حرائق لوس أنجلوس.. خسائر تاريخية وقلق متزايد بشأن الآثار المدمرة لتغير المناخ

حذرت السلطات الصحية في لوس أنجليس أول أمس السبت السكان من المخاطر الصحية الناجمة من دخان حرائق الغابات الواسعة التي دمرت مساحات شاسعة من المدينة الواقعة في كاليفورنيا وحضتهم على ملازمة منازلهم.
وتجتاح الحرائق الهائلة ثاني أكبر مدينة في الولايات المتحدة وتنبعث منها سحب سامة في الهواء.
وقال أنيش ماهاجان من إدارة الصحة العامة في مقاطعة لوس أنجليس في مؤتمر صحافي “نحن جميعا نواجه دخان حرائق الغابات وهو مزيج من الجسيمات الصغيرة والغازات وأبخرة الماء”.
وأضاف “إنها جسيمات صغيرة تدخل إلى الأنف والحلق وتسبب التهاب الحلق والصداع”. وتابع “في المناطق التي يكون فيها الدخان مرئيا أو تكون هناك رائحة دخان، وحتى في الأماكن التي لا يمكنكم رؤية (الدخان) فيها، نحن نعلم أن جودة الهواء رديئة، لذا يجب عليكم الحد من تعرضكم للهواء الطلق قدر الإمكان”.
ووفقا لماهاجان، يتوجب أيضا على الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة البقاء داخل المنازل قدر الإمكان واستخدام نظام لتنقية الهواء. وأوصى من يضطرون للعمل في الهواء الطلق بوضع كمامة للوقاية من الجسيمات الدقيقة.
أما الشباب وكبار السن والمرضى فيجب عليهم خصوصا توخي الحذر.
وأتت الحرائق المتعددة على مساحات شاسعة من المناطق، وحولت منازل وشركات وسيارات ونباتات إلى رماد. وخلال اندلاع هذه الحرائق، احترقت مواد بلاستيكية وكيميائية ووقود ومواد بناء، ما أدى إلى انتشار جسيمات سامة في هواء المنطقة المكتظة بالسكان.
والجمعة أعلنت مقاطعة لوس أنجليس حال الطوارئ الصحية بسبب الدخان وحظرت استخدام آلات مثل نافخات أوراق الشجر التي يمكن أن تنفث الأبخرة الخطرة.

الأكثر تكلفة في تاريخ أميركا

وتسببت الحرائق المستعرة في جنوب كاليفورنيا في دمار واسع النطاق في منطقة لطالما كانت تدرك مدى تعرضها للكوارث الطبيعية.

ومع احتراق أحياء مثل “باسيفيك باليسيدز” وغيرها من المناطق العالية المخاطر، فقد تم تهجير أكثر من 180 ألف شخص، وفقد 16شخاصا حياتهم، وتعرضت أكثر من 57 منشأة لدمار كبير.

وقالت صحيفة إيكونوميست إن هذه الحرائق ليست مجرد مأساة إنسانية، بل أزمة اقتصادية عميقة تكشف هشاشة سوق التأمين في ولاية كاليفورنيا، وتثير القلق بشأن التكاليف المتصاعدة للكوارث المرتبطة بالمناخ.

حتى العاشر من يناير الجاري، قدرت الأضرار الاقتصادية الأولية المباشرة الناتجة عن هذه الحرائق بأكثر من 50 مليار دولار، مع توقع أن يغطي التأمين منها نحو 20 مليار دولار فقط، وفقا لتقديرات “جي بي مورغان”.

هذه الأرقام تجعل هذه الحرائق واحدة من أكثر الحرائق تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، وقد تعرض حي “باسيفيك باليسيدز” -الذي يبلغ متوسط أسعار المنازل فيه 4 ملايين دولار- للدمار الأكبر.

أما “حريق إيتون” في الشمال، فلا يزال يهدد المناطق الأقل ثراء، وهو ما يبرز الطبيعة المتنوعة والعشوائية لهذه الكارثة.

وأشار تقرير صادر عن شركة “أكيو ويذر” الأميركية لخدمات التنبؤ بالطقس إلى أن إجمالي الخسائر قد يتراوح بين 135 و150 مليار دولار، مما يعكس التأثير الكبير على منطقة تحتوي على بعض أغلى العقارات في الولايات المتحدة.

وتعد هذه الحرائق أسوأ حرائق غابات في تاريخ لوس أنجلوس، وقال عنها الرئيس الأميركي جو بايدن إنها “أكبر حرائق الغابات وأكثرها تدميرا في تاريخ كاليفورنيا”، مؤكدا أن “التغير المناخي حقيقة واقعة”.

وعقد بايدن -الذي أعلن حالة كوارث كبرى في كاليفورنيا- اجتماعات مع كبار المسؤولين لبحث الاستجابة الفدرالية.

اتساع نطاق الحرائق

اتسع نطاق الحرائق الكثيرة المستعرة في لوس أنجليس منذ خمسة أيام والتي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلا، لتطال مناطق كانت بمنأى من النيران.
ونشر الطبيب الشرعي في مقاطعة لوس أنجليس لائحة بالقتلى دون ذكر تفاصيل عن هوياتهم. وجاء في الوثيقة أنه عثر على خمسة من القتلى في منطقة حرائق باليساديس، و11 في منطقة حرائق إيتون.
وأتت هذه الحرائق على أجزاء كاملة من ثاني كبرى المدن الأميركية، مدمرة أكثر من 12 ألف مبنى و15 ألف هكتار من الأراضي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن خلال اجتماع في البيت الأبيض إن المشهد “أشبه بساحة حرب وعمليات قصف”.
ورغم الأعداد الكبيرة للإطفائيين المشاركين في احتواء الحرائق، صدرت أوامر إخلاء طالت الجزء الشرقي من باسيفيك باليسايدس في منطقة تضم خصوصا مركز غيتي. وتعرض في هذا المتحف الشهير المشيد في جزء منه بحجر مقاوم للنيران 125 ألف تحفة فنية.
ووجهت انتقادات إلى السلطات على خلفية مدى جهوزيتها وطريقة استجابتها، رغم أنه من المبكر معرفة سبب الحرائق.
وقالت مسؤولة فرق الإطفاء كريستين كراولي لمحطة “كاي تي تي في” التابعة لـ”فوكس نيوز” إن “ثمة نقصا متواصلا في الطواقم والموارد والأموال”.
لكن خلال مؤتمر صحافي عقد السبت بحضور كراولي، قل لت رئيسة البلدية كارين باس من أهمية التوترات السائدة، مشددة على أن المسؤولين السياسيين وأجهزة الإغاثة والأمن كانوا “جميعا على الموجة نفسها”.
وأعلنت المكسيك السبت إرسال تعزيزات للمساعدة في مكافحة الحرائق في لوس أنجليس.
وأعرب البابا فرنسيس السبت عن “الحزن” بسبب الأرواح المفقودة والأضرار، مبديا “تعاطفا روحيا” مع المنكوبين بهذه “الفاجعة”، وفق برقية وجهها إلى رئيس أساقفة لوس أنجليس.

نقص في الإمدادات

في ظل عمليات النهب التي تكثر في المناطق المنكوبة أو التي أخليت من سكانها، فرضت السلطات حظر تجول صارما يسري بين الساعة السادسة مساء والسادسة صباحا، في منطقتي باسيفيك باليسايدس وألتادينا الأكثر تضررا.
إزاء حجم الأضرار، طلب حاكم كاليفورنيا غافين نيسوم الجمعة “مراجعة مستقلة شاملة” لأجهزة توزيع المياه في المدينة. وقد وصف نقص إمدادات المياه وفقدان الضغط في صنابير الإطفاء في اللحظات الأولى، بأنه “مقلق جدا”، وهو الأمر الذي تسبب باتساع رقعة الحرائق.
وكتب في رسالة مفتوحة “نحن بحاجة إلى إجابات لمعرفة ما حدث”.
والتهم الحريق الرئيسي من أصل أربعة حرائق لا تزال نشطة، أكثر من ثمانية آلاف هكتار على ساحل ماليبو وحي باسيفيك باليسايدس الراقي حيث أكدت فرق الإطفاء أنها سيطرت على 11 بالمئة من النيران صباح السبت.
ومن الأشخاص الذين فقدوا منازلهم، الممثل ميل غيبسون الذي قال لـ”نيونايشن” إنه مصدوم جدا لخسارته منزله في ماليبو.

وقالت نيكول بيري التي أتت النيران على منزلها في باسيفيك باليسايدس، في تصريح لفرانس برس إن السلطات “تخلت بالكامل” عن السكان.
وأخليت مئات آلاف المساكن في لوس أنجليس في ظل تواصل أوامر الإخلاء التي صدر بعضها من طريق الخطأ.
ونشرت تعزيزات عسكرية، فيما أوقف عشرات الأشخاص.
ودعت السلطات سكان كاليفورنيا إلى الاقتصاد في استهلاك المياه لأن ثلاثة خزانات تغذي محطات مكافحة الحرائق فرغت.
والرياح التي تهب راهنا معروفة باسم “سانتا آنا” وهي مألوفة في فصلي الخريف والشتاء في كاليفورنيا. لكن خلال الأسبوع الماضي بلغت حدة غير مسبوقة منذ العام 2011، على ما أفاد خبراء بالأرصاد الجوية.
وتشكل هذه الرياح كابوسا للإطفائيين لأن كاليفورنيا عرفت سنتين ماطرتين جدا أدتا إلى إنعاش الغطاء النباتي الذي يبس حاليا بسبب الشتاء الجاف الذي تشهده المنطقة.
ويشير علماء بانتظام إلى أن التغير المناخي يزيد تواتر الظواهر الجوية القصوى.

Top