فاتح ماي…

ذكرى فاتح ماي المخلدة للعيد العالمي للطبقة العاملة، هي المناسبة لاستحضار مركزية القضية الاجتماعية ضمن انشغالات شعبنا، ولفت الانتباه إلى التطلعات التنموية للفئات الفقيرة والمتوسطة، والتي تمثل غالبية المواطنات والمواطنين.
فاتح ماي، ليس مجرد يوم عطلة، هو أساسا موعد نضالي تذكر فيه الطبقة العاملة والمركزيات النقابية والقوى المساندة لها بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية والمهنية والحقوقية للأجراء والموظفين، وتجدد حماسها النضالي من أجل تحقيقها.
من المؤكد أن نضالية النقابات العمالية في بلادنا، وأيضا عبر العالم، خفتت نسبيا أو تراجعت قوتها بفعل كثير عوامل متداخلة ومركبة، ومن المؤكد أيضا أن عدد منتسبيها تراجع، وانخفض مستوى التنقيب داخل أوساط العمال والموظفين، وخصوصا لدى العمال الشباب والنساء وفي بعض المهن الجديدة، لكن كل هذا لا يعتبر إنكارا لأهمية النقابات والعمل النقابي، ولكن الأمر  يفرض الانكباب الجماعي من أجل معالجة الاختلالات والنقائص وتجليات القصور على هذا المستوى، والسعي، بالتالي، إلى تقوية المركزيات النقابية الحقيقية، وتمتين نضاليتها ووحدتها، وتعزيز إنتاجيتها التعبوية والاقتراحية.
من جهة ثانية، ذكرى فاتح ماي هذا العام تحل في سياق ظرفية عامة، وطنية ودولية، لا تخلو من صعوبات، كما ألا أحد يمكنه أن ينكر وجود أوضاع اجتماعية صعبة تعاني منها فئات عديدة من شعبنا، وذلك برغم كل ما يمكن أن نسجله من جهود ومنجزات ومكاسب تحققت في السنوات الأخيرة…
اليوم مختلف الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها وتشهدها جهات مختلفة في البلاد، هي ذات طبيعة اجتماعية، وتتطلع إلى تحقيق الكرامة والإنصاف والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، كما أن ظاهرة البطالة تتفاقم، خاصة في أوساط الشباب وخريجي المعاهد والجامعات، وأيضا القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة تعاني من الضعف والتقهقر، وكل هذا يبرز أن نموذجنا التنموي الوطني استنفذ مبرراته، وبات من الملح صياغة نموذج تنموي حقيقي من شأنه الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية الواضحة اليوم في بلادنا، وتحسين القدرة الشرائية وظروف العيش للأجراء والموظفين…
إن النموذج التنموي المطلوب اليوم سيكون بلا أي معنى أو أهمية أو أثر، ما لم تكن الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخصوصا الطبقة العاملة والموظفين، في عمق محاوره وبرامجه، ذلك أن الحرص على تحقيق التوازنات المالية والاقتصادية الكبرى لا يجب قطعا أن يكون على حساب التوازنات الاجتماعية والمجالية، أي تحقيق المطالب الاجتماعية والتنموية لشعبنا، وتلبية تطلعاته ومطالبه.
عندما نذكر هنا بهذا وندافع عنه، فذلك ليس فقط من باب مسؤولية الدولة تجاه فئات واسعة من الشعب باعتبارها هي المنتجة الرئيسية للثروة، وأيضا ليس فقط من وجهة نظر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأجراء والموظفين، ولكن كذلك من باب تعزيز الاستقرار المجتمعي، وتطوير الدينامية الاقتصادية والتجارية والاستهلاكية على الصعيد الداخلي، وتمتين الانسجام العام داخل المجتمع، وكل هذا من شأنه بعث نفس عام جديد في البلاد يعزز الجبهة الوطنية الداخلية، ويساهم في خلق مناخ الثقة والتفاؤل بالمستقبل، وبالتالي الانخراط الشعبي العام في مواجهة التحديات الوطنية الكبرى المطروحة اليوم على بلادنا، إن على صعيد وحدتها الترابية أو ما يتعلق باستقرارها وأمنها أو ما يتصل بتعقيدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجيو استراتيجية.
لا شك كذلك أن النجاح في تحقيق التنمية والتقدم يحتم، بدهيا، الحرص على تقوية القدرة التنافسية لشركاتنا الوطنية، وتأهيل نسيجنا الصناعي والمقاولاتي ودعم منظومته وديناميته، ولهذا هناك اليوم حاجة ملحة، لمواجهة تنامي القلق وسط شعبنا، وتعدد مظاهر الاحتقان الاجتماعي على أكثر من صعيد، للإقدام على خطوات ملموسة وشجاعة في أقرب وقت، سواء عبر الحوار الاجتماعي، الذي لا بد أن يخرج من تعثره وتباطؤ سيره ليرتقي إلى منظومة ممأسسة ومنتظمة وفعالة، أو من خلال السياسات والبرامج الحكومية، أو أيضا من خلال مبادرات قوية من أرباب العمل والمقاولات الوطنية، ثم، طبعا، من خلال النموذج التنموي الجديد المطلوب التفكير في صياغته.
نعم هناك إكراهات مالية تتصل بأوضاع البلاد، وهناك محدودية الثروات والإمكانيات الوطنية، ولكن، في نفس الوقت، هناك أشياء تندرج اليوم ضمن المطالب النقابية المعبر عنها يمكن تلبيتها من دون أي التزامات مالية كبيرة، وهناك إصلاحات جوهرية لها أهميتها وامتداداتها الاجتماعية يجب الإقدام عليها، وهي لا تفرض تحملات، ولكنها تتطلب الإرادة السياسية وشجاعة القرار…
وهنا نستحضر الإصلاحات المتعلقة بالنظام الجبائي وبمنظومة الأجور والتعويضات، ومواصلة إصلاح الصناديق الاجتماعية وأنظمة التقاعد، علاوة على ما يتصل بالحقوق الديمقراطية والنقابية…
بالفعل يجب الحرص على استمرار الشغل، أي تقوية المقاولات والنسيج الاقتصادي الوطني وتشجيع الاستثمارات، ولكن أيضا لا بد أن يلمس الأجراء ويحسوا بأثر هذه الثروة وما تجنيه المقاولات من أرباح على أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية، وأن تكون العلاقة بين الطرفين قائمة على الربح المتبادل.
والنقابات الحقيقية وذات المصداقية، يجب أن تتحقق لها المكاسب وأن ترى السلطات والمشغلين يستجيبون لمطالبها، لأن هذا هو ما يعزز مصداقيتها وجاذبيتها، ويجعلها ضرورية بالنسبة لمنتسبيها.
التحية للطبقة العاملة في عيدها النضالي الكوني.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top