بدهي أن الحديث عن الأستاذ عبد السلام بوحجر، صعب، صعب وممتع في آن، فالصعوبة تتملكك حين تحاول القبض على مكمن فرادة هذا الرجل، نظرا لتعدد منحنيات هذه الفرادة، تعدد مرده إلى ثراء تجربة المبدع وغناها على المستويين الشخصي والإبداعي، لذلك يستعصي الحديث عنه بصيغة الإفراد، لأن أسئلة كثيرة ستنهال على كل من يحاول ذلك، من هذه الأسئلة:
هل أتحدث عن عبد السلام بوحجر باعتباره أستاذا مكونا؟
أ أستعرض ملامح نبوغه الشعري وتميز قريحته الإبداعية باعتباره مبدعا؟
هل أذكر بمواقفه المبدئية وصراحته الجريئة باعتباره مثقفا عضويا ومناضلا؟
أ أشير إلى علو كعبه في الدراسة والتحليل والتنقيب باعتباره باحثا أكاديميا متمكنا؟
أم أتجه إلى بيان دماثة أخلاقه وحسن سجيته باعتباره إنسانا طيبا محبوبا؟
بقدر هذه الصعوبة الناتجة عن تشعب مناحي تميز مبدعنا، تتبدى المتعة، لأن الأستاذ عبد السلام بوحجر متفرد في كل مناحي هذا التميز، إذ لا يمكن الفصل بين عبد السلام بوحجر الشاعر عن المناضل عن الباحث عن الإنسان الطيب، إنها عناصر تنصهر مع بعضها، لتقدم لنا هذا الرجل الذي نحبه ونلتئم من أجله، اليوم، لنحتفي بتجربته تقديرا لعطائه المثمر، ووفاء لأخلاقه العالية.
فاسمحوا لي، لن أتحدث اليوم عن عبد السلام بوحجر الشاعر لأن نبوغه الشعري لا يتأتى الكشف عنه، إلا من خلال الحفر عميقا في إنتاجاته لاستكناه دررها الفاتنة دلاليا وجماليا، عبر المصاحبة المتأنية فهي الكفيلة وحدها بذلك.
كما أنني لن أخوض في التذكير بمواقف الرجل النضالية لاستعراض مبادئه الراسخة، باعتباره مثقفا عضويا صادحا بالحق ثابتا عليه، لا يخشى في الله لومة لائم، فالتاريخ يسجل كفاحه بمداد من فخر وقد لاقى جراء ذلك ما لاقى، وما يزال على العهد.
كما أستسمحكم لأني لن أستعرض قيمة أبحاثه العلمية الدقيقة فالساحة الأدبية العلمية كفيلة ببيان ذلك لأن إسهاماته العلمية تطالعنا بين الفينة والأخرى في مجلات محكمة رصينة، يطل علينا من خلالها بإنتاجات دقيقة تحفر في أعماق القضايا، فيجني الثمار المعرفية لتقديمها إلى القارئ بهدوء ثمين، ناهيك عن مشاركاته المفيدة في المحافل العلمية والملتقيات الأدبية المختلفة.
أيها السادة لن أحدثكم أيضا عن أخلاق عبد السلام بوحجر وسجاياه فالرجل ما إن تخالطه حتى تحبه نظرا لصراحته، ونقاء سريرته، فطيبوبته تسع الجميع وسمو مناقبه تسبقه حيث حل.
أيها الأعزاء أود أن أحدثكم عن عبد السلام بوحجر كما عرفته في أول الأمر، أستاذا مكونا بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين وجدة، إذ تشرفت بأن أجلس إلى حلقاته التكوينية بالمؤسسة السالفة الذكر، فكان الرجل خير مكون، تجده حريصا على إفادة طلبتهّ، وتمكينهم من الأدوات التي تسعفهم في ممارسة المهمة النبيلة، من خلال ما يقدمه من جهود تعكس تمكنه القوي، وجديته اللامحدودة، فالأستاذ عبد السلام بوحجر همه الوحيد أن يكتسب الطالب معرفة رصينة مصرفة بطرق سديدة، حتى يكون الطالب (الأستاذ) مؤهلا بأن يخوض غمار التدريس في كامل لياقته المهارية.
لا أخفيكم سرا إذا قلت لكم أن حصص الأستاذ عبد السلام بوحجر كانت من أمتع الحصص التكوينية، وهذا بإجماع الطلبة، الذين نهلوا من معين حلقاته المفعمة بالمعرفة والنقاش الجاد الممزوجين بالمرح والحب، وهي سمة جعلتنا وقتئذ في ترقب دائم لحصصه المائزة الشيقة.
إن الأستاذ عبد السلام بوحجر استطاع أن يحفر مكانته في قلوب طلبته لصدقه معهم ولفرط إنسانيته، لذلك تجدهم دائمي السؤال عن أستاذهم لما يكنون له من محبة خالصة، نابعة من تقديرهم العميق لما أسداه الرجل إليهم، بتفانيه في عمله وحرصه على تجويد ممارستهم المهنية، عبر تتبعهم واحدا واحدا، وتعهد أحوالهم بصبره الذي لا يشيخ. مغلفا ذلك بوده الذي لا يبلى.
أيها الأعزاء بما أن المقام مقام شهادة، فأجدني أمينا في نقل آخر مشهد جمعني بالأستاذ عبد السلام بوحجر وقد كان ذلك في مارس الماضي 2018 بالناظور، بمناسبة أمسية نظمها فرع اتحاد الكتاب هناك. وقد كان شاعرنا ضيفا مشاركا في الأمسية وبمجرد أن انتهى الشاعر الأستاذ عبد السلام بوحجر من القراءة الشعرية إلا والتف حوله جمع كبير من الحاضرين. ولم يكن هؤلاء إلا “تلك الشتلات” التي تعهدها بيديه في مركز التكوين، فما أن سمعت بقدوم راعيها إلا وهبت من كل نواحي الناظور لتجدد اللقاء بمن رعاها حتى استوت على سوقها، لترسم بذلك أسمى عبارات الوفاء تجاه أستاذ أحب طلبته فبادلوه الحب.
وفقا لذلك لا يسعنا إلا أن نسم حصص الأستاذ عبد السلام بوحجر بمشتل المعرفة الذي يسقيه بالمحبة الصادقة النبيلة، ولا غرابة في هذا عن أستاذنا لأنه لا يكتب الشعر فقط، بل يعيش شاعرا، وهذا رهان آخر حققه الأستاذ عبد السلام بوحجر، نظرا لانسجامه مع ذاته في كل منحنيات تميزها، وفق تصور شامل للحياة والإبداع والمعرفة والممارسة المهنية، فهنيئا لنا به أستاذا وشاعرا ومناضلا وباحثا ومحبا للجميع.
هامش:
شهادة ألقيت بمناسبة تكريم الشاعر عبد السلام بوحجر يوم 5 ماي 2018
> بقلم: محمد أعزيز
*****
بلاغة الرباب
-1- جاءت إلينا تحمل الربابْ جرَّتْ عليه قوسها وجُرْحها فانسابْ من حولنا نهرٌ من الضياءْ وانقشع الضبابْ نظرتُ يا أحبابْ في وجهها المرشوشِ بالبهاءْ شعرتُ بالبكاءْ في أول اللقاءْ لعلها مثلي تحنُّ أو تئِنْ أنا الذي أموت حسرةً وقطرةً فقطرةً أذوب في الصدى فهل تُرى قد نلتقي مع المدى؟
-2- أنامل تبدو كأنها خيوط ماءْ عينان تشربان من بحيرة السماءْ أسماء يا أسماءْ شُقِّي قميص الليل حتى يطلع الصباح أو شقي صدور الناس حتى تنزف الدماءْ.
-3- حطت على أصابعي طيور الليل والصحراءْ رجعتُ خطوة إلى الوراء.. راء.. راءْ لا شيء في نفسي وفي كأسي وفي رأسي سوى الأصداء..داء.. داءْ رسائل حمراء.. راء.. راءْ خطت حروفها يدٌ لامرأةٍ سمراء.. راء.. راءْ تفوح من سطورها روائح الحنين والحنّاء واستيقظتْ في داخلي قصائد الرحيلْ مواكب النخيلْ نسائم الحنينْ مشاهد الغزلانْ وهي تنام في حراسة القمرْ مواقف العشاق والفرسان يسقطون.. يسقطونْ ويُقتلون.. يُقتلون آه باسم الحب والجنونْ.. وهم يقبِّلون حد السيف والنخيل والترابْ يأيها الأحبابْ إن الرباب بابْ يفضي إلى نسائم عليلة تأتي من البعيدْ فتنحني من روعة الذكرى لها القبابْ في داخلي.