شعبوية إلكترونية

يلاحظ في الآونة الأخيرة بروز تنافس من نوع خاص، هدفه كسب تأييد أو تعاطف جمهور فرق معينة، والتركيز ينصب بالخصوص على الأندية ذات جماهيرية كبيرة.
تنافس غير مبني على أساليب وطرق مهنية، بقدر ما هو لهاث وراء تحقيق أرقام معينة، فيما يخص عدد الزوار، ونسبة المشاهدة لفيديوهات ومقاطع معدة أساسا لهذا الغرض غير البريء تماما في أهدافه.
لا يهم المحتوى أو الرسالة المنتظر إيصالها للمتلقي أو مناقشة القضايا التي تهم المجال الرياضي أو رصد الاختلالات أو تسليط الأضواء على المشاكل التي تؤثر على السير العام للأندية ومختلف المكونات.
فالأساس بالنسبة لأصحاب هذه الفيديوهات، يبقى كسب مؤيدين من عشاق هذا الفريق أو ذاك، والتركيز هنا ينصب على الوداد والرجاء بالخصوص، بينما لا أحد يتحدث مثلا عن سريع وادي زم أو يوسفية برشيد أو نهضة سطات أو الاتحاد القاسمي، وغيرها من الفرق العريقة والتاريخية.
قل ما يريد الجمهور سماعه وانتظر “البوز”، هذه هي القاعدة التي ابتلت بها مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، وحتى بعض المواقع الإلكترونية والصفحات، ظهور كائنات تصنف نفسها كمنظرين لا خلفية لهم، نجدهم يتسابقون من أجل ملء الساحة بتصريحات وكلام يصب في اتجاه تأييد هذا النادي أو ذاك، وتبني مهمة الدفاع عن قضاياه وأطروحاته، بل هناك من ينصب نفسه مساندا مطلقا أو محاميا، بل قاضيا يصدر الأحكام والفتاوى، حتى في غياب المنطق، ضاربا عرض الحائط القانون ومصالح الأندية الأخرى التي لا تتوفر على شعبية أو نفوذ خاص.
والغريب أننا نجد من بين هؤلاء المتنافسين، صحفيين منهم المجرب، ومنهم الجديد على المهنة، ومنهم المنتسبون وما أكثرهم، بل انضاف إلى صراع “البوز” أشخاص من مهن أخرى هجروا مهنهم الأساسية، لركوب الموجة في محاولة للاستفادة من الانتشار الذي تضمنه وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الشيء الذي لا تضمنه هو المصداقية، علما أن أغلب من نتحدث عنهم لا تهمهم نهائيا المصداقية…
هناك استغلال فاحش لإقبال جمهوري الوداد والرجاء على كل ما يقال أو يكتب أو يصور بخصوص فريقيهما، وهذا الإقبال هو ما يبحث عنه أصحاب الشعبوية الإلكترونية، مما يساهم في التلاعب بأفكار أفراد من الجمهور وعواطفهم، لأجل أهداف غير سليمة، مادامت المجاملة هي سيدة للموقف، وغالبا ما يكون هناك تغليط مقصود، والطامة الكبرى أن هناك ضحايا يتمثلون في مجموعة من القاصرين الذين يقبلون بكثرة على كل ما هو منتج إلكترونيا.
ويبقى الهدف هو الاختباء وسط جمهور هذا الفريق أو ذاك، بل هناك من يرغب في ضمان حماية افتراضية، حتى لو كان ذلك يعني ضربا لأخلاقيات المهنة وشرف الكلمة، بل نجد هناك من يهاجم رموز الفريق المنافس، على أمل كسب تأييد وعطف الطرف الآخر.
فارتفاع عدد المتتبعين يحقق إشباع غرائز اللاهثين طمعا في تحقيق شهرة زائفة، والسعي اليائس لكسب التميز، وهناك أيضا رغبة في الاستفادة من عدد الزيارات سعيا وراء الربح المادي المفترض، على غرار ظاهرة ما بات يمسى بـ “الروتيني اليومي”، باستغلال تهافت الجمهور على هذه الوسائل لبساطتها وقلة تكلفتها المادية…
وهنا أخص بالذكر أصدقائي الصحفيين المطالبين انطلاقا من واجبهم المهني والأخلاقي بعدم مسايرة الموجة والابتعاد عن مثل هذا الصراع الفارغ والمؤقت، وفضح ومحاربة المتلاعبين.
أما أصحاب “البوز الخاوي” فخير ما نقول لهم هو: “إن لم تستحي فافعل ما شئت…

محمد الروحلي

Related posts

Top