16 ماي .. ذكرى قاسية

 

المغرب في مواجهة الإرهاب.. تجربة ودروس

ملف من إنجاز: عبد الصمد ادنيدن

“لا أخفيك شعوري ساعتها، سجدنا لله شكرا وفرحا، وتحسرنا لأن آخرين سبقونا إلى ذلك، كنا ننوي تنفيذ أحداث أكبر وأكثر إجراما مما وقع يوم 16 ماي 2003 بالدارالبيضاء، فقد كانت لدينا أهدافا وأفكارا ومخططات سنطبقها في نفس تلك الفترة.. لولا التدخلات الأمنية والقبض على خليتنا”، هكذا أسر لنا هشام حمزي المعتقل الإسلامي السابق على خلفية أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية.
يعود الملقب سابقا ب”أبو جابر”، الذي أدين بموجب قانون مكافحة الإرهاب، في حوار مع جريدة بيان اليوم إلى شريط الأحداث فيضيف: “كنا نخطط للسطو على البنوك والثكنات العسكرية لأجل المال والأسلحة، إلا أن أحداث 16 ماي بعثرت الأوراق جميعها..”، مشيرا إلى كونه لم يشعر بالندم سواء أثناء فترة السلفية الجهادية أو خلال فترة المراجعة الفكرية.
عن من يتحمل المسؤولية يكشف حمزي “أن الكل مسؤول عن هذه الأحداث والجرائم، بما فيهم الدولة، لأنها غضت الطرف عن انتشار المد السلفي بأفكاره المتطرفة”، معتبرا أن “السلفي عندما يقرأ القرآن أو الحديث يقرأ بما يؤمن به من مرجعية، وهذه المرجعية تجعله يقرأ في اتجاه واحد ينمي أفكاره، وهذا أكبر خطأ يرتكبه الشباب، فالإنسان عندما يقرأ عليه أن يقرأ الأفكار كلها، كي يخرج بفكرة ناضجة وواعية وبعيدة على التعصب؛ مثلا لو أخذنا مجموعة من الملاحدة هم بدورهم متعصبون لإلحادهم ويقرأون ما ينمي إلحادهم وهذا خطأ، فهذا أيضا تطرف، أما الملحد الذي يبحث عن الحق فيقرأ في المسيحية واليهودية والبوذية وفي الإسلام والإلحاد، وتتولد لديه فكرة يمكن أن تكون قناعة ذاتية وفكرية، عن معرفة”.
وفي سؤالنا له عن الضحية والمجرم، يجيب بصوت منكسر”لضحايا الإرهاب سواء أحداث ماي أو أركانة وغيرهما أقول لهم، كلنا ضحايا فأنا كنت ضحية فكر وأنتم كنتم ضحية تطبيق هذا الفكر الظلامي”.
كانت هذه بعضا من الرسائل التي يكشف عنها حمزي، بعد سنوات من السجن والنقاش العلمي الهادئ، والمراجعات الناتجة عن اليقظة الفكرية المنبثقة عن استحضار العقل والقراءة النقدية والبحث، بعد سنين من تغييب العقل واعتماد منطق القطيع والتبعية لشيوخ الظلام والتكفير.
في الجهة المقابلة، نجد أما مغربية مسالمة لا زالت تتجرع آلام الفقدان في أبشع صوره، ووسط تلك المشاهد الدموية والصور البشعة التي لا زالت تتراقص في الذاكرة في كل ذكرى للأحداث، رغم مرور عقدين من الزمن، وبنبرة الفقد والحرمان تتحدث سعاد الخمال، التي فقدت زوجها وابنها في الاعتداءات الإرهابية الشنيعة، في 16 ماي 2003 بالدارالبيضاء، معربة عن أملها في ألا تفقد أي أم ابنها وفلذة كبدها نتيجة أعمال إرهابية جديدة، وألا تفقد أي أم ابنها عن طريق التغرير وغسل دماغه من طرف تجار الدين وصناع الموت بجرعات فكر تكفيري ظلامي يتحول من خلاله شاب في ريعان شبابه إلى قنبلة موقوتة في أيادي أعداء الحياة.
هذه الرسالة المؤلمة من طرف هذه الأم تلخص حزن ومعاناة العديد من عائلات ضحايا الإرهاب، والتي دعت (سعاد الخمال) كافة الضحايا إلى التحسيس بخطورة الفكر الظلامي والدعوة إلى نبذ كل أشكال العنف الذي يؤدي إلى تخريب الأوطان، والفقد للأسر سواء في زاوية الضحايا أو الجاناة.
بين صحوة الضمير والمراجعة الفكرية التي شملت العديد من المتورطين في قضايا الإرهاب والتطرف، وبقايا نذوب جراح عائلات الضحايا ومعهم كافة المغاربة نتيجة الأعمال الإرهابية الشنيعة التي لا تمث لثقافتهم بصلة، هذه الثقافة القائمة على التسامح والتعايش والتدين المسالم، تحل اليوم الذكرى العشرون لأحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، التي بعثرت أوراق المغرب، وأربكت كل حساباته السياسية والأمنية والدينية، حيث كان الظن الراجح على كافة المستويات آنذاك، وجود مسافة أمان كافية عن مثل هذه الأحداث الدموية العنيفة، خاصة في بلد يشهد التاريخ الطويل على استيعابه لروافد ثقافية وحضارية متعددة بل طبع أهله التعايش السلمي بين مختلف الأديان والملل والنحل.
بعد صدمة البدايات، بسرعة لملمت المملكة جراحها وأدركت أنها ليست في بمنأى عن هذا الخطر الدامي، وكان ذلك مبررا لإعادة حساباتها على كافة الأصعدة، واستدراك الهفوات، في وقت قياسي جعلها نموذجا بفضل سياساتها الوطنية الشاملة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وأصبحت دول تطلب المشورة والمساعدة منها.
في هذا الملف نعود إلى بداية الحكاية، حيث تفتح معكم بيان اليوم الملف الدموي للأحداث الإجرامية ل 16 ماي 2003، مترحمين على ضحاياها من المواطنين وشهداء الواجب، مستحضرين شهادات قاسية ممن اكتوى بنارها، وفي نفس الآن لمن اعتقلوا بفعلها، وأيضا لحماة هذا الوطن على كافة الأصعدة، دون نسيان أراء خبراء حول المقاربة المغربية النموذجية في معالجة هذا الملف؛ وحتى نتحرى جزءا من الموضوعية فإن الملف سيحاول أن يجب عن الأسئلة الحارقة التالية: كيف وقعت أحداث 16 ماي الإرهابية ؟ كيف ينظر الفاعلون اليوم لها ؟ ما هي المقاربة التي لجأت إليها المملكة في هذا الملف ؟ كيف تمكن المغرب على مدى العقدين الأخيرين من تبوء موقع الريادة على المستويين الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب والتطرف ؟ وما هي التحديات التي تواجهه وكيف يمكن التعاطي معها ؟
أسئلة وأخرى لا يمكن لملف محدود في الزمن والمساحة أن يحيط بها، لكن سنحاول أن نطرح مع القارىء أهمها.

*******

إستراتجية شاملة تجعل  المغرب رائدا في حربه ضد الإرهاب

أدركت المملكة المغربية منذ عقدين من الزمن أنها ليست بمنأى عن الخطر الإرهابي الدامي، فنهجت إستراتيجية شاملة ومندمجة على كافة المستويات، جعلت منها نموذجا يحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي.
ومن ثمار هذه الإستراتيجية ونتائجها، تولي المملكة رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب لثلاث ولايات متتالية، بشكل مشترك مع كل من هولندا خلال الفترة ما بين 2015 و2019 ومع كندا ما بين 2019 و2022 ومع الاتحاد الأوروبي منذ شتنبر 2022، قبل أن يسلم المغرب، يوم الخميس 04 ماي الجاري بالقاهرة، رئاسة هذا المنتدى لمصر، التي ستتولى رئاسته حتى سنة 2025 بشكل مشترك مع الاتحاد الأوروبي؛ وهو ما يدل على أن المملكة أصبحت قطب الرحى في مكافحة الإرهاب على المستويين  الإقليمي والدولي.

جلالة الملك محمد السادس يتحدث مع الفرنسي جان بول ليموزين الذي أصيب في إحدى الهجمات الانتحارية في 16 ماي بالدار البيضاء

وفي سياق متصل، فقد أطلق المغرب والاتحاد الأوروبي، بمناسبة انعقاد أعمال الدورة الـ21 للجنة التنسيقية للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، يوم 04 ماي 2023 بالقاهرة، مبادرة حول “التربية من أجل الوقاية ومكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب”، بشراكة مع مركز التميز لمكافحة التطرف العنيف “هداية”، باعتبارها (التربية) أداة قوية للوقاية من التطرف والتطرف العنيف ومكافحتهما، والقضاء على الأيديولوجيات المتطرفة التي تزدهر في البيئات غير المستقرة، والولوج إليها (التربية) يمكن الأفراد من تطوير القدرات اللازمة للتشكيك في الخطابات والأيديولوجيات المتطرفة وتعزيز السلام.
من جهتها سلطت وزارة الخارجية الأمريكية، نهاية مارس الماضي، الضوء على “ريادة” المغرب في محاربة الإرهاب والتطرف العنيف، مبرزة الشراكة القائمة بين المملكة والولايات المتحدة، والتي تشمل من بين محاورها الجانب الأمني، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن المغرب “أبان عن ريادته في جهود محاربة تنظيم داعش في إفريقيا”.
وسلطت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها الأخير حول الإرهاب،  الضوء على “التاريخ الطويل للتعاون المتين” في مكافحة الإرهاب، بين الولايات المتحدة والمغرب، مذكرة بأن الحكومة المغربية تواصل إستراتيجيتها الشاملة التي تتمحور حول “إجراءات اليقظة الأمنية، والتعاون الإقليمي والدولي وسياسات مكافحة التطرف”.

جلالة الملك محمد السادس، برفقة سيرج بيرديغو، رئيس الجالية اليهودية المغربية ووزير الداخلية المغربي مصطفى الساحل، في 18 ماي 2003، في مركز ثقافي يهودي تعرض لهجوم ماي

على ضوء هذه التقارير التي تثمن تجربة المملكة نتساءل: كيف أصبح المغرب رائدا على المستوى الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب ؟ ما هي أبرز البرامج التي تبنتها المملكة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف ؟ وإلى أي حد حققت هذه البرامج والمقاربات أهدافها ؟ 

في فلسفة الوقاية من التطرف

لا شك أن الأيديولوجيا الجهادية الساحرة التي تمارس تخديرا ودغدغة لعواطف الشباب تبقى سببا رئيسيا لظاهرة التطرف والإرهاب، إلا أن الفقر والبطالة والشعور بالظلم وغياب العدالة الاجتماعية إلى جانب عوامل أخرى كالجهل والفراغ الفكري والعقلي تبقى أيضا أسبابا تغذي قناة الإرهاب والتطرف بشكل كبير.
ووعيا منها بكل الأسباب المؤدية إلى براثن التطرف والإرهاب، فقد وضعت المملكة المغربية، منذ الهجمات الإرهابية في 16 ماي 2003 في الدار البيضاء، بفضل رؤية جلالة الملك محمد السادس، إستراتيجية فعالة ومتعددة الأبعاد وشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، تنطلق أساسا من الوقاية من التطرف.
وتأتي المبادرة الأخيرة التي أطلقها المغرب والاتحاد الأوروبي بداية الشهر الجاري “التربية من أجل الوقاية ومكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب”، التي أشرنا إليها آنفا، والتي ترمي إلى تعزيز السلام والأمن والتنمية، عبر تصميم برامج للمكونين وتقديمها لفائدة المربيين بهدف تعزيز قدرة المتعلمين في مواجهة التطرف العنيف، على مدى سنتين (2023-2025)، إضافة إلى بلورة سلسلة من المؤشرات ووضعها لمساعدة ودعم جهود الحكومات في مجال متابعة وتقييم برامج وسياسات للوقاية من التطرف العنيف ومكافحته في المجال التربوي، (تأتي) في إطار سياسة المملكة للوقاية من التطرف العنيف ومكافحته والتي تشمل أيضا تعزيز التنمية البشرية الشاملة، من أجل إنشاء شبكات أمان اجتماعي قوية لتعزيز مرونة الفئات المعرضة للتطرف ومنع توفير أرضية مناسبة للتطرف العنيف، ثم محاربة الهشاشة الاقتصادية وهيكلة الحقل الديني…

رهان التنمية البشرية لتجفيف المنابع

انكب المغرب ضمن إستراتيجيته في محاربة الإرهاب على دعم خيار التنمية الشاملة المتكافئة والعدالة الاجتماعية في إطار تصور مجتمعي يروم محاربة سياسة الإقصاء، الذي يؤدي إلى بروز بؤر التوتر الاجتماعي التي يتخذها الإرهاب كمنفذ لاختراق النسيج الاجتماعي، حيث تم إحداث عدة مبادرات مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، سنة 2005 لمكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي وتقديم آفاق مستقبلية أفضل للشباب.
وترمي المبادرة التي تتضمن عددا غير مسبوق من المشاريع في مختلف جهات المملكة إلى خلق فرص الشغل وتحقيق التوازن بين جهات المملكة، حيث تضع المواطنين في صلب مكافحة الهشاشة والتهميش والإقصاء الاجتماعي، ومساهمة المواطنين المعنيين في تشخيص حاجياتهم ومطالبهم وتحقيقها، إضافة إلى الحكامة الجيدة مع إشراك كل الفاعلين في التنمية وفي اتخاذ القرار.
وقد مكنت الجهود المبذولة التي شهدتها المبادرة، خلال المرحلتين الأولى والثانية، من احتلال المغرب الرتبة الثالثة عالميا ضمن تصنيف البنك الدولي لأحسن برامج المبادرات الاجتماعية الهادفة.
وكان من الضروري إجراء تقييم للبرامج المنجزة، بهدف الوقوف على مكامن النقص وإيجاد السبل الكفيلة بتحسين وقع المبادرة على الفئات المستهدفة، حيث تم تسجيل تركيز الجهود على البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية للاستجابة للحاجيات المستعجلة ومعالجة العجز المتراكم منذ عقود، كما تم تسجيل الطابع غير المنتظم لبعض الفاعلين الجمعويين حاملي المشاريع وتدهور بعض المنشآت المنجزة بشكل يهدد استمرارية استغلالها وكذا الاعتماد على آليات لتتبع المشاريع ترتكز في أغلب الأحيان على الأداء المالي.
وعلى هذا الأساس، اعتمد هذا المشروع المجتمعي في مرحلته الثالثة، على التوجيهات الملكية ولا سيما تلك الواردة في خطاب العرش لسنة 2018، وعلى خلاصات المرحلتين السابقتين، حيث حقق نقلة نوعية من خلال تركيز تدخلاته على الجوانب اللامادية للرأسمال البشري وكذا على توجيه برامجه للنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة ودعم الفئات في وضعية صعبة وإطلاق جيل جديد من المبادرات الخلاقة لفرص الشغل والمدرة للدخل.
من جهة أخرى وفي سياق محاربة الهشاشة الاقتصادية، أطلق المغرب منذ عام 2004 برنامج “مدن بلا صفيح”، لمحاربة السكن العشوائي، وتم من خلاله بناء مجموعة من المدن والأحياء الجديدة بضواحي كبريات المدن.
وبلغت نسبة حصيلة تقدم برنامج مدن بدون صفيح حسب ما كشفت عنه الحكومة بداية ماي الجاري 74 في المائة، التي أكدت أنه مكن من تحسين ظروف عيش 322420 ألف أسرة.

جلالة الملك محمد السادس يزور موقع الاعتداء الإرهابي بمقهى أركانة بمراكش سنة 2011 ويتفقد الجرحى

وعلى ضوء إحصاء 2004 الخاص بمدن الصفيح من المتوقع أن تستفيد 270 ألف أسرة، إذ تم إعلان 60 مدينة بدون صفيح، رغم الإكراهات التي واجهت تنفيذ هذا البرنامج ومنها ما يتعلق بالصعوبات التقنية والتعميرية وفق ما أعلنت عنه الحكومة في وقت سابق.
ويلعب هذا البرنامج دورا مهما في الوقاية من التطرف (خاصة أن دور الصفيح كانت معقلا خلال فترة معينة للفكر المتطرف والإرهاب)، رغم ما يتم تسجيله حول البرنامج من إشكاليات مرتبطة بتفاوتات مهمة بين الجهات، وبعد مناطق إعادة الإسكان عن مناطق الأنشطة المكثفة والخدمات، وهو الأمر الذي يطرح جملة من المشاكل المتعلقة باندماج ساكنة مناطق إعادة الإسكان في مراكز المدن بسبب غياب وسائل نقل فعالة، في ظل أهمية ما تم إنجازه من وحدات سكنية (تجزئات، دور سكن)، وجهود تعبئة عقار الدولة في مشاريع السكنى. 
كما أنه في هذا الباب (محاربة الهشاشة الاقتصادية) يأتي رهان مشروع السجل الاجتماعي الموحد، الذي أطلقه جلالة الملك يوم 29 يوليوز 2018، حيث اعتبر جلالته بمناسبة الذكرى الـ19 للعرش، أن “المبادرة الجديدة لإحداث السجل الاجتماعي الموحد بداية واعدة، لتحسين مردودية البرامج الاجتماعية، تدريجيا وعلى المدى القريب والمتوسط”.
وأشار جلالة الملك إلى أن هذا السجل “هو نظام وطني لتسجيل الأسر، قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، على أن يتم تحديد تلك التي تستحق ذلك فعلا، عبر اعتماد معايير دقيقة وموضوعية، وباستعمال التكنولوجيات الحديثة”، مؤكدا أن “الأمر يتعلق بمشروع اجتماعي استراتيجي وطموح، يهم فئات واسعة من المغاربة”.
كما عاد جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2020 إلى التأكيد على أن “الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة”، داعيا إلى الشروع في ذلك ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط …، مشددا على أن “هذا المشروع يتطلب إصلاحا حقيقيا للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد”.
في حين دعا في خطاب العرش لسنة 2022، الحكومة إلى الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم، وضمان نجاعته، مؤكدا أنه سيتم استكمال التغطية الصحية الإجبارية، في نهاية هذه السنة، من خلال تعميمها على المستفيدين من نظام “RAMED”.
وأشار جلالة الملك إلى عزمه تنزيل تعميم التعويضات العائلية، تدريجيا، ابتداء من نهاية 2023، وذلك وفق البرنامج المحدد لها، مؤكدا أن هذا المشروع الوطني التضامني، سيستفيد منه حوالي سبعة ملايين طفل، لاسيما من العائلات الهشة والفقيرة، وثلاثة ملايين أسرة بدون أطفال في سن التمدرس.

رهان مأسسة الحقل الديني

إذا كان الجهل والفقر والهشاشة من عوامل الوقوع في براثن التطرف والإرهاب، فإن دوافع الأيديولوجيا تظل قائمة وأساسية في تغذية التطرف وما ينتج عنه من أعمال دموية؛ وهو الجانب الذي غفلت عنه الدولة المغربية على مدى عقود وساهم بشكل مباشر في أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية بالدار البيضاء، وعددا من الأحداث الإرهابية الأخرى التي أعقبتها، إلا أنها (المملكة المغربية) استدركت هفواتها وأجرت إصلاحا دينيا فريدا يرتكز على القيادة الدينية، واعتماد التعليم الديني بشكل أساسي يتم توفيره من قبل العلماء لتوجيه العموم نحو فهم معتدل للدين.
وفي هذا الصدد أكد محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بأبو حفص، أحد الذين عاشوا الاعتقال على خلفية أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، أن “من كان متتبعا للحالة الدينية سيدرك أن المغرب كان أمام خطر، باعتبار أن الحالة الدينية كانت تتسم بالفوضى وقلة المراقبة، مضيفا أن “أكثر من ذلك، عانى المغرب لعقود متعددة من سياسات عمومية كانت تفضل التعامل مع الموضوع الديني بشكل سياسي، حيث إنها وضفت عددا من الحركات الدينية خصوصا الحركات السلفية والوهابية لمحاربة المد اليساري الذي كان في زمن ما في صراع مع القصر والنظام”. 
وأبرز المفكر والباحث في الدراسات الإسلامية والمتخصص في قضايا التطرف والإرهاب والإصلاح الديني، عبد الوهاب رفيقي، في حوار صحفي مع جريدة بيان اليوم (ينشر كاملا ضمن هذا الملف)، أن السعودية في بداية الثمانينات، وبعد واقعة جهيمان سعت مؤسساتها الدينية إلى نشر الفكر الوهابي في مختلف الدول الإسلامية، مبرزا أنها عقدت في حينها صفقة مع المغرب للسماح لهذا الفكر بالتوسع والانتشار داخل المجتمع عبر ما سمي حينها بدور القرآن، وعبر عدد من الكتب والأشرطة التي كانت توزع مجانا بالملايين، ثم من خلال الدروس والخطب السلفية التي كانت تلقى بالمساجد، وأيضا عبر غض الطرف عن عدد من الشيوخ السلفيين الذين كانوا ينشطون في مختلف أنحاء المغرب ومختلف المدن خاصة الأحياء الشعبية.
وشدد رفيقي على أن حالة الانفتاح التي عاشها المغرب زمن التسعينات والتي شجعت التيارات السلفية الجهادية على نشر أفكارها واستقطاب أعداد أخرى من المتدينين، إلى جانب كل ما ذكره كانت نتيجتها ما وقع يوم 16 ماي 2003، ولذلك كان أول ما انتهجته الدولة هو إعادة هيكلة الحقل الديني وتشديد المراقبة على أماكن العبادة.
وبالتالي فإن إستراتيجية المغرب الاستدراكية في جانبها الوقائي اعتمدت الإشراف على إعادة هيكلة المجال الديني، من خلال تأطير الحقل الديني، وتكوين الأئمة والفاعلين الدينيين، وتنظيم تدبير المساجد، وتنظيم العمل الإحساني، ومراقبة إصدار الفتوى، علاوة على التصدي للمفاهيم المغلوطة حول الإسلام وتأويل تشريعاته، ثم مراجعة مناهج التربية الدينية وبرامجها في مختلف مستويات التعليم لتكريس قيم التسامح والاعتدال، كما تم ترشيد القطاع الإعلامي.
وقامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في هذا الصدد، بتطوير منهج تعليمي لحوالي 50 ألف إمام بالمملكة وكذلك للمرشدات الدينيات، فضلا عن تكوين أئمة ينحدرون، بالخصوص، من غرب إفريقيا بمركز تكوين الأئمة بالرباط، إضافة إلى العمل الذي تقوم به الرابطة المحمدية للعلماء، من خلال محاربة التطرف عبر بحوث جامعية ومراجعة مناهج التدريس والقيام بأنشطة لتوعية الشباب بشأن المواضيع الدينية والاجتماعية.
فبعد حادثة 16 ماي 2003 الإرهابية، أحكمت الدولة مراقبتها على كل المساجد، حيث لم يعد هناك ما يعرف بالمساجد الخاصة، ولا يسمح لأي خطيب جمعة في أي مسجد كان على تراب المملكة أن يمارس مهامه إلا بترخيص وتكوين وتوجيه من الوزارة، إضافة إلى المراقبة البعدية لهذه الخطب، ولا بد من الإشارة إلى أنه تم توقيف عدد من الخطباء بسبب مضامين خطبهم التي رأت الوزارة أنها تتعارض وسياسة الدولة الدينية. 
كما أنه تم الرهان أيضا على ما هو إعلامي؛ حيث تم إخراج القناة الفضائية محمد السادس للقرآن الكريم إلى الوجود، وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، الذين كان لهما أثر كبير في التوجيه الديني؛ كما تمت إعادة هيكلة المجالس العلمية، وتأسيس المجلس العلمي الأعلى، وإعادة هيكلة المجالس العلمية الجهوية، وأقدمت الوزارة على مراقبة الدروس التي تلقى بالمساجد، ومعاينة إن كانت تتلاءم مع الثالوث الديني الرسمي الذي هو العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف الزريدي، وعادت الدولة في سياستها الدينية الرسمية للحديث عن الإسلام المغربي  والخصوصية الدينية المغربية، وتمت محاربة السلفية وإغلاق ما عرف بدور القرآن وكل القنوات الأخرى التي كانت تنشر الفكر السلفي داخل المجتمع.
وفي الصدد ذاته، تسلح المغرب بـ “القوة الناعمة” للنساء المرشدات، اللواتي يحاربن العنف المبني على الدين، بإشاعة الدين الوسطي المعتدل في السجون والمساجد والمستشفيات، واستئصال الأفكار المتشددة التي تدفع مغربيات إلى الانضمام إلى الجماعات المتشددة، والمشاركة في “زواج النكاح”.

مراجعة شاملة للمناهج الدراسية

بالموازة مع مأسسة الحقل والخطاب الديني، وبناء على توجيهات ملكية سامية عملت وزارة التربية الوطنية سنة 2016، بشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على “مراجعة المنهاج الدراسي لمادة التربية الإسلامية في المراحل التعليمية الثلاث (الابتدائي، الإعدادي، الثانوي التأهيلي)، وفق تصور جديد للمادة يروم تلبية حاجات المتعلمين والمتعلمات الدينية التي يتطلبها سنهم وزمانهم ونموهم العقلي والنفسي والسياق الاجتماعي وتنشئتهم وبناء شخصيتهم بأبعادها المختلفة الروحية والبدنية وإعدادها إعدادا شاملا ومتكاملا، كما تستهدف ترسيخ قيم الإسلام السمحة، والتعايش والتسامح والانفتاح واحترام الآخر، حيث تم أساسا من بين العديد من التعديلات حذف كل الآيات والسور التي يمكن تأويلها للتحريض على الجهاد والقتال.
ولا بد أن هذه الرهانات هي ما أثمرت نجاح المغرب اليوم في الحد من الإرهاب وتداعياته، وانحصار الفكر المتطرف، رغم أنه لا زال قائما، خاصة أمام الانتشار الواسع للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تطرح تحديات جديدة، حيث لم تعد المساجد هي مواطن استقطاب الإرهابيين بقدر ما أصبحت الشبكة العنكبوتية هي القنوات التي يتم من خلالها الاستقطاب والتجنيد والدعاية والاتصالات، وهو ما يلاحظ بشكل جلي من خلال بعض الأسماء والرموز المغربية، التي يطبع التطرف العديد من منشوراتها وخرجاتها عبر الوسائط الاجتماعية.

إستراتيجية شاملة بنيتها الوقاية وتعدد المداخل 

دفعت الأعمال الإرهابية التي شهدها المغرب في ماي 2003، إلى التعجيل بطرح مشروع قانون لمكافحة الإرهاب، شاركت في تنقيح نصوصه عدة منظمات غير حكومية وجمعيات، وتم اعتماد هذا القانون لأول مرة في العام نفسه (2003)، والذي تم تعديله لاحقا عام 2011 ثم في 2015 لمواءمته مع الاتفاقيات الدولية، لا سيما فيما يتعلق بتجفيف مصادر تمويل أو تنظيم أو تسهيل سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب تماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 2178.
أما على الصعيد الأمني، فقد عزز المغرب تدابير الأمن الداخلي من خلال إطلاق برنامج “حذر” سنة 2014 الرامي إلى نشر أفراد من القوات المسلحة الملكية والشرطة بشكل مشترك في المواقع العامة الحساسة بمختلف المدن الكبرى بالمملكة لزيادة ثقة العموم والسياح، وهي الإجراءات التي توجت بمنح الصفة الضبطية لأطر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بموجب القانون 35-11 المؤرخ في 17 أكتوبر 2011 الذي عدل وتمم المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية، ثم إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية في 20 مارس 2015، والذي له اختصاص وطني حيث حدد مجال اشتغاله بموجب المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية.
كما أن المغرب شرع أيضا في دينامية مستدامة وعملية إصلاح شاملة لإطاره التشريعي والمؤسسي، بهدف تحسين أداء المؤسسات، وتعزيز دولة الحق والقانون في إطار الديمقراطية والحكامة الجيدة وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، حيث إن هذه السياسة كانت ناجحة بفضل دسترة العديد من المؤسسات والهيئات لحماية الحقوق والحريات الأساسية والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، في قطع واضح مع التجاوزات الحقوقية والقانونية التي تم تسجيلها على خلفية أحداث 16 ماي 2003، بسبب الضغط والارتباك وعنصر المفاجأة، حيث إن المغرب لم يكن يضع في حسبانه وقوع مثل هذه الأحداث الدموية كما أشرنا سابقا.
أما على المستويين الإقليمي والدولي، فقد أعطى المغرب الأولوية للتعاون الإقليمي الدولي، ولا سيما التعاون شمال–جنوب والتعاون جنوب-جنوب، من خلال المشاركة في نشر الممارسات الجيدة والخبرات التي تم تطويرها على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية في مجال مكافحة التطرف العنيف، وهو ما يبدو جليا من خلال تولي المملكة رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب لثلاث ولايات متتالية، بشكل مشترك مع كل من هولندا خلال الفترة ما بين 2015 و2019 ومع كندا ما بين 2019 و2022 ومع الاتحاد الأوروبي منذ شتنبر 2022، كما أشرنا سابقا. 
كما أن المملكة المغربية تعد حليفا رئيسيا من خارج حلف شمال الأطلسي، استضافت عام 2021 مناورات الأسد الإفريقي (أكبر وأعقد تمرين عسكري للقيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم))، والذي يتضمن تدريبات متخصصة للوحدات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.
وفي سياق متصل، استضافت المملكة  منذ عامين مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب وإنفاذ القانون في إفريقيا، حيث إن اختيار المغرب شريكا في إنشاء هذا المكتب دليل آخر على الثقة والاحترام اللذين تحظى بهما الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وخلال إطلاق هذا الحدث، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أن المغرب، بالشراكة مع الأمم المتحدة، على استعداد لتبادل التجربة الفريدة لإستراتيجيته لمكافحة الإرهاب مع الدول الإفريقية التي تم تطويرها على مدى أكثر من عقدين بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
هذا دون أن ننسى التعاون الأمني الوثيق بين المغرب والعديد من الشركاء، الذي ساعد العديد منهم في إحباط هجمات مخطط لها، بما في ذلك إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا.
وفي ما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب، فقد حصل المغرب على عضوية مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن هيئة الاستخبارات المالية الوطنية هي عضو في مجموعة “إيغمونت” للتحريات المالية.
وفي هذا الصدد، قد سن المغرب أيضا في عام 2021، تشريعات أكثر صرامة لمكافحة غسيل الأموال، بما يتماشى مع معايير مجموعة العمل المالي، إضافة إلى إحداث وحدة معالجة المعلومات المالية التي تم مؤخرا تحويلها إلى هيئة وطنية ANRF وهي مؤسسة تابعة مباشرة لرئاسة الحكومة وتعنى بتتبع الأنشطة المالية المشبوهة المرتبطة أساسا بعمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وبالعودة  إلى المقاربة الأمنية الإستباقية، لا بد من الإشارة إلى أن قطب الرحى في الإستراتيجية الأمنية يقوم على التنسيق القائم بين المؤسسات الأمنية ممثلا في القطب الأمني الذي تشكله المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ولا بد أن المتتبع للشأن الأمني الوطني يلاحظ مدى النجاعة التي ميزت عمل هذا القطب ثنائي الأضلاع والسرعة في حل ألغاز بعض الجرائم المستعصية وفي وقت قياسي، مما جعل المملكة والمواطنين في منأى عن العديد من الأخطار الكبيرة جدا.
وتعد الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، رائدة في مجال محاربة الجريمة بصفة عامة والإرهابية منها على وجه الخصوص، وقد اشتغلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي سنعود لتفاصيل أكثر حولها من خلال حوار صحفي مع رئيسها السيد هشام باعلي، (اشتغلت) على هذا النوع الأخير من القضايا منذ سنة 2002 عندما حاولت خلية تتكون من بعض المواطنين العرب استهداف بوارج حلف الشمال الأطلسي العابرة لمضيق جبل طارق، لتليها بعد ذلك الأحداث الإرهابية لسنة 2003 ولتتوالى عقب ذلك عمليات أخرى لتفكيك الخلايا الإرهابية.
كما أن الجانب الاستخباراتي مهم في مثل هذه القضايا وفي محاربتها، حيث لعبت مديرية مراقبة التراب الوطني دورا كبيرا، واستطاعت على مر هذه السنوات تكوين جيل من الخبراء والتقنيين المتخصصين في مثل هذه القضايا ويمتلك خبرة كبيرة، من خلال الرهان على  الدور الاستباقي قبل وقوع الجرائم الإرهابية، لأنها متى وقعت تكون قد حققت هدفها، سواء إعلاميا بالنسبة لبروباغاندا الجماعات الإرهابية، أو لأنها تمس بالنظام سواء اقتصاديا أو من حيث الشعور بالأمن.
وقد ساهمت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من خلال المكتب المركزي للأبحاث القضائية بشكل كبير ومحوري في تحييد الكثير من المخاطر على المملكة المغربية والمواطنين، بل حتى عن دول أخرى شريكة، وسنعود في هذا الملف لتفاصيل أكثر حول هذا المكتب (البسيج) وآليات اشتغاله، مع مديره السيد حبوب الشرقاوي.

“المصالحة”.. تجربة فريدة في إعادة التأهيل والإدماج 

لم يغفل المغرب في إستراتيجيته الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، إلى جانب الوقاية من تطوير أداء أجهزة الملاحقة الأمنية وتنفيذ القانون بأبعادهم المتعددة التي أشرنا إلى أبرزها آنفا، (لم يغفل) جانبا مهما في هذه الحلقة وهو  فك الارتباط وإعادة التأهيل والإدماج من خلال تدبير الإرهاب والتطرف داخل السجون، ثم تدبير ملف العائدون من بؤر التوتر، حيث وضع لهذا الغرض عدة برامج تأهيلية، يضطلع فيها برنامج “مصالحة” بالريادة.
في هذا السياق أسدل الستار، يوم الجمعة 24 فبراير 2023، عن الدورة الحادية عشرة من برنامج “مصالحة”، الذي يعد جوهر إستراتيجية المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في تدبير ملف المعتقلين على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، بغية تخليصهم من الأفكار المتطرفة، بما يفضي إلى إدماجهم في المجتمع.
وقد استفاد من الدورة الحادية عشرة من هذا البرنامج، التي امتدت على مدى شهرين ونصف شهر، عشرون سجينا من المعتقلين على خلفية قضايا التطرف والإرهاب، منهم سجينتان؛ وقد امتد الغلاف الزمني لأزيد من 200 ساعة شملت  جلسات مع فاعلين متخصصين في المجال الديني، والقانوني، والحقوقي، والنفسي…
وتتمثل خصوصية هذا البرنامج، في كونه ليس برنامجا قطاعيا، بل يدخل ضمن الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف والوقاية منه، حيث تشرف على تنفيذه المندوبية العامة لإدارة السجون، مع مجموعة من الشركاء في مقدمتهم الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة العدل، والنيابة العامة، والمجلس الأعلى للقضاء، والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، وبعض الخبراء المختصين في الإدماج السوسيو-اقتصادي وفي المصاحبة والعلاج النفسيين.
ويتأسس برنامج “مصالحة”، على مقاربة تكاملية، تشمل التكوين في العلوم الشرعية والدينية، انطلاقا من منهجية تتأسس على جدلية تفكيك خطاب التطرف والكراهية، ثم إعادة تأهيل النزلاء المشاركين من أجل اكتساب مهارات النقد والاستدلال الشرعيين انطلاقا من العقيدة الأشعرية المالكية الوسطية، إضافة إلى  دورات تكوينية في المجالين الحقوقي والقانوني وحصص تكوينية وتواصلية حول القوانين الدولية والمحلية المنظمة لجرائم الإرهاب.
إضافة إلى ذلك، يخصص البرنامج جزءا هاما منه للتكوين الخاص بتعزيز المهارات الاقتصادية والاجتماعية للسجناء، من خلال ورشات تكوينية وتأهيلية، تهدف إلى تعزيز كفاءاتهم المعرفية والتقنية في تدبير الاندماج السوسيو-اقتصادي، وتنمية خبراتهم في الكسب الشريف من خلال امتلاك مفاتيح التدبير المقاولاتي، علاوة على مصاحبة نفسية متخصصة طيلة فقرات البرنامج.
وقد صيغ البرنامج بشكل دقيق يستجيب لخصوصيات هذه الفئة الخاصة من النزلاء، وللخصوصيات المرتبطة بالمناخ الثقافي والفكري والديني والاجتماعي، إضافة إلى كونه برنامج ينضبط لكل المقررات الدولية والممارسات الفضلى بما يشمل مذكرة “روما” حول إعادة إدماج السجناء المتابعين في ملفات التطرف العنيف والإرهاب، ومذكرة “مراكش-لاهاي”، ثم مذكرة “الرباط” التي تدعو إلى أن تعمل أنظمة المؤسسات السجنية على منع “أي أعمال تطرفية أخرى من السجناء وتمنع الأنشطة الإرهابية التي يتم توجيهها أو دعمها من داخل منظومة السجن، بالإضافة إلى السعي لاجتثاث التطرف وإعادة دمج السجناء في المجتمع متى كان ذلك ممكنا، وبالتالي الحد من حالات العودة إلى الإجرام.
وقد أعطى الجهد المبذول بالمغرب نتائج جد مريحة ومطمئنة على مستوى مقارنته ببرامج وتجارب دولية أخرى، ومن  مؤشرات نجاحاته انعدام شبه تام لظاهرة العود، وكذا الاستجابة والإقبال منقطع النظير على مختلف البرامج التأهيلية ومبادرات المصاحبة.
من جهة أخرى، وقعت مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء واليونيسيف – المغرب، سنة 2021 على مذكرة تفاهم تخص تأهيل وإعادة إدماج أطفال العائدين من بؤر التوتر أو الأطفال الذين كانوا مصاحبين لهم.
وجاء ذلك خلال الزيارة التي قام بها “تيد شيبان”، المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسيف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.
من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن أغلب المشاركين في برنامج مصالحة من سجناء الإرهاب والتطرف، يستفيدون من برامج الدعم للإدماج السوسيواقتصادي بعد انقضاء الفترة السجنية، مما ساهم في إدماجهم في مشاريع شخصية مدرة للدخل، مثل هشام حمزي، المعتقل الإسلامي السابق على خلفية أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، الذي زارته بيان اليوم بمشروعه الخاص بالطباعة، الذي أطلقه بدعم من مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.
وكشف هشام حمزي أنه أنشأ هذا المشروع (مطبعة للإشهارات والإعلانات) مؤخرا، موضحا أنه لما غادر السجن خرج دون حرفة أو صنعة، فاشتغل في كل ما كان متاحا (البناء أو التجارة..).
وأضاف حمزي (سنعود لاحقا معه في حوار مفصل ضمن هذا الملف) أن محيطه كان يقترح عليه دفع ملفه لمؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج كي تساعده في مشروع ما، لكنه كان يرفض على أساس أنه لم يحدد بعد مساره؛ إلى أن بدأ العمل في الطباعة، وارتاح فيها، وشعر أنه يستطيع تكوين نفسه فيها؛ فلجأ للمؤسسة لأجل دعم المشروع.

*******

هشام حمزي مدان سابق بموجب قانون مكافحة الإرهاب لـ : سجدنا لله بعد تفجيرات 16 ماي وكنا سنقوم بأكثر

                                                                             الزميل عبد الصمد ادنيدن يحاور هشام حمزي المدان سابقا بموجب قانون مكافحة الإرهاب داخل ورشته الخاصة بمدينة فاس

أكد هشام حمزي، معتقل إسلامي سابق على خلفية أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، على أنهم كانوا سيقومون بإجرام أكثر مما وقع لو أتيحت لهم الفرصة، مبرزا أنهم كانوا يخططون لاستهداف البنوك والثكنات العسكرية لأجل المال والأسلحة إلا أن أحداث 16 ماي بعثرت الأوراق جميعها.
وأضاف الملقب سابقا ب”أبو جابر”، الذي أدين بموجب قانون مكافحة الإرهاب، في حوار مع جريدة بيان اليوم، أنه مر شهرين على بداية تدريباتهم، لتأتي أحداث 16 ماي حيث لم يعد لهم خيار، إما أن يدخلوا للمعركة مباشرة وهم غير مستعدين لها تماما، أو يختفون كي لا ينكشف أمرهم، إلا أن غيابهم لمدة شهرين وهم سلفيون معروفون في أحيائهم أثار الشكوك، ومن تمة كان أحد أعضاء المجموعة وهو المسؤول العسكري، مبحوثا عنه، وهو النقطة التي كشفت سر التنظيم برمته.
وأشار هشام حمزي (من مواليد 1977) أنه إلى جانب مجموعة من الشباب المغرر بهم أنشأوا خلية للتعزير، مثلا منع شرب الخمر علنا، سواء بالتي هي أحسن أو بالعنف، كما قاموا بحملات تعزيرية لأجل الحد من الأفعال التي كانوا يرون أنها منكرا حسب اعتقاداتهم.
من جهة أخرى أشار حمزي إلى أنه حافظ على السرية التي كان عاهد عليها إلى آخر اللحظات، رغم كل ما تعرض له لأجل الاعتراف، موضحا أنه سجن وحوكم فقط بناء على شهادات أصدقائه الذين اعترفوا.
وتابع حمزي: “كان لدي حقد شديد اتجاه  رجال السلطة وعناصر التحقيق، ولكن لما فهمت الواقع، وفهمت أن كل ما حصل آنذاك لأجل معلومات كي تعيش 30 أو 40 مليون مغربي بأمان أصبحت أعذرهم”.
وشدد هشام على أنه لم يشعر بالندم سواء أثناء فترة السلفية الجهادية أو فترة المراجعة الفكرية لأسباب عدة، مشيرا إلى أنه عاش تجربة مريرة بعد المراجعة الفكرية، التي كانت فيها مجموعة من الفوائد الفكرية والمعرفية.
وهذا نص الحوار:

> بداية لنعد إلى الوراء، أي قبل السجن وحتى قبل أحداث 16 ماي 2003، كيف كانت حياتك؟ وكيف وقعت في براثن التطرف؟
< صراحة، في البداية كان الأمر عاديا كبقية الناس، كان والداي حريصان على أن أدرس، لكنني لم أرغب في الدراسة منذ الصغر بسبب الطيش والتمرد؛ كنت أرى أن العمل فيه مال وبالتالي هو أفضل من الدراسة؛ فتخليت عن دراستي رغم عدم رضا والدي، إلا أن الأمور لم تمض كما أردت، وكنت أنتقل من عمل إلى آخر؛ حظيت بالاستقرار المادي نوعا ما، لكنني مع ذلك لم أمتلك أي حرفة قارة أشتغل فيها حياتي بأكملها.
صراحة كانت طفولتي عادية، ومراهقتي كذلك، بعيدة عن التشنج والجريمة والتطرف وعن الإرهاب أو أي فكر من هذا القبيل، شأني شأن باقي المغاربة، حتى فترة معينة، وهي ما قبل أحداث 11 شتنبر 2001، حيث بدأت تراودني فكرة أن الإنسان عليه أن يخرج من العالم الذي كنت أراه انحرافي إلى عالم التدين، ولم تكن لدي فكرة أنه على الإنسان أن يكون سلفيا أو متطرفا، لكن كانت هناك فكرة أن أكون وريث أبي في حفظ القرآن وأن أكون إمام مسجد، وأدرس العلوم الشرعية.
أردت أن أكون وريث أبي، فقد كان قد توفي وأردت أن أحمل المشعل، لأن جدي بدوره كان فقيها؛ لهذا تركت مجال العمل وقررت أن أسافر للبوادي في المغرب لأجل حفظ القرآن؛ رغم أنني كنت كبيرا في العمر، وفي فترة المراهقة، فحاولت ضبط نفسي وأتعلم العلوم الشرعية لأجل حمل المشعل كما قلت لك. 
توجهت إلى المساجد بمنطقة جرف الملحة، وتم الاستقرار في إحداها، وبدأت أحفظ القرآن، كنت أسير في مسار جيد وعلاقتي بالإمام المحفظ كانت ودية، أجتمع بأبنائه، ويزورنا في المنزل، ولا تزال علاقتي معه للآن جيدة، إلى أن وجدت نفسي في فترة ما، عندما آتي في العطل إلى فاس، ألتقي بمجموعة من السلفيين، وكانت هناك توجيهات منهم، بحسن نية حول “لماذا أتغرب لأجل القرآن علما أنهم أقرب إلي هنا في فاس”، ثم عن المنهج النبوي والسنة، وبدؤوا يقنعوني كي أعود وأدرس في فاس، وأعجبتني أجواء السلفيين آن ذاك.

> هل حسن النية “خالصة” أم أنها كانت مبطنة بأهداف خفية؟
< كي نكون واقعيين ومنطقيين، آنذاك كانت حسن النية تقريبا لدى الجميع إلا ربما لدى الرموز أو فئات معينة، أما السلفيين فلديهم حسن نية وكلهم كانوا ضحايا الفكر، ينصحك من قلبه ويود لك الخير، فحسب تصوره هو خير ويدعوك إليه. 
حينها، في فترة 1999-2000، إذا أردت أن تكون متدينا لن تختار إلا السلفية، لأنها هي المد المنتشر آنذاك بدعم من السعودية، والكتب التي توزع مجانا والأشرطة المنتشرة ودعاوى الجهاد في أفغانستان على المنابر عبر العالم بأسره بما في ذلك المغرب.
فلا تتوقع ولا تتصور أنهم يدعونك لفكر ضال، فالأيادي الكبرى (الشيوخ) من أعلى هرم الجماعة هي التي كانت تسير باقي الأتباع، وهذا شبه يقين، وخير دليل على ذلك أن أولئك الشيوخ الذين كانوا يدعون للجهاد في أفغانستان ضد الإتحاد السوفياتي بمجرد أن أعلن سقوط الاتحاد السوفياتي سكتوا عن مثل هذه الفتوى، وأصبح كل من يدعو إلى الجهاد في أفغانستان يسمى إرهابيا بمباركتهم.
بدأت أدرس في أحد المساجد بضواحي فاس، ثم وقعت أحداث 11 شتنبر 2001، وكان نادرا أن تجد أحد الشيوخ يدعو بجرأة ويتحدى السلطة ويتكلم عن أفغانستان وأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وغير ذلك، فالأئمة الذين يقومون بذلك كانوا نادرين جدا، وعندما كنا نجد (من يصدح بالحق) حسب فهمنا حينها ويتكلم في هذه المواضيع، نعتبره هو أكثر الناس صدقا وقربا إلى الله. 
وبالتالي جمعوا قاعدة سلفية كبيرة جدا، ومجموعة من الشباب الذين نعرفهم هاجروا إلى أفغانستان لأجل الالتحاق بالمجاهدين، رغم صعوبة الهجرة، وحينها بدأنا نتشبع بالفكر السلفي وبتنظيم القاعدة إلى حد بعيد جدا.

> هل كانت تتم الجلسات في مساجد عادية أم كانت جلسات سرية؟ 
< لم تكن الجلسات سرية 100% ولا علنية 100%، كانت بعض المساجد، مثلا كان هناك سوق صغير (سويقة) داخلها مسجد، كان مخصصا للسلفية في منطقتنا، كما كانت بعض المساجد التي توجد خارج المدينة تضم أئمة يدعون بخطابات نارية.

> في المسجد الذي كنت فيه، هل كانت هناك دعوات للجهاد داخل الوطن بشكل صريح؟
< في البداية كانت إشارات إلى ما يقع في بلاد المسلمين وما يقع من جهاد، وكانت فقط إشارات ضمنية إلى أننا أولى به ويمكننا أن نشارك فيه؛ كانت البداية بأفكار مثل إذا ما رأيت شخصا يسب الرب فيجب أن تنصحه وتمنعه، وأن تمنع من يبيع الخمر بالنصيحة أو بأي طريقة أخرى، ثم بدأت الأمور تتطور شيئا فشيء…

> قبل أن نصل لأحداث 16 ماي، في أسرتك ألم تكن تدخل في نزاعات ونقاشات جانبية معهم؟
< بالنسبة لي كانت علاقتي بأسرتي علاقة جيدة جدا، وجانب التطرف والإرهاب كنت أخفيه عنهم، فكنت أظهر لهم دائما الوجه النصوح والمحب للخير، وصراحة ذلك ما كنا نعتقده؛ كنت أخفي عنهم أنني أقوم بأعمال أخرى، والتي ما كنت أظن يوما أني أفعل منكرا، مثلا تمنع من يبيع الخمر من تجارته… إلخ.
نحن مجموعة من الشباب أنشأنا خلية أو كتلة تعزير، مثلا نمنع شرب الخمر علنا، ونمنعهم سواء بالتي هي أحسن أو بالعنف، وكنا نقوم بحملات تعزيرية لأجل الحد من الأفعال التي كنا نرى أنها منكرا، وبقيت الأمور تتطور نوعا ما، لكن في علاقتي بأسرتي بقيت كما قلت تتميز بوجه الرحمة والوجه البشوش، فحتى عائلتي آنذاك بدأت تنسجم وتتقبل الفكر السلفي البعيد عن التطرف.

> هل كانت لديكم أفكارا وتوقعات بحدوت أحداث 16 ماي، أم أنكم تفاجأتم بها؟
< كانت لدينا أفكار، وأيضا كنا سنقوم، ربما ليس بمثل ما وقع في 16 ماي بل أكثر منها لو أتيحت لنا فرصة، لأن ما قبل هذه الأحداث كانت هناك أحداث العراق والقاعدة، وبداية نشأة داعش بعد موت أبو مصعب الزرقاوي، وفي المغرب عموما، كان الشباب السلفي مهيأ إما للهجرة إلى العراق وبؤر التوتر، أو القيام بذلك داخل المغرب.
قبل أحداث 16 ماي، اجتمعنا نحن مجموعة من الشباب وأتى إلينا شاب فرنسي سبق له أن كان في أحد المعتقلات في أفغانستان حسب قوله، وهو المسمى بيير ريتشارد أنتوان روبير الملقب بـ”الحاج عبد الرحمان”، وقال إنه التقى بأسامة بن لادن وتلقى الأفكار الجهادية، وأتى من أجل نشر الأفكار الجهادية في المغرب، وكانت هناك مجموعة من الرموز الذين تبنوا هذه الفكرة وبدأوا يختارون من الشباب الأكثر جرأة من حيث الإقناع، والأكثر قوة من أجل إشعال الفتيل، ومن يستطيع من حيث الفكر، القوة، التحمل، الصدق، الأمانة، والسرية وغيرها من المعايير.
انتقوا مجموعة من الشباب من أجل الدخول إلى معسكر جهادي ليكون له السبق في إشعال فتيل الجهاد في المغرب، وكنت واحدا ممن تم اختيارهم، واجتمعنا في منزل بمنطقة نواحي فاس، فتعاهدنا على السرية والكتمان والانضباط وغيرها، وبدأت مسيرتنا، وكانت الأحداث لا تزال بعيدة…

هل كنتم من المخططين لهذه الأحداث؟
لا؛ كان الأمر دون تنسيق، كان كل الشباب السلفي الجهادي على أهبة الاستعداد، ربما كان الكبار قد خططوا للصغار. 
نحن ذهبنا إلى إحدى المغارات نواحي فاس، وبقينا نتدرب ليلا ونهارا إلى أن أتت أحداث 16 ماي، وكنا بدون أسلحة، لكن كانت هناك وعود بأننا سنتوصل بأسلحة نارية وغير ذلك من الشخص الفرنسي الذي كان معنا… 
كنا نتحدث عن الأهداف، ومن أهمها والتي كان يقول بأنه سبق أن عمل فيها هو السطو على البنوك والثكنات العسكرية لأجل المال والأسلحة، لكن جاءت أحداث 16 ماي وبعثرت الأوراق جميعها.

> كيف تلقيتم خبر تفجيرات 16 ماي 2003 الإرهابية آنذاك؟
< لا أخفيك شعورنا ساعتها، فقد سجدنا لله شكرا وفرحا، وتحسرنا لأن آخرين سبقونا.
تبعثرت أوراقنا بعد هذه الأحداث لأن الأمن تحرك بشكل كبير وسريع وتم كشف مجموعة من الخلايا منها خليتنا، حيث كنا قد اختفينا عن أنظار أسرنا لمدة شهر أو شهرين قبل الأحداث.

> كنتم خلال تلك الفترة جميعا على أهبة الاستعداد، ولعله كان هناك تنسيق وطني للقيام بأعمال إرهابية في نفس الفترة؟
< نعم، ربما؛ فقد مر شهران على بداية تدريباتنا، لتأتي أحداث 16 ماي وحينها لم يبق لنا خيار، فإما أن ندخل للمعركة مباشرة ونحن كنا لم نستعد تماما، أو ستختفي لتصبح مواطنا عاديا كي لا يكتشف أمرك. 
إلا أن غيابنا لمدة شهرين ونحن سلفيون معروفون في أحيائنا أثار الشكوك، ومن تمة كان أحد أعضاء المجموعة وهو المسؤول العسكري، مبحوثا عنه، وهو النقطة التي ستكشف سر التنظيم.

أشرت إلى كونكم لو لم يتم اعتقالكم كنتم ستنفذون أحداث أكبر مما حدث في 16 ماي، هل كنتم تنتظرون أوامرا من جهات معينة أم كنتم تسيرون أموركم فيما بينكم فقط؟ وهل ترون بأنكم تعرضتم لغسيل الدماغ؟
فعلا كنا سننفذ أحداث أكبر، لأننا كانت لدينا أهدافا وأفكارا وكنا سنطبقها، في نفس تلك الفترة، وكنا ننتظر فقط أن يتم تزويدنا بالأسلحة أو أن نبدأ عملية ما.
كان ذلك الشخص الفرنسي، الذي كنا نظن أنه كان في أفغانستان وله تزكية من المجاهدين إلى غير ذلك، وكان هو المشرف علينا، وكان كلامه بمثابة أوامر.
الحقيقة التي أؤمن بها اليوم هو أن الكل مسؤول عن هذه الأحداث وهذه الجرائم، بما فيهم الدولة، فهي تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، لأنها كانت تلاحظ بأن المد السلفي ينتشر بأفكاره المتطرفة وغضت الطرف.
فلما كان الشيوخ وأئمة المساجد يدعون إلى الجهاد في أفغانستان غضوا الطرف عنهم، ولما تبنت الدولة فكرة أن الجهاد في أفغانستان هو إرهاب، كنت أنا للتو قد تشبعت بالفكرة الأولى، فما الفرق بين الإتحاد السوفياتي وأمريكا؟! هم لدي سواسية، والمنطق العالمي يقول إنه مثلا هذه بلاد المسلمين مستعمرة من طرف الإتحاد السوفياتي وجب الجهاد ويجب إذن إخراج المستعمر من بلاد المسلمين، خرج السفيات وجاءت أمريكا، ما الذي تغير إذن؟! لا شيء، فإن كان الجهاد خاطئا فهو خاطئ في الحالتين، وإن كان صحيحا فهو صحيح في الحالتين، وهذا منطق يقبله أي شخص.

> لنمر لمرحلة الإعتقال، ما هي المدة الفاصلة بين أحداث 16 ماي وبين اعتقالكم؟ 
< بداية الاعتقال كان بسبب أن المشرف العسكري الذي معنا كان مبحوثا عنه، وكانت صورته معلقة في الولاية، فأي مسؤول أمني رآه سيعرفه. 
عندما قررنا نحن الخروج من المعسكر قال لنا الفرنسي إنه على غير المبحوث عنهم أن يعودوا لحياتهم بشكل عادي إلى أن تأتيهم الأوامر، والتي كانت عبارة عن خيارين، إما أن تأتينا جوازات مزورة لأجل الإلتحاق بالمجاهدين في العراق، أو سنحصل على حقائب مفخخة من أجل عمليات انتحارية.
بخصوص المسؤول العسكري فقد كان مبحوثا عنه، وقرروا أن يصطحبوه لإحدى القرى التي لم يكن معروفا فيها ويحصلون له على منزل ليسكن فيه حتى يقرروا أحد القرارات.
فلما ذهب إلى تلك القرية بلغ عنه عون السلطة لأنه إنسان غريب، خاصة أنها كانت الفترة التي تلت أحداث 16 ماي، وهو إنسان غريب دخل للقرية، ولا يخرج منها، ويجلبون له الأكل كي لا يثير الإنتباه، لذلك بلغ عنه ليجري اعتقاله، وهو حافظ على وعده “السرية مهما وقع” حتى في الإعتقال، لكن أحد الأشخاص كان معنا في المعسكر ذهب إليه إلى ذلك المنزل فجرى اعتقاله أيضا، ولما أعتقل كشف كل شيء.
وجرى بعد ذلك اعتقالنا جميعا في 29 ماي 2003، في ظرف وجيز جدا، لأن الشخص الذي كشف الأسرار كان يعرف جميع منازلنا.

> لو عدنا معك إلى تجربة السجن، كيف كانت البداية؟
< أولا قبل السجن، فقد حافظت على السرية التي كنت عاهدت عليها إلى آخر اللحظات، رغم كل ما تعرضت إليه لأجل الاعتراف، حتى أنني سجنت وحوكمت فقط بناء على شهادات أصدقائي الذين اعترفوا.
صراحة كان لدي حقد شديد على رجال السلطة وعناصر التحقيق خاصة، ولكن لما فهمت الواقع، وفهمت أن كل ما حصل آنذاك هو لأجل معلومات كي تعيش 30 أو 40 مليون مغربي بأمان أصبحت أعذرهم، كون المشكل الذي حصل في المغرب مشكل جلل وكبير.
تشبثت بوعدي، لكوني عندما أؤمن بقناعة أطبقها بحذافيرها، لا يهمني “من باع نفسه ومن لم يبع”، سجنت لمدة طويلة وأنا سلفي 100% وأحمل أفكاري، بل العكس أفكاري كانت تزداد يوما بعد يوم تشددا.

> كم انقضى من مدتك السجنية حين بدأت تقوم بالمراجة الفكرية، وكيف كان سياقها؟
< أولا لم أكن أنوي القيام بمراجعة فكرية، لأنني ما كنت أعتقده كنت أظن أنه الحق، وهو ما أراده لنا الله، فلما حكمت ب10 سنوات، فخلافا للناس الذين طلبوا الترحيل للمدينة التي يقيمون فيها، طلبت الترحيل للسجن المركزي، على اعتبار أن فيه مجموعة من الشباب المغاربة الذين شاركوا في الجهاد في أفغانستان، وجهاد البوسنة والهرسك وجهاد العراق.
أردت أن أنمي أفكاري أكثر، وكانت لدي مجموعة من التساؤلات فكنت أقول ربما سأجد شيخا جهاديا أو مشاركا في المعارك يجيبني عن تلك الأسئلة، إلا أنني لما انتقلت للسجن المركزي بناء على طلبي، بعدما انتقلت في الأول إلى سجن “أوطيطا 2″، وألححت على الانتقال للسجن المركزي بالقنيطرة، جالست هذه المجموعة وتبادلنا الأفكار.
ومن خلال النقاش يظهر المستوى الفكري والمعرفي في الدين لكل شخص، فتفاجأت أنهم يدفعونني كي أصلي بهم الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والتراويح، حينها كنت على وشك حفظ ستين حزب، والتي أتممتها داخل السجن المركزي؛ بدأت أتساءل، هل هذا التيار ليس فيه أناس يمتلكون أجوبة على كل شيء مرتبط بالجهادية، وهل هذا مستواهم العلمي؟ 
عموم السلفيين سواء التقليديين أو الجهاديين يعتقدون بمقولة “النقل قبل العقل”، إذا قال الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تعمل عقلك، فهو كلام فوق عقلك، لكن أنا عقلي كان لا يتوقف عن التفكير، ودائما يطرح أسئلة، وأبحث عن أجوبة لها.
فمثلا الله يقول “فإن تولوا فإنما عليك البلاغ” وفي حديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله”، فأحاول المزج بينهما.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول بأن الله أمره كي يقاتل حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، والآية تقول العكس: “لا إكراه في الدين”، فأحاول الفهم، ورغم ذلك كنت أستسلم في الأخير للقاعدة: أي النقل قبل العقل، إلا أن دماغي كان يعذبني بتساؤلات كثيرة.
كنت مصرا على أن أتعلم وأقرأ، منذ صغري، حين قررت أن أصبح خليفة أبي وغادرت المدرسة من الخامس ابتدائي، وتغربت في شبابي عن والدي لأحفظ القرآن وأدرس، وكنت مصرا على الوصول إلى الهدف، ونفس الأمر بالنسبة لهذه التساؤلات، سأقرأ وأتعلم إلى أن أحصل على الأجوبة.

> الأسئلة التي كانت حول الجهادية، هل بدأت تطرحها فور دخولك للسجن أم بعد أن انقضت مدة ما؟
< لطالما كنت أريد التعلم، كنت أريد تعميق المعرفة، ليس لكي ألغي أفكاري السابقة، فلو بقيت سلفيا جهاديا أكيد كنت سأذهب لسوريا بعد خروجي، أنا لم أقم بأي شيء لست مقتنعا به.
فما دمت أني سلفي فإما سأجاهد أو أعتقل أو أموت، ما أؤمن به أطبقه على أرض الواقع، كنت أرى أنه علي أن أصلي كي أدخل الجنة وعلي أن أجاهد كي أدخل الجنة، هما سواسية بالنسبة لي.

> وسط بحثك عن حقيقة تدينك، كيف تراجع اختياراتك ؟
< لم أضيع أبدا الفترة التي كنت فيها في السجن المركزي. لما كان محيطي في السجن جهادي، ولم تكن هناك وسائل للقراءة، اعتكفت على حفظ القرآن، ولم أعر اهتماما للحرية، وكنت أقول إن خروجي أمر مقدر وعلي أن أستغل هذه الفترة، فقررت حفظ القرآن، لأنه الوسيلة التي كانت بحوزتنا حينها، حيث كانت الكتب الجهادية ممنوعة، وسمح بوجود المصاحف فقط. 
إلى أن يتاح لنا الحصول على مصدر آخر للمعرفة، نعيش كل فترة بما فيها، فاعتكفت على حفظ القرآن واختتمته بالسجن المركزي بالقنيطرة، ولما تم ترحيلنا لمدينة فاس، كنا مجموعة من الشباب السلفيين الجهاديين، لكن طلبة العلم أو ما يعرف بالشيوخ كانوا قلة.
كان الشيخ الفزازي، والشيخ عمر الكتاني، والشيخ أبو حفص (محمد عبد الوهاب رفيقي)، وتم توجيه كل منهم إلى مدينته، فمن حسن الحظ أنهم أحضروني لفاس حيث كان عبد الوهاب رفيقي، وكان السجن مفتوحا، ومنحونا الحقوق على مصراعيها، منها أساسا إدخال الكتب.

> كم قضيت في السجن المركزي؟
< سنة ونصف، ثم نقلت لفاس، حيث التقيت رفيقي، وكنت حينها معتكفا على الختمة الثانية من القرآن، فنظم مسابقة للقرآن، حظرت فيها وأخذت الجائزة الأولى في التجويد، ثم بعدها قام بتنظيم حصص علمية معمقة أسميناها “مشروع طالب علم”، بدون تأطير الإدارة، حيث كانت مجهودات فردية، في إطار أفكارنا المتشددة.
أثناء هذه الفترة التي كنا نتعلم فيها، بدأنا نجد صدامات بين الأفكار الجهادية السابقة وبين ما نمارسه من قراءة علمية عبر بعض الكتب التي كنا نعتبرها أمهات كتب نؤمن بها نحن 100%.

> هل كانت هذه الكتب تدخل بشكل عادي للسجن؟
< نعم، لأننا كنا نتمتع بحقوقنا في سجن بوركايز بفاس، لدرجة أن أي شخص يمكن أن يزورك دون أن يكون لكما النسب ذاته، لأننا كنا قد خضنا اضرابات وغيرها كي نصل لهذه المكتسبات، فكانت تأتي أسرنا دون أن يمنعوا ذلك، وبهذا كنا ندخل كتبا ونقرأ. 
في السابق كنت أتلقى أفكارا، أما الآن فأقرأ الأفكار، سابقا كنت أتلقى، أسمع من هذا وذلك، وصدقتهم وآمنت بتلك الفكرة ومضيت فيها، أما الآن فأصبحت أقرأ، أحيانا أجد فكرة في هذا الكتاب وأرى نقيضتها في كتاب ثاني، فبدأت ألمس نوعا من الخلاف الفقهي.
كل ما كنت أؤمن به من قبل ليس محسوما كما كنت أظن، وبدأت الأفكار تتغير بالتدريج، فهذا يقول مكروه وهذا يقول حرام وهذا يقول حلال، إلى غير ذلك، فبذلك فكري بدأ يتسع، إلى أن صدمنا يوما بأن بعض الكتب العلمية فيها تزوير وتحريف.
كنا مجموعة رفقة الأستاذ رفيقي وقرأنا أحد الكتب في العقيدة، أرشدنا (الكتاب) إلى مرجع معين، ولما عدنا للمرجع وجدنا أن المعلومة غير موجودة، ولما تعمقنا في البحث، وجدنا أن المعلومة محذوفة من طرف دار النشر، أي أنها حذفت تلك الفكرة لأجل عدم تعميمها، قلت حينها ربما هذا الفكر كله نتيجة لهذه المؤامرة الناتجة عن الخيانة العلمية، أي أننا لا تصلنا المعلومة الصحيحة.

> بشكل صريح: هل ترى نفسك ضحية أصحاب نوايا قذرة ؟
< نعم، صحيح؛ فقدنا الثقة في المراجع، وفقدنا تقديسنا للمراجع، وأصبحنا نتعامل معها على أنها مجرد كتب، وأي موضوع أتعامل معه وأنا متجرد من الأفكار السابقة، وهذا كان خلال السنة الرابعة من سجني، أي بعد الفترة التي فتح لنا السجن فرصة واستغليناها. 
لحظتها قلت ربما مساري بأكمله سار في منوال التحريف، فعندما أريد أن أقرأ الكتب والقرآن الكريم لم أعد أقرأهم بفهمي السابق، وبالشروحات التي كنت أسمع، بل أقرأ القرآن وكأنها المرة الأولى وأحاول فهمه بشكل ذاتي، ولما تستعصي علي مسألة ما أبحث فيها وأجد أقوالا كثيرة وأحيانا أقوالا متضاربة.
بدأت الموسوعة الفكرية تتسع وتقبل الخلاف، وتبتعد عن قدسية قال فلان وقال علان، وهذا شيخ الإسلام وذاك ليس شيخ الإسلام، العالم الفلاني…، فجميعهم أصبحوا في كفة واحدة، وأصبحت أعمل عقلي وأحاول الوصول للمعلومة من الأعلى، وأطل على المعلومة من أسفل وأقرأ ما قاله هذا وذاك ثم أخرج بترجيح ما هو الأقرب.

> كيف أتممت سنوات سجنك الأخيرة في ظل هذه المراجعات الفكرية؟
< رغم أن التغيير الفكري بدأ داخل السجن، حتى لا يقال أن هشام أثر فيه السجن وغير أفكاره لأجل الحرية، فقد كانت البداية داخل السجن لكن لم أطلع عليها أحد.
كانت القراءة بشكل علمي، لكن الكل يراني على أنني ذاك الإنسان السلفي الجهادي إلى غير ذلك، ولم أظهر أنني غيرت أفكاري إلا بعد خروجي من السجن بمدة طويلة قليلا.

> هل وجدت مشكلة في الاندماج بعد خروجك من السجن؟ كيف كانت نظرة المجتمع والأسرة لك؟
< لم أجد أي إشكال مع أسرتي، سواء في الفترة التي كنت سلفيا فيها أو بعدها، كانت مشكلتهم معي في الفترة التي سبقت دخولي السلفية، أي عندما كنت مراهقا.
لم أكن كباقي الشباب السلفيين، كنت أبحث وأدرس وأمارس الرياضة، فكانوا ينظرون لي بنوع من الرمزية، ونموذجا، ومجموعة من السلفيين يحاولون التقرب مني لاحتضانهم، لكن مع مرور الوقت عندما بدأوا يلاحظون تغيير أفكاري، و بدأ الشرخ بيننا يكبر، هناك من اتهمني بأنني “بعت نفسي” ولكن لا يهمني. 
بالنسبة للناس العاديين، هناك من قبل بي كهشام الذي يعرفونه سابقا، لكن مجموعة من الناس والزبناء بمجرد ما يعلمون أنك سجين سابق يبتعد عنك وينفر منك.
أنشأت هذا المشروع مؤخرا (مطبعة للإشهارات والإعلانات)؛ فقد خرجت من السجن دون حرفة أو صنعة، فاشتغلت في كل ما كان متاحا، البناء أو التجارة، حيث إن طبيعة شخصيتي لا تنسجم في العمل مع الناس، ولكن الضرورات تبيح المفروضات.
قمت بالتجارة واشتغلت مع بعض الأشخاص في العديد من الأعمال، وكان يقترح علي البعض أن أدفع ملفي لمؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج كي تساعدني في مشروع ما لكنني كنت أرفض، على أساس أنني لم أكن قد حددت مساري بعد. 
وحين بدأت العمل في الطباعة، وارتحت فيها، وشعرت أنني أستطيع تكوين نفسي فيها، لجأت للمؤسسة لأجل دعم المشروع، وكانت الاستجابة ولو بعد فترة طويلة وبمساهمة ضئيلة، لكن كما قلت لك سابقا، عندما أنوي القيام بشيء ما أستمر فيه، فلما كنت سلفيا استمريت في سلفيتي دون خوف من العواقب، ولما قررت التراجع عن أفكاري تراجعت رغم أن العواقب كانت كبيرة، منها خسارة جميع أصدقائي الذين ضلوا سلفيين، ومنهم من يحاول تشويه صورتي.
فمجموعة من الناس رغم أنهم ليسوا بسلفيين، إلا أن بداخلهم سلفي دون أن يشعروا، لأن أي شخص تحدثت معه ستجده متأثرا بما يتلقاه في القنوات الفضائية (قناة الرحمة والناس وغيرها)، وهي جميعها قنوات سلفية، وأنا أقول إنهم كلهم إرهابيون لكن لم تتح لهم الفرصة، حتى السلفي التقليدي الذي تحادثه وتسمح له الدولة بتقديم الدروس، هو كذلك سلفي خطير، وأنا أعتبره سلفي لغم.
مثلا السلفي الجهادي بالنسبة للدولة أمره سهل، فلما تحادثه ينفجر في وجهك بكل أفكاره، وأنت تعرف فكره وتوجهه، حتى دون أن يقوم بأي شيء، فهو معروف، لكن السلفي التقليدي الذي يقبع في المسجد ويصعد المنبر وربما هو في المجالس العلمية، ويقول لك إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول “من بدل دينه فاقتلوه” ويؤمن بها، فهو فقط لا يملك سلطة تنفيذ هذا، لكن لو امتلك السلطة ألن يطبقها؟!
فهذا هو الفرق بين السلفي التقليدي والسلفي الجهادي، يقول لك إن هذه الأوامر الشرعية مخصصة بولي الأمر، فماذا لو أصبح الأمر بيده ؟! أكيد سيقلب الأمر كله وستصبح دولة على منهاج داعش، أما السلفي الجهادي يناقشك بفكره فلا تتفاجأ فيه، ويود القيام بالأمر من الآن، أما الآخر فيقول لك لا تطبيق لهذا الأمر له أهله، لكن من هم أهله، لو أتيحت له الفرصة لقام بها.
فأنا اعتبر أن السلفي التقليدي الذي يؤمن بهذه الأفكار هو أخطر على الدولة من السلفي الجهادي.

> كيف تقيم الفكر الديني حاليا في المغرب؟
< الفكر الجهادي أقول إنه ربما خمد نوعا ما لكن لم يتم اجتثاث جذوره، يمكن أن نقول إنه نام لكن متى يستفيق الله أعلم، هو لا يزال موجودا، والمفاجأة بالنسبة لي أن مجموعة من السلفيين الذين تعمقوا في البحث العلمي يتراجعون عن أفكارهم بشكل نهائي، نتيجة القراءة بتجرد وطلب العلم بصدق وبدون إيديولوجية.
فمشكلة السلفي أنه لما يقرأ القرآن أو الحديث يقرأه بما يؤمن به من مرجعية، وهذه المرجعية تجعله يقرأ في اتجاه واحد ينمي أفكاره، وهذا أكبر غلط يرتكبه الشباب، فالإنسان عندما يقرأ عليه أن يقرأ الأفكار كلها، كي يخرج بفكرة ناضجة وواعية وبعيدة على التعصب. 
مجموعة من الملاحدة مثلا متعصبون لإلحادهم ويقرأون ما ينمي إلحادهم وهذا غلط فهذا أيضا تطرف، أما الملحد الذي يبحث عن الحق فيقرأ في المسيحية واليهودية والبوذية وفي الإسلام والإلحاد، وتتولد لديه فكرة يمكن أن تكون قناعة ذاتية وفكرية، عن معرفة.

> بعد هذه التجربة كيف تنظر الآن لأحداث 16 ماي؟ وعندما تسمع ببعض الجرائم الارهابية كيف تنظر إليها؟
< أولا أستنكر أي جريمة سواء إرهابية أو جريمة أخرى، لكن ما يحز في نفسي هو الجريمة المنظمة التي يطبعها فكر، فهذا خطير جدا، لأنه يمكن أن يقوم بجريمة ما دون أن تعرف، وبهذا ستمتد تلك الجريمة.
فصراحة يحز في نفسي أن هناك أناس لا يزالون يفكرون في القيام بجريمة مجانا نتيجة فكر متطرف، ويكون الضحايا ليس من مات فقط بل ما تخلفه من تشتت أسري ويتم للأطفال وتمزق عاطفي للأسر والمجتمع، وينظر للدولة من الخارج على أن فيها أفرادا إرهابيين، صراحة يجب أن يتوقف كل هذا.

> هل فكرت يوما في المساهمة في محاربة الفكر المتطرف؟
< صراحة هذا ليس طموح فقط، بل من أكبر الأماني، لأني سابقا كنت أود تأسيس تنسيقية لأجل محاربة التطرف وتم رفضها لأسباب غير معلومة، ربما كان معنا أفراد لا يستحقون، لكن لدي طموح وأتمنى أن تكون لي بصمة للاحتكاك بالناس ومحاربة الفكر المتطرف ونشر السلام.
رسالتي للناس الذين يحملون أفكارا متطرفة أقول لهم قولة الشافعي رحمه الله: “كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلام خصمي خطأ يحتمل الصواب”، فدائما نصيحتي للشباب أن يضع احتمال أن أفكاره يمكن أن تكون خاطئة ولا يجعلها مقدسة.
بالنسبة لضحايا الإرهاب سواء أحداث ماي أو أركانة وغيرهما أقول لكم: كلنا ضحايا، فأنا كنت ضحية فكر وأنتم كنتم ضحية تطبيق هذا الفكر، نسأل الله أن يتجاوز عنا ويجبر كسركم ويعوضكم خيرا عما ضاع منكم ويعوضنا خيرا عما ضاع منا، كلنا ضحايا فأتمنى أن نتعاون جميعا لأجل اجتثاث هذا الفكر من جذوره، وهذا الفكر لا يمكن أن يزول إلا بالفكر، فالمقاربة الأمنية لا تكفي.

بعد انقضاء 20 سنة.. هل تشعر بالندم؟
< لم أشعر بالندم سواء أثناء فترة السلفية الجهادية أو فترة المراجعة الفكرية، لأسباب: أولا لو لم أكن سلفيا آنذاك لما وصلت للنضج الفكري، كما أنني والحمد لله أشعر بالراحة لأنني لم أرتكب الجرائم التي من شأنها إراقة الدماء، فالحمد لله لأنني لم أصل هذه المرحلة في الجريمة، لدى لست نادما.
وبعد المراجعة الفكرية، كانت تجربة مريرة لكن فيها مجموعة من الفوائد الفكرية والمعرفية، وأنا أشعر بنفسي في حالة جيدة، ووصلت لنضج فكري لا بأس به، ولا أزال في طور البحث والمعرفة، ولازلت أبحث عن الحقيقة، وكلا الحالتين كونتا شخصية هشام لحد الآن.

*******

سعاد الخمال رئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب لـ : المصالحة ناقصة ما لم تشمل ضحايا الارهاب

قالت سعاد البكدوري الخمال، التي فقدت زوجها وابنها في الاعتداءات الإرهابية الشنيعة، في 16 ماي 2003، بالدارالبيضاء، إن الإرهابيين غيروا مجرى حياة عددا كبيرا من الأسر، وحولوا مفهوم الحياة بالنسبة لكل المغاربة.
وتابعت الخمال بقلب يعتصره الألم، في حوار مع جريدة بيان اليوم: “أتمنى ألا تفقد أي أم سواء في المغرب أو أي بلد آخر إبنها، وأن تفقد فلذة كبدها، كما أنه لا ينبغي أن تفقد أي أم إبنها عندما يغرر به ويتحول بواسطة فكر تكفيري ظلامي إلى أداة تفجيرية تنفجر في أشخاص آخرين”.
وأضافت الخمال رئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب، أنها كانت لديها أسرة مكتملة وأصبحت مبتورة من الابن والزوج، مردفة: “ذهب أخ ابنتي ووالدها، وتركاني منهكة القوى، لم تكن لدي القدرة على التنفس ولا التفكير فيما علي القيام به لولا أنني حظيت بمواكبة واهتمام من طرف عدد كبير من المغاربة”.
وأكدت الخمال على أنه لا يفهم الضحية إلا ضحية مماثلة له، مضيفة: “لا يمكن أن نتكلم بكل طلاقة وعفوية وصراحة إلا مع بعضنا البعض، نتمكن من البكاء واسترجاع ذكريات أحبتنا بدون حدود، ودون أي رقابة نحس ببعضنا البعض”، مردفة: “الفئة التي تشكلت بعد أي حدث إرهابي في العالم هي فئة بقدر ما تعاني هي فئة هشة نفسيا ومعنويا وماديا، وأول ما يمكن التفكير فيه بعد وقوع أي حادث إرهابي هو الالتفاف حول الضحية ومواكبتها والأخذ بيدها، وتقديم أي مساعدة ولو بكلام طيب، لأن نفسيتنا تكون مدمرة وتحتاج لأي دعم أو مساندة لكي تتخطى الفاجعة ومن أجل الحصول على العدالة والإنصاف”.
وأشادت الخمال بالدور الأمني الذي تقوم به الدولة، من خلال تفكيك عدة خلايا على وشك المرور إلى القتل والترهيب وغيرها، داعية إلى احترام خصوصيات الضحية وعدم تعريضها للتشهير بشكل كبير، والاحتفاظ على خصوصياتها.
واعتبرت الخمال أن برنامج مصالحة أو إعادة تأهيل المتورطين في الأعمال الإرهابية عمل جبار ومحمود إلا أنه يظل منقوصا ما مادام أنه لم تكن هناك مصالحة مباشرة تجاه ضحايا الإرهاب.
وهذا نص الحوار:

> اليوم، عقدين من الزمن عن فاجعة أحداث 16 ماي 2003، التي أكلمت قلوب عشرات الأسر واهتزت معها قلوب كافة المغاربة والعالم؛ رزئت في فردين من عائلتك على خلفية هذه الأحداث نسأل لهم الله الرحمة ولجميع الضحايا.
< بداية، أكيد أن الأمر صعب جدا، هل يمكن أن تحكي لنا تفاصيل موجزة عن الحادث ووقعه عليكم ؟
شكرا على هذه المبادرة، والتفكير بعد 20 سنة في هذا الحدث الأليم الذي هز المغرب وأثر على كل المغاربة وليس فقط أسر الضحايا الذين أنا واحدة منهم، حيث فقدت فيه شخصين عزيزين هما الزوج والابن. 
الحادث الإرهابي 16 ماي 2003، وقع على الساعة العاشرة ليلا في خمس مواقع بمدينة الدار البيضاء، وكان نادي دار إسبانيا الذي خلف العدد الأكبر من الضحايا سواء المتوفين أو المصابين والجرحى. في تلك الليلة المشؤومة كان زوجي وابني بصدد تناول وجبة العشاء بهذا النادي، الذي كنا منخرطين فيه كأسرة، وكانت من عاداتنا الذهاب له في ظروف عادية، إلا أن الإرهابيين قرروا تلك الليلة أن يغيروا مجرى حياة عددا كبيرا من الأسر، وحولوا مفهوم الحياة بالنسبة لكل المغاربة.
ذهب زوجي ضحية إثر الانفجار الأول مباشرة، أما ابني الذي كان يتواجد حينها بعيدا شيئا ما عن طاولة والده فلم يصب إلا في الانفجار الثاني، لأنه أبى أن يغادر المكان.
يحز في نفسي أن أقول إنه وقف أمام جثة أبيه، فإذا بالانفجار الثاني الذي أصيب فيه بإصابة بليغة جدا على مستوى رأسه جعلاه يقضي أسبوعا كاملا في غيبوبة تامة، حتى فارق الحياة يوم 23 ماي، وكم كان أليما بالنسبة لي أن أودع زوجي، وكان لي أمل أن يظل ابني حيا، وكنت أتقبله معي بكل ما يمكن أن يعانيه جراء جروحه البليغة، لكنه رحل.
ولنا أن نتخيل هول الفاجعة التي ألمت بي بعد أن كانت لدي أسرة مكتملة وأصبحت مبتورة من الابن والزوج، لقد ذهب أخ ابنتي ووالدها، وتركاني منهكة القوى.
لم تكن لدي القدرة على التنفس ولا التفكير فيما علي القيام به لولا أني حظيت بمواكبة واهتمام من طرف عدد كبير من المغاربة، وعلى رأسهم الأسرة والأصدقاء الذين دعموني ودعموا ابنتي حتى تمكنا، لا أقول من تجاوز الصدمة ولكن من معرفة كيفية التعامل معها، وتدريجيا تخطيها بأعطابها وألمها.
ولازلت بعد 20 سنة أتذكر تلك اللحظات، وأعيش على ذكريات جميلة ربطتني بزوجي وابني.

على مدى 20 سنة، عايشتم ورافقتم أسر ضحايا أحداث أركانة الإرهابية بمراكش وغيرها، ما هي آثار الجريمة الإرهابية التي ينبغي أن يعي بها المجتمع ؟
< بالفعل، هذه الفئة المجتمعية (الضحايا) قبل 16 ماي لم تكن متواجدة، ولم يكن لدينا في المغرب مفهوم ضحية الإرهاب، ولم نكن نتعارف بيننا إلا قليلا، نتقاسم جراحنا وآلامنا، فأقصى ما يمكن أن يتخيله المرء هو أن يفقد شخصا عزيزا في ظروف مماثلة.
تعرفت بالفعل على ضحايا آخرين غير ضحايا 16 ماي 2003، سواء في المغرب كضحايا أركانة وضحايا حي الفرح…، كما جمعتني علاقات مع ضحايا على المستوى الدولي؛ ثق بي على أننا لدينا نفس الإحساس ونفس المعاناة أينما كنا، في أي بقعة من بقاع العالم. 
فأنا كما أقول كلما أتيحت لي الفرصة للقاء ضحايا آخرين، على أننا عائلة واحدة، ولا يفهم الضحية إلا ضحية مماثلة له، فلا يمكن أن نتكلم بكل طلاقة وعفوية وصراحة إلا مع بعضنا البعض، حيث نتمكن من البكاء واسترجاع ذكريات أحبتنا بدون حدود، ودون أي رقابة. 
فالفئة التي تشكلت بعد أي حادث إرهابي في العالم هي فئة بقدر ما تعاني هي هشة نفسيا ومعنويا وماديا، وأول ما يمكن التفكير فيه بعد وقوع أي حادث إرهابي هو الالتفاف حول الضحية ومواكبتها والأخذ بيدها، وتقديم أي مساعدة ولو بكلام طيب، لأن نفسيتنا تكون مدمرة وتحتاج لأي دعم أو مساندة لكي تتخطى الفاجعة ومن أجل الحصول على العدالة والإنصاف.
وكما ذكرت ليس هناك أصداء من الفراغ، فبين عشية وضحاها يغيب عنك فرد عزيز عليك فتتحول الحياة إلى مجرى آخر، وهذا ما يؤثر على نفسيتنا بشكل كبير. 
هناك آثار اجتماعية وآثار مادية، يعني تواجه الضحية شكلا جديدا من الحياة، وبما أن الحادث الإرهابي يمس بشكل مباشر الضحية ويمس المجتمع بشكل غير مباشر تصبح المأساة غير شخصية بقدر ما هي مأساة مجتمعية، وهنا كيف تتعامل الضحية مع هذا المستجد؟ كيف ينظر إليها وكيف تنظر في أعين الناس حولها؟ ما هي الكلمات التي ينبغي أن تتقبلها أو أن تقولها في كل مرة تسأل وفي كل حديث عن المأساة؟ 

                                                                       لوحة تذكارية نصبت بأمر من جلالة الملك محمد السادس، تتضمن أسماء شهداء أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية بالدار البيضاء تصوير أحمد عقيل مكاو

ومن هنا ينبغي وقت حدوث العمل الإرهابي أن تكون هناك مواكبة من قبل أطباء نفسانيين حتى تتمكن الضحية من أدوات وسبل ربما تجعلها تواجه الحياة المستجدة عليها بأقل أعطاب ممكنة.

> كيف استثمرتم ألمكم وفجعكم خلال هذه المدة للمساهمة في محاربة التطرف والفكر الإرهابي ؟
< أود الإشارة إلى أنه بعد بضعة أشهر عن الحادث الإرهابي يوم 16 ماي 2003، وبتشجيع من فعاليات ثقافية وحقوقية أسسنا جمعية كانت تسمى جمعية ضحايا 16 ماي، وكان فيها خيرا كبيرا، لأنه عندما رأيت أني لست وحدي الضحية وأن هناك أسر ضحايا آخرين، وأنه عندما نتقاسم المعاناة نخف نسبيا، وعندما نحكي ما وقع لنا الألم يخف ولو نسبيا، تكتلنا في هذه الجمعية الأولى، وكان هدفنا الأساسي وضع نصب تذكاري للضحايا، حتى لا يطالهم النسيان، لأنهم ضحايا المغاربة كلهم.
كان هدفنا الثاني هو تربية أبنائنا وإيجاد ظروف تمدرس جيدة لهم، لأنهم فقدوا الأب والمعين، واستطعنا أن نحقق الكثير من هذه الأهداف، ثم جاءت أحداث أركانة وقبلها أحداث حي الفرح وحادث “السيبير كافي” بسيدي مومن والحادث الإرهابي بشارع مولاي يوسف أمام دار أمريكا.
تبين أن الإرهاب لا زال بيننا، فأسست الجمعية الحالية وهي الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب التي حاليا تضم بعض ضحايا الإرهاب وعدد من المتعاطفين، وأهدافها الرئيسية هي التحسيس بخطورة خطاب العنف وخطاب التطرف الذي يتسلل يشكل يومي إلى أذهان أبناء المغاربة.
بكل صدق إحساسا مني أني فقدت ابني أتمنى ألا تفقد أي أم سواء في المغرب أو أي بلد آخر ابنها، وأن تفقد فلذة كبدها، كما أنه لا ينبغي أن تفقد أي أم ابنها عندما يغرر به ويتحول بواسطة فكر تكفيري ظلامي إلى أداة تفجيرية تنفجر في أشخاص آخرين. 
ففي كلتا الحالتين يبقى هول الفقد صعب جدا، ومن هنا جاءت فكرة أنه لابد لنا كضحايا أن نقوم بدور التحسيس بخطورة الفكر الظلامي ونبذ كل العنف الذي يؤدي إلى تخريب الأوطان والفقد للأسر كما قلت من الضفتين، من ضفة الإرهابي أو ضفة الضحية.
لنا تنسيق وشراكات مع جمعيات أخرى، أذكر منها الجمعية الفرنسية لضحايا الإرهاب والتي تربطنا بها علاقات جيدة بحكم أن عددا كبيرا من ضحايا أركانة كانوا فرنسيين، ونساهم بيننا في الذهاب إلى المؤسسات التعليمية لكي ننشر فكرة الحياة والأمل والتشبث بالدراسة والمبادئ الكونية الإنسانية التي تجمعنا جميعا.
نفس الشيء أقوم به بفرنسا أو في الملتقيات الدولية المهتمة بهذا الموضوع، أقدم شهادات لعلها تحول وتغير شيئا ما من الفكرة التي ترى الإسلام على أنه دين متطرف، فأنا أم ومسلمة وفقدت ابني وزوجي، فنحاول قدر المستطاع أن نغير ما يعلق ببعض ذهنيات الناس من أفكار مغلوطة وبعض ترسبات الفكر الظلامي.

> ما هي مقترحاتكم لحفظ حقوق الضحايا وأخذ مقاربتهم بعين الاعتبار في عملية مكافحة التطرف ؟
< أولا أتمنى، بعد عشرين سنة، أن يحفظ الله بلدنا من أي عمل إرهابي آخر، وأن يحفظ جميع دول العالم، وبالمناسبة لابد من الإشادة بالدور الأمني الذي تقوم به الدولة، لأنها بوسائلها تمكنت باليقظة العالية من تفكيك عدة خلايا على وشك المرور إلى القتل والترهيب وغيرها.
هناك عدة مقاربات تسير في هذا الاتجاه، لكن نحن كضحايا وجمعية، نؤكد على شيء أساسي هو احترام خصوصيات الضحية وعدم تعريضها للتشهير بشكل كبير، أي الاحتفاظ على خصوصياتها.
فإذا كانت الضحية لا تريد الكلام فيجب أن نحترم خصوصياتها، ولا ينبغي أن تستغل بشكل غير لائق من طرف عدة جهات، ففي بعض الأحيان يتم استغلال هشاشة الضحية لاستغلالها إعلاميا وغير ذلك.
يجب كذلك وضع تشريعات تكون أكثر دقة لحفظ وصون كرامتها وصرف التعويضات اللازمة لكي تكفل لها حياة كريمة، وهنا أفتح قوسين (مهما كان قدر التعويضات المادية فإنها لن تعوض من فقدناهم، لكنها ستكون صونا لكرامة الضحية ووسيلة لاستمرار الحياة وتربية أبناء الضحايا).
ثم في حالة وقوع حادث إرهابي وأتمنى أن لا يحدث، لابد حينها من وضع خلايا من أطباء نفسيين يواكبون الساعات والأيام الأولى للضحية، لأننا نكون في حالة مزرية جدا، نفقد بوصلة الحياة، فلابد من أيدي طبية وتقنية وعليمة بالموضوع لكي تجتاز الضحية الظروف بأقل أعطاب ممكنة.
في شهر شتنبر الماضي، عقد المؤتمر الدولي لضحايا الإرهاب بمقر الأمم المتحدة للنهوض بحقوق واحتياجات ضحايا الإرهاب، ويهتم مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بضحايا الإرهاب وتمت مناقشة الوسائل الفضلى للأخذ بيد الضحايا ووضع تشريعات موحدة على الصعيد الدولي، لإنقاذهم والاستماع إليهم وحل مشاكلهم.

كمجتمع مدني يعنى بضحايا الإرهاب والتطرف، كيف تقيمون السياسة الوطنية في مكافحة الإرهاب التطرف منذ 16 ماي حتى الآن على كافة المستويات (الدينية، الأمنية، الإدماج…) ؟
< قد أشرت إلى ذلك فيما قبل، فالجانب الأمني لا يمكن إلا أن نقدر المجهودات التي يقام بها، لأننا في ظل العقدين الماضيين، هناك عدد كبير من الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها، وهذا عمل جبار، بل التجربة المغربية يتم الإشادة بها على الصعيد الدولي ويتم أخذها في دول أخرى.
وحبذا لو كانت هذه اليقظة الأمنية بنفس القوة قبل 16 ماي، لكانت قد حفظت أبناءنا وأزواجنا وأحبابنا من العمل الإرهابي، لكن قدر الله ما كان ورحمة الله عليهم جميعا.
هناك إعادة هيكلة الجانب الديني الذي هو الآخر يتم أخذه كنموذج في ملتقيات دولية شاركت فيها، وتأهيل الأئمة والعاملين في هذا الحقل لتبسيط ممارسة الفرد لشأنه الديني؛ ففي لقاء حضرته في الأردن تم دعوة مرشدات مغربيات لإبراز التجربة المغربية في هذا الشأن وفي ملتقيات أخرى يتم الإشارة لهذا الجانب، وهو يؤخذ كمثال في دول عربية وإسلامية ودول أفريقية، وهذا أمر جيد. 
هناك برنامج مصالحة أو إعادة تأهيل المتورطين في الأعمال الإرهابية، هنا كضحية وكرئيسة جمعية لدي وجهة نظر، تحدثت عنها في كل مناسبة: هو عمل جبار كذلك وعمل محمود يتم عبره إعادة تأهيل هؤلاء المتورطين، ويسمى مصالحة، إلا أن هذه المصالحة في نظري تظل منقوصة شيئا ما مادام لم تكن هناك مصالحة مباشرة تجاه ضحايا الإرهاب، لأن هذا الشخص عندما خرج للتفجير أو خطط له أو ساهم فيه أو سهل عمليته، أو كيفما كانت علاقته بالعمل الإرهابي، فهو كان على علم وعلى دراية تامة وفي كل قواه العقلية، على أنه سيمس بأمن الدولة وسيرهب المجتمع وسيقتل أفرادا منه، وسيخلق الفتنة والرعب.
فعندما تستفيد من هذه المصالحة، تصالحت مع الدولة ومع دينك إلا أن الجانب الآخر والأهم يجب أن تكون المصالحة وطلب العفو والصلح أو أي صيغة أخرى مع الضحية، لكي نقلل من فوران جمرة ألمها، لأنه عندما يخرج هذا الشخص إلى حياته العادية، وهذا الأمر لا نناقشه، فالدولة تقوم بمهامها، لكن الضحية أنا، حبذا لو كان هذا الشخص الذي استفاد من المصالحة قد طلب العفو منا نحن أسر الضحايا، وهذا رأيي الشخصي وأكدت عليه في عدة لقاءات صحفية بل ولقاءات دولية، لأن الأمر يطرح على الصعيد الدولي.
الكل يتفق على الصعيد الدولي في المنظمة التابعة للأمم المتحدة على أن الطرف الرئيسي في المصالحة هو الضحية، الكل يحبذها على الصعيد العالمي، حتى لا أبالغ لأنه لم ألتقي بجميع أنحاء العالم، لكن في العديد من الملتقيات، هناك إجماع على أنه إن كانت هناك مصالحة فهو أمر جيد لكن ينبغي أن يوجه جزء من هذا العمل إلى الضحية.
ولما لا أن يكون هناك لقاء بين الضحايا وبين هؤلاء الأشخاص، داخل البرنامج وليس خارجه، بتنسيق مع الجهات التي تهتم بهذا البرنامج، وأظن أننا سنكون قد ربحنا طمأنينة الضحية وأن يكون جبر الضرر أكثر عمقا بالنسبة للضحية.

*******

الأستاذة مها غازي خبيرة دولية في مكافحة التطرف والوقاية منه لـ : عملية إعادة التأهيل وإدماج سجناء الإرهاب تواجه بتحديات خارجية متنوعة

 

قالت الأستاذة مها غازي، خبيرة دولية في مكافحة التطرف والوقاية منه، وباحثة دكتوراه تشتغل ميدانيا حول برامج فك الارتباط وإزالة الراديكالية وإعادة تأهيل وإدماج المدانين في قضايا الإرهاب السابقين والعودة من مناطق الصراع، إن “المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بدأت في تدبير ظاهرة التطرف بشكل موحد ومضبوط منذ عام 2016 غداة إطلاق برنامج “التثقيف بالنظير” بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وحكومة اليابان.
وأضافت الخبيرة غازي، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن هذا البرنامج يروم وقاية سجناء الحق العام من التطرف، مشيرة إلى أنه قد أقيمت تكوينات للموظفين بشراكة مع المركز العالمي للأمن التعاوني لتدبير المدانين في قضايا الإرهاب بشكل متجانس واحترافي ليصل عدد الموظفين المكونين إلى 96% (حسب التصريح الرسمي المعلن عنه من مديرية العمل الاجتماعي والثقافي للسجناء)، إضافة إلى تعزيز الشراكات الدولية وتبادل الخبرات في المجال، والتركيز على البنى التحتية.
وتابعت مها غازي أن هذه السياسة بدأت بشكل وقائي إلى أن تطورت في عام 2017 ليتم تبني برنامج “مصالحة” والذي يستمر إلى وقتنا هذا، حيث تم اختتام الدورة رقم 11 في فبراير 2023، مبرزة أن  عدد السجناء المنخرطين وصل إجماليا إلى 259 سجينة وسجينا، بلغت نسبة المستفيدين منهم من العفو الملكي السامي أكثر من 61.72% حسب آخر إحصائيات رسمية معلن عنها.
وسجلت الخبيرة الدولية في قضايا الإرهاب والتطرف عدد من الملاحظات أساسا حول هذا الاتجاه الجديد.

التواصل والشفافية
وقفت غازي -التي تعاونت سابقا كخبيرة متخصصة مع منظمة حلف الشمال الأطلسي (الناتو-محور الجنوب)- في ملاحظتها الأولى عند “إيجابية التواصل والشفافية حول وضعية السجناء المتطرفين”، مؤكدة “انفتاح المندوبية العامة لإدارة السجون وتطور تواصلها فيما يرتبط بالمدانين في قضايا الإرهاب سواء على مستوى دعم البحث العلمي، التصاريح الإعلامية، البلاغات، وحتى المؤتمرات واللقاءات الرسمية التي قدمت بيانات إحصائية تفصيلية حول وضعية وآلية تدبير المعتقلين على خلفية تشريع الإرهاب (على سبيل المثال في أبريل وماي 2022)، والعروض الفنية حيث قدمت هذه الفئة عروضا مسرحية في مسرح محمد الخامس بالرباط بدعوة مفتوحة للعموم في اليوم الوطني للسجين في سنة 2019 (مسرحية “حياة” التي أديناها نساء) ثم مسرحية “محاكمة” في دجنبر 2022. 
واعتبرت الخبيرة الدولية ذاتها، أن هذا الاتجاه الجديد يعكس “الشفافية في تدبير وضعية المدانين في قضايا التطرف والإرهاب”، مبرزة أنه: “لم يعد هناك أي مجال لفتح تأويلات حول وضعية “حقوق الإنسان” كما كان عليه الحال في وضعية الاعتقال ما بعد أحداث 2003، والتي عرفت حلقة مفرغة من آليات التدبير المختلفة إلى أن تم التوصل إلى الأكثر فعالية، وهو النظام المعمول به حاليا. 
واستطردت غازي: “وهذا عامل مهم في تعزيز الثقة وإشراك الرأي العام في الملف؛ كما ينعكس هذا التغيير على مستوى تدبير إدارة السجون على تطبيق مبادئ إصلاح القطاع الأمني  القطاع الأمني (SSR)، القائم على مبدأ التحديث والشراكة، وعدم التركيز على الأمننة وحسب في تدبير ظاهرة التطرف بما في ذلك المعلومات المرتبطة بها”.
وسجلت مها غازي، ضعفا في اتجاه جمعيات المجتمع المدني لممارسة أدوارها داخل السجون، مبرزة أن فقط 0.01٪ من مجموع الجمعيات بالمملكة لها أدوار تأطيرية داخل السجن، مما يفيد عدم تكوين خبرة مدنية محلية في مجال الشراكة والتوعية.

تقييم المخاطر ونظام التصنيف
وعرجت الخبيرة نفسها، في ملاحظتها الثانية على تقييم المخاطر ونظام التصنيف، معتبرة أن “أهم الآليات التي أثبتت نجاعتها في التعامل مع سجناء الإرهاب هي تبني تقييم المخاطر ونظم التصنيف، التي تقسم السجناء حسب معايير الخطورة (وكذا الاحتياجات) إلى الفئة (أ) وهي الأكثر خطورة، ثم الفئة (ب)، ثم الفئة (ج) والتي تنخرط في الأنشطة التأهيلية داخل المؤسسات السجنية”. 
وأوضحت خريجة مركز جنيف للسياسة الأمنية (GCSP)، التي حضرت جلسات استماع قضائية لمجرمي الحرب بالمحكمة الجنائية الدولية كجزء من تدريبها بأكاديمية لاهاي للحكم المحلي المخصصة للمهنيين في الشؤون الإنسانية بمنحة ممولة من وزارة الخارجية الهولندية، (أوضحت) أن هذا النظام يقوم على منح امتيازات أكثر كلما كان السلوك حسنا في إطار النظم القانونية وحقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا.
وتابعت مها غازي أن هذا “أدى بشكل تلقائي إلى التقليل من المحجوزات والمخالفات القانونية (خاصة بعد اعتماد تدابير مثل منع القفة)،  طمعا للحصول على تصنيف أفضل، مشددة على أن هذا يعني أن الظاهرة الإرهابية أضحت متحكما فيها داخل البيئة السجنية ولم يعد هناك مجال كبير للتهديدات من قبيل الاحتجاجات والإضرابات الجماعية ومحاولات الهروب والتمرد كما عرفت في أحداث سابقة، كسجن القنيطرة عام 2008 وسجن سلا عام 2011 سابقا.  

الفصل والعزل
أما الملاحظة الثالثة حسب الخبيرة عينها، فتهم نظم تدبير الإيواء والحركية، حيث اعتبرت أن “آليات الفصل والعزل تأتي ضمن الممارسات الحسنة في كتيب الأمم المتحدة لعام 2016 وغيرها من الأطر الدولية، والتي تقسم إيداع سجناء قضايا الإرهاب في أحياء أو زنازين منفصلة عن سجناء الحق العام لمنع أي استقطابات، وتخصيص مؤسسات سجنية معينة ذات بنى تحتية مجهزة بتقنيات رقابية قادرة على استيعاب هذه الفئة والتعامل معها حتى على مستوى كفاءات العنصر البشري ونظم حقوق الإنسان مع تشتيتهم حسب الحالات، والتحكم في أعداد سجناء الإرهاب داخل الغرف السجنية ومنع أي مظاهر للاكتظاظ بينهم، بل اعتماد نظام لفصلهم عن بعضهم كذلك لمنع الاستمالة، أخذا بعين الاعتبار أن المدانين في قضايا الإرهاب هم شرائح واسعة وتضم جرائم كثيرة كالإشادة وعدم التبليغ والتمويل، لذلك فهم يتفاوتون في الخطورة، علما أن هذه الأخيرة غير مقترنة وحسب بتكييف الفعل الجرمي أو مدة العقوبة”. 

إعادة التأهيل
وهمت الملاحظة الرابعة حسب الخبيرة الدولية مها غازي، “تحديات عملية إعادة التأهيل”، مسجلة أن “هناك جهود عدة تثبت انفتاح المدانين في قضايا الإرهاب على برامج التأهيل خاصة برنامج “الجامعة في السجون”، وكتابة العديد منهم في “دفاتر السجين” التي تصدرها المندوبية، في حين أنهم كانوا ينخرطون بشكل أقل من باقي السجناء في هذه الأنشطة خاصة ذات الطابع الديني مع اتجاههم للتعليم بأعلى نسبة”. 
وتابعت الباحثة بناء على مقابلاتها مع شريحة واسعة من السجناء السابقين في قضايا التطرف والإرهاب في إطار أطروحتها للدكتوراه: “لكن بخلاف نقاط القوة أمنيا ورقابيا في فك الارتباط، فإن عملية إعادة تأهيل السجناء والأنشطة التعليمية والتكوينية والدينية وأيضا المواكبة النفسية تواجه بتحديات خارجية عدة”.
وأشارت مها غازي في هذا الصدد وعلى سبيل المثال إلى أن “التكوين المهني داخل السجون يفترض فيه عدة شروط مثل العالم الخارجي كوجود عدد مقاعد معينة والشواهد وغيرها، لكن أيضا هناك معايير داخلية ترتبط بالتخصصات المتاحة داخل كل سجن، وحسن السلوك، مضيفة: “كذلك يفترض أن يكون السجين مدانا وليس معتقلا احتياطيا.
واعتبرت غازي أن هذه في حد ذاتها إشكالية كبيرة ترتبط بالسياسة الجنائية بالدولة، معربة عن آمالها أن يساهم تعديل القانون الجنائي في مراعاتها؛ وأشارت إلى أنه يشترط أيضا أن يكون السجين قد أوشك على الانتهاء من عقوبته، ناهيك عن أن الطلبة الجامعيون لا يستطيعون مواكبة التعليم داخل الأسوار مقارنة بأقرانهم خارجها، بسبب عدم التوفر على الانترنت والمراجع والقيام بالأبحاث الميدانية، خاصة في التخصصات العلمية والتي تفترض وجود وسائل تقنية وتجارب. 

براغماتية برنامج “مصالحة”
وقفت الخبيرة الحاصلة على منحة السلام والأمن المشتركة من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح في ملاحظتها الخامسة على “براغماتية برنامج مصالحة”، مبرزة “أن برنامج مصالحة يصنف ضمن برامج “فك الارتباط” التي تهدف إلى إحداث تغيير سلوكي، إلا أنه (برنامج مصالحة) لم يركز كثيرا على “نزع الراديكالية De-radicalization”، والتي يجب أن تكون مرتبطة بإحداث تحول فكري أيديولوجي.
إضافة إلى ذلك، حسب المتحدثة نفسها، فإن المغرب لا يعرف تنظيمات إرهابية ذات أيديولوجيا متماسكة وقيادات وبنى هيكلية كما هو الحال في دول عربية أخرى، بل مجموعة من التيارات والمسارات المتطرفة المختلفة، لذلك لا يمكن الحديث عن “مراجعات فكرية”، بل مبادرات فردية وسيرورة ذاتية حسب نظرية الاختيار العقلاني، يأتي برنامج “مُصالحة” لتسهيلها ولتحفيز عوامل الشد والجذب Push and Pull factors خلالها”.
واستطردت غازي: “لذلك أستطيع أن أصف البرنامج بكونه “برغماتي”، خاصة وأنه يدار بالموارد الذاتية للمندوبية العامة لإدارة السجون، ولم يخصص ميزانية أو تكلفة كبيرة كما فعلت العديد من التجارب التي أطيحت في الفساد وليس فقط في فشل النتائج”.
وأردفت الخبيرة نفسها: “بالرغم من أن البرنامج أطلق بعدة شراكات مؤسساتية من ضمنها الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة العدل، والنيابة العامة، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، وبعض الخبراء المستقلين، يلاحظ أن التركيز على المحور القانوني والحقوقي كان هو الأكبر في هذا البرنامج وذلك على مستوى أعداد الفاعلين المتدخلين والتخصيص الزمني، وليس المحور الديني كما هو شائع”. 
وأضافت غازي أنه حيث يتم شرح تشريع الإرهاب وحقوقهم كمواطنين والمؤسسات التي يمكن اللجوء إليها، معتبرة أن هذا يساهم في تحييد عامل المظلومية والحقد “Grievance Theory” الذي قد يرافق المُدانين ضمن هذه الفئة”.
وأشارت الخبيرة الدولية في قضايا الإرهاب والتطرف أن “برنامج مصالحة ركّز بشكل كبير على مفاهيم الوطنية وثوابت الأمة ومقدساتها وعلى المؤسسات الوطنية كأساس مركزي لقياس فك الارتباط، مبرزة أن ذلك ما يلاحظ من خلال بلاغات العفو الملكي”.
وقالت باحثة الدكتوراه مها غازي، إن “برغم بعض الانتقادات التي توجه لبرنامج “مصالحة”، فهو يظل إحدى ركائز التجربة المغربية الملهمة التي أدت إلى افتتاح مكتب مكافحة الإرهاب والتدريب في أفريقيا التابع لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOCT) بالعاصمة الرباط، اعتبارا أن منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط تعاني من ضعف البرامج المندمجة خاصة في السياقات الأكثر استقرارا، وأن تراكم التجارب في القارة الإفريقية يختلط ببرامج نزع السلاح، التسريح، وإعادة الإدماج للمقاتلين السابقين في سياقات ما بعد الصراع”.


وشددت الخبيرة مها غازي على أنه ينبغي ربط نجاحات البرنامج بمعايير أخرى عوض حصر نتائجه في “حالات العود ومعاودة الإجرام”، موضحة: “إذ بالرغم من أن أكثر من 200 شخص مغربي من ذوي السوابق الجنائية في قضايا الإرهاب التحقوا بالتنظيمات الإرهابية بمناطق الصراع بسوريا والعراق حسب إحصائيات المكتب المركزي للأبحاث القضائية، فإنه عامة وعلى الصعيد الدولي تعرف الجريمة الإرهابية حالات عود أقل من جرائم الحق العام مثل السرقة والمخدرات، لذلك فهو معيار نسبي وكلاسيكي للاعتماد عليه أحاديا في قياس درجة نجاح البرنامج، إذ حتى بدونه فستكون النسبة منخفضة عامة”.
واعتبرت غازي أن “من المعايير المهمة التي وضعها المشرفون على البرنامج، هي قياس درجة التحولات السلوكية خلال التقييمات الداخلية للمشاركين في السجون”، مسجلة أن هذه الفئة كانت على درجات من الحذر في الانخراط في البرامج التأهيلية عامة قبل السياسة الجديدة، الشيء الذي تطور تدريجيا منذ نجاح النسخة الأولى من برنامج مصالحة، حيث استمر السجناء في التعبير كتابة عن إرادتهم في الانخراط تجسيدا لمبدأ الطواعية الذي نهجه البرنامج، برغم أنه لم يربط بحوافز أو وعود كالإفراج المبكر أو العفو الملكي.
وسجلت الأستاذة غازي أن “كنتيجة لذلك، أصبحت هذه الفئة من السجناء يسجلون سلوكا حسنا بغية الاستفادة من البرنامج، معتبرة أن “المعيار الثاني الذي ينبغي الاهتمام به هو مستويات إعادة اندماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم وتأثير البرنامج على الأمن الاجتماعي على المدى الطويل، وهي ما تسمى بنظرية التغيير Theory of change والتي أوظفها في أطروحتي للدكتوراه بخمس محددات: الكفاءة، الفعالية، الأثر، الصلة والاستدامة”. 
وشددت غازي على أن هذا البرنامج ينبغي أن “يتطور حتى لا يكون في شكل دورات تكوينية موسمية وألا يركز فقط على الفئة (ج) من الأقل خطورة، كما ينبغي بشكل مستقبلي على المدى الطويل التفكير في أن تكون برامج فك الارتباط جزءا من قضاء العقوبة نفسها وأن تكون مستمرة في كافة المؤسسات السجنية، وأن يتم اعتبار المجتمع المدني والشراكات غير الرسمية جزءا من تطوير هذه البرامج خاصة في مرحلة التهييئ للإفراج أو مواكبة ما بعد الإفراج”.
وأشارت الباحثة لدى المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف (ICSVE) الكائن مقره بواشنطن العاصمة، إلى أن قرار مجلس الأمن 2396 الصادر عام 2017، أكد على أهمية كفالة مشاركة المرأة وأدوارها القيادية في إعداد، وتنفيذ، ورصد وتقييم الاستراتيجيات الخاصة بهذه البرامج، وضمان مشاركتها في التدخلات، مبرزة أنه “عنصر لم تتم إيلائه أهمية حتى النسخة الخامسة من البرامج التي كانت خاصة بالنساء فقط، وفي الدورة 11 التي شاركت فيها سجينتين، إذ أن المتدخلين أغلبهم هم رجال ولم يتم تسليط الضوء على أي جهود نسوية في هذا الباب، وهذه ثغرة ينبغي أن تتدارك ليس فقط في البرنامج، بل في فلسفة الوقاية ومكافحة التطرف والإرهاب بالدولة عامة”.

إعادة الإدماج
انصبت مها غازي، التي مثلت المغرب ضمن 20 امرأة أفريقية في برنامج تحت إشراف بعثة المراقبة الدائمة للاتحاد الأفريقي لدى الأمم المتحدة في نيويورك، في ملاحظتها السادسة على “محدودية إعادة الإدماج”، موضحة أن حصر برنامج “مصالحة” بالسجون يطرح إشكالية وفراغا كبيرا على مستوى تدبير العائدين من مناطق الصراع خاصة النساء اللواتي لم تتم محاكمتهن، وأيضا وضعية الأطفال والقاصرين وعائلات المتطرفين الذين يستلزم مرافقتهم ببرامج خاصة خارجة عن السجون. 
واعتبرت مها غازي أنه برغم الجهود التي حاولت مؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج القيام بها مع الصليب الأحمر ومع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لبناء القدرات، فهي تبقى محدودة وغير قادرة على بناء جاهزية مؤسساتية واجتماعية لاستيعاب أعداد العالقين والمعتقلين بسوريا والعراق الذين من المحتمل أن نستعيدهم ولو على دفعات، مضيفة أنه يفترض انخراط كافة الفاعلين الرسميين والمدنيين في هذه العملية.
وأبرزت مها غازي التي سبق أن عملت كباحثة لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أن “عملية إعادة الإدماج في الواقع غير مقتصرة على الجانب السوسيواقتصادي كما يشاع، بل تمتد إلى الجوانب المسطرية الإدارية والمساعدة القانونية”، معتبرة أنها “ينبغي أن تشمل أيضا تعليم الأطفال والمواكبة النفسية والأسرية والاجتماعية خاصة فيما يرتبط بالوصم (stigma)”.
وتابعت غازي أنه ينبغي فهم أن “هذه الفئة تواجه بتحديات كثيرة خاصة ذوي العقوبات طويلة الأجل، وهناك مجموعة من التفاعلات التي تسمى “حواجز وموانع فك الارتباط “Exit barriers” والتي يصعب فيها إعادة إدماج السجناء السابقين برغم بذل الجهود، مثل وجود أفراد من العائلة منخرطين في التنظيمات الإرهابية، والشبكات الاجتماعية، أو استمرار استثمار السجناء لصفتهم السابقة كعلامة دعائية عوض التركيز على مسار مهني مستقل”.
“هناك جانب آخر ينبغي الالتفات إليه في كافة البرامج، وهو تعزيز الانخراط والتمكين النسوي في المجال المعني، إذ يشاد بتجربة المرشدات الدينيات واللواتي يمارسن أدوارهن حتى داخل السجن، لكن ينبغي أن يمتد ذلك شموليا للخبيرات والباحثات والأخصائيات النفسيات والعاملات في المجال الصحي والديني والاجتماعي والتعليمي، عملاً بأجندة الأمم المتحدة حول “المرأة، السلام، والأمن”” تضيف الخبيرة في مكافحة التطرف والوقاية منه.

*******

الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي عبد الوهاب رفيقي لـ ” بيان اليوم”: المقاربة الأمنية والدينية حدت من الخطر والجيل الجديد أكثر خطورة

قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بأبو حفص، أحد الذين عاشوا الاعتقال على خلفية أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، إن الحديث اليوم هو عن أجيال جديدة مختلفة كل الاختلاف عن الأجيال الجهادية القديمة؛ معتبرا أنها “أخطر بكثير من الأجيال القديمة، وحتى توحشها ورغبتها في القتل وإباحة دم الناس هي أكبر بكثير مما كان عليه الأمر سابقا”.
وأضاف رفيقي الذي يؤكد أنه “وجد نفسه فجأة مقحما في هذه الأحداث، ومسئولا عن التنظير لها، ولم تكن أبدا في علمه، ولا آمن بها يوما، ولا دعا إلى قتل الناس مهما كانت اختياراته ومواقفه وخطاباته قبلها”، (أضاف) في حوار مع جريدة بيان اليوم أن الشيء الإيجابي الوحيد في هذا الموضوع هو أن العمل الأمني أصبح أكثر احترافية ومهنية وقوة، مبرزا أن الدليل على ذلك الاعتقالات الكثيرة لعدد من الخلايا ومحاصرة التنظيمات الإرهابية قبل الشروع في تنفيذ أعمالها.
واعتبر المفكر والباحث في الدراسات الإسلامية والمتخصص في قضايا التطرف والإرهاب والإصلاح الديني، أن ما وقع في 16 ماي 2003 كان نتيجة للسياسة الدينية آنذاك وأنه لم يكن أمرا مفاجئا وصادما بالنسبة لأي متتبع للحركة الدينية في ذلك الوقت، مضيفا: “لذلك كان أول ما انتهجته الدولة هو إعادة هيكلة الحقل الديني وتشديد المراقبة على أماكن العبادة”.
وشدد الناشط الحقوقي والجمعوي ذاته، أنه أمام صدمة ما وقع لم تكن هناك مراعاة لأي قوانين وكل ما له علاقة بحقوق الإنسان عقب أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، مشيرا إلى أن المؤسسة الأمنية انتقلت فيما بعد إلى مرحلة جديدة مع وصول عبد اللطيف الحموشي إلى رئاسة الإدارة العامة للأمن الوطني وقبل ذلك جهاز الاستخبارات DST.
من جهة أخرى، قال رفيقي: “لا يمكن الحديث عن حياة واحدة داخل السجن، هي حيوات نظرا لاختلاف السجون التي مررنا بها، ونظرا لكون السجن أخذ منا فترة طويلة مقسمة إلى مراحل ولكل مرحلة ظروفها وطريقة تدبير العيش فيها”، مبرزا أن “مسألة المراجعات الفكرية كانت مختلفة عن الكيفية التي تمت أو تتم على مستوى الدول العربية الأخرى لأسباب متعددة”.
وهذا نص الحوار:

> بداية، لنعد رفقتك سنوات إلى الوراء، وبالضبط إلى ما قبل أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية؛ كيف كان الوضع الديني بالمغرب وكيف تم الوصول إلى ما وصل إليه حينها من أحداث دامية ؟
< إن الوضع الديني في المغرب قبل أحداث 16 ماي يستلزم أن نتحدث عنه، ومن الضروري الوقوف عنده، لأن ما وقع لم يكن أمرا مفاجئا وصادما بالنسبة لأي متتبع للحركة الدينية في ذلك الوقت.
قد يكون فعلا صادما ومفاجئا لعموم المغاربة الذين كانوا يرون أن المغرب يشكل الاستثناء فيما يخص وجود تنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة، ولكن من كان متتبعا للحالة الدينية كان سيدرك أن المغرب كان أمام خطر، لأن الحالة الدينية كانت تتسم بالفوضى وقلة المراقبة.
أكثر من ذلك، المغرب عانى لعقود متعددة من سياسات عمومية كانت تفضل التعامل مع الموضوع الديني بشكل سياسي، حيث إنها وضفت عددا من الحركات الدينية خصوصا الحركات السلفية والوهابية لمحاربة المد اليساري الذي كان في زمن ما في صراع مع القصر والنظام. 
وبالتالي أتحدث عن سنوات الستينات والسبعينات حيث استقدمت عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين وعدد من الجماعات الإسلامية لتأطير الحقل الديني في المغرب، بل لتأطير المناهج الدراسية المتعلقة بالدين أيضا، وتأطير ما سمي بشعب الدراسات الإسلامية وعدد من الأنشطة الدينية، وكان هذا الفكر، وهو فكر الإسلام السياسي ينتشر بفعل هذه السياسات دون التنبؤ بأنه قد يتكور في وقت وزمن ما إلى خطر مسلح.
في بداية الثمانينات، وبعد واقعة جهيمان الذي حاول اقتحام الحرم المكي ووقعت حادثة بالحرم المكي بداية القرن الهجري الجديد، قتل فيها عدد من الناس، سعت الدولة السعودية بمؤسساتها الدينية إلى نشر الفكر الوهابي في مختلف الدول الإسلامية، وعقدت في حينها صفقة مع المغرب للسماح لهذا الفكر بالتوسع والانتشار داخل المجتمع عبر ما سمي حينها بدور القرآن، عبر عدد من الكتب والأشرطة التي كانت توزع مجانا بالملايين، ثم من خلال الدروس والخطب السلفية التي كانت تلقى بالمساجد، وأيضا عبر غض الطرف عن عدد من الشيوخ السلفيين الذين كانوا ينشطون في مختلف أنحاء المغرب ومختلف المدن خاصة الأحياء الشعبية.
أضف إلى ذلك حالة الانفتاح التي عاشها المغرب زمن التسعينات والتي شجعت التيارات السلفية الجهادية على نشر أفكارها واستقطاب أعداد أخرى من المتدينين.
كل هذا الوضع وكل هذه السياسات كانت نتيجتها ما وقع يوم 16 ماي 2003، لذلك كان أول ما انتهجته الدولة هو إعادة هيكلة الحقل الديني وتشديد المراقبة على أماكن العبادة.

> وقعت الأحداث الدامية في ماي 2003، مستنفرة كافة السلطات والمسئولين بمختلف مشاربهم، وأعقبتها حملة كبيرة من الاعتقالات والمتابعات؛ عشتم هذه المرحلة وكنتم من بين المعتقلين والمتابعين؛ كيف ترون ردة فعل الدولة تجاه الحادثة والتعاطي الأمني معها؟ 
< طبعا لما وقعت أحداث 16 ماي كان هناك نوع من الصدمة بالنسبة لعموم المغاربة الذين فوجئوا في صباح غد تلك الليلة بوقوع تفجيرات إرهابية خطيرة في دولتهم، وقد كانوا يرون دائما أن الدول الأخرى خاصة الجزائر التي عانت من العشرية السوداء هي وحدها من يمكن أن تتعرض للإرهاب، وأن المغرب بعيد كل البعد من أن تسمه نار الحركات المتطرفة، كانت هذه الفكرة السائدة، ولذلك كان هناك نوع من الصدمة الشعبية.
بالمقابل كانت هناك حملات أمنية واسعة جدا، وأكيد أن هذه الحملات شابها ما شابها من تجاوزات أمنية، وأن التعاطي الأمني حدثت فيه عدد من الأخطاء وقد صرح بها وتحدث عنها صاحب الجلالة بنفسه في الحوار الشهير الذي أجراه مع جريدة الباييس الإسبانية سنة 2005 والذي كانت الرسالة فيه واضحة جدا وهو أنه قد وقعت تجاوزات في هذا الملف ويجب معالجتها.
شخصيا أتفهم من ناحية ما حجم الصدمة وما قد يعقب ذلك، كما أتفهم حجم الصدمة وما يقع من حملات أمنية في حدث بهذا الشكل ولأول مرة، دون أن أنسى أيضا أن الحملات الأمنية صحيح أنها شابتها تجاوزات متعددة، لكنها أيضا كانت سببا في كشف عدد من المخططات الإرهابية التي كانت موازية لحادثة 16 ماي، لأن عددا كبيرا من الخلايا التي اكتشفت خلال هذه الحملات لم تكن لها علاقة ب16 ماي، وكانت موجودة وتهيئ لعدد من الحملات التخريبية والإرهابية، ولكن هذه الحملات الأمنية كانت سببا في كشفها ومنعها من المرور إلى التنفيذ. 

> كيف كان الحضور القانوني والحقوقي في التعامل مع المعنيين بالمتابعات والاعتقالات خاصة في تلك الظرفية الاستثنائية والحرجة ؟
< طبعا لا يمكن الحديث عن الحضور القانوني والحقوقي في تلك الفترة الحرجة والاستثنائية، فقد كانت هناك بعض البيانات الحقوقية الضعيفة جدا من بعض التنظيمات أو بعض الحقوقيين، لكن بالعموم أمام صدمة ما وقع لم تكن هناك مراعاة لأي قوانين وكل ما له علاقة بحقوق الإنسان.
أعتقد أن المؤسسات الأمنية آن ذاك كانت أكبر من ذلك وأن ما وقع يستدعي حتى العودة إلى بعض الأساليب القديمة التي كنا نظن أن المغرب قطع معها.
لكن من المهم هنا أيضا أن أصرح أنه بعد أحداث 16 ماي وما رافقها من اعتقالات أمنية، ستنتقل المؤسسة الأمنية إلى مرحلة جديدة مع وصول السيد عبد اللطيف الحموشي إلى رئاسة الإدارة العامة للأمن الوطني وقبل ذلك جهاز الاستخبارات DST.
فقد لاحظنا ونحن داخل السجن أن السياسة الأمنية في التعامل مع العمليات الإرهابية تغيرت بشكل كبير جدا، وأنه تم فيها تجاوز عدد من الأخطاء والانتهاكات الحقوقية التي حصلت في العهد الذي سبقه.
أنا أقدم هذه الشهادة بكل موضوعية، من باب أني كنت داخل السجن في ذاك الوقت، وأتابع الموضوع وأسأل عن الإجراءات القانونية المتبعة عند الاعتقال، وإن كان في أحداث 16 ماي عددا ممن كانوا ضحايا للعملية الأمنية الواسعة دون أن يكون لهم أي علاقة بالموضوع، فأعتقد أنه فيما بعد ذلك أضحت الأمور أكثر ضبطا وكل الخلايا التي تم اكتشافها في السنوات اللاحقة هي خلايا حقيقية وكانت تعد لأعمال إرهابية وتخريبية.

> نعرج على السجون وقضاء العقوبات؛ كيف كانت الحياة داخل السجن ؟
< لا يمكن الحديث عن حياة واحدة داخل السجن، هي حيوات نظرا لاختلاف السجون التي مررنا بها، نظرا لكون السجن أخذ منا فترة طويلة مقسمة إلى مراحل ولكل مرحلة ظروفها وطريقة تدبير العيش فيها.
وبالتالي الحياة داخل السجن عشنا فيها السيء جدا من تضييق وتجريد من الملابس، ومنع من الزيارة ومن الفسحة ومن أبسط الحقوق التي يمكن أن تكون لدى المعتقل، وعشنا فيها أيضا التمتع بعدد من الامتيازات داخل السجن، بل امتيازات تفضيلية عن باقي المعتقلين -أي عن باقي معتقلي الحق العام-، وكانت الظروف جيدة جدا، وكنا نعامل باحترام كبير وكانت الزيارات مفتوحة، وعشنا بعد هذه الفترة مرة أخرى بسبب أحداث قد تقع داخل السجن أو في سجن آخر مراحل من التضييق ونزع عدد من هذه الامتيازات. 
هكذا هي حياة السجن، بين مد وجزر حسب السياق العام والظروف المحيطة بالسجن، سواء محليا أو حتى الظروف العامة التي تعرفها الدولة، حيث يتأثر بها واقع السجن، وبالتالي فنحن خلال هذه المرحلة عشنا كل شيء من السيئ جدا إلى أفضل الظروف التي من الممكن أن يعيشها معتقل داخل السجن.

> متى بدأت المراجعات الفكرية داخل السجون وكيف بدأ ذلك ؟
< فيما يتعلق بالمراجعة الفكرية في الحالة المغربية صراحة من الصعب التدقيق أو الحديث عن تواريخ معينة، فالحالة المغربية مختلفة عن دول أخرى مثل مصر والجزائر وليبيا واليمن أو السعودية، لأن الاعتقالات في هذه الدول كانت جماعية، وكانت الجماعات بأمرائها بقادتها تعتقل جماعيا، وبالتالي فإن المراجعة أيضا كانت تتم بشكل جماعي، وفي غالب الأحوال تتم فقط من طرف قادة وأمراء تلك الجماعات.
أما الحالة المغربية فمختلفة، فهناك خليط من تيارات داخل السلفية التي اعتقلت خلال تلك الأحداث، ثم أغلب المعتقلين لا يجمعهم شيء أو تنظيم موحد رغم ما سمي بالشيوخ وما كان لهم من رمزية داخل هذا التيار، ولكن رغم ذلك لم تكن هناك جماعات بقيادة وبزعامات وبأمراء، وفيها منطق الطاعة والولاء، كل هذا لم يكن موجودا في الحالات المغربية.
وبالتالي المراجعات الفكرية التي تمت في المغرب على خلاف التجارب الأخرى كانت تجارب فردية، وليس هناك أي تجربة جماعية باستثناء تجربة “مودة”، وهي التجربة التي خضتها لما كنت معتقلا بسجن بوركايز بفاس. 
وأصدرت بتنسيق مع منتدى الكرامة في ذلك الوقت وثيقة “أنصفونا”، التي كانت اجتهادا  فرديا مني، حاولت أن أشرك فيها الموافقين عليها؛ وأشركت فيها مئات من المعتقلين الذين وقعوا على تلك الوثيقة سنة 2008، ولكن للأسف السلطات الرسمية لم تتفاعل في ذلك الوقت مع تلك الوثيقة تفاعلا كبيرا، وحتى لا أقول أنها لم تتفاعل مطلقا، فقد تفاعلت نوعا ما، وعلى إثرها وقع تقسييم داخل السجون بين مؤيدين للمبادرة والمعارضين لها، فعومل المؤيدون للمبادرة بنوع من المعاملة التفضيلية، لكن في العموم تبقى محاولات فردية.
كان غالبا السبب في هذه المراجعات هو القراءة، ذلك أن فضاء السجن وفر فضاء مناسبا ومتاحا للقراءة والمطالعة، وكانت هذه القراءات والمطالعات تثمر نقاشات بين ما يعرف بالشيوخ وعموم المعتقلين في ذمة هذا الملف، وهذه القراءات والمناقشات هي التي أفرزت عددا من المراجعات الفكرية.

> ما هو تقييمكم للسياسة المعتمدة داخل السجون فيما يتعلق بالمراجعات الفكرية لسجناء الإرهاب والتطرف ثم إدماجهم ؟
< السياسة المعتمدة داخل السجون يمكن الحديث عن ما قبل 2016 وما بعدها؛ ما قبلها لم تكن هناك أي سياسة للدولة في هذا الباب، وكانت هناك مراجعات فكرية فردية، مثل المراجعة التي قمت بها داخل السجن، والمراجعات التي أعلن عنها بعض المعتقلين الآخرين، ولكن كما قلت كانت فردية، ولم يكن للدولة أي تدخل فيها من قريب أو من بعيد، ولم تكن هناك محاولات من الدولة لمحاولة تغيير الأفكار، ولم تكن هناك أي دورات فكرية لمحاولة اقناع المعتقلين بتغيير أفكارهم، ولم تكن هناك أي وعود مطلقا للاستفادة من الإفراج أو التخفيف في حالة مراجعة تلك الأفكار.
وبالتالي كما قلت كانت مبادرات فردية أراد فيها الأفراد من تلقاء أنفسهم أن يراجعوا أفكارهم ويغيرونها، وسعوا بذلك إلى مغادرة السجن رغم أنه لم يكن هناك تجاوب كبير في هذا الباب.
لكن بعد 2016 ستخرج للعلن مبادرة مصالحة التي تبنتها الدولة والتي اشتغلت فيها على عدد من المعتقلين حول الموضوع، وأقول إنها تجربة ناجحة، ومن عوامل نجاحها أنه يقع تطويرها سنة بعد أخرى. 
اليوم قد تجاوزنا عشرة نسخ من هذا البرنامج، وكان سببا للإفراج عن عدد كبير من المعتقلين في هذا الملف، ولم تسجل أي حالة عود من المستفيدين من البرنامج، وكلها مؤشرات جيدة ومفرحة.

> خلال العقدين الأخير، أي بعد 16 ماي 2003 وحتى اليوم، ماذا تغير على مستوى سياسة الحقل الديني ؟ 
< تعد حادثة 16 ماي واحدة من المنعطفات الكبرى التي عرفها المغرب في سياساته الدينية وإعادة هيكلة الحقل الديني، حيث تغير الأمر بعد هذا الحدث بشكل كبير جدا، وأحكمت الدولة مراقبتها على كل المساجد، ولم يعد هناك ما يعرف بالمساجد الخاصة، ولا يسمح لأي خطيب جمعة في أي مسجد كان على تراب المملكة أن يمارس مهامه إلا بترخيص وتكوين وتوجيه من الوزارة.
ثم كانت هناك المراقبة البعدية لهذه الخطب، وتم توقيف عدد من الخطباء بسبب مضامين خطبهم التي رأت الوزارة أنها تتعارض وسياسة الدولة الدينية. 
أيضا اشتغلت الوزارة بشكل كبير على ما هو إعلامي، فأخرجت إلى الوجود القناة الفضائية محمد السادس للقرآن الكريم، ثم إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وكان لهما أثر كبير في التوجيه الديني، كما تمت إعادة هيكلة المجالس العلمية، وتأسيس المجلس العلمي الأعلى، وإعادة هيكلة المجالس العلمية الجهوية.
وأقدمت الوزارة على برنامج إعداد المرشدين الدينيين والمرشدات وتأهيلهم في المساجد ومراقبتهم أيضا ومراقبة الدروس التي تلقى، ومعاينة إن كانت تتلاءم مع الثالوث الديني الرسمي الذي هو العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف الزريدي، وعادت الدولة في سياستها الدينية الرسمية للحديث عن الإسلام المغربي والخصوصية الدينية المغربية، وتمت محاربة السلفية وإغلاق ما عرف بدور القرآن وكل القنوات الأخرى التي كانت تنشر الفكر السلفي داخل المجتمع.
فمن المؤكد جدا أن هناك تغييرات واسعة على مستوى هيكلة الحقل الديني، هي ما أثمرت نجاح المغرب اليوم في الحد من الإرهاب وتداعياته.

> هل نجح ذلك في كبح جماح التطرف ؟  
< أكيد أن إعادة هيكلة الحقل الدين أثمرت العديد من النتائج، والدليل على ذلك انحصار الفكر المتطرف رغم أنه لا زال قائما، لكن لا يمكن مقارنة الموجات الإرهابية الجديدة بما كان يقع سابقا، دون أن ننسى أن الدولة تعرضت لإكراه جديد لم يكن لها على بال وهي تضع هذه السياسات سنة 2004، وهو اختراع وسائل التواصل الاجتماعي وظهورها، التي طرحت تحديات جديدة.
صحيح أن الدولة شددت رقابتها على المساجد، لكن بعد 2005 و2006 وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد المساجد هي مواطن استقطاب الإرهابيين بقدر ما أصبحت الشبكة العنكبوتية هي القنوات التي يتم من خلالها الاستقطاب والتجنيد والدعاية والاتصالات.
هو تحد جديد حاولت الدولة التعامل معه ولكن الأمر ليس بالهين ولا باليسير مع مخلفات وتداعيات عقود من الزمن انتشر فيها الفكر السلفي المتشدد بشكل كبير داخل المجتمع.

ما هي التغييرات التي تسجلون على مستوى الفكر الإرهابي بالمغرب وأيضا الجيل الأخير من المقاتلين بالمغرب والخارج؟
< نتحدث اليوم عن أجيال جديدة مختلفة كل الاختلاف عن الأجيال الجهادية القديمة، حيث إن الأجيال الجديدة هي أجيال داعش وما بعدها، تعتمد على الانترنيت كوسيلة أساسية للتحرك والنشاط الإرهابي، ولا تحتاج أي تواصل بشيوخ ولا بتنظيمات ولا بزعامات، بقدر ما تدخل للأنترنت وتتشبع بذلك الفكر وتهيئ نفسها للانفجار في أي مكان، فيما عرف بسياسة الذئاب المنفردة.
هذه الأجيال لا تحتاج لكتب ولا لأدبيات أو تأصيلات دينية وشرعية كما كان الأمر من قبل، حيث كانت الأجيال الجهادية القديمة لكي تقتنع بالفكر الجهادي لابد أن تقرأ عددا من الأدبيات الجهادية والإصدارات الجهادية خصوصا فيما يتعلق بالجانب الشرعي والجانب التحريري. 
الأجيال الجديدة لم تعد بحاجة لذلك، يكفيها أن تتفرج على شريط مرئي تبثه التنظيمات الإرهابية، لا تتجاوز مدته 15 دقيقة لتتأثر وتعلن ولاءها لهذه التنظيمات، ما يجعلها أخطر بكثير من الأجيال القديمة، حتى أن توحشها ورغبتها في القتل وإباحة دم الناس هو أكبر بكثير مما كان عليه الأمر سابقا.
الشيء الإيجابي الوحيد في هذا الموضوع هو أن العمل الأمني أصبح أكثر احترافية ومهنية وقوة الدليل على ذلك الاعتقالات الكثيرة لعدد من الخلايا ومحاصرة التنظيمات الارهابية قبل الشروع في تنفيذ أعمالها، وهذا ما يبشر ويبعث شيئا ما على الراحة، والنتيجة أننا رغم وجود كل هذه الأجيال الجديدة نعيش في دولة آمنة ومطمئنة ومستقرة، نتمنى لها مزيدا من الاستقرار.

*******

مكافحة الإرهاب والتطرف.. تجربة رائدة وتحديات متجددة

تحيي عائلات ضحايا الأحداث الإرهابية، ومعهم كافة أفراد الشعب المغربي، اليوم الثلاثاء، الذكرى العشرين لـ”أحداث 16 ماي الإرهابية”، التي ضربت الدار البيضاء في 16 ماي 2003، وسط تحديات متزايدة تواجه الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة في حربها ضد الإرهاب والتطرف العنيف، بفعل تنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة والعدوان الخارجي والتدخل الأجنبي، فضلا عن التطور السريع الذي عرفه الإرهاب الإلكتروني.
ومنذ صدمة أحداث 16 ماي، والتي كانت في سياق دولي متسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خصوصا بعد أحداث 11 شتنبر 2001، سارعت الأجهزة الأمنية المغربية إلى تغيير تعاملها مع خطر الإرهاب باعتماد مقاربة استباقية، كان من ملامحها الرئيسة تفكيك الخلايا الإرهابية قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ.
وبالرغم من توالي النجاحات الأمنية، من خلال تفكيك الكثير من المشاريع الإرهابية، إلا أن تمكّن التنظيمات المتطرفة على مدى السنوات الماضية من اختراق الفضاء الإلكتروني، وجذبها للعديد من الشباب إلى عالم الإرهاب، إضافة إلى ما يقع بمنطقة دول الساحل والصحراء، التي أصبحت مناطق خصبة تستغل من طرف تنظيمات ذات صلة بتنظيم القاعدة بالمغرب، وتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية بالصحراء الكبرى، يفرض تحديات كبيرة أمام المملكة المغربية، إلى جانب تحدي عودة المقاتلين المغاربة من بؤر التوتر إلى أرض الوطن وحالات العود الممكنة.

تحدي الإرهاب السائل
في ظل التطور التكنولوجي، واتساع رقعة تغطية الشبكة العنكبوتية، وسهولة الولوج إليها، انتقلت عمليات الاستقطاب لتنفيذ الهجمات الإرهابية من الوسائل الكلاسيكية إلى التغرير عبر الإنترنت للوقوع في براتين التطرف السريع.
وفي هذا الصدد، أكد الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بوبكر سابيك، أن الإرهاب “انتقل من الوسائل الكلاسيكية التي كانت تعتمد على الاستقطاب والفرز والتربية والإعداد ثم التجنيد للقيام بالعمليات الإرهابية، إلى التطرف السريع من خلال التغرير برسائل عبر الإنترنت والويب المظلم”.
وأوضح سابيك، خلال ندوة صحفية منتصف مارس الماضي، خصصت لتسليط الضوء على تطورات جريمة القتل العمد، التي راح ضحيتها شرطي بالدار البيضاء أثناء مزاولته لمهامه، أن التهديد الأكبر الآن يتمثل في التطرف السريع والعودة المفترضة لأعضاء التنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل والمعاقل الأخرى لـ”داعش”، مشيرا إلى توقيف حوالي 100 شخص، خلال السنوات الأخيرة، كانوا ينشطون في إطار ما يسمى بـ”الإرهاب المعلوماتي”، من خلال بث دعايات لتمجيد العمليات الإرهابية في أفق الاستقطاب والتجنيد لضحايا جدد.
وأكد الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، على أن المصالح الأمنية تعمل بنجاح على المستوى السيبراني لتجفيف هذه “البيئة الملائمة لإفراز هذا النوع من الاستقطاب السريع”.
ويعد الإنترنت، بحسب المسئولين الأمنيين المغاربة، أبرز الوسائل التي استقطب عبرها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية مئات المقاتلين للذهاب إلى ساحات القتال في سورية والعراق في السنوات الماضية؛ خاصة أن 74.4 في المائة من سكان المغرب يستخدمون شبكة الإنترنت، من بينهم 22 مليون مغربي ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، أي ما يعادل تقريبا ثلثي سكان المملكة، وأغلب هذه الفئة من الشباب.
ويبدو لافتا التحذير الذي كان قد أطلقه تقرير رسمي أعدته المؤسسة الدستورية الاستشارية “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” في سنة 2018، من أن الانفتاح غير المحدود على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في المغرب يحوّل “انكفاء فئة من الشباب داخل دائرة التدين رافضة الحداثة المستوحاة من الغرب” إلى “تطرف ديني لدى البعض”.
وفي هذا الصدد، قال رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، هشام باعلي إن ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية”، لم يعد حاليا كيانا قائما بصفته تنظيم إرهابي فقط بل أصبح أيديولوجيا عالمية واسعة الإنتشار اعتمادا على شبكة الانترنيت والتي أضحت معتمدة من قبل المتطرفين في جل بقاع العالم، حيث تنبني إستراتيجيتهم على القتل والتدمير.
وشدد رئيس الBNJP، هشام باعلي، على أنه في المغرب خاصة على مستوى الجهاز الأمني هناك وعي تام بهذه التطورات، ويتم متابعتها بشكل دائم في إطار الإستراتيجية الاستباقية التي تنهجها المملكة المغربية تحت قيادة جلالة الملك، مشيرا إلى إحداث المكتب الوطني لمحاربة الجريمة المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية لأجل تتبع جميع هذه التطورات وجعلها في متناول المحققين المشرفين على الأبحاث في القضايا الإرهابية بالمكتب الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
من جهته، وفي حوار مماثل ينشر مفصلا ضمن هذا الملف، أبرز مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج)، حبوب الشرقاوي، أنه من التحديات الكبرى التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، خاصة في ظل إساءة استعمال الأجهزة الإلكترونية وكذا إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي عوض أن تستعمل في نشر الإسلام السمح والمعتدل والتآخي وما يفيد المجتمعات وإصلاح المواطنين تنشر الكراهية والعنف.
وأكد مدير الـ”BCIJ”، حبوب الشرقاوي، في حوار خاص مع جريدة بيان اليوم، ينشر مفصلا ضمن هذا الملف، أن التحدي الكبير هو التطور التكنولوجي حيث توجد الإشادة ثم التحريض على ارتكاب الأفعال الإرهابية، واستغلال الإنترنت في تكوين الخلايا والاستقطاب واستغلاله في الدردشة في الغرف بطرق جد معقدة من أجل الحصول على معطيات تتعلق بصناعة المتفجرات، وكذا كيف تقام حرب العصابات وكيف تتم صناعة الأسلحة.. إلخ. 
في سياق متصل، قالت رحمة معتز، باحثة في الاجتهاد المعاصر وقضايا التطرف، إن التنظيمات المتطرفة كثفت جهودها لإيصال فكرها وإبرازها في قوالب شتى ومتنوعة، مبرزة أنها تستخدم آليات تكنولوجية حديثة ومتطورة، وتستند على دعم مالي لنشر أفكارها المتطرفة.
وأضاف معتز في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن هذه التنظيمات المتطرفة تمكنت من ضمان ترسانة إعلامية لا يستهان بها من منابر ونوافذ مختلفة بآليات عرض حديثة مرئية خصوصا وسبل ترويج مهمة تصعب عمليات الصد والإغلاق. 
وأشارت معتز إلى أن هذه التنظيمات عملت بكل قوتها على رص ترسانتها الإعلامية بلغات حية عبر كل القنوات الممكنة (الإنترنيت، المجلات، القنوات التلفزية..)، لتعرف بمنتوجها وتوصل أفكارها إلى متعطشي الفكر الجهادي، مؤكدة أن لجنة الإعلام الإلكتروني من أهم جبهات العمل لدى هذه التنظيمات المتطرفة.
وأكدت معتز في التصريح ذاته، أن هذه التنظيمات ترصد مبالغ مالية ضخمة لتوفير كل ما يوجد من آليات ومن موارد بشرية مؤهلة لمسايرة المستجدات وإيقاف أي منع وتجاوز (أي إغلاق لمواقعهم ومنتدياتهم وصفحاتهم وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعية)، مستعينين في ذلك بأحدث التقنيات لاستقطاب وجلب أنظار الفئة المستهدفة من الأعمار خاصة الشباب، اعتمادا على مستعينين ما يهيج الرغبات النفسية لأي شاب مراهق أو شابة.
من جهته، أكد المفكر والباحث في الدراسات الإسلامية والمتخصص في قضايا التطرف والإرهاب والإصلاح الديني، عبد الوهاب رفيقي، على أن إعادة هيكلة الحقل الديني أثمرت نتائج عديدة، والدليل على ذلك انحصار الفكر المتطرف رغم أنه لا زال قائما، مستطردا: “لكن لا يمكن مقارنة الموجات الإرهابية الجديدة بما كان يقع سابقا، دون أن ننسى أن الدولة تعرضت لإكراه جديد لم يكن لها على بال وهي تضع هذه السياسات سنة 2004، وهو اختراع وسائل التواصل الاجتماعي وظهورها، وهو ما أحدث تحديات جديدة”.
وأضاف رفيقي في حوار خص به بيان اليوم، ضمن هذا الملف، أن الدولة شددت رقابتها على المساجد، لكن بعد 2005 و2006 وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد المساجد هي مواطن استقطاب الإرهابيين بقدر ما أصبحت الشبكة العنكبوتية هي القنوات الجديدة للاستقطاب والتجنيد والدعاية والاتصالات، مؤكدا على أنه تحد جديد تحاول الدولة التعامل معه ولكن الأمر ليس بالهين ولا باليسير مع مخلفات وتداعيات عقود من الزمن انتشر فيها الفكر السلفي المتشدد بشكل كبير داخل المجتمع.

تحدي الذئاب المنفردة
نتج عن التطور التكنولوجي وسهولة الولوج للإنترنت، الذي تطرقنا إليه آنفا، استغلال الإنترنت في تكوين الخلايا والاستقطاب  الدردشة في الغرف بطرق جد معقدة من أجل الحصول على معطيات تتعلق بصناعة المتفجرات، وكذا حروب العصابات وكيف تتم صناعة الأسلحة..، نتج عنه أساسا ظهور ظاهرة “الذئاب المنفردة”، التي أصبحت تحديا مقلقا لأجهزة الأمن العالمية.
ويعد هذا النوع أكثر أشكال الإرهاب نموا خلال السنوات الأخيرة، ويكمن القلق في صعوبة التنبؤ والتتبع والرصد المسبق للفعل الإرهابي من هذا النوع في الوقت الذي يتعاظم فيه حضور الجماعات المتطرفة ولاسيما تنظيمي “داعش” و”القاعدة” وتنافسهما في السيطرة على ما يسمى “الحركة الجهادية العالمية”، مستعملين في ذلك العنف المسلح في أشرس صوره والتحريض على ممارسته عبر استخدام أحدث التقنيات الاتصالية وأكثرها تطورا.
وكانت أولى أثار هذه الصيغة الجديدة للإرهاب التي كانت قد أعلنت “داعش” عن تبنيها، على مستوى المغرب، خلال سنة 2018، إثر مقتل السائحتين الأجنبيتين بإمليل، حيث إن من قاموا بتنفيذ الحادثة الإرهابية لم يسبق لهم زيارة بؤر التوتر، لكن أحد هؤلاء الموقوفين على خلفية الحادث سبق أن اعتقل بسبب محاولته الذهاب إلى سوريا.
وفي هذا الصدد، قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بأبو حفص، أحد الذين عاشوا الاعتقال على خلفية أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، إن الأجيال الجديدة من الإرهابيين المعروفة بالذئاب المنفردة، لا تحتاج لكتب ولا لأدبيات أو تأصيلات دينية وشرعية كما كان الأمر من قبل، بل يكفيها أن تشاهد شريط مرئي تبثه التنظيمات الإرهابية، لا تتجاوز مدته 15 دقيقة لتتأثر وتعلن ولاءها لهذه التنظيمات بشكل افتراضي، معتبرا أن الأجيال الجديدة هي أخطر بكثير من الأجيال القديمة، وحتى توحشها ورغبتها في القتل وإراقة دماء الناس هي أكبر بكثير مما كان عليه الأمر سابقا.
وشدد رفيقي في حواره مع بيان اليوم أن الشيء الإيجابي الوحيد في هذا الموضوع هو أن العمل الأمني أصبح أكثر احترافية ومهنية، مبرزا أن الدليل على ذلك الاعتقالات الاستباقية الكثيرة لعدد من الخلايا ومحاصرة التنظيمات الارهابية قبل الشروع في تنفيذ أعمالها.

ضربات استباقية وأرقام مخيفة
لا بد من الإشارة إلى أن المكتب المركزي للأبحاث القضائية تمكن منذ إنشائه سنة 2015 إلى الآن، حسب المعطيات الرسمية التي حصلت عليها بيان اليوم منه، من تحقيق حصيلة جد إيجابية، حيث تم منذ إنشائه تفكيك أزيد من 90 خلية إرهابية، ضمنها 84 خلية إرهابية لها علاقة بتنظيم داعش، و6 خلايا تنشط فيما يطلق عليه “الإستحلال والفيء” حيث تقوم من خلاله بعض الخلايا المتطرفة بعمليات السطو ضد الأشخاص أو المؤسسات والاستيلاء على حصيلة السرقة واستغلالها وشرعنتها على أنها مشروعة وحلال.
كما تمكن المكتب من إيقاف ما يزيد عن 1500 شخص منذ إنشائه، ضمنهم 60 شخصا من ذوي السوابق القضائية، في إطار قضايا الإرهاب، كما قدم المكتب 35 قاصر و14 عنصرا نسويا للمحاكم. 
أما على مستوى العشرين سنة الماضية، فقد تم تفكيك ما مجموعه 217 خلية إرهابية، وفق الأرقام الرسمية التي حصلت عليها بيان اليوم من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.

تحدي منطقة الساحل والصحراء
يمثل ما يقع بمنطقة دول الساحل والصحراء، تحديا كبيرا للأجهزة الأمنية المغربية ومؤسسات الدولة برمتها، خصوصا أنها أصبحت منطقة خصبة تستغل من طرف تنظيمات ذات صلة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم الدولة الإسلامية بالصحراء الكبرى. 
وأصبح الخطر الإرهابي المحدق ببلادنا يتزايد مع ارتفاع معدلات تفكيك “الخلايا النائمة”، إذ اتضح بالملموس في الآونة الأخيرة أن الحركات المتطرفة العنيفة تزحف من الساحل الإفريقي باتجاه منطقة شمال إفريقيا، خاصة المغرب، نظرا إلى موقعه الجيو-إستراتيجي، حيث تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بتنسيق مع مصالح الشرطة القضائية الولائية، في 27 أبريل 2023، من توقيف 13 شخصا موالين لما يسمى بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” الإرهابي، تتراوح أعمارهم بين 19 و49 سنة.
وقد قامت النيابة العامة المكلفة بقضايا الإرهاب والتطرف بالإشراف المباشر على إجراءات التدخل وتوقيف المشتبه فيهم، وذلك في عمليات أمنية شملت مدن الدار البيضاء، بني ملال، المحمدية، خنيفرة، تمارة، تيفلت، طنجة، القصر الكبير، الريصاني وبركان .
في هذا الإطار، أسفرت عمليات التفتيش المنجزة بمنازل الموقوفين عن حجز مجموعة من المعدات والدعامات الرقمية التي سيتم إخضاعها للخبرات التقنية الضرورية، بالإضافة إلى إصدارات مكتوبة تتضمن خطب لمنظري الفكر المتطرف ومنشورات تبيح العمليات الانتحارية وتحرض على العنف.


وتشير المعطيات الأولية للبحث أن بعض المشتبه فيهم تورطوا في الإعداد لتنفيذ مشاريع تخريبية استهدفت منشآت حيوية وطنية حساسة، إضافة إلى عناصر ومؤسسات أمنية في إطار عمليات “الإرهاب الفردي”، حيث انخرطوا فعليا في التحضير المادي لهذه المخططات عن طريق رصد وتحديد الأهداف، بالموازاة مع القيام بأبحاث مكثفة بغية الحصول على المعلومات بخصوص كيفية صناعة المتفجرات.
كما أوضحت التحريات تمكن بعض المشتبه فيهم من نسج علاقات مشبوهة مع عناصر إرهابية خارج المغرب بهدف التنسيق للالتحاق بإحدى فروع تنظيم “داعش” خاصة بمنطقة الساحل والصحراء.
كما تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، بداية مارس الماضي من تفكيك خلية إرهابية تتكون من ثلاثة أشخاص موالين لتنظيم “داعش” الإرهابي، تتراوح أعمارهم ما بين 19 و28 سنة، وذلك للاشتباه في تورطهم في التحضير لتنفيذ مخططات إرهابية.
وانطلاقا من عمليات التفتيش المنجزة في منازل الموقوفين، تبين للسلطات الأمنية أن العناصر الإرهابية لها ارتباط بتنظيم “داعش” في الساحل الإفريقي، ما يؤكد أن هذه المنطقة المتوترة أضحت بؤرة إقليمية استقطاب ونشر الفكر الإرهابي المتطرف في القارة.
وتكشف العمليات الأمنية الأخيرة التي تستهدف “الخلايا النائمة” أن الأجهزة الاستخباراتية المغربية استبقت مخاطرها منذ سنوات، من خلال تكثيف التعاون الأمني مع دول الساحل لمحاربة التطرف ومكافحة الإرهاب، وعيا منها بالوضع الداخلي الهش للمنطقة الذي ينعكس على بلدان الشمال الإفريقي.


ولا شك أن منطقة الساحل والصحراء، خاصة مثلث الموت الإرهابي بين شمال مالي والنيجر وبوركينافاسو، تنشط فيها الجماعات المتطرفة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، اعتبارا للفراغ الأمني الحاصل والصراع الدولي حول المنطقة.
وفي سياق متصل، أوضح رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، هشام باعلي، أنه مع سقوط “دولة الخلافة” نتيجة التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، وجد المقاتلون الإرهابيون موطئ قدم لهم في إفريقيا (الساحل والصحراء) التي تعاني من تراجع قدراتها على القيام بوظائفها الرئيسية، وفي مقدمتها الوظيفة الأمنية، مما أدى إلى فشل العديد من دول القارة في السيطرة على حدودها المترامية الأطراف والتي أصبحت ملاذا لكثير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة: بوكو حرام، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أنصار الدين، حركة الجهاد والتوحيد، داعش في الصحراء الكبرى…
وأضاف رئيس الـ”BNPJ” في حواره مع بيان اليوم، أن منطقة الساحل والصحراء أصبحت ملاذا لكثير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من أقصى الساحل الإفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل بالشرق، مبرزا أن ظاهرة الاعتماد المتبادل بين الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة قد تبلورت في أفريقيا من خلال محاولة كل طرف توظيف الآخر لتحقيق أهدافه لتعويض الضعف في التمويل بعد وجود إرادة دولية للتشديد على التدفقات المالية نحو التنظيمات الإرهابية، منوها إلى تعدد صور ممارسة الجماعات الإرهابية للنشاط الإجرامي، مثل عمليات الاختطاف وطلب فدية، الاتجار في البشر والمخدرات، تهريب البضائع وتجارة الأسلحة.
من جهته، شدد مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية حبوب الشرقاوي، على أن التهديد الأمني الحالي يأتي من منطقة الساحل، بحكم موقع المملكة الجيوستراتيجي وامتدادها الجغرافي داخل أفريقيا، مشيرا إلى أنه بالموازة مع العمل الكبير الذي يقوم به جلالة الملك مع أفريقيا والتوجيهات وخطاباته السامية التي تفتح الآفاق والعديد من مجالات التعاون من حيث الاستثمارات، في المقابل “الإرهاب يسعى لتدمير كل شيء” حسب قوله.
وتابع مدير ال”BCIJ”: “لهذا فالمملكة المغربية تسعى جاهدة لأن تتضافر الجهود ويكون هناك تنسيق بين جميع الدول لكي يتم القضاء على هذا المد الأيديولوجي من جميع جهاته، وهناك تنسيق للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمملكة المغربية مع جميع الدول العربية والإفريقية في هذا الباب”. 
من جهة أخرى، أشار حبوب الشرقاوي إلى أن مخيمات تندوف تشكل حاليا مبعث قلق لأن الجارة الجزائر تحتضنهم، مبرزا أن الخطر الذي يأتي من هناك هو أن عدة قضايا تم إنجازها من طرف الأجهزة الأمنية المغربية أظهرت على أن هناك صلة ما بين الجبهة الانفصالية (بوليساريو) وبين الإرهاب.
وبالتالي، يتضح أن خطر الإرهاب يستدعي تركيزا أكثر على منطقة الساحل وتعقب مصادر التهديدات وتسليط الضوء على دور ميليشيا البوليساريو في تنامي الإرهاب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إضافة إلى أن انخراط هذه الميليشيا في الجريمة المنظمة العابرة للحدود تستدعي وقفة دولية والتفاتة لتلك النشاطات التي تعد بدورها صنفا من صنوف الإرهاب، مما يجعل إدراج البوليساريو على قائمة التنظيمات الإرهابية بات مسألة مستعجلة ضمن جهود مكافحة الإرهاب.
وقد سبق للمغرب أن حذر من أن هشاشة الأوضاع الاجتماعية في مخيم تندوف وتسلط قادة البوليساريو على المساعدات الإنسانية وانتشار الفساد والمحسوبية، يساهم في خلق بيئة خصبة لتفريخ الإرهاب.
وتشير تقارير دولية متطابقة إلى أن مخيمات تندوف التي تضم صحراويين محتجزين لدى ميليشيات جبهة البوليساريو الانفصالية، تعيش أوضاعا مزرية مما دفع بالكثيرين منهم إلى الانخراط في المشروع الإرهابي في المنطقة، وبعض تلك العناصر التحقت فعلا بصفوف فرعي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة في منطقة الساحل والصحراء.
وفعلا فتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نعى نهاية مارس الماضي، أربعة من مقاتليه الصحراويين من مخيم تندوف واعتبرهم شهداء، مما يؤكد ويدعم التحذيرات التي أطلقها المغرب في أكثر من مناسبة من أن هناك مصنع لتفريخ  الإرهاب  في المنطقة بتواطؤ من الانفصاليين.
وفي سياق متصل، أدان السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، منتصف مارس الماضي، في رسالتين وجههما إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس وأعضاء مجلس الأمن، تواطؤ جنوب إفريقيا مع الجزائر و”البوليساريو”، وتبنيها غير المشروط للأجندة الجيوسياسية للجزائر ومساندتها الإيديولوجية العمياء للجماعة الانفصالية المسلحة.
وفي رد على رسالة عممتها البعثة الدائمة لجنوب إفريقيا لدى الأمم المتحدة، بشأن الصحراء المغربية، أبرز هلال أن المملكة “تعرب عن بالغ أسفها لكون جنوب أفريقيا تلعب، مرة أخرى، دور ساعي بريد جماعة انفصالية مسلحة ثبت ضلوعها في الإرهاب في منطقة الساحل”، موضحا أن الإرهابي ذا السمعة السيئة “عدنان أبو الوليد الصحراوي” كان عضوا في “البوليساريو” قبل أن يصبح زعيما لجماعة “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” الإرهابية، وذكر بأن هذا الشخص اعتاد اللجوء إلى مخيمات تندوف لتلقي العلاج هناك، قبل أن تتم تصفيته في 15 شتنبر 2021.
وأضاف هلال أن مساعد أبو الوليد الصحراوي، الإرهابي المعروف “لكحل سيدي سلامة” الملقب بـ”عبد الحكيم الصحراوي”، كان أيضا عضوا في “البوليساريو” وتمت تصفيته في 23 ماي 2021.
وفي السياق ذاته، يشار إلى أن صحيفة “دي فيلت” الألمانية نشرت، بتاريخ 27 يناير 2023، نتائج تحقيق استنادا إلى تقارير متطابقة صادرة عن العديد من أجهزة الاستخبارات الأوروبية، مؤكدا بالأدلة، على أن “البوليساريو” جعلت من مخيمات تندوف مركزا لتمويل الإرهاب في منطقة الساحل، من خلال التحويلات غير المشروعة والمجهولة المصدر للأموال بين أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، لا سيما لفائدة الجماعات الإرهابية والفاعلين الضالعين في زعزعة الاستقرار الإقليمي.

تحدي العائدون من البؤر المشتعلة
تطرح مسألة المقاتلين المغاربة العائدين من بؤر النزاع والتوتر، تحديا كبيرا منذ سنوات، لا سيما أن فئة من العائدين تورطت في محاولة تنفيذ أعمال إرهابية بالمملكة، إحداها الخلية الإرهابية التي نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيكها بمدينة تازة، سنة 2019، التي تزعمها مقاتل سابق في مسرح العمليات عائد من سوريا والعراق.
وأعلنت وزارة الداخلية، خلال أبريل من سنة 2019، عن تفكيك خلية إرهابية بمدينة تازة، مبرزة أن المعطى يهم أربعة أفراد، تتراوح أعمارهم بين 33 و38 سنة، جرى القبض عليهم من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
كما شدد بلاغ الوزارة على أن “الخلية يتزعمها مقاتل سابق بالساحة السورية العراقية، قضى عقوبة سجنية سنة 2015 بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب”، مشيرا إلى أن المعطيات الأولية تفيد أن زعيم هذه الخلية الإرهابية، الذي قام باستقطاب وتأطير عناصر مجموعته، حاول استغلال خبراته القتالية التي تلقاها بالساحة السورية العراقية للتخطيط والتحضير لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مؤسسات حيوية بالمملكة.
وتظهر التحديات جليا من خلال بلاغ وزارة الداخلية، قد تبرز في قضاء المعتقلين العائدين لمدة معينة داخل السجن، وإظهار بعضهم للتوبة وما يسمونه بالمراجعات، حيث تكون مجرد خدعة، لأنهم يحاولون استغلال هذه الوضعية لاستقطاب عناصر أخرى قريبة من اعتقاداتهم الإيديولوجية، ومن ثمة تكوين عصابة مسلحة، مسنودين في ذلك بخبرتهم العسكرية في المتفجرات والقتال.
الخطر الذي قد يشكله العائدون من مسارح العمليات، يتجلى في الخبرة القتالية والتكوين الأيديولوجي المتطرف، الذي قد يساعدهم على جلب بعض الشباب القريبين من هذه المعتقدات إلى صفوفهم، مما يفرض وضع كل عائد تحت المجهر والمراقبة العينية على مدار الساعة، ولو أظهر توبته وعودته لصفوف المجتمع، لأنهم قد يشكلون خطرا على أنفسهم وعلى الآخرين والمجتمع بشكل عام.
كما أن هناك تحد آخر أمام المملكة يتمثل في إعادة دمج هذه الشريحة داخل المجتمع، إذ أظهرت تجارب سابقة أن بعض المغاربة الذين وجدوا صعوبات في الاندماج داخل المجتمع بعد عودتهم من صفوف “القاعدة” في أفغانستان، سرعان ما التحقوا مجددا بالتنظيم، وبعضهم قتل فعلا في عمليات إرهابية وهجمات لقوى التحالف الدولي ضد الإرهاب في العراق، في وقت كان “داعش” يتمدد بعد إعلانه قيام دولته التي سرعان ما زالت بفعل تدخل التحالف.
في سياق متصل، كشفت أحدث معطيات رسمية والتي حصلت عليها بيان اليوم من المكتب المركزي للأبحاث القضائية، أن عدد المغاربة الملتحقين ببؤر التوتر بالعراق والشام هو 1674 شخصا منهم 1062 انظموا إلى ما يسمى تنظيم داعش، ومنهم 100 مقاتل انضموا لتنظيم حركة شام الإسلام وما يزيد عن 50 شخصا التحقوا بتنظيم جبهة النصرة أو ما يسمى حاليا بتنظيم جبهة فتح الشام، فيما باقي الملتحقين توزعوا على مختلف التنظيمات الإرهابية هناك، وما يفوق 750 من هؤلاء الملتحقين لقوا حتفهم بالمنطقة السورية العراقية، أغلبهم إما عن طريق عمليات انتحارية أو عن طريق مشاركتهم في عمليات القتال إلى جانب داعش. 
فيما يخص وضعية المعتقلين بالمنطقة السورية العراقية، على أساس أن عدد المقاتلين المعتقلين هناك حتى الآن 251 مقاتل منهم من يوجد في سوريا ونسبة قليلة في العراق ونسبة جد ضئيلة في تركيا، ولكن العدد الكبير ما يفوق 232 بسوريا، يوجد فيهم مزدوجي الجنسية أو أصحاب الجنسية الواحدة، معتقلين عند القوات السورية الديمقراطية، حسب المصدر نفسه.
هذا وقد تمت إعادة 8 معتقلين سنة 2019، كانوا لدى القوات السورية الديمقراطية بكوباني، وذلك في إطار اتفاق وتنسيق بين المملكة المغربية مع أمريكا عن طريق المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
بالنسبة للنساء المعتقلات هناك حسب المصدر عينه 136 امرأة، لأن النساء الملتحقات بلغ عددهن 291 امرأة، وأغلبهن التحقوا لأسباب اجتماعية، وعادت منهن 99 امرأة، ولكن اللائي لا يزلن رهن الاعتقال فهن حوالي 136 إمرأة منهن 121 من جنسية مغربية، هن معتقلات لدى القوات الديمقراطية السورية، ومنهن من تحمل جنسية مزدوجة.
فيما بلغ عدد القاصرين المعتقلين هناك 387 طفل، حيث التحق 618 وعدد العائدين منهم 82 قاصرا؛ وهنا أشار رئيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية في الحوار نفسه مع بيان اليوم، إلى أن إشكالية الأطفال تكمن في أن هناك منهم من ولد بالمغرب وهناك من ولد بسوريا وهناك من ولد بأوروبا، حيث إن هناك من المغربيات من تزوجت من شخص أجنبي بعد وفاة زوجها وأنجبت منه أطفالا آخرين، فتجد لديها 8 أطفال ومن يحمل منهم مثلا الجنسية المغربية طفلين فقط، وهذه إشكالية قائمة فيما يخص إعداد ملف عودتهم.
عموما فعدد العائدين لأرض الوطن حاليا منذ 2014 للآن هو 274 شخص، إما عن طريق  ترحيلهم أو تم إبعادهم  إلا أنهم كانوا مقاتلين في المنطقة السورية العراقية بحيث كانوا ينشطون ضمن التنظيمات الإرهابية هناك. 
بالنسبة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية عالج 141 حالة من العائدين، بمعنى تم تقديمهم للعدالة، وهذا العدد (141) منهم 119 كانت بالمنطقة السورية العراقية ومنها 14 كانت في فرع داعش بليبيا ومنها 8 الذين تمت إعادتهم بتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 10 مارس 2019.
فيما يتعلق بالنساء العائدات فقد التحقت 291 امرأة، عادت منهن 99 وأغلبهن يتم البحث معهن بتنسيق مع النيابة العامة المختصة التي تحال عليها ملفاتهن على شكل معلومات قضائية، بحكم أن أغلبهن رافقن أزواجهن أو التحقن لأسباب اجتماعية، وبالتالي ليست لهن أية صلة بأي نشاط إرهابي، حسب المكتب المركزي للأبحاث القضائية.
هناك إشكالية أخرى ترتبط بآليات التعامل مع العالقين، هنا أبرز رئيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في حواره مع بيان اليوم، أن الـ”BCIJ” تابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، باعتباره مؤسسة لإنفاذ القانون تحت إشراف النيابة العامة، وليس من اختصاصه مثلا إبداء الرأي في موضوع العالقين باعتبار أن هناك دوائر مختصة للنظر في هذه المواضيع.
وأضاف رئيس “البسيج”، أن القرارات الخاصة بإعادة العالقين تتم صياغتها في إطار السياسية العامة للمملكة، إلا أنهم (المؤسسة الأمنية) دائما حريصون على الجانب الأمني، لكون هؤلاء الأشخاص بعد عودتهم للمغرب يكونوا موضوع بحث وبالتالي يتم تقديمهم للعدالة، ويتم التنسيق مع النيابة العامة في شأنهم، علما أنهم قد اكتسبوا خبرة في صناعة المتفجرات وفي مجال حرب العصابات وفي مجالات أخرى، وبالتالي هم يشكلون خطرا على الأمن العام، لذلك يجب احتواؤهم. 
وأبرز حبوب الشرقاوي أن الأمر يتطلب بالنسبة للعائدين المواكبة النفسية والصحية والأمنية والفكرية والاجتماعية، حيث إن هناك عدة عوامل لا يجب إغفالها لأجل سلامة هؤلاء العائدين، بالإضافة إلى سلامة الأشخاص الآخرين، فتكون المواكبة من أولها إلى آخرها، مشيرا إلى أن هذا الملف تنظر فيه دوائر أخرى مختصة. 
من جهته، أكد رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هشام باعلي، على أن عودة المقاتلين الإرهابيين تشكل مصدر قلق لدول الاستقبال، موضحا أن الخطر الذي يمثله الإرهابي العائد يظل قائما على اعتبار أن هذا الأخير هو في الغالب شخص نذر نفسه للموت، تمرس على حرب العصابات، تمكن من تفكيك وتركيب الأسلحة على اختلاف أنواعها بل واستعمالها، وانخرط في صناعة المتفجرات كما أنه يبقى دائما عنصرا نشيطا داخل خلية نائمة يمكن تفعيلها في أي وقت، وقد يشكل ذئبا منفردا يمكن تسخيره لارتكاب أعمال إرهابية بحلول الوقت المحدد من قبل التنظيم.
وأضاف هشام باعلي في حواره مع بيان اليوم أن المقاربة المعتمدة في حالة هؤلاء هي مقاربة زجرية عقابية بالدرجة الأولى تخولهم في مرحلة ثانية من الاستفادة من جميع البرامج المعتمدة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج كبرنامج مصالحة وغيره، مشيرا إلى أنه قد صدر سنة 2015 قانون يعنى بهذه الفئة.
أما بالنسبة للنساء، أوضح رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أنه تراعى في مثل هذه الوضعيات شروط موضوعية وذاتية خالصة، مثل ما إذا شاركت في عمليات إرهابية هناك وما دورها تحديدا، مبرزا أنه إذا كانت قد التحقت بزوجها أو غيره، فالأجهزة الأمنية تراعي الجوانب الاجتماعية، حيث إذا تبين أنها لم تشارك في أعمال إرهابية يتم إخضاعها للتقويم ويخلى سبيلها باستشارة مع النيابة العامة، وتظل متابعة أمنيا، فيما إذا كانت تشكل تهديدا على أمن المملكة يتم تقديمها للقضاء.

********

مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية حبوب الشرقاوي لـ ” بيان اليوم” الانفصال والإرهاب وجهان لعملة واحدة ويغذيان بعضهما

الزميل عبد الصمد ادنيدن يحاور مدير مركز الأبحاث القضائية حبوب الشرقاوي – تصوير رضوان موسى

قال مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية حبوب الشرقاوي، إن تنظيم داعش تم القضاء عليه ميدانيا وتكبد هزيمة كبرى حيث فقد معاقله التقليدية بالمنطقة السورية العراقية أو بالمنطقة الأفغانية وغير ذلك، ولكنه لم يفقد الأيديولوجية ولا أفكاره الهدامة والتخريبية لأنها لا زالت تتمدد، موضحا أن بعد هزيمة تنظيم داعش بالمنطقة السورية العراقية نقل أنشطته إلى منطقة الساحل ووجد هناك تنظيمات أخرى تنشط بنفس المنطقة مثلا جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وأيضا المرابطون الجدد وجماعة التوحيد والجهاد.
وأضاف مدير الـ”BCIJ” حبوب الشرقاوي، في حوار مع جريدة بيان اليوم، أن منطقة الساحل مصدر قلق كبير للمملكة المغربية، ولباقي الدول الأخرى لأنها تعرف هشاشة أمنية وضعف في مراقبة الحدود وتنسيق أمني غير شامل وغير محكم من طرف بعض الدول، مبرزا أن هناك جماعات للدعم والإسناد على مستوى دول المنطقة مثل مالي، بوركينافاسو، النيجر والتشاد التي يتواجد فيها التنظيم الإرهابي بوكو حرام، بالإضافة إلى غياب التعاون بين المغرب والجزائر التي قطعت علاقاتها مع المغرب.
وشدد حبوب الشرقاوي على أن مخيمات تندوف حاليا تشكل مبعث قلق لأن الجارة الجزائر تحتضنهم، مشيرا إلى أن عدة قضايا تم إنجازها من طرف الأجهزة الأمنية المغربية أظهرت على أن هناك صلة ما بين الجبهة الانفصالية (بوليساريو) وبين الإرهاب.
وقال حبوب الشرقاوي إن مخيمات تندوف أصبحت تشكل بؤرة من بؤر التوتر على المنتظم الدولي وعلى القارة الإفريقية ومنطقة الساحل وعلى المغرب لأنها قريبة منه، لاسيما في ضعف التنسيق الأمني بين دول المنطقة، لأن التنظيمات الإرهابية أصبحت بالنسبة لها منطقة الساحل مرتعا خصبا للتوسع وبسط أنشطتها التخريبية وتمددها.
وأكد حبوب الشرقاوي على أن المملكة المغربية منخرطة بشكل تام وتبحث دائما عن رفع مستوى التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب مع جميع الشركاء، إلا الدول التي ترفض التعاون كالجزائر التي ترفضه بشكل رسمي وتام، مضيفا أن التحديات الكبرى التي تواجه المغرب هي التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، في ظل إساءة استعمال الأجهزة الإلكترونية وكذا إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي عوض أن تستعمل في نشر الإسلام السمح والمعتدل والتآخي وما يفيد المجتمعات وإصلاح المواطنين تنشر الكراهية والعنف.
وهذا نص الحوار:

> بعد سنوات عن فاجعة 16 ماي 2003 الإرهابية، تم إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج / BCIJ) سنة 2015، الذي يعد من أدواره المحورية محاربة الخلايا الإرهابية والعمليات الإجرامية الكبرى والاختطاف في إطار القطب الأمني الذي تشكله المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني تحت رعاية أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس؛ كيف ساهمت هذه الخطوة في محاربة الإرهاب والتطرف وحماية المملكة من الأخطار المرتبطة بالإرهاب؟
< مرحبا بكم في المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
بخصوص هذا السؤال، فهو يندرج بالأساس في الظروف التي تم فيها إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية؛ من المعلوم أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني هي المؤسسة الأمنية ذات الاختصاص في ميدان مكافحة الجريمة الإرهابية، ولما ظهر للمشرع المغربي على أنها تتميز باحترافية عالية للتصدي لهذه الظاهرة وتقوم بتزويد مختلف المصالح الأمنية (أي قبل تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية)، بمعلومات دقيقة ساهمت في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية والعديد من شبكات الإجرام التي تدخل في إطار النشاط الإجرامي المنظم، ساهم (المشرع المغربي) في تفعيل دور هذه المديرية وذلك بإنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية بموجب القانون 35.11 بتاريخ 17 أكتوبر 2011 والذي جاء متمما ومعدلا للمادة 20 من قانون المسطرة الجنائية، حيث تم منح الصفة الضبطية للسيد المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وأصبحت لجميع الأطر التابعة لهذه المديرية الصفة الضبطية.
الهدف الرئيسي من إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي أنشئ في شهر مارس 2015 هو القيام بالتحريات تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وفيما يخص الجريمة الإرهابية هناك اختصاص محكمة الاستئناف بالرباط، أما فيما يخص الجريمة المنظمة فحسب اختصاص المحاكم التي توكل البحث للمكتب المركزي للأبحاث القضائية في القضايا المتعددة التي تدخل في إطار الجريمة المنظمة.
هذا المكتب يتوفر على فرقتين: فرقة مكافحة الجريمة المنظمة، وفرقة مكافحة الإرهاب؛ ووحدة تقنية تتكون من: مصلحة التشخيص القضائي، مصلحة إبطال مفعول المتفجرات، وقاعة حفظ الأدلة ووسائل الإثبات؛ ثم هناك القوات الخاصة، والتي تشارك إلى جانب باقي المجموعات التابعة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية.
للمكتب المركزي للأبحاث القضائية اختصاص وطني ولكن عمله مقيد بقانون المسطرة الجنائية (المادة 108)، والتي تشمل الجرائم التالية: الجريمة الإرهابية، جرائم المس بأمن الدولة، جرائم العصابات الإجرامية، جرائم القتل والتسميم، جرائم الاختطاف وأخذ الرهائن، جرائم تزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، جرائم تتعلق بالاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، الجرائم المتعلقة بحماية الصحة العامة، وكذلك الجرائم المتعلقة بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات. 
أساس عمل المكتب المركزي للأبحاث القضائية هو المعلومات التي توفرها له المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وخصوصيته أنه يزاوج بين العمل الاستخباراتي والعمل القضائي، وأنت تعلم بأن السيد المدير العام لمراقبة التراب الوطني حاليا هو المشرف على القطب DGST وDGSN وهي ميزة خاصة جعلت العمل متميزا أكثر فأكثر من حيث التنسيق، فهناك نوع من التنسيق بين جميع المصالح الأمنية بشكل أفقي وعمودي، وتكون هناك لقاءات دورية أسبوعية وسنوية أو آنية إذا اقتضى الحال للنظر في القضايا التي تمس أمن المواطن.
هنا نعود لسؤالكم؛ فالمكتب المركزي للأبحاث القضائية بفضل المعلومات الدقيقة وبفضل المجهودات الدءوبة والاستمرارية والمواكبة المستدامة والمستميتة التي يبذلها جميع موظفي المصالح المركزية التابعة لمديرية مراقبة التراب الوطني والتي تزود المكتب بتلك المعلومات، حيث يتم التنسيق في هذا الباب واستغلال المعلومة بشكل جيد ودقيق، وعندما يظهر أن المعلومات التي توفرها المصالح المركزية سواء على مستوى الجريمة المنظمة أو الجريمة الإرهابية، ويظهر أن هناك عناصر مادية متوفرة في الجريمة (مثلا شخص يقتني مواد مشبوهة عبارة عن سوائل أو سماد الفلاحة الذي يستعمل في صناعة المتفجرات، أو يدخل مكانا لاستعمال الإنترنيت لأغراض إرهابية)، يكون هناك تتبع. 
فسر نجاح المملكة المغربية ونجاح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني هو عدم التهاون في الجرائم الإرهابية أو غيرها، حيث إن هناك رصد وتتبع بشكل دءوب ومستمر.
إن إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية يندرج في إطار الشق الأمني وتعزيز المنظومة الأمنية التي هي ضمن الإستراتيجية الوطنية التي اعتمدتها المملكة بعد أحداث 16 ماي 2003 والتي راح ضحيتها 45 قتيلا وكانت هناك خسائر مادية جسيمة.

> ما هي حصيلة عمل “BCIJ” منذ إنشائه حتى الآن ؟
< تمكن المكتب منذ إنشائه إلى الآن من تحقيق حصيلة جد إيجابية، حيث منذ إنشائه تم تفكيك 90 خلية إرهابية، ضمنها 84 خلية إرهابية لها علاقة بتنظيم داعش، و6 خلايا تنشط فيما يطلق عليه “الإستحلال والفيء” والذي من خلاله تقوم بعض الخلايا المتطرفة بعمليات السطو ضد الأشخاص أو المؤسسات والاستيلاء على حصيلة السرقة واستغلالها وشرعنتها على أنها حلال.
كما تم إيقاف ما يزيد عن 1500 شخص منذ إنشاء المكتب، ضمنهم 60 شخصا من ذوي السوابق القضائية، في إطار قضايا الإرهاب، كما قدم المكتب 35 قاصرا و14 عنصرا نسويا. 
وإليك بعض التفاصيل، ففي سنة 2015 قدمنا 21 خلية، في 2016 قدمنا 19 خلية، 2017 قدمنا 9 خلايا، 2018 قدمنا 11 خلية، في 2019 قدمنا 14 خلية، وفي 2020 قدمنا 8 خلايا، وفي 2021 قدمنا 4 خلايا، وفي 2022 خليتين، و2023 خليتين. 
وهذا يدل على أن هناك عمل دؤوب يظهر تراجعا في عدد الخلايا، وهذا دليل على أن هناك مجهودات كبيرة وأن الإستراتيجية تنفذ، وهناك عمل شمولي في التنسيق، من طرف المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وباقي الأجهزة الأمنية الأخرى، لأجل محاربة هذه الجريمة وهو ما جعل المغرب يكون مميزا عن باقي الدول ويحظى باحترام وتقدير باقي دول العالم.

ما هي استراتيجيتكم في محاربة الإرهاب والتطرف على المستوى الوطني ؟
< مبدئيا هناك إستراتيجية وطنية، وإستراتيجية المكتب هي التتبع والتدقيق في المعطيات وعدم التهاون مع الجريمة الإرهابية، وعدم إغفال الجانب المعلوماتي والتقني، والحصول على كل ما من شأنه أن يفيد في البحث لأجل وضع حد لتنامي الإرهاب، وذوي التوجهات العقائدية المتطرفة سواء على شكل خلايا أو الذئاب المنفردة أو الإرهاب الفردي.
المغرب منذ أحداث 16 ماي 2003، أصبح واعيا أنه ليس هناك أي بلد في منأى عن ظاهرة الإرهاب وبالتالي وتحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله، كما هو معروف تم اعتماد إستراتيجية وطنية مندمجة، شاملة ومتعددة الأبعاد، تطبق أيضا من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الأساسي فيها هو العمل الاستباقي والوقاية واليقظة واستغلال المعطيات والتتبع بشكل دءوب. 
هذه الإستراتيجية لم تنحصر على المقاربة الأمنية، بل شملت أبعادا أخرى، لا أتحدث فقط عن المكتب المركزي للأبحاث القضائية بل أشرح أيضا النجاح الذي ظهرت به المملكة المغربية في العالم، لأن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني التي يشرف عليها السيد عبد اللطيف الحموشي بفضل المجهودات الكبيرة التي تقوم بها المصالح المركزية وعناصرها والتنسيق الدؤوب والمواكبة والتتبع والرصد وعدم إغفال أي شيء يمكن أن يمس بسلامة المواطن واستقرار البلد، حققت نتائج إيجابية بسبب السرعة في استغلال المعلومة والمعطيات، وذلك في إطار الإستراتيجية الوطنية التي اتبعتها المملكة المغربية منذ 16 ماي 2003 إلى الآن، والتي شملت الجانب القانوني حيث اعتمد قانون 03.03، بتاريخ 28 ماي 2003، وجاء بعده القانون 86.14 بتاريخ 20 ماي 2015 الذي يجرم الالتحاق ومحاولة الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية.
ثم هناك الجانب الأمني الذي يعتمد بطاقة التعريف الوطنية الالكترونية وجواز السفر البيومتري والاعتماد مثلا على عناصر “حذر” في المناطق الحساسة وهم مزيج من عناصر القوة العمومية، ولهم أثر إيجابي في المناطق الحساسة. 
أضف إلى ذلك أن الجانب الأمني يشمل إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وكما قلت لما ظهر على أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني لها دور كبير في تزويد باقي المصالح الأخرى بالمعطيات والمعلومات الأمنية، منح المشرع المغربي الصفة الضبطية للسيد المدير العام لمراقبة التراب الوطني وباقي الأطر بنفس المديرية، وبالتالي هو عمل جد إيجابي.

                                   عناصر من الـBCIJ بالميدان على خلفية تفكيك إحدةى الخلايا الإرهابية

أضف إلى ذلك النجاح في الحقل الديني، ففي الإستراتيجية الوطنية الحقل الديني جد مهم حيث تمت إعادة هيكلته، وتم توحيد الفتوى وأصبحت من اختصاص المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه صاحب الجلالة نصره الله بصفته أمير المؤمنين.
فكما تعلم فإمارة المؤمنين دورها كبير ومتميز في العالم، وكان لها دور كبير تاريخيا، لأن أمير المؤمنين هو ضامن للأمن الروحي للمغاربة ووحدة المذهب السني المالكي للمملكة المغربية.
وكذلك تم إنشاء معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وعلى مستوى تعاون جنوب جنوب بإفريقيا، في جانب الديبلوماسية الدينية تم إنشاء مؤسسة محمد السادس لتكوين العلماء الأفارقة، والتي كان لها دور كبير بفعل التنسيق بين العلماء المغاربة ونظرائهم الأفارقة.

هناك برنامج مصالحة أيضا، حيث إن العقوبة السالبة للحرية غير كافية لوحدها في ثني المعتقلين في قضايا الإرهاب للتخلي عن أفكارهم الهدامة، لهذا تم إطلاق برنامج مصالحة سنة 2017، والذي هو الآن في الدورة 11 واستفاد منه 259 شخصا، وتشرف عليه المندوبية العامة لإدارة السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والرابطة المحمدية لعلماء المغرب وكذلك خبراء مختصين، وهو برنامج تلقائي، حيث ينخرط فيه السجين بإرادته وطواعية ولا يشمل الناس الذين شاركوا في قضايا الدم أو مدانين بقضايا القتل أو غيرها.
هذه كلها إستراتيجية وطنية، وتظل إستراتيجية المكتب المركزي للأبحاث القضائية ثابتة ومترسخة بتوجيهات السيد المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وفق المنهجية الشمولية للمملكة المغربية وفي إطار التنسيق مع المصالح المركزية التي توفر المعلومات الأمنية للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، وها نحن نواكب ولا رجعة في ذلك.

                                                                         عنصر من خلايا الأBCIJ من مصلحة إبطال المتفجرات

الإرهاب يصنف ضمن الجرائم العابرة للقارات، وبالتالي لابد من التنسيق الدولي في مكافحته؛ كيف ينسق “البسيج” مع نظرائه على المستوى الدولي لأجل إبعاد الخطر الإرهابي عن التراب الوطني ؟ وأي دور يلعبه في مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي ؟
مبدئيا، الإرهاب عدو للجميع، ومحاربته تستلزم وتستوجب تظافر جهود الجميع والتنسيق بصفة شمولية مع الجميع، حيث لا يمكن محاربة الإرهاب إلا من خلال تعاون دولي فعال مع جميع الشركاء الدوليين.
فالظاهرة الإرهابية لا يمكن أن تحاربها بمفردك، فاليد الواحدة لا تصفق، والمملكة المغربية منذ 11 شتنبر 2001 انخرطت بشكل لا مشروط إلى جانب دول التحالف في محاربة الإرهاب، وصادقت ووافقت على جميع المواثيق الدولية التي تهم مكافحة الإرهاب، وبالتالي فإن المملكة المغربية والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمكتب تابع لها، بدورها منخرطة بشكل تام وفعال مع جميع الشركاء الدوليين، ومع جميع المؤسسات الاستخباراتية في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف.
المملكة المغربية منخرطة بشكل تام وتبحث دائما عن رفع مستوى التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب مع جميع الشركاء، ونقصد بجميع الشركاء أنه لا يوجد الاستثناء إلا الدول التي ترفض التعاون كالجزائر والتي ترفضه بشكل رسمي وتام، أما جميع الدول من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والعربية والأفريقية يوجد معها التنسيق والتعاون في محاربة الإرهاب.
تعلم أن كل الدول لديها مؤسساتها، فالتنسيق قائم، والمكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، هو بتلقائية منخرط، لأن المديرية تنسق مع جميع الشركاء، وهناك بعض الأمثلة التي مرت، لنأخذ فرنسا: المملكة المغربية والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني زودت السلطات الأمنية والاستخبارات الفرنسية بمعلومات دقيقة عن مكان تواجد عبد الحميد أباعود منفذ أحداث 13 نونبر 2015 الإرهابية، وتلك المعلومات ساهمت في تحديد مكانه رفقة قريبته حسناء ايت بولحسن والقضاء عليه، وهذا عمل قامت به المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في إطار إستراتيجيتها التي تدخل ضمن التعاون الدولي.
أضف إلى ذلك أنه في ليلة 1 أبريل 2021، قامت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتزويد نظرائها من المصالح الأمنية الداخلية والخارجية لفرنسا بمعلومات دقيقة حول مواطنة فرنسية من أصول مغربية، كانت تحمل مشروعا إرهابيا ضد كنيسة، ومن خلال هذه المعلومات تمكنت السلطات الأمنية الفرنسية من إيقاف تلك المواطنة ليلة الثالث من أبريل من نفس السنة وهي على وشك تنفيذ مشروعها التخريبي.
مع إسبانيا: أنت تعلم علاقاتنا معها والقرابة والموقع الجيواستراتيجي معها، فهناك تعاون ومنذ 2014 إلى 2023، تم القيام بالعديد من العمليات بشكل متزامن، وتفكيك ما يزيد عن 10 خلايا ما بين المغرب وإسبانيا في إطار التنسيق الشمولي مع السلطات الأمنية الإسبانية بمختلف تلاوينها، آخرها تفكيك إحدى الخلايا في 4 أكتوبر 2022، كانت بتنسيق بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والشرطة الوطنية الإسبانية حيث تم إيقاف 11 عنصر، 9 منهم تم إيقافهم بمدينة مليلية، وشخصين بالناظور، تلتها عملية أخرى بتاريخ 11 ينابر 2023 حيث تم تفكيك خلية إرهابية من ثلاثة أشخاص موالية لتنظيم ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية”، حيث تم إيقاف شخص بشتوكة آيت باها، والسلطات الإسبانية فككت عضوين من نفس الخلية بمدينة ألميريا الإسبانية.
سأعطيك أمثلة أخرى في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف في إطار التنسيق مع باقي الشركاء، كما تعلم فالولايات المتحدة الأمريكية تجمعنا معها علاقات تاريخية ممتدة لقرون، والتنسيق قائم بشكل مستمر ومميز في هذا الباب، ففي فاتح يناير 2021، قامت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتزويد مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI بمعلومات حول جندي أمريكي إسمه كولبريج الذي كان يحمل مشروعا تخريبيا ضد الولايات المتحدة، وتم إيقافه بفضل تلك المعلومات وتم إحباط مشروعه.
أضف إلى ذلك أن الدوائر المختصة بإنفاذ القانون بالولايات المتحدة زودوا المديرية العامة بمعلومات حول الخلية التي تم تفكيكها في 25 مارس 2021، والتي جرى تفكيكها بوجدة وتضم أربعة أشخاص، وكانت تحمل مشروعا إرهابيا خطيرا كان يستهدف مؤسسات وأمنيين وغير ذلك، حيث تم تفكيك الخلية بتنسيق بين DGST وFBI. 
بعدها في 16 دجنبر 2021 تم إيقاف شخص في سلا الجديدة وكان خطيرا جدا ويمتلك آليات كبيرة ويحوز منشورات ومطبوعات ووسائل كان سيوظفها في عمل تخريبي كبير ضد المملكة، إلا أنه تم إيقافه وتقديمه للعدالة.
أيضا في 6 ماي 2022 تم إيقاف شخص في مدينة بركان كانت له علاقة بنفس الخلية التي تم تفكيكها في 25 مارس 2021 حيث بفضل التنسيق الأمني مع الولايات المتحدة الأمريكية، استمر التتبع إلى أن تم تحديد هويته، كما أنه في 29 شتنبر 2022 جرى إيقاف شخص في البرنوصي بالدار البيضاء بفضل معلومات قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عمره 29 سنة ويحمل مشروعا إرهابيا. 
هذه الأجهزة الأمنية تظافر جهودها لأجل إيقاف الخلايا التي تحمل هذه المشاريع وحماية المواطنين، لأن المملكة المغربية في إستراتيجيتها العامة تولي أهمية قصوى للمواطن المغربي وسلامته واستقراره وكذلك لمواطني الدول الشريكة، حيث يهمها أيضا الشركاء، وتولي أهمية كبيرة لرفع التعاون مع مختلف الشركاء.
ففي المكتب المركزي للأبحاث القضائية، العديد من الأشخاص المبحوث عنهم في إطار القضايا التي أنجزها في إطار محاربة الجريمة المنظمة أو الإرهابية، وتم إصدار في حقهم أمر بإلقاء القبض، ويتم التنسيق والتتبع، فمثلا تم إيقاف شخص في إيطاليا يوم 9 يوليوز 2021 كان مشتبها فيه، وتم تسليمه في إطار التنسيق القضائي للمملكة وتقديمه للعدالة وهو حاليا في السجن.
كذلك في اليونان، تم بتنسيق أمني إيقاف شخص مغربي كان ينشط إلى جانب داعش وتسلل إلى اليونان، وهو من ضمن أولئك الذين يتواجدون في الساحة السورية العراقية ويستطيعون التسلل، ويشكلون خطرا على أمن بلدانهم الأصلية وكذا البلدان التي يمرون منها، ونحن في انتظار تسليمه للمملكة المغربية لأنه موضوع أمر دولي بإلقاء القبض.
هناك شيء لا يجب أن نغفله، هو أن هذا العمل الجبار الذي تقوم به المملكة المغربية وتقوم به المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني مكن من إحباط العديد من المشاريع داخل المغرب وخارجه، ومكن من إيقاف العديد من الأشخاص ذوي التوجهات العقائدية المتطرفة، ومكن من إحباط مشاريع خارج المغرب وجعل المملكة متميزة ولديها شراكات إستراتيجية، وجعلها حليفا استراتيجيا، وأصبح المغرب يرأس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب مع الاتحاد الأوروبي، وشارك في رئاسة هذا المنتدى إلى جانب هولندا لفترتين متتاليتين خلال 2016_2020 كما شارك إلى جانب كندا خلال 2020_2022، وهذا يعني أنه يقوم بدور كبير.
وكما تعلم تم حاليا في الرباط إنشاء مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، في 24 يونيو 2021، واختيار المغرب لم يكن بطريقة عشوائية، فهم يعلمون لماذا تم اختيار المغرب، الذي أصبح له دور كبير في مواجهة التحديات الأمنية على مستوى القارة الإفريقية، ونرى أنه مثلا في نفس الإطار تم عقد مؤتمر مهم في 11 ماي 2022 بمراكش بقيادة مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المملكة المغربية، وحضره ما يفوق 73 دولة وأكثر من 400 شخصية.
وكان اجتماع وزاري دولي ضد “داعش”، سمي بالاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش، وكان هدفه الأساسي هو إيجاد وسيلة وحلول لمواجهة تمدد “داعش”، وخرج بتوصيات مهمة أهمها أن الانفصال يغذي الإرهاب والإرهاب يغذي الانفصال، وأنهما وجهان لعملة واحدة، لاسيما ونحن لدينا قضية مفتعلة في مخيمات تندوف، وتعلم المشاكل الناجمة عنها، كما تعرف المشاكل والتحديات الآتية من هناك.

في نفس السياق، أصبحت منطقة الساحل ملاذا خصبا وآمنا ومرتعا للتنظيمات الإرهابية، خاصة بعد اندحار “داعش” بسوريا والعراق، إضافة إلى تنظيمات أخرى، أي تهديد بات يطرحه هذا الوضع بالمنطقة وكيف تتعاطون معه ؟
سؤال وجيه لأنه يهم منطقة الساحل والتحديات الأمنية التي لا تواجهها المملكة المغربية فحسب، بل تواجهها المنطقة برمتها سواء المنطقة المغاربية أو القارة الأفريقية أو بقية العالم.
تنظيم داعش تم القضاء عليه ميدانيا وتكبد هزيمة كبرى حيث فقد معاقله التقليدية بالمنطقة السورية العراقية أو بالمنطقة الأفغانية وغير ذلك، ولكنه لم يفقد الأيديولوجية ولا أفكاره الهدامة والتخريبية لأنها لا زالت تتمدد.
بعدما هزم تنظيم داعش بالمنطقة السورية العراقية نقل أنشطته إلى منطقة الساحل ووجد هناك تنظيمات أخرى تنشط بنفس المنطقة مثلا جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وأيضا المرابطون الجدد وجماعة التوحيد والجهاد؛ هذه المنطقة بالذات لماذا اختارتها داعش والتنظيمات الأخرى؟ 
هذه المنطقة مصدر قلق كبير للمملكة المغربية، ولباقي الدول الأخرى، لأنها منطقة تعرف هشاشة أمنية وضعف في مراقبة الحدود وتنسيق أمني غير شامل وغير محكم من طرف بعض الدول، وهناك جماعات للدعم والإسناد على مستوى دول المنطقة مثل مالي، بوركينافاسو، النيجر والتشاد وهذه الأخيرة يتواجد فيها التنظيم الإرهابي بوكو حرام، بالإضافة إلى غياب التعاون بين المغرب والجزائر التي قطعت علاقاتها مع المغرب.
هذه كلها عوامل جعلت التنظيمات الإرهابية تعيد هيكلة نفسها وتلملم شملها وتنسق فيما بينها، فغدت هناك تحالفات بين هذه التنظيمات الإرهابية، وهناك تنسيق رغم اختلافهم في بعض الأشياء وبعض العناصر، لكنهم لا يختلفون في قاسم واحد وهو الإرهاب، فهدفهم زعزعة استقرار الدول وإراقة الدماء وخلق البلبلة واستغلال الوضع الحالي في منطقة الساحل باعتبارها بؤرة من بؤر التوتر، هذا من جهة.
حاليا التهديد الأمني الذي يأتينا من منطقة الساحل، لأن لدينا موقع جيوستراتيجي بحكم أن المملكة المغربية لديها امتداد جغرافي داخل أفريقيا، وتعرف العمل الكبير الذي يقوم به جلالة الملك مع أفريقيا والتوجيهات وخطاباته السامية التي تفتح الآفاق والعديد من مجالات التعاون من حيث الاستثمارات، إلا أن الإرهاب للأسف يسعى لتدمير كل شيء، ولهذا فالمملكة المغربية تسعى جاهدة لأن تتضافر الجهود ويكون هناك تنسيق بين جميع الدول لكي يتم القضاء على هذا المد الأيديولوجي من جميع جهاته، وهناك تنسيق للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمملكة المغربية مع جميع الدول العربية والأفريقية في هذا الباب. 
مثلا مخيمات تندوف حاليا يشكلون مبعث قلق لأن الجارة الجزائر تحتضنهم، وبالتالي فالخطر يأتينا من هناك، وعدة قضايا تم إنجازها من طرف الأجهزة الأمنية المغربية أظهرت على أن هناك صلة ما بين الجبهة الانفصالية (بوليساريو) وبين الإرهاب، وقد تم تفكيك خلية إرهابية “فتح الأندلس” في شهر غشت 2008 وهي موالية لتنظيم القاعدة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهذا التنظيم لديه علاقة بالبوليساريو، وكان لديهم مشروع لاستهداف المينورسو. 
وهناك خلية إرهابية أخرى تم تفكيكها شهر ماي 2009 وهم المرابطون الجدد ولديهم علاقة بالبوليساريو، ولدينا أيضا خلية إرهابية اسمها جبهة الجهاد الصحراوية فككت في نونبر 2010 مرتبطة بما يسمى بالبوليساريو.
هذه التنظيمات كلها كانت لديها علاقة بالبوليساريو، كما ثبت أن عناصرها وزعماء الخلية لديهم صلة بجبهة الانفصال البوليساريو، ولدينا أيضا الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية “جنود الخلافة بالمغرب ولاية العيون” في 28 أبريل 2015 وهذه موالية للتنظيم الإرهابي “للدولة الإسلامية”، وما هو متأكد منه هو أن حوالي 100 عنصر من عناصر البوليساريو التحقوا بالتنظيمات الإرهابية وتم استقطابهم وأصبحوا موالين لهذه التنظيمات الإرهابية.
وبالتالي فمخيمات تندوف أصبحت تشكل بؤرة من بؤر التوتر على المنتظم الدولي  وعلى القارة الإفريقية ومنطقة الساحل وعلى المغرب لأنها قريبة منه، لاسيما في ظل ضعف التنسيق الأمني بين دول المنطقة، لأن التنظيمات الإرهابية أصبحت بالنسبة لها منطقة الساحل مرتعا خصبا للتوسع وبسط أنشطتها التخريبية وتمددها.
أضف إلى ذلك أن لدينا عدنان أبو الوليد الصحراوي الذي كانت له علاقة بجبهة البوليساريو وكان تابعا لها وهو الذي كان يقود ولاية “الدولة الإسلامية” بالصحراء الكبرى، يعني تنظيم “الدولة الإسلامية” بالصحراء الكبرى، والذي تم القضاء عليه من طرف القوات الفرنسية الخاصة في إطار عمليات بارخان، وقبل ذلك كان يترأس ميجاو حركة التوحيد والجهاد وكان هو الناطق الخاص بها قبل أن يؤسس ولاية داعش في الصحراء الكبرى في 2015.
بالنسبة للمملكة المغربية التحدي الكبير هو الذي يأتينا من منطقة الساحل ومخيمات تندوف، وهو الذي نواجهه بصرامة ويقظة بالإستراتيجية التي اتخذتها المملكة المغربية والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني عن طريق التنسيق الشمولي بين جميع الأجهزة الوطنية بكل مكوناتها.

ما هي العراقيل التي تجدونها أمامكم في مكافحة الإرهاب والتطرف على المستوى الدولي والوطني ؟ وكيف تتعاملون معها ؟
كما قلت لك قبل قليل الإرهاب لا وطن ولا دين ولا مكان له، فهو يأتي على الأخضر واليابس، فهو عدو للجميع ولا يمكن محاربته إلا من خلال التعاون الدولي الوثيق بين جميع الدول وبشكل فعال وبدون أي استثناء.
المملكة المغربية كما ذكرت في هذا المجال هي تتعاون بشكل متميز مع جميع الشركاء سواء الأوروبيين أو الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية والأفريقية من أجل القضاء على الإرهاب والتطرف العنيف. 
التحديات الكبرى التي تواجهنا نحن في منطقة الساحل حاليا هو التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، خاصة في ظل إساءة استعمال الأجهزة الإلكترونية وكذا إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي عوض أن تستعمل في نشر الإسلام السمح والمعتدل والتآخي وما يفيد المجتمعات وإصلاح المواطنين تنشر الكراهية والعنف.
التحدي الكبير هو التطور التكنولوجي لأنك تجد الإشادة ثم التحريض على ارتكاب الأفعال الإرهابية، واستغلال الإنترنت في تكوين الخلايا والاستقطاب واستغلاله في الدردشة في الغرف بطرق جد معقدة من أجل الحصول على معطيات تتعلق بصناعة المتفجرات، وكذا كيف تقام حرب العصابات وكيف تتم صناعة الأسلحة.. إلخ. 
هذه كلها من بين التحديات التي لا يواجهها المغرب بل كل دول العالم، وحتى بالنسبة للإرهاب الإلكتروني الآن تلاحظ ظهور الذئاب المنفردة، فتجدهم الآن يشتغلون بطرق منفردة ولوحدهم وبوسائل بسيطة مثلا سلاح أبيض أو سكين صغير لأجل القيام بفعل إرهابي، عكس شخص آخر يتحرك مثلا للشراء… إلخ. 
ولكن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني التابع لها هذا المكتب تقوم بجميع العمليات والاحتياطات، وعلى جميع المستويات، من أجل رصد وتتبع هؤلاء، وخير دليل على ذلك هم العناصر الموقوفة مؤخرا وعددهم 13 عنصرا ينشطون في إطار الإرهاب الفردي، وهذا خير دليل على العمل الدءوب الذي تقوم به المديرية التابع لها هذا المكتب.

أمست نتائج المقاربة الأمنية المغربية في مجال مكافحة الإرهاب واضحة للعيان، بل حصدت إشادات دولية، فهل ترون أن المقاربة الأمنية كافية للقضاء على الإرهاب والفكر المتطرف ؟ 
المقاربة الأمنية ليست وحدها كافية طبعا للقضاء على الإرهاب، ولهذا فإن إستراتيجية المملكة المغربية لم تنحصر فقط على المقاربة الأمنية، لأنني كما قلت قبل قليل هناك برنامج “مصالحة” وأمور أخرى.
إن توقيف الشخص والبحث معه بوسائل مادية وإحالته على السجن غير كاف لإرجاعه عن هاته الأفكار، بل لابد من إستراتيجية ولهذا فإن إستراتيجية المملكة المغربية هي فريدة من نوعها ولم تعتمد على المقاربة الأمنية فقط، بل هي إستراتيجية وطنية شاملة ومتعددة الأبعاد، مبنية على العمل الاستباقي وعلى اليقظة دائما في إطار الاحترام التام لسيادة القانون ولحقوق الإنسان.
إن جميع العمليات والأشغال الموكولة وما يتم القيام به من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني هي تحت إشراف النيابة العامة خطوة بخطوة، من أول العمل إلى آخره.
عندما تتوفر في المعلومة العنصر المادي تتم استشارة النيابة العامة إلى أن يتم إيقاف الشخص، وهذا الشخص تعطى له حقوقه وأولوياته ونشعر عائلته بالحراسة النظرية ويكون هناك اهتمام بصحته، ومواكبة سواء فيما يتعلق بالبحث وكذا مواكبة الشخص.
حتى أثناء إيقاف الشخص يتم مراعاة أشياء كثيرة، فتكون العملية مدروسة دراسة دقيقة قبل وأثناء وبعد العملية، حيث تراعى دائما ظروف الأشخاص، فالأمر أشبه بأننا نقوم بعملية جراحية لا يجب أن يكون فيها الخطأ، ويجب الخروج بأقل الأضرار، حفاظا على السلامة سواء للعناصر المتدخلة وسواء على سلامة السكان وكذا الشخص المشتبه فيه، لأنه يظل مواطنا وارتكب أفعالا مجرمة. 
المراقبة الأمنية ليست وحدها كافية ولهذا كانت هناك عوامل أخرى منها تعزيز الترسانة القانونية، ومنها أيضا هيكلة الحقل الديني ومواكبة المجتمع المدني ودوره والإعلام كذلك، حيث إن المملكة المغربية بعد أحداث 16 ماي أحدثت القناة الفضائية محمد السادس للقرآن الكريم وحتى محطة الراديو للقرآن الكريم، وكان لديهما دور كبير في نبذ الكراهية والعنف ولديهما دور كبير في نشر الإسلام المعتدل والسمح والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي بالشباب إلى التطرف.
كان هناك تحفيز لدى الأسر على مستوى البرامج وعلى مستوى التعليم وهناك تحسيس بالإرهاب، في الإعلام أيضا لديه دور كبير.
على مستوى الشق المتعلق بالبرامج السوسيو اقتصادية، مثلا تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتم إنجاز العديد من المشاريع المدرة للدخل لأجل محاربة الهشاشة والبطالة، وتم إنجاز عدة مرافق مدرة للدخل وهي مرافق عمومية تساهم في جذب الشباب وتبعدهم عن آفة التطرف.
وبالتالي فالمقاربة الأمنية ليست كافية لوحدها والمغرب اتخذ إجراءات كثيرة تبدأ منذ إيقاف الشخص إلى لحظة الإفراج عنه، وحتى بعد الإفراج عنه هناك مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء والتي لديها دور كبير، فكما تعرف السجناء يستفيدون ويأخذون مساعدات وهناك أيضا مشاريع ينجزونها ويأخذون مساعدات مالية، والتي لا يتدخل فيها المكتب المركزي للأبحاث القضائية.

كم هو عدد المغاربة العالقين في بؤر التوتر بسوريا والعراق وأيضا عدد العائدين إلى المغرب حتى اليوم ؟ وما هي التحديات التي تطرحها عودتهم ؟ ثم ما هي الاستراتيجية التي يتم التعامل عبرها مع هذا الملف ؟
أنت تعرف أنه منذ ظهور ما يسمى ب”الدولة الإسلامية” بالعراق، كانت في البداية “داعش” بالعراق وسوريا لتصبح فيما بعد “الدولة الإسلامية” التي ظهرت في 2014، وكانت الخطبة الشهيرة التي تلاها الأمير المزعوم أبو بكر البغدادي الذي تم تصفيته من طرف أمريكا.
وكما تعرفون كانت هناك آلة دعائية كبيرة من طرف داعش الذي استغلت فيه الإنترنيت والصورة بشكل متميز، وكان هناك دور كبير للبروباغندا لداعش استطاعت من خلالها استقطاب مجموعة من الشباب من جميع الدول.
بالنسبة للمغرب عدد الملتحقين هو 1674 شخصا التحقوا ببؤر التوتر بالعراق والشام منهم 1062 انظموا إلى ما يسمى بتنظيم داعش، و100 مقاتل انضموا لتنظيم حركة شام الإسلام وما يزيد عن 50 شخصا التحقوا بتنظيم جبهة النصرة أو ما يسمى حاليا بتنظيم جبهة فتح الشام، فيما باقي الملتحقين توزعوا على مختلف التنظيمات الإرهابية هناك، وما يفوق 750 من هؤلاء الملتحقين لقوا حتفهم بالمنطقة السورية العراقية، أغلبهم إما عن طريق عمليات انتحارية أو عن طريق مشاركتهم في عمليات القتال إلى جانب داعش. 
فيما يخص وضعية المعتقلين بالمنطقة السورية العراقية، على أساس أن عدد المقاتلين المعتقلين هناك حتى الآن 251 مقاتل، منهم من يوجد في سوريا ونسبة قليلة في العراق ونسبة جد ضئيلة في تركيا، ولكن العدد الكبير ما يفوق 232 بسوريا، يوجد فيهم مزدوجي الجنسية أو أصحاب الجنسية الواحدة، معتقلين عند القوات السورية الديمقراطية.
تمت إعادة 8 معتقلين الذين كانوا لدى القوات السورية الديمقراطية بكوباني، وذلك في إطار اتفاق وتنسيق بين المملكة المغربية مع أمريكا عن طريق المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
بالنسبة للنساء المعتقلات هناك 136 امرأة، لأن النساء الملتحقات بلغ عددهن 291 امرأة، وأغلبهن التحقوا لأسباب اجتماعية، وعادت منهن 99 إمرأة، ولكن اللواتي لا زلن هناك يوجد منهن رهن الاعتقال 136 امرأة من بينهن 121 من جنسية مغربية، هن معتقلات لدى القوات الديمقراطية السورية، ومنهن من تحمل جنسية مزدوجة.
عدد القاصرين المعتقلين هناك 387 طفل، حيث التحق 618 وعدد العائدين منهم 82 قاصرا؛ إشكالية الأطفال هناك أن منهم من ولد بالمغرب وهناك من ولد بسوريا وهناك من ولد بأوروبا، حيث إن هناك من المغربيات من تزوجت من شخص أجنبي بعد وفاة زوجها وأنجبت منه أطفالا آخرين، فتجد لديها 8 أطفال ومن يحمل منهم مثلا الجنسية المغربية طفلين فقط، وهذه إشكالية قائمة فيما يخص إعداد ملف عودتهم.
نعرج الآن على إشكالية عدد العائدين؛ بالنسبة لعدد العائدين لأرض الوطن حاليا منذ 2014 للآن هو 274 شخصا، وحينما نقول عائدا  فإما تم ترحيله أو تم إبعاده، ولكنه كان مقاتلا في المنطقة السورية العراقية بحيث كان ينشط ضمن التنظيمات الإرهابية هناك. 
بالنسبة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية عالج 141 حالة من العائدين، بمعنى تم تقديمهم للعدالة، وهذا العدد (141) منهم 119 كانت بالمنطقة السورية العراقية ومنها 14 كانت في فرع داعش بليبيا ومنها 8 تمت إعادتهم بتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية كما أخبرتك سابقا بتاريخ 10 مارس 2019.
أما بالنسبة لكيفية التعامل مع العالقين، فالمكتب المركزي للأبحاث القضائية هو مؤسسة لإنفاذ القانون وليس مؤسسة سياسية أو اجتماعية، بل هي تابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وتنسق مع النيابة العامة في كل ملف على حدة، حيث تكون لدينا معطيات حول الشخص العائد، الذي يكون مسبقا موضوع مذكرة بحث أو موضوع إجراء أمني أو تتوفر بشأنه معلومات أمنية دقيقة حول نشاطه الإرهابي، وعندما يحل بالمغرب يتم التنسيق مع النيابة العامة المختصة ويتم إيقافه طبقا للقانون 86.14، الذي يعاقب كل من حاول الإلتحاق أو إلتحق بإحدى التنظيمات الإرهابية، سواء بشكل فردي أو جماعي، والعقوبات تتراوح بين 5 سنوات وعشر سنوات.
فيما يتعلق بالنساء العائدات فقد التحقت كما قلت 291 امرأة، عادت منهن 99 وأغلبهن يتم البحث معهن بتنسيق مع النيابة العامة المختصة التي تحال عليها ملفاتهن على شكل معلومات قضائية، بحكم أن أغلبهن رافقن أزواجهن أو التحقن بهم لأسباب اجتماعية، وبالتالي ليست لهن أية صلة بأي نشاط إرهابي.
هنا نعود لحالة مهمة، حيث سألتني سؤال هو: ما الذي يمكن القيام به مع ملف العالقين؟ بالنسبة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية كما قلت هو تابع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، باعتباره مؤسسة لإنفاذ القانون تحت إشراف النيابة العامة، وليس من اختصاصه مثلا إبداء الرأي في موضوع العالقين لأن هناك دوائر مختصة للنظر في هذه المواضيع.
كما أن مثل هذا القرار تتم صياغته في إطار السياسية العامة للمملكة، ولكن نحن دائما حريصون على الجانب الأمني، لكون هؤلاء الأشخاص بعد عودتهم للمغرب يكونوا موضوع بحث وبالتالي يتم تقديمهم للعدالة، ويتم تفعيل القانون 86.14 الذي تحدثنا عنه، ويتم التنسيق مع النيابة العامة في شأنهم، علما أنهم قد اكتسبوا خبرة في صناعة المتفجرات وفي مجال حرب العصابات وفي مجالات أخرى؛ وبالتالي هم يشكلون خطرا على الأمن العام، لذلك يجب احتواؤهم. 
من بعد الجانب الأمني نمر للجانب الاجتماعي والاقتصادي، بحيث تتم مواكبتهم، وبالنسبة للمعتقلين حاليا هناك، فقد تم إنشاء لجنة برلمانية استطلاعية لدراسة إشكالية العالقين في بؤر التوتر خاصة في الساحة السورية العراقية، وكانت تبحث هذه اللجنة في الصعوبات المتعلقة بالجنسية والهوية الحقيقية وغياب عقود الزواج والازدياد..إلخ، لأجل سن قانون يسهل عملية إعادتهم.
لكن يجب أن يدرس هذا الملف على المستوى الوطني، وهناك العديد من الدول التي تنظر في هذا الملف وهناك تنسيق بين دول التحالف، فالأمر يتطلب بالنسبة للعائدين المواكبة النفسية والصحية والأمنية والفكرية والاجتماعية، فهناك عدة عوامل لا يجب إغفالها لأجل سلامة هؤلاء العائدين، بالإضافة إلى سلامة الأشخاص الآخرين، فتكون المواكبة من أولها إلى آخرها، وهذا الملف تنظر فيه دوائر أخرى مختصة. 

*******

رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هشام باعلي لـ “بيان اليوم” : منطقة الساحل والصحراء أصبحت ملاذا لكثير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة

الزميل عبد الصمد ادنيدن يحاور رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هشام باعلي – تصوير أحمد عقيل مكاو

قال رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، هشام باعلي: إن العمليات الميدانية أبانت على أن الخلايا الإرهابية كيانات متحركة وغير جامدة، بل يمكن الجزم والقول بأنها أصبحت عالمية وكونية، خاصة مع الانترنيت التي ساعدتها في تحقيق ذلك، مشيرا إلى أن السياقات الدولية عامل حاسم في انتشار هذه الخلايا جغرافيا وإيديولوجيا، وخير مثال على ذلك ما وقع ويقع حاليا في الساحة الدولية كأفغانستان وسوريا والعراق وليبيا ودول الساحل، التي أصبحت بؤرا لاحتواء هذه الخلايا. 
وشدد باعلي في حوار خاص مع جريدة بيان اليوم، على أن منطقة الساحل والصحراء أصبحت ملاذا لكثير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من أقصى الساحل الإفريقي بالمغرب إلى أقصى الساحل بالشرق، مبرزا أنه مع سقوط دولة الخلافة نتيجة التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، وجد المقاتلون الإرهابيون موطئ قدم لهم في إفريقيا (الساحل والصحراء) التي تعاني من تراجع قدراتها على القيام بوظائفها الرئيسية، وفي مقدمتها الوظيفة الأمنية، ما أدى إلى فشل العديد من دول القارة في السيطرة على حدودها المترامية الأطراف والتي أصبحت ملاذا لكثير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.
وأشار رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، إلى أن الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء بتاريخ 16 ماي 2003 عجلت بالقطيعة مع الاعتقاد الذي كان سائدا بكون المغرب في منأى عن التهديدات الإرهابية، كما عجلت بوضع إستراتيجية تروم تحصين المجتمع من آفة التطرف والإرهاب من خلال مقاربة شمولية همت العديد من المجالات.
واعتبر باعلي أن الجريمة التي تعرض لها شرطي المرور مؤخرا تدل على أن الخطر الإرهابي مازال محدقا ويتربص بالأبرياء من المواطنين، الشيء الذي يفرض على الأجهزة الأمنية خاصة منها الفاعلة في مجال محاربة الجريمة الإرهابية رفع التحدي، مؤكدا أنه على مدى 20 سنة، وإلى حد ما، تم النجاح في محاربة الظاهرة والحد من خطرها بنسبة 99,99 بالمئة، باعتبار أن الإرهابيين يتكيفون مع المقاربة الأمنية أو السياسية العالمية، ودائما يكون هناك جديد
وهذا نص الحوار:

> بمناسبة مرور عقدين من الزمن عن أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، كيف هي حصيلة نجاعة التنسيق في إطار القطب الأمني الذي تشكله المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تحت رعاية مؤسسة إمارة المؤمنين، وما هي الآثار الإيجابية لهذا التنسيق في مكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة عموما؟
< بالفعل قد مر الآن عن أحداث 16 ماي عقدين من الزمن، ويشار إلى أنه قبل هذه الأحداث الإرهابية كانت الأجهزة الأمنية تعمل في محاربة الجريمة الإرهابية، ففي سنة 2001 تم تفكيك الخلية الإرهابية التي كانت تستهدف قطع بحرية بجبل طارق، وتورط فيها مواطنون سعوديون، وتم إيقاف عصابة إجرامية خطيرة كان يتزعمها يوسف فكري، والتي قامت بمجموعة من أعمال القتل والاعتداءات باسم الدين.
غير أن الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء سنة 2003، شكلت منعطفا خطيرا أو جديدا في تاريخ المغرب، ذلك أن المجتمع المغربي يعيش على دين التسامح والوسطية والاعتدال، وهذه الأحداث العنيفة غريبة عن أعرافه وتقاليده ونمط عيشه على مدى قرون، وتم التأكد حينها على أن المغرب ليس في منأى عن الهجمات الإرهابية التي عرفتها مجموعة من الدول.
فتزامنا مع هذه الأحداث كانت عملية إرهابية بالظهران بالسعودية وفي بالي باندونيسيا وفي مدينة جربة التونسية، ومسلسل من هذه العمليات كان تزامنا مع أحداث الدار البيضاء، بل كانت هناك أحداث مدريد في 2004 وغيرها من البلدان الأوروبية.
ومما لا شك فيه فإن الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء بتاريخ 16 ماي 2003 عجلت بالقطيعة مع الاعتقاد الذي كان سائدا بكون المغرب في منأى عن التهديدات الإرهابية، كما عجلت بوضع إستراتيجية تروم تحصين المجتمع من آفة التطرف والإرهاب من خلال مقاربة شمولية همت العديد من المجالات، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– المجال القانوني حيث تم إصدار القانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، الذي ما فتئ يتطور وفق ما تشهده الجريمة الإرهابية من تطور، كما هو الحال عند التنصيص على تجريم الالتحاق ومحاولة الالتحاق ببؤر التوتر الإرهابية.  
كما تم تعيين محكمة واحدة لمعالجة القضايا الإرهابية وهي محكمة الاستئناف بالرباط، حتى يتأتى لها أن تستجمع كافة عناصر هذا النوع من الجرائم على غرار الدول الأخرى.
– المجال المؤسساتي حيث تم إحداث وحدة معالجة المعلومات المالية التي تم مؤخرا تحويلها إلى هيئة وطنية ANRF وهي مؤسسة تابعة مباشرة لرئاسة الحكومة وتعنى بتتبع الأنشطة المالية المشبوهة المرتبطة أساسا بعمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
فمن المؤكد أن المقاربة الأمنية في محاربة الإرهاب لم تكن كافية، فاتسعت لتشمل المقاربة الدينية من خلال توحيد الفتوى وكذلك إعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى وكذلك المجالس المحلية، وكذلك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي أصبحت تؤطر خطب الجمعة. 
هناك أيضا مقاربة اجتماعية واقتصادية من خلال مبادرة التنمية البشرية ومحاربة دور الصفيح. 
إذن كانت هناك مواكبات أخرى لاحتواء هذه الظاهرة وعلى مدى 20 سنة استطعنا، إلى حد ما، محاربة الظاهرة والحد من خطرها بنسبة 99,99 بالمئة، لأن الإرهابيين يتكيفون مع المقاربة الأمنية أو السياسية العالمية، ودائما يكون هناك جديد.
غير أن قطب الرحى في هذه الإستراتيجية يبقى التنسيق القائم بين المؤسسات الأمنية ممثلا في القطب الأمني الذي تشكله المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، والمتتبع للشأن الأمني الوطني يلاحظ مدى النجاعة التي ميزت عمل المديرية العامة للأمن الوطني في ظل هذا القطب ثنائي الأضلاع والسرعة في حل ألغاز بعض الجرائم المستعصية وفي وقت قياسي، ولا أدل على ذلك من قضية شرطي المرور الأخيرة.    

> حل جلالة الملك محمد السادس بشكل شخصي إلى الدار البيضاء على خلفية أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، كما حضر جلالته إلى عين المكان بمدينة مراكش على خلفية أحداث أركانة في  فبراير 2011، ما هي دلالات هذا الحضور وكيف أثر على سير البحث والتحقيق ومعنويات العناصر التي أشرفت على الملفين؟
< صاحب الجلالة نصره الله باعتباره أمير المؤمنين، هو حامي الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية فوق تراب المملكة، وبالتالي فهو الضامن للأمن الروحي للمغاربة وفق مذهب معتدل ووسطي كما أنه الضامن للأمن بصفة عامة لرعاياه ولضيوف المملكة، كما أنه شكل ولا زال يشكل دعما ذو قيمة كبيرة لجميع المصالح الأمنية والعناصر العاملة بها لتقديم المزيد من الجهود في سبيل ضمان أمن المغاربة وسلامتهم وصيانة استقرار البلاد والحفاظ على النظام العام.
ومما لا شك فيه فإن الأعمال الإرهابية مهما كانت درجة خطورتها فهي تترك آثارا وخيمة على المستوى النفسي فيما يتعلق بالضحايا وذويهم أو على المستوى المادي من خلال الخسائر المادية الفادحة التي تعقبها. 
جلالة الملك نصره الله وحرصا منه على دوره الأبوي ورعايته التي يشمل بها كافة المغاربة وحتى الأجانب المتواجدون فوق التراب المغربي، فإنه لا يتوانى في تجسيد هذا الدور من خلال حضوره الفعلي إلى مكان ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية الدنيئة ومواساته للضحايا والتكفل بعلاجهن، كما أن جلالته لا يفوت الفرصة في التواصل مع الفعاليات الأمنية العاملة على الميدان من أجل إسداء النصح لها مما يزيد من معنوياتها ويشكل عامل تحفيز لها في الأبحاث والتحريات التي تقوم بها.
   
> على مستوى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ما هي أهم التطورات والتغيرات التي عرفتها المؤسسة في إطار مكافحة الإرهاب والتطرف سواء على مستوى الموارد البشرية أو التقنية؟ ثم التطورات التي عرفتها محاربة الإرهاب على مستوى القطب الأمني الذي تشكله المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الذي كانت انطلاقته الحقيقية مع تعيين السيد عبد اللطيف حموشي مديرا عاما لكلتا المديريتين؟
< الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هي فرقة رائدة في مجال محاربة الجريمة بصفة عامة والإرهابية منها على وجه الخصوص، وقد اشتغلت على هذا النوع الأخير من القضايا منذ سنة 2002 عندما حاولت خلية تتكون من بعض المواطنين العرب استهداف بوارج حلف الشمال الأطلسي العابرة لمضيق جبل طارق، لتليها بعد ذلك الأحداث الإرهابية لسنة 2003 ولتتوالى عقب ذلك عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية ومنها: خلية فتح الأندلس، خلية المرابطون الجدد، خلية أمكالا وغيرها…، وقد استمر العمل بهذه الوثيرة إلى غاية سنة 2015 تاريخ بدء العمل بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية.
الجانب الاستخباراتي هو جانب مهم في محاربة هذه الظاهرة، ولعبت فيه مديرية مراقبة التراب الوطني دورا كبيرا، واستطاعت على مر هذه السنوات تكوين جيل أصبح يمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع هذه القضايا. ومن أهم الركائز التي يعتمدون عليها هو الدور الاستباقي قبل وقوع الجريمة الإرهابية، لأن الجريمة الإرهابية متى وقعت تكون قد حققت هدفها، سواء إعلاميا بالنسبة لبروباغاندا الجماعات الإرهابية، أو لأنها تمس بالنظام سواء اقتصاديا أو من حيث الشعور بالأمن، فهي تكون ذات تأثير سلبي على المجتمع.
وعلى الرغم من إنشاء هذا المكتب وتخصصه في محاربة الجريمة الإرهابية، فقد بقي دور الفرقة الوطنية للشرطة القضائية فاعلا في هذا المجال من خلال الاشتغال على تنفيذ الإنابات القضائية الدولية، ومحاربة جميع أشكال الإشادة بالأعمال الإرهابية أو الإشادة بالتنظيمات الإرهابية والدعاية والترويج لها أو الانتماء لجماعات دينية متطرفة، علما أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تشتغل في هذا المجال في إطار القطب الأمني المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتنسيق وثيق ومباشر مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
هذا ومن أجل القيام بعمل كهذا عملت المديرية العامة للأمن الوطني على توفير كل وسائل العمل من إمكانيات تقنية وموارد بشرية وخير دليل على ذلك البناية التي تشتغل بها حاليا الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والتي تضاهي في بنائها ومرافقها وأدوات اشتغالها كبريات المؤسسات الأمنية العالمية. 
فيما يخص العنصر البشري، فهناك تكوين مستمر للعناصر التي راكمت خبرة منذ سنة 2001، وهناك أيضا الجدد الذين التحقوا من المعهد الملكي للشرطة للعمل بهذه الفرقة، والتي من خلال التئامها بالعناصر السابقة يستفيدون من خبرتهم ويضيفوها إلى ما تحصلوا عليه من تكوين، سواء في الكليات بسلك الإجازة أو غيرها من ديبلومات المعهد.
ليس فقط جانب العنصر البشري، بل كذلك تم التزود بالوسائل اللوجستيكية اللازمة، السيارات ومختبرات الآثار الرقمية ومختبر الشرطة العلمية والتقنية الذي تم تجهيزه بأحدث الأجهزة… إلخ.
إذن الإدارة تسير بخطى سريعة، ظهرت تجلياتها بوضوح منذ سنة 2015، حيث إن هناك قفزة نوعية في المؤسسة الأمنية، وتلاحظونها أنتم الآن عندما تحضرون إلى بناية الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وكيف أن البناية هي بتصميم عالمي تتوفر فيه الظروف الملائمة للعمل.  

> ما هي أهم التطورات الجيوستراتيجية التي يتم تسجيلها على مستوى نشاط الخلايا الإرهابية والفكر المتطرف خلال العقدين الأخيرين؟
< لعل أهم التطورات الجيوستراتيجية التي يتم تسجيلها على مستوى نشاط الخلايا الإرهابية والفكر المتطرف خلال العقدين الأخيرين، تلك المرتبطة بالتحالف بين الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة خاصة بالقارة الإفريقية التي يشكل المغرب جزءا من فضائها. 
فمنطقة الساحل والصحراء مثلا أصبحت ملاذا لكثير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من أقصى الساحل الإفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل بالشرق، وقد تبلورت ظاهرة الاعتماد المتبادل بين الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة في أفريقيا، من خلال محاولة كل طرف توظيف الآخر لتحقيق أهدافه لتعويض الضعف في التمويل بعد وجود إرادة دولية للتشديد على التدفقات المالية نحو التنظيمات الإرهابية، وقد تعددت صور ممارسة الجماعات الإرهابية للنشاط الإجرامي، مثل عمليات الاختطاف وطلب فدية، الاتجار في البشر والمخدرات، تهريب البضائع وتجارة الأسلحة.
إن نشاط الفكر المتطرف مرتبط دائما بالأوضاع السياسية العالمية، فمثلا تأثرت هذه الخلايا في بداية الألفية الثالثة بالحرب الأفغانية، والصراع العربي الفلسطيني، مرورا بالحرب على العراق، والفترة التي عرفت بالربيع العربي والتي أنتجت لنا ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية”، والذي لم يعد حاليا كيانا قائما بصفته تنظيم إرهابي فقط بل أيديولوجية عالمية واسعة الانتشار اعتمادا على شبكة الإنترنيت والتي أضحت معتمدة من قبل المتطرفين في جل بقاع العالم، والتي تنبني إستراتيجيتهم على القتل والتدمير، لكن نحن في المغرب خاصة على مستوى الجهاز الأمني على وعي تام بهذه التطورات، ونتابعها بشكل دائم في إطار الإستراتيجية الاستباقية التي تنهجها المملكة المغربية تحت قيادة جلالة الملك.
من خلال العمليات الميدانية تم الوقوف على أن الخلايا الإرهابية كيانات متحركة وغير جامدة، بل يمكن الجزم والقول بأنها أصبحت عالمية وكونية، خاصة مع الإنترنيت التي ساعدتها في تحقيق ذلك، وكما أشرنا سابقا فالسياقات الدولية عامل حاسم في انتشار هذه الخلايا جغرافيا وأيديولوجيا، وخير مثال على ذلك ما وقع ويقع حاليا في الساحة الدولية كأفغانستان وسوريا والعراق وليبيا ودول الساحل، التي يمكن القول إنها أصبحت بؤرا لاحتواء هذه الخلايا. 
في أفغانستان قبل 2001 كانت هناك معسكرات وتنظيم القاعدة وطالبان، وكانوا يستقطبون الأشخاص ويستقبلونهم ويوفرون لهم تدريبات ويعلمونهم فنون القتال وحرب العصابات وغيرها، بعد ذلك حرب العراق وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين حيث أصبحت ساحة للقتال حيث انتقل مجموعة من المغاربة على غرار جنسيات أخرى إلى هناك، وقاتلوا إلى جانبهم.
بعد ذلك ظهر الإرهاب في دول الساحل، حيث ظهرت مجموعات إرهابية كتنظيم “الدولة الإسلامية” في المغرب الإسلامي إلى غير ذلك، نفس الأمر بالنسبة لسوريا بعد الربيع العربي حيث صارت مرتعا وبؤرة للتوتر، إذن فهذه العوامل السياسية هي التي تؤسس بؤرا للتوتر وبالتالي توفر مناخا مناسبا للإرهاب.

> من خلال عمليات مكافحة الإرهاب والتطرف، هل تتغير خريطة انتشار الخلايا الإرهابية والمتطرفين أم تتمركز بنقاط محددة؟ وهل يرتبط تواجدها بمناطق محددة بظروف وسياقات محددة ؟
< مما لا شك فيه فإن خريطة انتشار الخلايا الإرهابية تتغير بتغيير الظروف والسياقات الجيوسياسية، فاشتداد الضربات على تنظيم القاعدة بأفغانستان عقب تفجيرات الحادي عشر من شتنبر، جعل بوصلة التنظيم وأتباعه تأخذ وجهات متعددة، منها على وجه الخصوص نقل الجهاد إلى البلدان الأصلية بعد عودة الجهاديين إليها، قبل أن ينصب التركيز على منطقة العراق والشام التي عرفت التحاق عشرات الآلاف من المقاتلين من مختلف دول العالم وقيام دولة ما يسمى ب”دولة الخلافة” سنة 2014. 
مرة أخرى ومع سقوط “دولة الخلافة” نتيجة التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، وجد المقاتلون الإرهابيون موطئ قدم لهم في إفريقيا (الساحل والصحراء) التي تعاني من تراجع قدراتها على القيام بوظائفها الرئيسية، وفي مقدمتها الوظيفة الأمنية، ما أدى إلى فشل العديد من دول القارة في السيطرة على حدودها المترامية الأطراف والتي أصبحت ملاذا لكثير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة: بوكو حرام، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أنصار الدين، حركة الجهاد والتوحيد، داعش في الصحراء الكبرى… إلخ.
     
> ما هي أبرز التحديات التي تطرحها الخلايا الإرهابية في ظل التطور التكنولوجي والمعلوماتي؟ وكيف تواجهونها؟
إن التطور السريع لتقنيات الإعلام والاتصال وتنوع شبكات الربط أدى بطبيعة الحال إلى توسيع ميادين استعمال هذه التقنيات سواء على المستوى الثقافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإداري وغيره، وقد واكب هذا التوسع في استعمال هذه التقنيات ارتفاع مواز في أرقام الإجرام المرتكب بواسطتها، وهو ما يصطلح على تسميته بالجرائم الإلكترونية أو الجرائم المعلوماتية، الأمر الذي أثر على حقوق الأفراد، حيث وفرت الأنظمة المعلوماتية وسيلة جديدة في أيدي المجرمين لتسهيل ارتكاب العديد من الجرائم.
فخطورة الجريمة المعلوماتية تكمن في كونها تستخدم أحدث التقنيات وتتميز بانتشار مرتكبيها في أغلب الأحيان عبر دول مختلفة، بحيث فقدت الحدود الجغرافية كل أثر في الفضاء الشبكي المتشعب، وأصبحنا بالتالي أمام جرائم عابرة للحدود تتم في فضاء إلكتروني معقد عبارة عن شبكة اتصال لا متناهية متاحة لأي شخص حول العالم وغير تابعة لأية سلطة حكومية.
ولمواجهة هذه التحديات تبنى المغرب إستراتيجية تمثلت في إحداث وحدات متخصصة في معالجة هذا النوع من القضايا منها ما هو متخصص في التحقيقات الالكترونية ومنها ما هو مرتبط بإجراء الخبرة التقنية كإحداث مختبرات لاستغلال الآثار الرقمية وفرق متخصصة في مكافحة الجريمة المعلوماتية، الشيء الذي مكن المغرب خلال السنوات الأخيرة عن طريق عدة عمليات استباقية من تفكيك العديد من الخلايا الافتراضية التي تكونت انطلاقا من الشبكات الإلكترونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية أو لاستقطاب مقاتلين جدد للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بمختلف بؤر التوتر الإرهابية.    
وفي هذا السياق عملت المديرية العامة للأمن الوطني أيضا على خلق المكتب الوطني لمحاربة الجريمة المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية لأجل تتبع جميع هذه التطورات وجعلها في متناول المحققين المشرفين على الأبحاث في القضايا الإرهابية بالمكتب الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث يعمل مختبر الآثار الرقمية التابع له على مساعدة المحققين أثناء مباشرة أبحاثهم، وذلك أثناء تتبعهم لمختلف العناصر المتطرفة التي تم رصدها ويتم رصد لجوءها للتكنولوجيات الحديثة، سواء أثناء ارتكاب جرائم إرهابية أو بعد ارتكابهم لها.
لم يعد من الضروري أن يجتمع مجموعة من الشباب من أجل تكوينهم إيديولوجيا واستقطابهم والتخطيط وغير ذلك، بل أصبحت هذه التنظيمات الإرهابية تمول مواقع كثيرة، بمجرد أن يلجها الشخص يتأثر بها ويتم استقطابه وتكوينه، ويتم منحه طرق لصناعة المتفجرات وغيرها، ويتم عبرها الدعوة لارتكاب عمليات إرهابية، وهنا تظهر ظاهرة الذئاب المنفردة، فيكون التكوين ذاتي من خلال الإنترنت، حيث يتشبع المعني بهذا الفكر ويمكن أن يصنع متفجرات من خلال الإنترنت، وينفذ العمل بشكل أحادي.
هنا المديرية العامة تعي بهذه المسألة ولدينا كفاءات عالية تعمل في هذا المجال في مختبر تحليل الآثار الرقمية، وتمكنا من إيقاف العديد من الأشخاص الذين كانوا يخططون للقيام بأعمال إرهابية. 

ما هي المقاربة الحقوقية التي تعتمدها المؤسسة الأمنية في تعاملها مع المعتقلين في قضايا الإرهاب والتطرف (احترام الحراسة النظرية، التعذيب، حقوق المعتقل…؟).
تعتمد المؤسسة الأمنية في تعاملها مع المعتقلين في قضايا التطرف والإرهاب مقاربة مندمجة انسجاما مع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، بحيث انخرطت المديرية العامة للأمن الوطني في مسلسل توطيد مبادئ حقوق الإنسان في الوظيفة الأمنية وترسيخ قيم الاستقامة والقطع مع الممارسات السلبية في مجال إنفاذ القوانين، فضلا عن اعتماد آليات إجرائية وقائية وأخرى تأديبية للحيلولة دون تسجيل أية تجاوزات شخصية من شأنها المساس بحقوق المعتقلين. 
فهناك قناعة راسخة لدى جميع موظفي الأمن الوطني من أجل السمو بمعايير احترام حقوق الإنسان إلى مصاف القيم الإنسانية النبيلة والارتقاء بها إلى منزلة السلوك الجماعي الملزم لكافة منتسبي جهاز الشرطة. 
أكثر من هذا فإن مدونة قواعد سلوك موظفي الأمن استحضرت بشكل دقيق جميع الحقوق المكفولة دستوريا، والحريات المضمونة قانونيا والضمانات المقررة إجرائيا وقامت بتجميعها وتبويبها في شكل دليل مرجعي يحدد سلوك موظف الأمن عند ممارسته لمهامه النظامية أو بمناسبة تطبيقه للقانون، مما أضفى على مدونة قواعد السلوك هذه صبغة المرجع السلوكي النموذجي لموظف الأمن في مجال النهوض بثقافة احترام حقوق الإنسان. 

محجوزات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على إثر تفكيك خلية إرهابية- صورة احمد عقيل مكاو

أحيانا تكون هناك حوادث معينة إلا أنها حقيقة أحداث شخصية معزولة، تخص شخصا، ويخضع على إثرها للأبحاث والمحاكمة إذا ثبت تجاوزه للقانون.
فقانون المسطرة الجنائية يحدد إطار عمل ضابط الشرطة القضائية -الفصل 66 يقول لك إنه مباشرة بعد إيقاف الشخص تخبره بالأفعال المنسوبة إليه، وله حق الاتصال بالمحامي وبالتزام الصمت-، وكل هذا يدون في محضر الشخص المعني، الذي يستفيد من زيارة المحامي، وإذا كان يعاني من مرض ما فضابط الشرطة ملزم بنقله للمستشفى.
كذلك عندما يتقدم للمحكمة، فهو يخضع للتمديد، حيث يعرض على النيابة العامة، والتي إذا ما لاحظت آثار للتعذيب أو غيرها تعرضه على الخبرة الطبية، وفي حالة ثبوت تعرضه للتعذيب يفتح بحث في الأمر ويتم الاستماع للضابط الذي أجرى معه البحث.
ضباطنا تشبعوا بثقافة حقوق الإنسان، ويقولون: “أنا لست طرفا في القضية، فأنا مسؤول عن تنفيذ القانون فقط”.
لقد طورنا أساليب البحث، ولم يعد الاعتراف السبيل الوحيد للإثبات، فأصبحنا بناء على توجيهات المدير العام نمنح مجالا كبيرا للشرطة العلمية والدليل العلمي، إذن الإدارة استثمرت في الدليل العلمي من خلال المختبرات وكفاءة الأطر.
إذا ما تحدثنا عن الشرطي الذي تم قتله مؤخرا فهناك مجموعة من الأدلة التي ساعدتنا كي نصل للمتهمين، من خلال الكاميرا ومن خلال المختبر حيث فحصت العينات.
بالنسبة للحراسة النظرية يتم تسجيل الشخص في سجل بمراقبة النيابة العامة ويطلعون على السجلات، وأصبحت هذه المرافق مجهزة بالكاميرات، والدولة أصبحت هي المكلفة بالتغذية، وكل هذا لأجل أنسنة ظروف الحراسة النظرية.
إن القيادة لا تتسامح مع من تجاوز حقوق الإنسان في عمله، ويتم معاقبته بشكل شخصي، وهذه الحالات قليلة.

> هل هناك مواكبة و تتبع أمني للمعتقلين بعد مغادرتهم للأسوار السجنية؟ و هل تم تسجيل حالات العود؟
< عملت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج على إحداث مجموعة من البرامج التأهيلية من ضمنها: 
-برنامج مصالحة الذي يهدف إلى تأهيل السجناء المدانين في قضايا الإرهاب بشكل يجعلهم يتصالحون مع ذواتهم ومع المجتمع ومع النص الديني، اعتمادا على مبادئ الوسطية والاعتدال والتسامح.
-التأهيل الفكري والديني من خلال تفكيك خطاب التطرف وتصحيح بعض المفاهيم وتحديد الخلل في خطابات العفو والتطرف.
-التأهيل القانوني والحقوقي من خلال المساعدة على فهم واستيعاب الإطار القانوني المنظم لعلاقة الأفراد بالمجتمع و الدولة.
-التأهيل والمصاحبة النفسيين.
-التأهيل السوسيو اقتصادي لإعادة الإدماج.
-برنامج التخفيف بالنظير بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء.
-برنامج الجامعات السجنية. 
وبعد الخروج من السجن يكون هناك تتبع، الدولة نجحت في تأهيل 98 بالمئة، لكن هناك بعض حالات العود وهي قليلة.

> ما هي استراتيجيتكم في محاربة الإرهاب على المستوى الدولي (التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات)؟
< لعل من بين أهم الأسس التي تقوم عليها الإستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب، المقاربة المبنية على روح الإرادة الجماعية بين المملكة المغربية ومختلف الدول والتي تمت ترجمتها على أرض الواقع عبر شراكات من التعاون الصادق والوفاء بالالتزامات بعيدا عن أية حسابات أو مزايدات ضيقة.
كما أن الطبيعة الدولية للتهديدات الإرهابية تستوجب مقاربة تشاركية على المستوى الثنائي والجهوي والدولي من أجل إيجاد أجوبة فعالة في مواجهة هذه التهديدات.
فتقوية التعاون الميداني للمملكة المغربية أصبح ضروريا وله دور استباقي سيما في ما يتعلق بظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وعائلاتهم وكذا ظهور بؤر إرهابية جديدة. 
هناك تعاون مع العديد من الدول الأوروبية كفرنسا وهولندا وإسبانيا وتم العمل بالفعل على المستوى الميداني، وهناك تعاون أيضا مع الولايات المتحدة الأمريكية. 
المغرب بالطبع يحتاج للتعاون الدولي لكن أيضا هذه الدول هي بحاجة للتعاون مع المغرب في هذا المجال.

> فيما يهم العائدين من داعش أو بؤر التوتر، ما هي السياسة التي تعتمدونها في التعاطي مع هذا الملف؟
< مما لا شك فيه فإن عودة المقاتلين الإرهابيين تشكل مصدر قلق لدول الاستقبال، فالخطر الذي يمثله الإرهابي العائد يظل قائما على اعتبار أن هذا الأخير هو في الغالب شخص نذر نفسه للموت، تمرس على حرب العصابات، تمكن من تفكيك وتركيب الأسلحة على اختلاف أنواعها بل واستعمالها، انخرط في صناعة المتفجرات كما أنه يبقى دائما عنصرا نشيطا داخل خلية نائمة يمكن تفعيلها في أي وقت، وقد يشكل ذئبا منفردا يمكن تسخيره لارتكاب أعمال إرهابية بحلول الوقت المحدد من قبل التنظيم.
لذلك فالمقاربة المعتمدة في حالة هؤلاء هي مقاربة زجرية عقابية بالدرجة الاولى تخولهم في مرحلة ثانية من الاستفادة من جميع البرامج المعتمدة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج كبرنامج مصالحة وغيره؛ وقد صدر سنة 2015 قانون يعنى بهذه الفئة.
أما بالنسبة للنساء، تراعى عدة الظروف، مثل ما إذا شاركت في عمليات إرهابية هناك وما دورها تحديدا؛ فإذا كانت قد التحقت بزوجها أو غيره، فالأجهزة الأمنية تراعي الجوانب الاجتماعية، لكن إذا كانت تشكل تهديدا على أمن المملكة فيتم تقديمها للقضاء، وإذا تبين أنها لم تشارك في أعمال إرهابية يتم إخضاعها للتقويم ويخلى سبيلها باستشارة مع النيابة العامة، وتظل متابعة أمنيا.

> اهتزت المملكة المغربية مؤخرا على وقع فاجعة جريمة القتل التي راح ضحيتها شرطي أثناء مزاولته لمهامه على أيدي إرهابيين متطرفين، ما هي التحديات التي أصبحت تضعها المؤسسة الأمنية أمامها على خلفية هذه الجريمة؟
< لا شك أن الجريمة التي تعرض لها شرطي المرور مؤخرا قد تركت بالنظر لبشاعتها ونوعية مرتكبيها أثرا سيئا في نفوس جميع المغاربة. 
وهذه الجريمة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الخطر الإرهابي مازال محدقا ويتربص بالأبرياء من المواطنين، الشيء الذي يفرض على الأجهزة الأمنية خاصة منها الفاعلة في مجال محاربة الجريمة الإرهابية رفع التحدي من خلال مضاعفة الجهود لوأد هذا الخطر في مهده، ولعل الضربات الاستباقية التي ما فتئت هذه الأجهزة توجهها للخلايا النائمة لخير دليل على هذه اليقظة وهذا الحزم الذي طالما طبع عمل الأجهزة الأمنية المغربية.   

أخيرا ما هي أهم الإنجازات التي طبعت العقدين الماضيين؟ 
< يبقى أهم إنجاز طبع العقدين الأخيرين هو صدور دستور 2011 الذي نص على مؤسسة جديدة تم إحداثها لأول مرة وهي المجلس الأعلى للأمن، وهي قيمة مضافة تعزز مسار التنسيق المؤسساتي المغربي وهو عبارة عن هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.   

*******

النموذج المغربي في تدبير ملف الإرهاب والتطرف العنيف

لقد أبانت المملكة المغربية على مدى العقدين الأخرين عن حنكتها وقدرتها وسرعتها في التفاعل مع الأحداث والتحديات الجديدة كيفما كانت وفق مقاربة شاملة.
إذ بالرغم من فجائية وصدمة أحداث 16 ماي 2003، فإنها لم تمنع الأجهزة الأمنية من التفاعل السريع معها وفك خيوطها بسرعة قياسية، ورغم بعض التجاوزات التي تم تسجيلها آنذاك، إلا أن النتيجة والسياق يشفعان لها، خاصة أنه تم العمل بكل حزم فيما بعد لإصلاح الأوضاع والقطع مع كل التجاوزات خاصة على المستوى الحقوقي والمؤسساتي.
وكما استدرك المغرب كل هفواته وأعاد ترتيب أوراقه بوقت قياسي، حتى أصبح قطب الرحى في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على مستوى المنطقة، وفاعلا يحتدى به على المستوى الدولي، فهو اليوم قادر بفعل رجالاته ونسائه خاصة على مستوى الأجهزة الأمنية ومؤسسات الإصلاح وإعادة الإدماج مجابهة كافة التحديات المطروحة آنيا، بل حتى تلك التي يمكن أن تظهر مستقبلا، ولعل الدليل على ذلك التطور الكبير الذي تشهده من جهة الأجهزة الأمنية كما وكيفا، باختلافها سواء على مستوى الموارد البشرية أو اللوجيستيك ومن جهة أخرى التشريعات وما يطبعها من تعديلات تواكب التحديات المطروحة.

                                                                                جلالة الملك يدشن معهد للتكوين المتخصص التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ف يأبريل 2018

كما أنه، من خلال استقراء المعطيات التي كشفت عنها النيابة العامة في تقاريرها لسنة 2018، يستنتج أنه تم تسجيل انخفاض في عدد القضايا الإرهابية المسجلة خلال سنة 2017 مقارنة مع سنة 2016 حيث بلغ عدد المحاضر المسجلة بالنيابة العامة 161 محضرا تتعلق بـ 358 مشتبها فيه سنة 2017، في حين قدم سنة 2016 إلى النيابة العامة 410 مشتبها فيه بمقتضى 251 محضرا.
وقد ساهم في التصدي للجريمة الإرهابية، فضلا عن جهود القضاة مختلف مصالح الشرطة القضائية ولاسيما المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء اللتين ترصدان لهذا النوع من الجرائم إمكانيات هامة.


وتجدر الإشارة أيضا إلى أن التعاون الدولي (القضائي والأمني) في هذا المجال كان له الدور المحوري في التصدي للجريمة الإرهابية، وخلال 2017 أصدرت النيابة العامة ستة (06) أوامر دولية بإلقاء القبض، كما بلغ مجموع الانتدابات القضائية الدولية الصادرة عنها والواردة عليها 113 انتدابا، نفذ منها 89 انتدابا أي بنسبة إنجاز 78.76% من مجموع الرائج.
ويجدر بالذكر أن النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، المختصة وطنيا في تتبع قضايا الإرهاب ترتبط باتفاق تعاون مع ثلاث نيابات عامة أوروبية داخل ما يسمى باللجنة الرباعية التي تضم النيابة العامة لدى المحكمة الكبرى بباريس والنيابة العامة لدى المحكمة الوطنية الإسبانية والنيابة العامة الفدرالية ببلجيكا، التي تجتمع دوريا لتبادل الخبرات وتقاسم المعلومات المفيدة لمكافحة الإرهاب وتتبع الأنشطة الإرهابية، حسب تقريرها لسنة 2018.

                                     جانب من الوقفات التضامنية مع ضحايا تفجيرات 16 ماي 2003 الإرهابية، تنديدا بالإرهاب والتطرف العنيف، شارك فيها المغاربة أطفالا وكبارا وفعاليات سياسية ومدنية معبرين عن قيم التسامح والتعايش المعروفين على الشعب                                          المغربي

وفي سياق متصل، بالمرور مباشرة إلى آخر تقرير رسمي للنيابة العامة، الصادر في يناير 2023، سجلت النيابة العامة 115 قضية إرهابية خلال سنة 2021، بموجها قدم 152 شخصا أمام النيابة العامة، في إطار تتبع رئاسة النيابة العامة لقضايا الإرهاب مع النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط باعتبارها المحكمة المختصة نوعيا على الصعيد الوطني في هذا النوع من الجرائم، اتخذت في حقهم الإجراءات اللازمة.
وباستقراء هذه المعطيات الإحصائية، يتضح أن قضايا الإرهاب المسجلة خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك سنة 2021 حافظت على نفس المنحى التنازلي، كما تراجع عدد الأشخاص المتابعين بشكل طفيف من 123 شخصا خلال سنة 2020 إلى 119 شخصا، وقد جاءت جريمة الإشادة بالإرهاب والتحريض عليه وتكوين عصابة الإعداد وارتكاب أفعال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام في أعلى قوائم الجرائم الإرهابية التي توبع من أجلها الأشخاص المتورطين في ارتكاب أفعال إرهابية خلال سنة 2021.
وجدير بالذكر، أن الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها كانت تسعى لتهديد أمن واستقرار المملكة واستهداف مواطنيها، وذلك بعد أن تبنى أعضاؤها توجهات عقائدية متطرفة وموالاتهم للتنظيمات الإرهابية التي تنشط ببؤر التوتر خصوصا التنظيم الإرهابي المعروف اختصارا ب”داعش”، إلى جانب نشاطهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الإشادة بعمليات هذه التنظيمات الإرهابية والتحريض على ارتكابها.
وقد أسفرت عمليات ضبط وتفكيك هذه الخلايا عن حجز مجموعة من الأسلحة والأدوات الإلكترونية والكهربائية والمواد الكيميائية الخطيرة التي تدخل في صناعة المتفجرات.
وبخصوص العقوبات الصادرة في حق الأشخاص المتابعين من أجل ارتكاب أفعال إرهابية خلال سنة 2021، فقد صدرت عقوبات تفوق 5 سنوات ضد 30 شخصا، وما بين سنتين و5 سنوات ضد 27 شخصا. كما جرى تسجيل 33 ملفا على صلة كذلك بقضايا مرتبطة بالجماعات المتطرفة، أو شكاوى تم تقديمها بشأن التهديد بأعمال إرهابية موجهة ضد أشخاص أو مؤسسات عمومية أو خاصة، وجرت معالجة هذه الملفات وتتبعها مع النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة.

وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار برنامج التعاون بين رئاسة النيابة العامة ومجلس أوروبا والمعهد العالي للقضاء والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والرابطة المحمدية للعلماء تم إحداث فريق عمل يضم ممثلين عن المؤسسات المذكورة، بهدف إعداد درس نموذجي حول موضوع “الوقاية من التطرف Prevention de la radicalisation” حيث تشمل محاور الدرس النموذجي وحدتين تخصان النيابة العامة مرتبطتين بالجوانب الخاصة بالمسطرة الجنائية والقانون الجنائي، وبجمع واستعمال الأدلة في سياق قضايا الإرهاب حيث تم إعطاء الانطلاقة الرسمية لهذا الدرس في العاشر من شهر دجنبر 2021، وتم تعيين 8 قضاة للنيابة العامة يمثلون الدائرة الاستئنافية بالرباط قصد الاستفادة منه.
وبالتالي فمن خلال استقراء وتحليل النتائج التي أشرنا إلى أبرزها بمختلف محاور هذا الملف، تتبين مجهودات المملكة المغربية بمختلف مؤسساتها وأجهزتها، في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، بل تؤكد نجاح المملكة في ذلك على كافة المستويات من خلال الإستراتيجية المتكاملة والشاملة، في إطار احترام تام وصرف لمقتضيات الدستور والاتفاقيات الدولية والتشريع الوطني، خاصة فيما يخص احترام مقتضيات حقوق الإنسان وترسيخها في التعامل مع قضايا الإرهاب والتطرف العنيف.
كما أن التغييرات المستمرة التي تطبع التشريعات التي تهم مكافحة الظاهرة، وأيضا على مستوى المؤسسات الفاعلة في ذات الصدد، تكشف عن المرونة التي تميز استراتيجية المملكة في التعامل مع الظاهرة الإرهابية المتغيرة باستمرار، وبالتالي تبرز قدرة المغرب على مجابهة الإرهاب والتطرف العنيف، أينما كان ومهما تطور وطور من أساليبه وتقنياته.

Related posts

Top