“جود”.. حين تتحول المساعدات الخيرية إلى ورقة انتخابية

مراسلة من عاملة إقليم سيدي إفني تؤكد ما يروج بشأن استغلال المساعدات في أغراض انتخابية وسياسية

ما يزال الجدل متواصلا بشأن المساعدات الرمضانية التي توزعها مؤسسة “جود” الذراع الخيري لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، وذلك بعدما راجت مقاطع فيديو لتسخير آليات عمومية في نقل قفة رمضان بعديد من المناطق.
وأثار سلوك “الأحرار” و”جود” الكثير من النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهم الكثيرون حزب “رئيس الحكومة” بالقيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها واستغلال العمل الخيري في حشد الأصوات الانتخابية.

إدانة واسعة ومطالب التدخل والمحاسبة

وأدان الكثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي سلوك قادة حزب “الحمامة” الذين قالوا إنهم لم يستطيعوا لمدة 4 سنوات على قيادتهم للحكومة في تقليص الفوارق الاجتماعية ومظاهر الفقر، بل وسعوا الفئات المعوزة ودائرة الفقرة التي هوت إليها العديد من الأسر بسبب غلاء الأسعار المتواصل.
وسجل بعض المتابعين أن حزب “رئيس الحكومة” وذراعه الخيرية “جود” دشنوا توزيع مليون قفة في رمضان، بعدما استطاعوا في هذه الولاية توسيع فئة الفقراء، مستغربين لهذه المقاربة، إذ عوض أن يقوم الحزب الذي يقود الحكومة بإجراءات عملية تساهم في خفض الأسعار ومراقبتها وإنقاذ الأسر المغربية من شبح التهميش والفقر عبر سياسات عمومية ناجعة، قرر مساعدة الفقراء واستغلال موارد الدولة في ذلك لحشد أصوات هذه الفئات.
إلى ذلك، دخلت عدد من الهيئات السياسة والجمعوية على خط هذه الأزمة، حيث أعبرت هذه الهيئات عن إدانتها لسلوك الحزب الذي يقود الحكومة، معتبرين أنه يمس بالتوجه الديمقراطي وينذر باستعمال أساليب غير أخلاقية في عملية انتخابية سابقة لأوانها.
ونبهت مجموعة من الهيئات إلى خطورة ما أقدم عليه حزب التجمع الوطني للأحرار، موجهين دعوة للتدخل العاجل وفتح تحقيق بخصوص استغلال وسائل وممتلكات عمومية لتوزيع مساعدات تابعة لجمعية خاصة لأغراض انتخابية، وما تم تداوله عن مشاركة رجال السلطة إلى جانب رؤساء جماعات تابعين لنفس الحزب في تحديد المستفيدين وتوزيع هذه المساعدات.

مستشار من الأحرار يفضح ممارسات حزبه

وفي سؤال حول استعمل شاحنات عمومية تابعة لجماعات محلية بمجموعة من الأقاليم، تهرب الناطق الرسمي باسم الحكومة في الإجابة عن هذا السؤال خلال الندوة التي أعقبت مجلس الحكومة الخميس الماضي.
ويأتي تهرب الوزير المعني بعد تداول صورة لشاحنة البلدية بإقليم سيدي إفني كانت تستخدم تحت جنح الظلام من قبل جمعية “جود” الذراع الخيري للتجمع الوطني للأحرار وهي تنقل المساعدات من منزل عائلة الوزير المعني بالأمر، وذلك وسط محاولات للتستر عن هذا الفعل الذي أدانه الكثيرون والذي يكشف عن تضارب المصالح وعن استغلال لمواد الدولة والسلطة سياسيا.
واستحضر عدد من المتابعين عدد من الوقائع في البلدان الديمقراطية التي يضطر فيها المسؤول السياسي للاستقالة بعد تورطه في أعمال من هذا القبيل، وبدرجة أقل مما حدث هنا بالمغرب، حيث توسط مسؤول سياسي ووزير من الحزب الذي يقود الحكومة في توزيع مساعدات من منزله باستغلال شاحنات عمومية.


وإلى جانب هذا الحادث، وثق مستشار جماعي ينتمي بدوره لحزب التجمع الوطني للأحرار بالفيديو قيام حزبه وذراعها الخيري “جود” بجماعة تنوردي بإقليم ميدلت بتوزيع المساعدات في شاحنة عمومية تابعة للجماعة.
وقال المستشار الذي نشر مقطع الفيديو إن التنسيق بشأن هذه المساعدات تم مع رؤساء جماعات تابعين لنفس الحزب، مشيرا إلى مشاركة بعض رجال السلطة في تنظيم هذه العملية، مردفا أيضا أن عملية التوزيع تتم “بإشعار العمالة والسلطات تحدد المستفيدين”.
إلى ذلك، وبالرغم من محاولات بعض قيادات حزب “رئيس الحكومة” نفي الأمر، إلا أن مراسلة من عامل إقليم سيدي إفني إلى رؤساء الجماعات المحلية بالإقليم أكدت أن الحادث الذي جرى تداوله أمام منزل الناطق الرسمي باسم الحكومة صحيح.
عامل سيدي إفني: استعمال السيارات والآليات التابعة للجماعة لأغراض سياسية وانتخابية يعد مخالفة صريحة للقوانين

وجاء في مراسلة عامل سيدي إفني لرؤساء الجماعات بالإقليم “بلغ إلى علمي أن بعض السادة رؤساء مجالس الجماعات عمدوا إلى استعمال السيارات والآليات التابعة للجماعة لأغراض سياسية وانتخابية لا تدخل في إطار تدبير الشأن العام المحلي”.
ولفت العامل في مراسلته إلى أن هذا الأمر يعد مخالفة صريحة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل في الموضوع خصوصا المادة 94 وما بعدها من القانون التنظيمي قم 113.14 المتعلق بالجماعات.
كما اعتبرت مراسلة عامل الإقليم أن هذا السلوك يعتبر استغلالا لوسائل الجماعة لمصلحة خاصة مما قال إنه “يعد ضربا لمبدأ تكافؤ الفرص”، داعيا في هذا الصدد إلى الحرص على تتبع استعمال وسائل وآليات الجماعة وعدم الترخيص باستعمالها إلا للمصلحة العامة وفي إطار القانون.
إلى ذلك، كان رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية قد وجه سؤالا كتابيا إلى وزير الداخلية، عن استخدام مؤسسة “جود” لوسائل عمومية في توزيع المساعدات لأغراض انتخابية، مشيرا إلى أن الرأي العام ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تداولت على نطاق واسع تسجيلات توثق بالصوت والصورة عمليات توزيع “مساعدات عينية” من قبل هذه المؤسسة.

حموني يراسل وزير الداخلية

وأوضح حموني أن هذه العمليات تُنفَّذ عبر شبكة واسعة تحت غطاء العمل الجمعوي، لكنه أكد أن الأمر يتجاوز العمل الخيري ليصل إلى استغلال وسائل وممتلكات عمومية في النقل والتخزين والتوزيع. واعتبر أن هذه المساعدات، التي تُقدَّم تحت شعار التضامن، تحمل في طياتها أهدافًا انتخابية واضحة.
وأضاف أن هذه الممارسات تعكس استغلالًا غير أخلاقي لأوضاع الفقر والهشاشة بهدف استمالة الناخبين لصالح الحزب الحاكم، مؤكدًا أن الجميع على دراية بالارتباط العلني بين هذا الحزب ومؤسسة “جود”. وانتقد حموني بشدة هذه الأساليب، معتبرًا أنه كان الأجدر بالحزب الحاكم توظيف موقعه المؤسساتي في تبني سياسات فعالة لمكافحة الفقر والحد من الغلاء وتحسين القدرة الشرائية، بدل اللجوء إلى ما وصفه بـ”الأساليب الملتوية” التي تقترب من حملة انتخابية غير مشروعة وسابقة لأوانها.
وأشار رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب إلى أن هذه الممارسات تُعمِّق الفوارق الاجتماعية وتُضعف الثقة في المؤسسات المنتخبة، مما يُهدد الاختيار الديمقراطي الذي يفترض أن يقوم على التنافس النزيه وتقديم البرامج والبدائل، وليس على توظيف الأموال والمساعدات. كما ذكّر بأن توزيع المساعدات لأغراض خيرية يخضع لقواعد واضحة ينظمها القانون 18.18، الذي يحدد ضوابط جمع التبرعات وتوزيع المساعدات، بما في ذلك المراقبة، والتصريح بالمصادر المالية، وتحديد هوية المستفيدين، وإلزامية تقديم تقرير للإدارة.
وطالب حموني وزير الداخلية بالكشف عن التدابير التي تتخذها الوزارة لضمان التطبيق الصارم للقوانين المنظمة لتوزيع المساعدات الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بمؤسسة “جود”، التي أكد أن ارتباطها الحزبي والانتخابي واضح ومتداول على نطاق واسع.
يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها مؤسسة “جود” لانتقادات تتعلق باستغلال العمل الخيري في أجندات انتخابية. ففي انتخابات 2021، وُثقت خروقات عديدة نسبت إليها، حيث كانت توزع مساعدات تحمل شعار ورمز حزب التجمع الوطني للأحرار، مما أثار احتجاجات من عدة أحزاب، ضمنها حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة في التحالف الحكومي الحالي.
وسبق لعدة هيئات سياسية أن راسلت وزارة الداخلية محذرة من تجاوزات مؤسسة “جود”، ومنبهةً إلى مخاطر توظيف العمل الخيري في استقطاب الناخبين، بما يهدد نزاهة العملية السياسية ويضر بمصداقية المؤسسات الحزبية وصورة الديمقراطية في البلاد.

< محمد توفيق أمزيان

Top