رحـيـل المناضل اليساري التونسي أحمـد إبراهيــم رمــز الوطنية والنّضــال والتّواضــع

• إعداد: الطيب الدكالي

فقدت تونس يوم الخميس 14 أبريل الجاري، المغفور له، أحمـد إبراهيــم مناضلا يساريا وأمينا عاما لحزب سياسي إثر معاناة طويلة مع المرض أسلم بعدها الروح عن سن 69.
كان الفقيد مناضلا حقيقيا، كسياسي ونقابي وجامعي، ويعتبر من الوجوه البارزة في صفوف الحركة اليساريّة والديمقراطيّة، وقد تعرّض بسبب ذلك إلى عدة مضايقات من النظام السابق.
رحل أحمد إبراهيم تاركا وراءه تاريخا مشرفا جمع بين التمكّن الأكاديمي كجامعي صاحب بحوث عديدة، وبين السياسة دون السقوط في “السياسوية”، وذلك منذ أواسط الستينيات عندما انخرط في الحزب الشيوعي التونسي.
ويحسَب للفقيد احترام النخب المثقفة والطيف السياسي التونسي، وخاصة الذين يختلفون معه، لأنه مارس السياسة بجرعة أخلاقيّة راقية، بحيث أنه كان رمزا لنكران الذات والتواضع والنظرة الثاقبة والثقافة الواسعة…
وخلال فترة دراسته الجامعية بباريس خلال الستينيات من القرن الماضي، كان بموازاة مع الدراسة يناضل في أوساط العمال التونسيين بالمهجر، وكذا داخل الحركة الطلابية التونسية، حيث رغم الصراعات الفكرية والإيديولوجية القوية بين الحزب الشيوعي والمنظمة اليسارية “آفاق – العامل التونسي”، فإن ذلك لم يمنعه من مساعدة ودعم مناضلي تلك المنظمة الذين كانوا يعانون من القمع والمطاردة البوليسية.
قام بأدوار طلائعية رفقة مناضلات ومناضلين يساريين في تحويل مجلة “نساء” إلى “جمعية النساء الديمقراطيات”، وتأسيس منتدى “ابن رشد” الذي رفضت السلطة منحه الترخيص القانوني…
ويذكر رفاقه وخصومه جيدا ترشحه سنة 2009 للرئاسية ضد بن علي “الفائز” مسبقا، ولكنّ حملته آنذاك ساهمت في خلق مناخ مدني قادر على تحقيق الحلم ولو تدريجيا بمجتمع تعددي مدني ديمقراطي.
لم ينحن ولم يطأطئ رأسه خلال فترات اشتداد الهجمات القمعية، بل بقي هامة شامخة، كما قاوم بنفس الثبات القوى الظلامية التي أرادت العبث بمكتسبات الثورة…
رغم الصراعات المعروفة بين حزبه وحركة “النهضة”، فقد كان له أصدقاء فيها، ومعروف عنه أنه لا يهادن على المبادئ وعلى السياسة باعتبار ان السياسة أخلاق قبل كل شيء.
ختم أحمد إبراهيم حياته السياسية بقرار جريء، غير مسبوق في الحياة السياسية التونسية، وهو التخلي عن المنصب الأول في حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي. وتكريما لروح الراحل وتقديرا لوطنيته وتضحياته لخدمة قضايا بلده، تم دفنه عصر يوم الجمعة الماضي بمقبرة الزعماء بتونس العاصمة.

تدوينة أخيرة للفقيد

من بين التدوينات الأخيرة التي نشرها القيادي اليساري أحمد ابراهيم، نص قصير ومعبّر كتبه يوم 20 مارس 2016، طالب فيه بإعادة الاعتبار الى كل الوطنيين المنسيين، وجاء فيه: “بمناسبة الذكرى 60 للاستقلال، جدير بنا ألاّ ننسى كل الوطنيين دستوريين، وشيوعيين، ومستقلين… الذين ضحوا لإخراج المستعمر… فتحية لروحك يا جورج عده، وتحية لروح الرفاق الذين غادرونا، محمد النافع، ومحمد حرمل، وعلي جراد، ومحمد جراد، وخميس الكعبي، وحسن السعداوي… وغيرهم كثيرون… التاريخ الرسمي في عهد بورقيبة وبن علي لطالما غيب دور هؤلاء المكافحين… فلنعمل على إعادة الاعتبار إلى كل الوطنيين المنسيين!”.

قالوا عن الفقيد

حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي التونسي

ببالغ الحسرة والأسى، ينعى حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي رئيسه المؤسس المغفور له الرفيق احمد ابراهيم الذي خطفته منا يد المنية صبيحة يوم الخميس 14 ابريل 2016.
وقد كان رفيقنا احمد ابراهيم أستاذا جامعيا متميزا وصديقا وفيا واخا عزيزا على قلوبنا ومناضلا نزيها صادقا أفنى حياته حبا لتونس ودفاعا عن مبادئ الحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية.
انخرط منذ شبابه في الحركة الطلابية وكان أحد وجوهها البارزة، ثم في الحركة النقابية صلب الاتحاد العام التونسي للشغل ضمن نقابة التعليم العالي والبحث العلمي. كما انخرط في الحزب الشيوعي التونسي قبل رفع الحضر عليه وفي حركة التجديد التي شارك في تأسيسها وشغل خطة أمينها العام قبل ان يساهم في تكوين حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي.
لقد خاض الفقيد بكل شجاعة غمار الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 ونافس مرشح السلطة منافسة “الند للند” رغم المحاصرة والمضايقات والعراقيل اعلاء لراية الحرية والديمقراطية في بلادنا.
وعلى إثر انتخابه كعضو بالمجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، ساهم الفقيد كنائب بالكتلة الديمقراطية عن حزب المسار مساهمة مرموقة في صياغة دستور الجمهورية الثانية ليكون لتونس دستور ديمقراطي وحداثي وتقدمي يحمل تطلعات مواطناتها ومواطنيها ويفتح افاقا لمستقبل أفضل للأجيال القادمة. وقد شغل الرفيق احمد ابراهيم بعيد اندلاع الثورة وظيفة وزير للتعليم العالي وعمل بكل جهده على إصلاح المنظومة التعليمية والدفاع على التعليم العمومي وحقق مكاسب ناضلت من اجلها اجيال من الجامعيين والطلبة.إن احمد براهيم مثال للمناضل الوفي الصادق الحكيم الذي عمل طيلة حياته على توحيد صف العائلة الديمقراطية والتقدمية والحداثية لما فيه مصلحة الوطن وخيره.
وأن حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، بجميع مناضلاته ومناضليه، اذ ينحني بكل خشوع ترحما على روح فقيد الوطن المناضل احمد براهيم، فانه يتقدم باحر التعازي الى زوجته ورفيقة دربه المناضلة ليليا كشوخ ابراهيم والى ابنتيه سيرين ومية والى اشقائه وشقيقاته والى كافة أفراد عائلته والى العائلة الديمقراطية الواسعة. وسنبقى على درب رفيقنا “خضر مرابعنا… زرق سناجقنا… بيض أيادينا… بيض أيادينا… بيض أيادينا “.

تونس في 14 أبريل 2016
الأمين العام: سمير الطيب

 

رئيس الجمهورية التونسية: رحيل أحمد ابراهيم خسارة كبرى للوطن

اعتبر رئيس الجمهورية التونسية الباجى قايد السبسى، أن رحيل السياسى والمناضل أحمد ابراهيم خسارة كبرى للوطن. وجاء في برقية التعزية التي وجهها الى عائلة الفقيد: “لقد فقدت اليوم صديقا وأخا عزيزا، وفقدت تونس رجلا وطنيا ومناضلا صادقا، نذر عمره ومسيرة حياته لخدمة قضايا بلده وقيم العدالة والحرية والكرامة، ولعب دورا هاما في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي بعد الثورة”.

 

 رئيس الحكومة التونسية: المناضل أحمد ابراهيم له إسهام فاعل في مسار الانتقال الديمقراطي

قال رئيس الحكومة الحبيب الصيد في برقية تعزية إلى عائلة الفقيد: «فارقنا المناضل أحمد ابراهيم بعد حياة زاخرة بالعطاء، كرسها لخدمة المبادئ السامية والقيم النبيلة وقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. كما كان له إسهامه الفاعل في مسار الانتقال الديمقراطي وتجسيد استحقاقات ثورة 17 دجنبر و14 يناير”.

Related posts

Top