عاد شبح انقطاع الماء عن المنازل ودون سابق إنذار ليخيم من جديد على بيوت المغاربة، في خطوات تروم “الحفاظ على الماء” في ظل العجز المائي الذي تشهده المملكة بسبب عدة عوامل.
وفي هذا الصدد، تفاجأ سكان مدينة برشيد منذ نهاية الأسبوع الماضي بانقطاع المياه عن الصنابير بشكل يومي دقائق قبل موعد الإفطار وحتى ساعات بعد منتصف الليل، ما وضعهم في موقف حرج جدا، نظرا للظرفية الخاصة التي تطبع شهر رمضان، خاصة أنه يتم قطع المياه في وقت الذروة حيث يكون السكان في حاجة ملحة وكبيرة للمياه.
وأنذر مصدر عليم لجريدة بيان اليوم أن القادم سيكون أسوأ، مشيرا إلى أنه في الأيام القادمة قد تشهد برمجة مستمرة لقطع المياه عن الصنابير، بعدد من المدن لفترات زمنية محددة، نظرا للوضع المائي بالبلد.
لا غرو أن مسؤولية الحفاظ على الثروة المائية تقع على الجميع مسؤولين ومواطنين، إلا أن الوقائع والحقائق تسائل مدى نجاعة هذه التدابير في ظل تأكيد عدد من التقارير الرسمية، أن الاستهلاك المنزلي للمياه يأتي في مراتب متأخرة، مقارنة مع حجم الاستهلاك الفلاحي والصناعي والسياحي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر قالت دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط في شتنبر 2020، إن الفلاحة تعتبر القطاع الأكثر استهلاكا للماء في المغرب، بحوالي 9 مليارات متر مكعب سنويا، ما يمثل 87.8 في المائة من إجمالي الماء المستهلك.
وتظهر نتائج الدراسة أن الفلاحة بصفة مباشرة، والصناعة الغذائية والتبغ والتجارة والفنادق والمطاعم، بصفة غير مباشرة، هي المحفزات الرئيسية لاستهلاك الماء في المغرب.
كما أن تقريرا آخر تحت عنوان “أثر الصناعة السياحية على موارد المياه العذبة”، أنجز عام 2011 لصالح مؤسسة السفر البريطانية، أظهر مجموعة من الأخطار التي يعرفها المجال المائي بالمغرب، ومن ذلك النقص الكبير الذي وصل إلى مستوى جد حرج والتأثير السلبي الكبير للتقلبات المناخية على مستوى التساقطات، فيما يعرف خطر نقص الماء على الأمن البشري أكبر مستويات الخطورة.
ويورد التقرير -الذي انصب على دراسة الكثير من البلدان- أنه إن كان استهلاك الماء في المجال السياحي بالمغرب لم يصل بشكل عام إلى مرحلة التأثير الخطير على مياه الشرب، وكذا على مستوى حصة المغرب من المياه العذبة، فإن الخطر يظهر في أن استهلاك سائح واحد للماء يفوق كثيرا استهلاك الفرد القاطن بالبلاد في يوم واحد، كما أن جودة الماء من حيث تحميل النتروجين وصلت مستوى مقلقا، شأنها شأن وفاة الأطفال بسبب الإسهال “432 من كل 100 ألف مولود”، وهي وفيات يربطها التقرير بنقص جودة المياه.
وفي سياق متصل، كشفت CNN في تقرير لها سنة 2016 أن أرقام فواتير استهلاك المياه والكهرباء تبقى مرتفعة في الفنادق المغربية المصنفة، خاصة ثلاث نجوم فما فوق، مشيرة إلى أن فندقا من صنف أربع نجوم في مدينة أكادير، وواحد من سلسلة تتوزع عبر عدة مدن مغربية، وصل معدل استهلاكه الشهري في عام 2015 إلى 100 ألف درهم بينما يصل معدل استهلاك المياه شهريا خلال السنة ذاتها إلى 40 ألف درهم.
في فندق آخر من الصنف نفسه، بالدار البيضاء، تابع لشركة فرنسية، بلغ المعدل الشهري لاستهلاك المياه حين إعداد التقرير إلى أزيد من 12 ألف درهم، وهو رقم يتم تجاوزه بقليل في فندق ثلاث نجوم، من السلسلة نفسها.
بينما يصل معدل استهلاك المياه في فندق 5 نجوم، تابع للشركة ذاتها، إلى 16 ألف درهم شهريا، وفي فندق آخر من نفس الصنف بمدينة مراكش، فرقم استهلاك المياه يصل فيه شهريا إلى 50 ألف درهم.
وبالتالي فأمام هذه الأرقام، يثار مرة أخرى سؤال الجدوى من هذه القرارات الارتجالية (قطع الماء على الساكنة) التي تؤثر بشكل سلبي على سيرورة حياة المواطن المغربي في ظل الأجواء المشحونة بفعل ارتفاع الأسعار والغلاء المعيشي، وهو الذي يتراوح استهلاكه للمياه حسب ما كشفت عنه العشرات من الأسر المتوسطة بين 20 إلى 70 درهما في أقصى الظروف، في وقت يتم فيه غض الطرف عن قنوات استنزاف الثروة المائية من قبيل الصناعة (مثل شركات المشروبات الغازية) والمرافق السياحية والإقامات السكنية الفاخرة فضلا عن الزراعات المستنزفة للثروة المائية.
< عبد الصمد ادنيدن