أبرز قرار إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لعين الشق بالدار البيضاء من مهامه مؤخرا، ضرورة الانتباه إلى تركيبة وبنية المجالس العلمية بصفة عامة، ومدى انخراطها فعلا في منظومة تأهيل حقلنا الديني، ومستوى فعلها في ضمان الأمن الروحي للمغاربة. إعفاء رضوان بنشقرون، أرجعته الكثير من المصادر والقراءات إلى خرجته الشهيرة ضد مشاركة المغني البريطاني التون جون في مهرجان موازين، وتناغمه، في هذا الصدد، مع مواقف وهجومات حركات أصولية معروفة بعدائها للفن بصفة عامة وللمهرجانات.
وهنا القصة تحيل على قضيتين لا تخلوان من أهمية وحساسية، وهما غياب وحدة الموقف وسط مؤسسة دينية رسمية مثل المجالس العلمية، ثم الارتباط الفكري والإيديولوجي لعدد من أعضاء المجالس العلمية بحركات أصولية، ما يجعل صفتهم الرسمية مجرد امتداد لهذه الحركات، وهنا من حقنا التساؤل عن الجهة التي يدين لها مثل هؤلاء بالولاء وبالانضباط.
لقد كشفت قضية بنشقرون عن عدم انضباط واضح للمعني بالأمر للتوجه العام للمجلس العلمي الأعلى في المواقف والآراء المعبر عنها، وهذا وحده كافيا للتنبيه إلى خطورة مثل هذا الارتباك واللاانسجام بالنسبة لمؤسسة مثل المؤسسة الدينية.
ومن جهة ثانية، فإن أصوات كثيرة سبق أن نبهت منذ مدة إلى أن مجالس علمية عديدة تم اختراقها من طرف أتباع حركات أصولية أو أعضاء سابقين بها لا زالوا متشبعين بأفكارها، وخصوصا بمواقفها السياسية وتصوراتها الثقافية، ومن ثم فإن سؤال وضوح القناعات والمواقف لدى كل مكونات المجالس العلمية المحلية قضية مركزية اليوم ولا تخلو من راهنية ودقة، وربما حالة بنشقرون لن تكون الأخيرة على هذا الصعيد، بالرغم من أن إعفاءه تضمن رسالة سياسية للآخرين لم تَخْلُ من قوة ودلالة.
وصلة بالقضية، فإن موضوع رئيس المجلس العلمي المحلي لعين الشق كشفته أولا الصحف الوطنية، واستنكرت بعضها مواقفه، وجاء القرار «السياسي» لاحقا، وهذا يفرض الاقتناع بأهمية التفاعل الإيجابي مع ما تنشره وسائل الإعلام، وعدم تبخيس ما تعبر عنه من مواقف …
إن قضية رضوان بنشقرون طرحت مرة أخرى موضوع إصرار الأصوليين على التداخل بين الدعوي الحركي وبين العمل السياسي، وذلك من خلال المواقف والمسلكيات والخطاب، وأيضا من خلال تنظيماتهم الذاتية، وعبر اختراق مؤسسات وطنية ورسمية على علاقة بالشأن الديني.
وبالرغم من كون الرد الرسمي على المعني بالأمر كان حاسما هذه المرة، فإن المناسبة تفرض الانكباب الجدي على تقييم ما يجري داخل هذه المجالس المحلية كلها، والتأمل في الاستراتيجيات وفي انخراط الكل في السعي لإنجاحها، ضمن فهم مشترك، ورؤية موحدة.
الخطوة صحيحة، لكنها مجرد بداية…