عبد الحفيظ ولعلو نائب رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني في حوار مع بيان اليوم

تعود القضية الفلسطينية -التي تشهد في هذه الأيام تصعيدا هو الأخطر منذ أكثر من 20 عاما- لتتصدر المشهد العالمي، مستعيدة زخمها الذي ظن كثير من المراقبين أنها فقدته. ولعل جزءا من هذا الزخم جاء بسبب انطلاق الأحداث من مدينة القدس بالذات، وتحديدا من المسجد الأقصى المبارك بما له من مكانة روحية ودينية عميقة لدى العالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي أدى إلى توحيد الرؤى والأفكار المختلفة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
في هذا الحوار مع عبد الحفيظ ولعلو نائب رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، تعيد بيان اليوم قراءة التصعيد الميداني الذي نفض الغبار عن الملفات التي ساد شعور بأنها طواها النسيان، وأعادت الاعتبار للقضية العادلة للشعب الفلسطيني على المستوى العربي والدولي ونقضت مقولة الجيش الذي لا يهزم، وبعثت الروح مجددا لمركزية هذه القضية في الوجدان لدى الأمة العربية والشعوب المحبة للسلام العادل.
ويؤكد محاورنا أن الشعب الفلسطيني الذي قدم الكثير، من قادته وشبانه، لن يفرط بسهولة في رصيده الذي حاز عليه في الأيام الأخيرة، ولن يقبل بأي تهدئة للموقف إلا على أساس توقف قوات الاحتلال عن بناء المستوطنات، وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، بالقدس والضفة الغربية… إنها مرحلة جديدة، يضيف المتحدث، ينبغي أن يستثمرها العرب والفلسطينيون، مؤكدا أن الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ستواصل النضال من أجل تعزيز المطالب المشروعة والعادلة للفلسطينيين في إقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف فوق التراب الوطني الفلسطيني. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

شهد الملف الفلسطيني مؤخرا تصعيدا ميدانيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما هي في نظركم خلفيات هذه الأزمة؟
تعيش منطقة الشرق الأوسط هذا الصراع منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية وتقسيمها وإنشاء دولة إسرائيل بقرار أممي سنة 1948، هذا القرار الأممي تم عبره الاتفاق على إحداث دولة إسرائيلية ودولة عربية فلسطينية وإقرار وضعية خاصة لمدينة القدس الشريف، حيث كان هذا القرار هو الذي أدى إلى إنشاء الدولة الإسرائيلية والتي انضمت فيما بعد إلى هيئة الأمم المتحدة مقابل التزامها بشروط مفادها احترام إسرائيل لكل القرارات الأممية المتعلقة بفلسطين والقدس الشريف واحترام القانون الدولي.
لكن يسجل أنه منذ ذلك التاريخ وتحديدا سنة 1946 وإلى حدود اليوم، و المنطقة تشهد هذا الاحتلال والغطرسة الصهوينة ضد الشعب الفلسطيني المكافح، ورفض إسرائيل احترام القانون الدولي والشرعية الدولية وكل القرارات الأممية، و يشجعها في ذلك الفيتو الأمريكي الذي يستعمل عند كل لحظة من لحظات هذا الصراع ، لتجنب إدانة إسرائيل ، كما حدث في الاجتماعات الأخيرة في مجلس الأمن ، حيث تم عقد خمس اجتماعات ولم يتخذ مجلس الأمن قرارا نهائيا واضحا للتنديد بجرائم الحرب التي ارتكبت في فلسطين، سواء في غزة أو القدس الشريف أو أراضي الضفة الغربية.

> أسأل تحديدا عن الأزمة التي اندلعت مؤخرا والمتمثل في الصراع الميداني في غزة؟
هذا عدوان إسرائيلي آخر ضد الشعب الفلسطيني، والذي بدأ بمحاولة طرد عائلات فلسطينية من بيوتها، و أراضيها من حي الشيخ الجراح بالقدس الشرقية ، في قرار مخالف للقانون الدولي، ولكل الأعراف بل و لكل ما يضمن للفلسطينيين الحق في الإقامة والحق في أن يكونوا فوق أراضيهم في القدس الشريف، كما تم القيام بهجومات على المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين خلال شهر رمضان والاعتداء على المقدسات في القدس الشريف، وهو ما استدعى الرد الفلسطيني كدفاع عن النفس وانطلاق عمليات المقاومة ضد هذا الاحتلال، التي امتدت من قطاع غزة والضفة الغربية، وحدوث أمر جديد ممثل في تمدد هذه المقاومة إلى داخل المدن التابعة للأرضي المغتصبة أو ما يسمى بأراضي 1946، حيث سجلت مواجهات بين الطرفين واعتقالات في صفوف الفلسطينيين، علما ان كل ذلك جرى فوق الأرض الفلسطينية بما فيها الأرض المحتلة قبل 1967

> ما هي السبل الكفيلة في نظركم لإيجاد مخرج نهائي لمثل هذه الأزمات وهاته الوضعية؟
المخرج النهائي لهذه الوضعية هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني واحترام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف، دولة مستقلة، دولة في الشرق الأوسط الذي يعرف نزاعات إقليمية وصراعات ضد التواجد الصهيوني وتواجد كثير من الدول الأجنبية.
إلى حد الآن إسرائيل والحكومة الإسرائيلية ونتانياهو ترفض السلم وترفض مفاوضات جدية للوصول إلى حل سياسي، الحل الذي ينصف الشعب الفلسطيني ويمكنه من استرجاع أراضيه بناء على القرارات الأممية والشرعية الدولية التي تم اتخاذها منذ 1967، القاضية بحل الدولتين.
فهذا هو الحل المنتظر، إذ باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فكل المجتمع الدولي يطالب بهذا الحل السياسي المتمثل في تنزيل حل الدولتين دولة إسرائيل ودولة فلسطين طبقا للقرارات الأممية وتحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، و يكون الاعتراف الكامل بالحقوق المشروعة للحقوق الفلسطينية.
لكن الاحتلال قائم والمستوطنات تزرع في الجسم الفلسطيني، و الاعتداءات متواصلة ضد الفلسطينيين والاعتقالات الجماعية بدون سبب والتي لازالت يتم رصدها سواء في الضفة الغربية والقدس وتجاوزت 1500 اعتقال، وذلك بعد هذه الهدنة المؤقتة التي وافقت عليها إدارة نتانياهو والقيادة الفلسطينية.
يبقى للأسف هو هذا الوضع الحالي، رغم أن الكل سواء على مستوى مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي وحتى إدارة بايدين تتحدث عن الدولتين، لكن بالملموس لاشيء من ذلك، حيث تسجل على العكس محاولات لطمس القضية الفلسطينية وتأجيل إنهاء الاحتلال.
وأعتقد أن المطلوب من المنتظم الدولي والإدارة الأمريكية وأساسا الرئيس بايدن هو إجراء ضغوطات على إسرائيل وعلى نتانياهو لتقبل بالحل السياسي وبإجراء مفاوضات جدية وتنزيل القرارات الأممية واحترامها والتي تقضي بإنشاء الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس وضمان حق العودة وإطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين، علما أن القدس، كما قال الرئيس الفلسطيني، تعد صلب هذا الصراع، ويجب العمل في هذا الصدد على جعل القدس الشرقية والقدس الشريف عاصمة للدولة الفلسطينية وليس عاصمة أبدية عبرية كما تقول إسرائيل.
فالقدس معروفة بحضارتها العربية والإسلامية والمسيحية، وصاحب الجلالة الملك محمد السادس في كل مراسلاته، وفي كل مواقفه وفي كل اجتماعات لجنة القد، مافتئ يطالب باحترام هذه المقدسات الإسلامية والمسيحية واحترام الطابع الخاص التاريخي لمدينة القدس، وهذا الأمر أكد عليه في مراسلاته أيضا للفاتيكان، وهذه التصور ينبغي أن يكون الطريقة المثلى للتعاون الدولي من أجل العمل بشكل حثيث للدفع في اتجاه احترام الشرعية الدولية وضمان ممارسة الشعائر الدينية السماوية في القدس الشريف والحرم الإبراهيمي وكل المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة.

> خلال اندلاع الأزمة الأخيرة، كانت هناك أخبار تتحدث عن طلب تقدمت به الإدارة الأمريكية للمغرب من أجل التدخل كونه مخول للقيام بذلك بحكم علاقاته وتاريخه المشهود له اعتبارا للدور المحوري الذي قام به على مستوى الاتفاقات السابقة وإيجاد حل للأزمة في الشرق الأوسط، ما هو تعليقكم؟
أشكرك على هذا السؤال الذي يتيح التذكير بالمواقف التاريخية والمبدئية للمملكة المغربية وما قام به المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني منذ إحراق المسجد الأقصى سنة 1969، حيث تم تنظيم أول قمة إسلامية بالرباط الذي أدى إلى تأسيس المؤتمر التعاون الإسلامية، والاعتراف الرسمي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني سنة 1974 في قمة عربية، ثم تأسيس لجنة القدس التي لازال يترأسها المغرب برئاسة جلالة الملك محمد السادس، وتأسيس فيما بعد لوكالة بيت مال القدس لدعم الفلسطينيين والمقدسيين.
فكثير من القمم والمؤتمرات العربية والإسلامية التي كانت تعقد في المغرب، كنت تسفر عن اتخاذ قرارات تاريخية لفائدة الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، كما كانت في المغرب تتم مشاورات ومبادرات سواء على عهد المغفور له الحسن الثاني ثم لجلالة الملك محمد السادس، والتي كلها تسعى لتقريب وجهات النظر وتشجيع المفاوضات الجدية بين الطرف الإسرائيلي والطرف الفلسطيني، ولكن دائما على أساس احترام الشرعية الدولية والحق الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة عاصمتها القدس الشريف،
وكان المغرب دائما يعبر عن استعداده بالمساهمة في جهود السلام كباقي الدول العربية والإسلامية مثل العربية السعودية، مصر، قطر، الأردن، وكل الدول التي لها علاقة وطيدة بهذا الملف المتعلق بالصراع الإسرائيلي العربي ، بل كان المغرب دائما في مقدمة المدافعين عن التسوية النهائية للصراع وإحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لأنه بدون سلام وبدون احترام الوضع الخاص لمدينة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.
فبدون إنهاء الاحتلال، ستبقى هذه الصراعات وهذا التوتر في المنطقة، والذي يسعى المغرب منذ عقود إلى إنهائه من خلال دفاعه المستميت ملكا حكومة وشعبا، وأذكر في هذا الصدد فالمغرب، بفضل الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني والتي أتشرف بالانتماء إليها منذ أربعين سنة من خلال عضويتي في المكتب التنفيذي، مافتئ يقوم بمبادرات تدعم القضية.
علما أن هذه الجمعية تعد هي حاملة مشعل الإجماع الوطني المغربي حول القضية الفلسطينية التي نعتبرها قضية وطنية، وقد سبق لها ومازالت تقدم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني دون أن تتخل في شؤونه الداخلية، ولكن دائما تسعى إلى وحدة الصف الفلسطيني، وقد بادرت في عديد محطات من هذا الصراع من تنظيم مسيرات مليونية أساسا في الرباط والدار البيضاء، فدائما وفي كل المحطات التي تمر بها القضية الفلسطينية يساهم الشعب المغربي بكثافة ووعي وبمواقفه المبدئية التضامنية في مسيرات لبعث رسالة إلى الجميع، أساسا إسرائيل والمنتظم الدولي والمنظمات الحقوقية، ومجلس الأمن وإلى هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالقول إن المغرب دائما ولازال متشبثا بالقضية الفلسطينية رغم كل الصعوبات التي تجتازها هذه القضية، ورغم ما يطرأ على المنطقة المغاربية من متغيرات أو وما يسمى بالوضع الجيوستراتيجي
فالمغرب دائما يذكر بالقضية الأساسية وبالإجماع الوطني حولها ويؤكد موقفه الدائم إلى السير مع الشعب الفلسطيني حتى يحقق الهدف المنشود في إقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس، وإنهاء الاحتلال وإطلاق سراح المعتقلين وحق العودة لللاجئين.

> على ذكركم لمسألة القدس كعنصر محوري لإيجاد المنفذ لإقامة أي اتفاق، هناك طرح يعتبر أن إقامة إدارة مشتركة للمدينة بين معتنقي الديانات الثلاث أي الإسلامية والمسيحية واليهودية، هو التويلفة الكفيلة للتسوية النهائية للمسألة، هل تشاطرون هذا الرأي؟
هذا التصور يوجد ضمن المقررات الأممية التي تم تداولها منذ تقسيم الأرض الفلسطينية، حيث كان يتم الحديث فيما يخص القدس الشريف، أن يقضي القرار باحترام الطابع التاريخي والوضع الخاص للمدينة، بحيث لابد أن تبقى مفتوحة لكل الديانات السماوية الإسلامية المسحية واليهودية، ويكون لمعتنقي هذه الديانات الحق في ممارسة عقائدهم وصلواتهم، وجعل المدينة كرمز للتعايش بين الديانات.
أكيد أن إيجاد حل للقدس لابد أن يتأسس على اتفاقية تضمن حرية مزاولة الديانات السماوية وبتدبير مشترك ولكن دائما ينبغي التذكير أن القدس الشريف وبصفة خاصة القدس الشرقية المحتلة من طرف إسرائيل منذ سنة 1967، هي عاصمة لدولة فلسطين وهذا ما يرفضه الإسرائيليون للأسف، وقد سبق للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق ترامب قد حول السفارة الأمريكية من تل أيبب إلى القدس الغربية وكان هذا الحدث مرفوض من طرف الجميع، بداية من صاحب الجلالة الذي كان قد راسل الرئيس السابق ونبهه بخطورة ذلك الموقف وطالبه بالتراجع عنه احتراما للأمة الإسلامية والعربية والمقدسات وللطابع الخاص للقدس.
ومعلوم أن لمدينة القدس مكانة خاصة في وجدان المغاربة، ولازالت شواهد عمرانية وتاريخية تشهد بذلك، إذ منذ مشاركتهم في الحروب الصليبية إلى جانب صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس من الغزو الصليبي حملت بعض المناطق التي توجد في قلب القدس الشريف اسم المغرب، كحي المغاربة وباب المغاربة، فضلا عن تسجيل تواجد العائلات من أصل مغربي والتي لازالت إلى حدود اليوم تقطن القدس وتتواجد في كثير من المدن الفلسطينية، حيث كان معروفا على المغاربة حين القيام برحلة كانوا يحجون إلى مكة وكانوا في نفس الوقت يؤدون مناسك الحج في الأماكن المقدسة بالقدس، فارتباط المغاربة بالقدس أمر أساسي ويتميز المغرب بتشبثه بالمدينة وهذا ما يسعى إليه جلالة الملك كرئيس للجنة القدس من خلال دفاعه المستميت عن المدينة، كما أن القيادة الفلسطينية تذكر دائما ان القدس هي في صلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ بالنسبة للفلسطينيين بدون الاعتراف بالوضع الخاص للقدس لا يمكن الحديث عن أي حل سياسي، وقد سبق للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن رفض اتفاقية كامب ديفيد، كما أذكر أنه سنة 2000 حين كانت المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني قد توصلت نوعا ما إلى اتفاق مبدئي، لكن دائما كانت قضية القدس مفصلية وأساسية ورمزية ولم يسبق للفلسطينيين كيف ما كانت الظروف وتحت أي قيادة أن فرطوا في القدس أو تنازلوا عنها وعن المسجد الأقصى، هذا المكان مقدس بالنسبة لمليار و300 مسلم في العالم، والكل متشبث بالحفاظ على الوضع الخاص للمدينة، والأردن بطبيعة الحال سواء في الماضي أو حاليا هي التي تشرف على إدارة الأماكن المقدسة.

< حاورته: فنن العفاني

Related posts

Top