حقلنا الحزبي

يشهد حقلنا الحزبي منذ مدة نقاشات عديدة ترتبط بالممارسة الحزبية في بلادنا، وبالمشهد السياسي برمته… وكذا بضرورة إصلاحهما وتأهيلهما، ولدى استعراضه للدعامات الأساسية الأربعة التي يقوم عليها المسار التنموي للمغرب، اعتبر جلالة الملك، في خطاب العرش الأخير، أن الدعامة الأساسية الثانية هي توطيد الصرح الديمقراطي، لافتا إلى كون جلالته ما فتئ، منذ توليه العرش، يعمل على ترسيخ دولة القانون، واعتماد إصلاحات حقوقية ومؤسسية عميقة، وتوسيع فضاء الحريات، والممارسة السياسية الناجعة، القائمة على القرب والمشاركة.
إن ما يعيشه مجالنا الحزبي، وخصوصا الانتخابي، في السنوات الأخيرة، أفقده كثير مصداقية، وصرنا كما لو أن البلاد التي جسدت الاستثناء في محيطها العربي والإفريقي من حيث ديناميتها السياسية، وتعدديتها الحزبية والإعلامية والثقافية، هناك من يقودها نحو …(اللاسياسة).
إن الاختيار الديمقراطي والحداثي ليس مجرد كلام بلا معنى، والديمقراطية هي أساسا ممارسة وسلوك يومي في المجتمع والدولة، ولأنها كذلك فهي لا تقوم بلا أحزاب حقيقية وقوية ومستقلة.
اليوم، البلاد في حاجة لإعادة الاعتبار لتعدديتها السياسية ولحياتها الحزبية ولحقلها السياسي في شموليته، وهذه المهمة حيوية لتعزيز دولة القانون، ولكسب رهانات التحديث والتنمية.
وبمناسبة اقتراب الدخول السياسي والبرلماني المقبل، وبعد المناقشات والتصريحات التي اهتمت في الشهور الأخيرة بإصلاح القوانين الانتخابية ونظامي غرفتي البرلمان، وفي انتظار الكشف عن تفاصيل مشروع الجهوية، التي قال جلالة الملك إنه لا يعتبرها فقط نمطا جديدا للحكامة الترابية، وإنما هي، في العمق، إصلاح وتحديث لهياكل الدولة، فإن موضوع إصلاح وتأهيل الحقل السياسي والحزبي وإعادة الاعتبار لنبل السياسة أصبح أكثر إلحاحا.
ومن جهتها فإن الأحزاب الحقيقية مدعوة  للإسهام في هذه الدينامية، أساسا من حيث تجديد الخطاب والتفكير والرؤية، ومن حيث جعل التحالفات منطقية، وثالثا من حيث تخليق هياكلها، وبالتالي تمكين المغاربة من فعل سياسي مختلف عن السائد اليوم.
الأحزاب المذكورة مطالبة أيضا بتفعيل مسلكيات الاقتراب من الناس على الصعيد التنظيمي، وذلك بما يعنيه الأمر من وضع بنيات استقبال ملائمة، وبما يمكنها من توسيع قاعدة المنخرطين في العمل السياسي المنظم، مع الحرص على إشراك نسب أكبر من الشباب والنساء في منظومة العمل الحزبي.
بعيدا عن وصفات تعرض هنا أو هناك، فإن إعادة الاعتبار لحقلنا الحزبي ولتعدديتنا السياسية ودعم الأحزاب والحرص على قوتها واستقلاليتها، يمثل المدخل لإنجاح المسار الديمقراطي والتحديثي والتنموي للمغرب.

Top