر بإرسال الأطفال إلى غرفة الغاز.
كما كشفت جلسات محاكمات نورمبرج، أن “كوخ” كانت تسلخ جلود أجساد المساجين وتستخدمها في أغطية المصابيح وأغلفة الكتب وقفازتها وحقائبها، وكانت تفتخر بذلك، وترسل هذه الأشياء لبعض أصدقائها على سبيل الهدايا.
كما كانت تركب الخيل، لاكتشاف السجناء أصحاب الوشوم المميزة، فيتم سلخ جلد السجين قبل حرقه، وتحتفظ “كوخ” به في منزلها، وتضع الجماجم في صالة منزلها، كما كانت ترسل الجلود ذات الوشوم لطبيب يُدعى “فاجنر” كان يجري بحثا عن العلاقة بين الوشم والجريمة.
اعتقلت هي وزوجها في 24 غشت 1943 في بوخنفالد بتهمة اختلاس وقتل السجناء، لكنها أنكرت كل التهم، ولم يستطع أحد إثبات التهمة كاملة عليها، بسبب نقص الأدلة، ولم يستطع المحققين إثبات أن “الأباجورة” وبعض الأشياء في منزلها مصنوعة من جلود المساجين، وأصرت هى من جانبها أنها مصنوعة من جلد الماعز، فسُجن زوجها فقط، في الوقت الذي بدأت “كوخ” علاقات غير شرعية مع بعض القيادات النازية، إلى أن تم الحكم على زوجها بالإعدام رميًا بالرصاص.
بعد تحرير معتقل “بوخينفالد” عام 1945، ألقى القبض عليها وقدمت للمحاكمة وهي حامل في شهرها الثامن من أحد المساجين، في الوقت الذي كانت تبلغ فيه 41 عامًا.
وعلى الرغم من حملها، فقد اتُهمت “بالمشاركة في خطة جنائية للمساعدة والتحريض والمشاركة في جرائم القتل في بوخنفالد” وحُكم عليها بالسجن مدى الحياة بتهمة “انتهاك قوانين وأعراف الحرب”، حسبما جاء في تقرير نشره موقع “allthatsinteresting”.
وكانت ولدت ابنًا واحدًا مع القائد كوتش قبل اعتقالهما، وولد الطفل الثاني الذي كان والده مجهولًا أثناء سجنها، ذهب كل من أطفالها إلى دور الحضانة.
بعد عامين من إدانتها، تم تخفيف الحكم إلى أربع سنوات من قبل الجنرال لوسيوس دي كلاي، الحاكم العسكري المؤقت للمنطقة الأمريكية في ألمانيا، ووفقًا لما ذكره “كلاي”، فقد جاء التخفيض لأنه “لم يكن هناك دليل مقنع على أنها اختارت السجناء للإبادة بسبب سلخ جلودهم، أو أنها امتلكت أية مقالات مصنوعة من جلد بشري”.
شعر المواطنون بالذهول عند إطلاق سراحها، وتم اعتقالها بعد ذلك بوقت قصير، خلال محاكمتها الثانية، التي بدأت في عام 1950، انهارت بشكل متكرر وكان لا بد من إزالتها من المحكمة.
وشهد أكثر من 250 شاهدًا طوال المحاكمة – بما في ذلك 50 شاهدا للدفاع، وشهد أربعة من الشهود بأنهم رأوها تختار السجناء تحديدا بسبب “الوشم”، أو أنهم رأوا أو شاركوا في تصنيع أغطية المصابيح البشرية من جلود المساجين، لكن كما حدث من قبل، تم إسقاط هذه التهمة بسبب عدم كفاية الأدلة.
وفي 15 يناير 1951، أصدرت المحكمة حكمها في قرار من 111 صفحة، وأُدينت بتهمة “التحريض على القتل والتحريض على الشروع في القتل والتحريض على جريمة ارتكاب ضرر جسدي خطير”، وحُكم عليها مرة أخرى بالسجن مدى الحياة مع مصادرة دائمة لأي حقوق مدنية، حسبما جاء في موقع “allthatsinteresting”.
وخلال فترة وجودها في السجن، قدمت عدة طعون على الحكم الصادر ضدها، ولكن تم رفضه، حتى أنها احتجت على اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، لكنها رفضت.
أثناء وجودها في السجن، اكتشف ابنها “أوي”، أنها والدته، وقد جاء لزيارتها في السجن في كثير من الأحيان على مدار سنوات في سجن “آيشاش”، حيث كانت تقضي عقوبة السجن مدى الحياة.
في 1 سبتمبر 1967، انتحر ت “إلسي كوخ” في السجن، وفي اليوم التالي، وصل “أوي” لزيارتها وصدم بوفاتها، وقد دفنت في قبر لا يحمل أية علامات، في مقبرة السجن.

Related posts

Top