زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصين الأربعاء لقناعته أن بكين طرف “لا يمكن تجاوزه” أمام التحديات الكثيرة التي يشهدها العالم بدءا بحرب أوكرانيا التي يمكن لموقف الصين منها أن “يغير” اتجاهها جذريا.
ورأى قصر الإليزيه قبل زيارة الدولة هذه التي تستمر ثلاثة أيام أن الصين بسبب قربها من روسيا “هي البلد الوحيد في العالم القادر على أن يؤثر بشكل مباشر وجذري على النزاع باتجاه أو بآخر”.
وقبيل توجهه إلى الصين أجرى الرئيس الفرنسي محادثة هاتفية مع نظيره الأميركي جو بايدن، أعربا خلالها عن أملهما بأن “تنخرط الصين معنا في جهود مشتركة لتسريع وضع حد للحرب في أوكرانيا وإرساء سلام مستدام”، وفق مسؤولين فرنسيين.
في المعسكر الغربي، يشكل إيمانويل ماكرون بحسب أوساطه، أحد قادة الدول القلائل في العالم الذين يمكنهم “القيام بمناقشة تستمر لست أو سبع ساعات” مع الرئيس الصيني شي جينبينغ للترويج للسلام.
وفيما تفوح من المنافسة بين الصين والولايات المتحدة رائحة حرب باردة، يريد الفرنسيون سلوك “طريق آخر” أقل حدة من النهج الأميركي في العلاقة مع العملاق الآسيوي.
متسلحة بهذا الموقف، كانت فرنسا تأمل حتى فترة قصيرة بإقناع الزعيم الصيني بأداء “دور الوسيط” لدفع نظيره الروسي فلاديمير بوتين باتجاه حل تفاوضي وخصوصا أن بكين لم تدن يوما الغزو الروسي لأوكرانيا ولم تدعمه أيضا.
إلا أن الجبهة المناهضة للغرب التي ظهر بها شي جينبينغ وفلاديمير بوتين في موسكو قبل أسبوعين، خففت من هذه الطموحات.
وقال مستشار إن ماكرون سيسعى إلى إيجاد “فسحة” حوار مع بكين لطرح “مبادرات” من شأنها “دعم المدنيين” في أوكرانيا فضلا عن “تحديد طريق” للخروج من الأزمة على المدى المتوسط.
ويبدو أن النقطة الأكثر إلحاحا هي إقناع الصين بعدم الانتقال بالكامل إلى المعسكر الروسي من خلال إرسال أسلحة إلى موسكو. وأكدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أن ماكرون سيقول للمسؤولين الصينيين “إنه من الأهمية بمكان الامتناع” عن دعم مجهود الحرب الروسي.
وشددت الرئاسة الفرنسية على أنه “في حال اتخذت الصين هذا القرار المشؤوم سيكون له تأثير استراتيجي كبير جدا على النزاع. نريد تجنب الأسوأ”.
ويقول انطوان بونداز من مؤسسة البحث الاستراتيجي في تصريح لوكالة فرانس برس “لن نمنع الصين من دعم روسيا عسكريا (..) بقولنا لها بلطافة إنه لا ينبغي القيام بذلك، بل من خلال تنبيهات وتحذيرات” مرفقة بمحادثات بعيدة عن الأنظار وتهديد “بفرض عقوبات”.
ويؤكد الباحث أن إقدام ماكرون على طرح علني للمخاوف من نية روسيا نشر أسلحة نووية في بيلاروس، سيشكل اختبارا لقدرة فرنسا على “القيام بدورها”.
ويريد الرئيس الفرنسي على نطاق أعم “إحياء” حوار بعد فترة طويلة من انقطاع الاتصالات الشخصية بسبب كوفيد 19 باستثناء لقاء مع شي جينبينغ في اندونيسيا في نونبر الماضي.
وغادر ماكرون فرنسا مساء الثلاثاء ووصلبعد ظهر الأربعاء بالتوقيت المحلي إلى العاصمة الصينية حيث التقى الجالية الفرنسية.
والخميس يجري لقاءات مع المسؤولين الصينيين تشارك بجزء منها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين من أجل توجيه رسالة موحدة. ويشارك بعدها في مأدبة عشاء رسمية.
ويتوجه الجمعة إلى كانتون حيث سيلتقي طلابا صينيين.
ويرافق الرئيس الفرنسي نحو ستين رئيس شركة فرنسية منها إيرباص وكهرباء فرنسا وفيوليا مع تركيز على الانتقال في مجال الطاقة وهي من التحديات الكونية التي تعتبر باريس أنه ينبغي التقدم في إطارها مع بكين.
ويتوقع أن يتخلل هذه اللقاءات توقيع اتفاقات.
وأوضحت أوساط ماكرون أن الرئيس ينوي الاستمرار بالدفع باتجاه “ولوج أفضل إلى السوق الصينية” و”أجواء منافسة عادلة” على غرار ما فعل في زيارتيه عامي 2018 و2019.
ورأت منظمة هيومن رايتس ووتش ان إيمانويل ماكرون وأورسولا فون دير لايين “يتوقع ألا يثيرا قضية الاستبداد المتنامي للحكومة الصينية” معربة عن خشيتها من حجب مسألة حقوق الإنسان.
ويؤكد قصر الاليزيه أن مسألة حقوق الانسان ستطرح ولا سيما وضع “أقارب لرعايا فرنسيين في شينيجانغ” التي يندد مراقبون بحدوث قمع شديد فيها، “لكي يتمكنوا من مغادرة الصين”.
ماكرون يزور الصين لبحث حرب أوكرانيا و”إحياء” الحوار
الوسوم