مأساة حرائق الواحات..

يشهد العالم اليوم، تغيرا مناخيا مخيفا، جراء التزايد المستمر في نفث السموم القاتلة من قبل الشركات الكبرى، وهو ما بدأت انعكاساته تظهر على جميع المستويات، لا سيما في المناطق الحساسة التي يعرف مجالها تدهورا بشكل مستمر، من قبيل الجغرافيات شبه الصحراوية.
ولم يسلم المغرب من هذه الآثار الكارثية، ويحضر النموذج في الواحات المغربية التي بدأ وضعها يتفاقم سنة بعد أخرى، حيث تعاني من الجفاف، والتصحر، وانجراف التربة، والأمراض المزمنة (كالبيوض)، بل ومن الحرائق التي لا تبقي ولا تدر.
اعتاد الرأي العام المغربي، خلال صيف كل سنة، أن يطالع في مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، أخبارا وصورا متفرقة عن حرائق الواحات بالمناطق الجنوبية للمغرب، ومن بين هذه الحرائق التي كان لها صدى واسعا، نذكر منها حريق واحة قصر البلاغمة (جماعة أوفوس- إقليم الرشيدية)، الذي لا زالت آثاره واضحة المعالم.
ونتيجة هذا الحريق، لم تشارك التعاونيات السوسيو-اقتصادية بقصر البلاغمة في النسخة العاشرة للملتقى الدولي للتمر بالمغرب، الذي احتضنته مدينة أرفود من 24 إلى 27 أكتوبر 2019، لأن إنتاج السنة تحول إلى رماد ينبعث منه الحزن والأسى على ثروة مادية ورمزية وفضاء بيئي لا يقدر بثمن.
واهتماما منها بالموضوع، اغتنمت جريدة بيان اليوم مناسبة حضورها في المعرض الدولي للتمر، لتنتقل إلى قصر البلاغمة (البعيد بحوالي 30 كلم عن مدينة أرفود) من أجل الاطلاع على مشهد الخراب الذي خلفته ألسنة اللهب التي أتت على نخيل الساكنة.
وخلال تواجد الجريدة بقصر البلاغمة التقت بمجموعة من الفلاحين المتضررين من أثر الحريق، حيث حكوا عن مشاهد النار المرعبة، التي أبت إلا أن تدمر الغالي والنفيس لأبناء المنطقة.
في هذا الروبورطاج، ننقل شهادات حية لبعض المتضررين الذين أسهبوا بشكل مطول في وصف وتحليل وتعداد أسباب مأساة هذا الحريق.

خسائر فادحة

المكان: قصر البلاغمة. الزمان: الساعة الثالثة عصرا من يوم الأربعاء 3 يوليوز 2019. الحدث: حريق واحة القصر، الذي التهمت نيرانه ما بين 70 و80 في المائة من أشجار النخيل والزيتون التي تتواجد على مساحة 142 هكتارا، حيث لا زال أثر الحريق واضحا في واحة القصر، وفي نفوس ساكنته التي فقدت واحدا من أهم مصادر عيشها.
محمد باعدي، واحد من أبناء المنطقة الذين خسروا عددا كبيرا من النخيل وأشجار الزيتون، حكى لبيان اليوم عن هذا الحادث المأساوي الذي سيبقى راسخا في الذاكرة الجماعية لأبناء المنطقة، الذين فقدوا مورد عيشهم الرئيسي، وكذا صرحا إيكولوجيا وحضاريا لا ماديا للذاكرة الثقافية لقصر البلاغمة، بل وواد زيز ككل، الذي بات يشهد حرائق متكررة خلال صيف كل سنة.
عرفت جماعة أوفوس مجموعة من الحرائق غير أنها كانت محدودة وتتم محاصرتها بسرعة من قبل الساكنة، بل وفي أسوأ الحالات تتدخل عناصر الوقاية المدنية لإطفائها. بيد أن حريق البلاغمة كان شيئا آخر، لهذا يبقى أثره موشوما في ذاكرة المنطقة، بحسب باعدي، الذي ينشط بجمعية مستعملي المياه المخصصة للأغراض الزراعية بقصر البلاغمة.
وكشف باعدي، أن خسائر الحريق كانت كبيرة، حيث تفحمت حوالي 12 ألف و323 شجرة، مقسمة بين 8 آلاف و997 نخلة كبيرة وصغيرة، بالإضافة إلى 3 آلاف و326 زيتونة، استنادا إلى الإحصائيات الميدانية التي قامت بها الساكنة، برفقة الأشخاص المتقدمين في السن الذين يحفظون حدود واحة القصر.
ومن بين الفلاحين الذين تكبدوا خسائر فادحة جراء الحريق الخطير، ذكر باعدي، الفلاح محمد بوفران، حيث فحمت النار335 نخلة له، و98 زيتونة، موضحا بأن هذا الفلاح المتضرر يعيش من هذا النشاط، ولا دخل آخر لديه يمكن أن يعول عليه لتعويض هذه الخسارة.
ويرى باعدي أن خطر الحريق لا زال قائما بالنسبة للعديد من الواحات التي تجاورها الساكنة، على مستوى الطريق الرابط بين مدينة الرشيدية وأرفود، ويتعلق الأمر بقصر ولاد شاكم، والكارة، وزاوية أملكيس، والزاوية القديمة، وأوربيت.. بل بواحة واد زيز ككل التي تشهد بعض الحرائق بشكل مستمر.
وقال المتحدث الذي عاش تفاصيل الحريق منذ البداية، إن الحريق استمر لأزيد من 14 ساعة، من الساعة الثالثة عصرا إلى الخامسة صباحا من اليوم الموالي، واصفا مشهد الحريق بـ”المرعب” وألسنة اللهب بـ”المشؤومة”، لأنها خلفت من ورائها خسائر مادية كبيرة.

استنفار واسع

وذكر محمد باعدي أنه فور وصول الحريق إلى قصر البلاغمة، تم إبلاغ السلطات المحلية بالمستجد، حيث تم التفاعل مع الحادث بإرسال الوحدة الأولى للوقاية المدنية أوفوس، قبل وصول وحدات الإغاثة للوقاية المدنية الإقليمية التي شدت الرحال نحو قصر البلاغمة، مشددا بأن السلطات استنفرت كل أجهزتها بعد علمها بالفاجعة.
وبالرغم من هذا الإنزال المكثف بقصر البلاغمة الذي شهد حلول عناصر القوات المسلحة الملكية للتدخل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لم يتم السيطرة على الحريق إلا في صباح يوم غد، “أي أننا قضينا الليلة كلها ونحن نتعاون لإخماد النيران التي أتت على أعز ما نملك والمصدر الوحيد الذي عشنا ودرسنا به”، يقول محمد باعدي.
ولم يقف باعدي عند هذا الحد من الوصف، بل استرسل قائلا: “إن صور الحريق كانت فظيعة جدا، ولا زال أثرها كبيرا على نفوسنا، حيث هناك من الأشخاص من بكوا على نخيلهم يوم الحريق، وحاليا لا أستطيع الدخول إلى الواحة لمشاهدة آثار الكارثة”.
وأضاف بأن “هذا النخيل ليس شجرا عاديا بل هو إنسان مثله مثل أخواتي، بمعنى كانت هناك علاقة وجدانية خاصة معه، فجميع أصناف التمور تضررت، وأمنيتنا اليوم هي إعادة تهيئة هذه الغابة من خلال غرس أشجار نخيل المجهول وبوفوكس على مستوى المنطقة التي أصابها الحريق، فهذا هو حلم حياتي”.
الخسائر وفق محمد باعدي، كانت كبيرة، لم لا وأن النار أحرقت عددا مهما من أشجار النخيل، من الأصناف الجيدة كتمر المجهول وبوفكوس، وكذا باقي الأصناف العادية الأخرى، إلى جانب أشجار الزيتون، حيث كانت تعتبر هذه الواحة مصدرا لقوت ساكنة البلاغمة، المتحسرة اليوم على مشاهد الرماد والسواد المتبقي من أثر الحريق الذي أتى على ثروة القصر.
وأوضح باعدي للجريدة، أن هناك بعض الأشجار من تفحمت كليا، وأخرى متضررة بشكل قليل، يمكن أن تحيا مجددا في حال ما تم العناية بها بالسقي والتشذيب، مشيرا إلى أن نجاتها من ألسنة اللهيب أتى نتيجة اتجاه النار التي غيرت الرياح مجراها، منذ انطلاق شرارتها الأولى من قصر “الزاوية القديمة”، هذا الأخير الذي لم تتأثر أشجار نخيله وزيتونه من الحريق الذي وجد ضالته في أشجار قصر البلاغمة.

اختفاء العرف

بدأت تتكرر ظاهرة حريق الواحات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بالمقارنة مع العقود السابقة، إذ يرجع محمد باعدي أسبابها بالدرجة الأولى، إلى نمط الحياة الذي تغير عند إنسان الواحة، بمعنى أن الساكنة فيما مضى كانت تعتمد على حطب النخيل كوسيلة للطهي، وهو ما كان يخلص الواحة من أطنان كبيرة من “الجريد” الذي كان يتحصل عليه بعد عملية القطع والتشذيب.
غير أنه اليوم أصبحت ساكنة الواحة تعتمد على قنينات الغاز في الأنشطة المنزلية، كالطهي وتسخين مياه الاستحمام.. وهو التغير في النشاط الذي بدأ منذ سنوات ليست بالقليلة، الشيء الذي جعل “الجريد” يتكاثر في الواحة بفعل عملية تشذيب أشجار النخيل مباشرة بعد جني المحصول الفلاحي.
واستنادا إلى المتحدث ذاته، ينضاف إلى هذا السبب، عامل آخر، والمتمثل في تكاسل وتراخي أبناء الواحة في تشذيب هذا النخيل من “الجريد” اليابس، حيث يتخلى عنه في شجرة النخيل، الأمر يؤثر على نموها ومردوديتها من حيث الإنتاج، بل ويهدد استمرارها أثناء نشوب حريق مفترض.
التخلي عن هذين الإجراءين التقليديين اللذين كانا يحميان الواحة من الحرائق الخطيرة، يشكلان تهديدا للواحات المغربية عموما، إلى جانب باقي الأسباب الأخرى التي تتحدى تواجد الواحة، من قبيل التصحر والجفاف والبناء العشوائي، ثم مرض البيوض الذي يبقى من بين الأمراض الفتاكة بأشجار النخيل.
ودعا باعدي إلى ضرورة إحياء الأعراف والعادات القديمة التي كانت تباشرها ساكنة الواحة، في إشارة إلى عرف تخصيص يوم سبت من كل أسبوع لقطع “الجريد” ونقله كحطب للمنازل بهدف استخدامه عند الحاجة، منتقدا السلوك الجديد لإنسان الواحة الذي أضحى لا يزور نخيله إلا في فترة جني التمر، في الوقت الذي يجب أن تكون العناية مستمرة بهذا الفضاء الحضاري، والإيكولوجي بالنسبة للمناطق الصحراوية.
بيد أن لهذا التخلي عن قطع “الجريد” مسبباته، حيث يرى فيه ممتلكو هذا النخيل، إنفاقا لمصاريف مالية إضافية، بالنسبة لبعض الأسر المعوزة، لذا يتم التخلي عنه، والاستغناء عن الواحة ككل، وهو ما يجعل هذه الواحات مهملة بسبب هجرة الشباب، وانهيار القوة البدنية لأصحابها الذين كانوا يعتنون بها سابقا، حيث صاروا شيوخا اليوم لا يقوون على الأشغال الشاقة، على حد تعبير الناشط الجمعوي بقصر البلاغمة.
وأسهب محدثنا في هذه الفكرة بشكل مطول، مؤكدا أن القليل من الفلاحين من يستطيعون الصعود إلى النخلة لقطع “الجريد” اليابس، نظرا لما يعتري هذه الخطوة من مغامرة في الصعود، مسجلا بأن العديد من الأشخاص تعرضوا لحوادث الكسر، وعاهات مستديمة، بل والوفاة في بعض الحالات، نتيجة غياب السلامة أثناء التشذيب، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، عملية تنقية النخيل من “الجريد” تعد مكلفة بالنسبة للفلاحين، الذين يجبوا أن يوفروا مبلغا ماليا يتراوح ما بين 150 و200 درهما، لتنقية كل شجرة نخيل على حدة، مشيرا إلى أنه في السابق كان يتم قطع الجريد الأخضر أيضا، “لكن اليوم كل شيء تغير وتبدل حيث لا يقطع لا اليابس ولا الأخضر”، يتأسف ابن المنطقة.
ونتيجة هذا الوضع الذي يتفاقم سنة بعد أخرى، بادر النسيج الجمعوي بالمنقطة إلى وضع طلب لدى السلطات المحلية، من أجل تشييد محطة لتثمين “الجريد”، التي يرى فيها باعدي خطوة مهمة للحد من خطورة الحرائق وتدهور هذا النشاط الغابوي، مفيدا بأن تدوير هذا “الجريد”، يمكن استغلاله في عملية التسميد لمختلف الأنشطة الفلاحية.
وأردف العضو بجمعية مستعملي المياه المخصصة للأغراض الزراعية بقصر البلاغمة، أن المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي بإقليم الرشيدية، صدر عنه مؤخرا خبر مفاده أن معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، يشتغل حاليا على هذا المشروع، حتى لا يتم نقل الأمراض المعدية كالبيوض بعد تدوير “الجريد” واستعماله سمادا فلاحيا.
وأفاد المتحدث بأن الفلاحين توصلوا إلى حد الآن بـ 200 شتلة نخيل، في انتظار التوصل بدفعات أخرى لغرسها بالمنطقة، مردفا بأن السلطات المحلية وعدت بتسليم 3 آلاف شتلة، وهو العدد غير الكافي لا سيما وأنه لا يهم قصر البلاغمة فقط، بل قصر الزاوية القديمة أيضا على حد تعبيره.
وفي سياق متصل، قال محمد باعدي، إن الفلاحين تلقوا وعودا من المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي، الذي من المرتقب أن يطلق مشاريع فلاحية جديدة بالمنطقة، في إطار المساهمة في تخفيف الأضرار التي لحقت فلاحي قصر البلاغمة.
ويرى على هذا الأساس، بأن الساكنة متفائلة لحد الآن، وغير متشائمة من القادم، خصوصا وأن العديد من المؤسسات أبدت تعاطفها مع فلاحي القصر، وشدد على أن النسيج الجمعوي لا زال يشتغل على هذا الموضوع من أجل إقناع بعض الأطراف الأخرى لمساعدة الفلاحين المتضررين.

مصدر متفحم

من جانبه، تأسف سعيد بادو على الحريق الذي شهدته واحة قصر البلاغمة، قائلا لبيان اليوم إنه تزامن مع فترة الاستعداد لجني المحصول الفلاحي، الذي كان يراهن عليه الفلاحون لتسديد فواتير قروضهم بعد تسويق ما تحصلوا عليه من التمر.
وعن مستقبل هذه الواحة التي تعرض نخيلها للحريق، أوضح سعيد بادو أن هناك من النخيل من سيلد خلال السنوات القادمة، بيد أنه لن يجد مكانه الطبيعي ليضع عش التمر، نظرا لاحتراق “الجريد” الذي كان مستقر عش التمر منذ بداية تشكله على شكل “عرجون”.
وذكر بادو بأن هذا الحريق سيرخي بظلاله على إنتاج التمر بقصر البلاغمة، وهو ما ابتدأ منذ هذا الموسم الفلاحي، بعدما وجدت تعاونيات وجمعيات القصر نفسها خارج معرض التمر لأرفود، بفعل الحريق الذي التهم نخيل الفلاحين بالقصر.

ويرى الفلاح بقصر البلاغمة، أن الحريق الذي أصاب شجره من النخيل والزيتون أفقده مصدر رزقه الوحيد الذي كان يؤمن له مبلغا ماليا محترما يقارب 6 ملايين سنتيم بشكل سنوي، متحسرا عن هذا الموسم الحالي والمواسم المقبلة، التي لن يتجاوز فيها مدخوله السنوي دريهمات قليلة لا يمكن أن توفر له حاجياته اليومية.
والضرر المادي لن يلحق الفلاح فقط، بل سيحس به العامل أيضا، الذي كان يشتغل مع الفلاحين خلال فترة جني التمر (حيث يحفر حفرا بجدع النخلة على شكل سلم يتقاضى عن كل واحدة منها 5 دراهم)، وشدد محدثنا بأن هذه الواحة هي مصدر دخل العديد من الأسر التي كانت دؤوبة ومصرة في الحفاظ على هذه الثروة الفلاحية والإيكولوجية.
وسجل المتحدث عينه، بأن المعطيات التي قدمت لوزير الفلاحة عزيز أخنوش خلال زيارته لقصر البلاغمة، غير صحيحة، مفندا حريق 3 آلاف شجرة نخيل وزيتون فقط، في الوقت الذي التهمت فيه النيران أزيد من 12 ألف شجرة، على حد قوله.
وانتقد في الشأن ذاته، غرس 200 فسيلة نخل، ذلك أنها لا يمكن أن تعوض الخسارة الفادحة التي تعرضت لها واحة قصر البلاغمة، مشيرا إلى أن هذه الفسائل اليوم في حاجة إلى أن تسقى بالماء وهو الأمر غير الوارد نظرا لشح الفرشة المائية والجفاف الذي يعصف بالمنطقة، إلى جانب ضعف صبيب ماء الوادي المتدفق من سد الحسن الداخل بالرشيدية.
ويتساءل الفلاح سعيد بادو، عن مصدر عيش ساكنة هذه المنطقة، خلال العشر سنوات القادمة، وهي المدة الزمنية التي يمكن لهذه الفسائل أن تصبح منتجة في حال الاعتناء بها بالسقي والتسميد، مطالبا بتوفير نشاط فلاحي آخر في المنطقة، استنادا إلى تفعيل صندوق الكوارث الطبيعية الذي جاءت به حكومة سعد الدين العثماني خلال سنة 2019.
وبصيغة أخرى، طالب الفلاح بقصر البلاغمة، بالدعم المالي المباشر للفلاحين الذين تكبدوا خسائر مادية كبيرة جراء الحريق الذي دمر نخيلهم، على اعتباره كان يسدد مصاريفهم اليومية، وكذا حاجيات أبنائهم المدرسية، وهو “الطلب الذي لا يمكن أن يتحقق وفق يحضيه بوشعاب والي جهة الرشيدية الذي استقبلنا بعد الحريق وأخبرنا بتقديم الفسائل ليس إلا”، يوضح بادو.

غياب التأمين

وتطرق سعيد بادو إلى مشكل غياب التأمين بالنسبة لفلاحي المنطقة، الذين يطلب منهم شهادة الملكية من قبل مؤسسة التأمين، موضحا بأنه في حال طلب الشهادة الإدارية من طرف الإدارة الترابية، يقابل طلبهم بالرفض بحجة “أنها ممنوعة”، مستفسرا عن سبب هذا المنع بالرغم من أن النخيل في ملكيتهم وورثوه عن أجدادهم، بل هناك وثائق عرفية موثقة من قبل العدول بالنسبة للنخيل المشترى من الغير.
ولم تتوقف طلبات بادو عند هذا الحد، بل نادى بضرورة التحفيظ العقاري، لمعالجة مشكل الحصول على شهادة الملكية، التي ستخول لهم إلى جانب التأمين، الحصول على قروض بنكية لتمويل مشاريع فلاحية جديدة، بالموازاة مع نشاط النخيل.
وأكد المتحدث بأن خطر الحريق لا زال قائما إلى اليوم، مقدما مثال الحرائق التي أعقبت حريق قصر البلاغمة، بالمنطقة، ويتعلق الأمر بقصري الكارة واولاد عيسى، هذا الأخير الذي عرف وفاة أحد الفلاحين مختنقا أثناء إخماد الحريق الذي شب في نخليه.
وزاد بادو بأن جميع القصور مهددة بالحريق، مستغلا الفرصة للدعوة إلى إحداث محطة تثمين “الجريد” والحشائش التي تكاثرت بواد زيز وأصبحت قنبلة موقوتة تهدد حياة نخيل المنطقة، مؤكدا لبيان اليوم، أنه تم طلب ذلك خلال اجتماع موسع مع والي الجهة بتاريخ 8 يوليوز 2019، بالرغم من ضعف الميزانية التي لا يمكن أن تحقق جميع المشاريع بالمنطقة.
وكشف، أنه من المرتقب أن يعرف قصر البلاغمة مشروعا جديدا مهما يتعلق بإنجاز “محطة لضخ المياه بالطاقة الشمسية”، مشددا على أن المنطقة في حاجة إلى مثل هذه المشاريع التي ترجع الثقة والأمل للساكنة وتشجعهم على البقاء في مسقط رأسهم والاستثمار في محيطهم دون الحاجة إلى الهجرة نحو المدينة أو الخارج.
وفي ظل هذا التحول المجتمعي الذي لم تسلم من سلبياته الواحة أيضا، يرى سعيد بادو، بأن حل مشاكل الواحة في الشق المتعلق بـ”الجريد” والحشائش، يكمن في الاعتماد على التقنية، في إشارة إلى آلات قطع “الجريد” وطحن وجمع الحشائش من جذوع النخل، ناهيك عن إحداث محطات للتثمين والمعالجة.
وفي الصدد ذاته، يشدد الفلاح بقصر البلاغمة بأن فعل التنقية يجب أن يهم جميع الفلاحين، ويكون إلزاميا بالنسبة للجميع وبشكل تشاركي، موضحا بأن “النار لا تميز بين هذا النخيل الخالي من الحشائش والجريد، أو الذي لا زال محتفظا بشوائبه المضرة”.
ومن باب الدعابة الساخرة وتكسير رتابة اللقاء مع بيان اليوم، حكى سعيد بادو للجريدة قصة اللصوص الذين هجروا القصر مباشرة بعد الحريق الذي أتى على محاصيل السنة، لأنه لم يتبق سوى الفحم والرماد الذي لن ينبعث نخلا إلا بعد 10 سنوات، إيمانا منهم بأن الرزق قد انقطع من المنطقة، شادين الرحال صوب قصور أخرى، بحسب بادو.
وحول النقطة عينها، أفاد بأن النخيل الكبير في حاجة إلى السقي ثلاث مرات في السنة، أما بالنسبة للفسائل والنخيل الصغير، فهو في حاجة إلى السقي كل 15 يوما، لأن مياه المطر القليلة لا تلبي حاجة النخيل الظمآن.
وبفعل هذا المعطى، يرى الفلاح عن قصر البلاغمة، بأن الفسائل الجديدة التي تم زرعها، ستواجه امتحان البقاء، في ظل النظام الصارم لمياه الوادي الذي يتناوب عليه فلاحو واحة زيز ككل، والذي يجب عليهم احترامه، الشيء الذي يصعب من مهمة إنجاح هذا المشروع الجديد الذي سيعوض صرح النخيل الذي خرته النار أرضا.
وفي هذا الصدد، نوه سعيد بادو، بمبادرة السلطات المحلية يوم الحريق، المتمثلة في إطلاق صبيب المياه من سد الرشيدية، الذي ساهم في إخماد جمر الحريق الذي شب في واحة قصر البلاغمة، كما تم سقي النخيل الذي تضرر بشكل جزئي من ألسنة اللهب، مشددا بأنه لو لم يتم سقيه وقتها لكان مصيره الموت.

خطر متواصل

أجمع مختلف الفلاحين الذين التقتهم بيان اليوم في قصر البلاغمة، على أن الجريد يشكل اليوم خطرا على استمرار الواحات، إذ أنه يساهم في دمارها في حال نشوب حريق ما، وهو ما ذهب إليه الفلاح أحمد وقاش أيضا، الذي دعا إلى الاشتغال على مشاريع خاصة بتثمين هذه المخلفات، لا سيما وأنها ستوفر وفقه حوالي مليون يوم عمل لشباب المنطقة.
ويقترح أحمد وقاش أن يتم تفويت واحة زيز ككل إلى شركة أجنبية قابضة، تعمل على الاعتناء بهذا الفضاء الفلاحي والإيكولوجي، على اعتبار بعض الفلاحين أهملوا نخيلهم، وهو ما يؤثر على نخيل الجيران بفعل تكاثر الجريد، كما أنه يحول دون الرفع من جودة وإنتاج التمر.
وذهب وقاش إلى ما ذهب إليه سعيد بادو، بخصوص حل مشكل الملكية، مؤكدا أن النظام الواحي بالمغرب اليوم، جد معقد بفعل غياب وثائق الملكية، مشيرا إلى أن هناك من الورثة من تخلوا عن نخيلهم، وهاجروا دون أن يعود لهم اتصال بالمنطقة، وهو ما يرخي بظلاله على الواحة التي تعرف مسبقا أزمات ومشاكل جمة.
ولسد هذا الفراغ بالواحات، تهتدي بعض الساكنة التي لا زالت مرابطة في قصور واد زيز، إلى الاعتناء بالنخيل الذي أهمل، وهذا التطوع بحسب سعيد وقاش حتى لا يكون له تهديد في المستقبل على نخيل الجيران وواحة القصر ككل.
ووصف وقاش الوضع القانوني بالواحات وتحديدا واحة قصر البلاغمة، بالعشوائي وغير القانوني، حيث الاعتماد على العرف فقط، ومن هذا المنطلق يدعو إلى “سن نظام جديد من شأنه أن يعطي نتائج إيجابية في المستقبل، ويساهم في الحفاظ على هذا التراث اللامادي”.

***

بوسفول لـ : ” بيان اليوم” وزارة الفلاحة وزعت فسائل نخيل على المتضررين من الحرائق

أرجع محمد بوسفول، المدير الجهوي للفلاحة لجهة درعة –تافيلالت، ومدير مكتب الاستثمار الفلاحي للجهة نفسها، حرائق الواحات إلى مجموعة من الأسباب، من بينها، تراكم مخلفات النخيل التي يتم تركها في الواحة (الجريد)، في غياب عملية تنقية هذه الأعشاش الضارة من غابات النخيل.
وسبب هذا التراكم بحسب محمد بوسفول، ناتج عن التخلي عن العادات القديمة التي كانت تقبل عليها ساكنة الواحة، في جمع هذه الأعشاش وتوظيفها كحطب في الأشغال اليومية للمنزل، بيد أنه اليوم تغيرت هذه العادات، ما جعل من أعشاش النخيل حطبا لحرائق الواحات.
ونبه بوسفول، في تصريح صحافي لجريدة بيان اليوم، إلى ظاهرة غريبة بدأت تتكاثر خلال السنوات الأخيرة، وهي استغلال هذا الحطب الذي يتراكم في الواحة، وإنتاج الفحم منه (الفاخر)، من خلال إعداد عدد كبير من «الكوشات» (المطمورة) المخصصة للتفحيم، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للواحة على حد تعبيره.
وفي هذا الصدد، أوضح المدير الجهوي للفلاحة لجهة درعة –تافيلالت، أنه فور العلم بإعداد هذه «الكوشات» يتم إخبار السلطات المحلية بذلك، قصد التدخل وضبط هؤلاء الأشخاص المتورطين في هذه العمليات.
وشدد المتحدث، على ضرورة إيجاد حلول عملية للتخلص من هذه الأعشاش والمخلفات، حتى لا يكون لذلك تأثير على الواحات، أثناء نشوب حريق في الغابة، مشيرا إلى برنامج تنقية نخيل المغرب من الأعشاش الذي خصصت له وزارة الفلاحة مبلغا ماليا بقيمة 150 مليون درهم، مع تعويض الفلاحين المتضررين من الحرائق بفسائل جيدة.
إلى جانب ذلك، ذكر محمد بوسفول عملية بناء وإنشاء قنوات الري خاصة بالأماكن التي تضررت من الحرائق، بهدف أن تستفيد الفسائل الجديدة من مياه السقي، مضيفا أيضا، أنه تم إطلاق برنامج آخر لوضع مسالك بداخل الواحات، من أجل تأمين تنقل الفلاحين، بالإضافة إلى نقل الأعشاش بوسائل نقل تسهل عملية النقل، والتدخل أثناء الحرائق.
وتفاعلا منه مع حادث حريق واحة قصر البلاغمة، انتهز عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فرصة تواجده بالمعرض الدولي للتمر بأرفود، ليقوم بزيارة منطقة أوفوس، وبالضبط قصر البلاغمة حيث أشرف على توزيع مجموعة من الشتائل على الفلاحين المتضررين من الحريق.
إلى جانب ذلك، اطلع عزيز أخنوش على تقدم إنجاز البرنامج الوطني لتنقية أعشاش النخيل، كما قدمت له شروحات حول مراحل تنفيذ هذا البرنامج والإنجازات المحققة على الصعيدين الوطني والجهوي، والذي يروم (البرنامج) إلى تقديم المساعدة والاستشارة للمستفيدين، واحترام البيئة والمحافظة على النخيل، وخلق الثروة، والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للواحات.
وبحسب معطيات وزارة الفلاحة، حول مؤشرات الحرائق بالواحات المغربية للفترة 2010-2019، فإن المساحة المتضررة، خلال السنوات العشر الماضية، وصلت إلى 672 هكتارا، وعدد النخيل المتضرر 90 ألف و190 نخلة خلال نفس الفترة، ونسبة الإحياء بلغت 78 في المائة.
وخلال الزيارة ذاتها، تم تقديم شروحات أمام وزير الفلاحة، حول التدابير المتخذة من أجل تخفيف أضرار الحرائق التي لحقت الواحات، وكذا مضامين برنامج التدخل للمساهمة في الحد من الحرائق والرفع من نجاعة التدخل، الذي يهم الفترة ما بين 2020 و2022، والهادف إلى تعزيز المعدات ووسائل التدخل، والتحسين والرفع من نجاعة التدخل، وتطوير أدوات التنبؤ وتوقع مخاطر الحريق، وتكييف وتعزيز أدوات الإعلام والتوعية.

 إنجاز: يوسف الخيدر

Related posts

Top