يحاول كثير من الإعلام الناطق أو المكتوب بالعربية أن يروّج لما يقوله أهل الغرب المعادي للعرب، دون رد أو نقد أو مجرد استفهام! وأحيانا يتعمد إخراج ذلك ويتفنن في تكراره لغايات باتت معروفة في مشاريع وخطط أهل الإعلام. وتثير مثل هذه الحالات أسئلة كثيرة عن مهمات الإعلام ووظائفه، وعن مواثيق شرفه ومهنيته!. ولكن كما يبدو أن هذا الإعلام، لاسيما المموّل من حكومات وأجهزة أمنية خليجية، سواء الذي ينشر ويصدر من الخليج نفسه أو من عواصم عربية أو أوروبية، أصبح بكل وضوح طرفا تنفيذيا للمشاريع المعادية لآمال العرب وطموحات الشعوب، بل وشريكا في الحرب الدائرة والمعلنة من قبل حكومات الغرب على العرب. وللأسف أقول إن بعض العاملين « الشاكين» في هذه المؤسسات الإعلامية «العربية» يبررون دوامهم فيها بأنهم مهنيون ولا تهمهم التوجهات المسيرة للوسيلة الإعلامية، ووجودهم فيها من أجل العيش. وآخرون يتبجحون بأن هذه الوسائل هي الموجودة وليس هناك من فرص أخرى، وهناك تبريرات وتفسيرات لا تعد ولا تحصى، أكثرها ينطبق عليها المثل القائل: عذر أقبح من ذنب. وليس هنا الكلام من باب التقريع وإنما من باب التنبيه والتذكير بمكانة كلمة الحق أمام طغيان جائر. وتحمّل ما يتوجب، كما تتكبد شعوب هذا العالم العربي الحرب عليها منذ عقود طويلة ومازالت متصاعدة وبأشكال أخرى، ومنها تلك التي يساهم فيها هؤلاء بكل أصنافهم.
يأتي هذا الكلام بمناسبة إعادة صورتي مجرمي حرب غربيين في وسائل إعلام عربية مؤخرا، وإحياء نشر آرائهما وتقبل ما يقولانه أو يكتبانه منقولا إلى اللغة العربية، دون التنبيه منهما، ودورهما، وموقعهما من الكوارث التي أسهما فيها صراحة، بل يفتخران بكل ما قاما به ضد العرب عموما، ومازالت الدماء العربية التي شاركا في سفكها لم تجف بعد. فلا جرائم غزو العراق انتهت، ولا القضية الفلسطينية استردت حقوق شعبها المشروعة والعادلة. فإذا كان هذان المجرمان قانونيا، مختفيين بسبب ذلك، فلماذا يستعيد إعلام عربي صورتهما ويسوّق لهما برحابة صدر وكرم عربيين ؟ هل يتباهى بهما ؟ وهما المعروفان بما قاما به، ولولا تنكر الغرب وهيمنة امبرياليته وغياب العدالة الإنسانية دوليا والمحكمة المنصفة أخلاقيا لكانا خلف القضبان وفي السجون الآن. فلماذا هذا التنسيق مع هذا الوضع المؤسف وتزكيتهما؟، هل جرائمهما توقفت ودورهما اختفى ومواقفهما تبدلت وتغيرت ؟
يلاحظ أيضا سباق الإعلام العربي بكل صلافة مع وسائل إعلام العدو الصهيو أمريكي ويتنافس معه في إبراز كل ما يحارب طموحات الشعوب العربية للعيش مثل بقية الشعوب على هذه المعمورة. إما عن هذين المقصودين فهما لا يحتاجان إلى إعادة تعريف وإشهار، يكفي ذكر اسميهما ليعرف من يهمه الأمر، أو لا يهمه، مَن هما وماذا عملا ضد العرب وقضاياهم. هذان هما توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي طرده حزبه و شعبه من الاستمرار في رئاسة الحكومة، وسمّته وسائل إعلام بلاده بالكلب التابع للرئيس الأمريكي المشابه له في التهمة والإدانة، جورج بوش الثاني، والذي كُلف وكوفئ غربيا بمهمة تصفية القضية الفلسطينية واستمر فيها لحد الآن، وهذا ما حصل للقضية الفلسطينية وما تتعرض له حاليا. إضافة إلى اختياره مستشارا عند عدد من الحكام العرب والبنوك الغربية والعربية، لتكون وصمة عار لا تمحى وتظل لأولئك الذين مازالوا في انتقامهم يتعاملون معه ومع بوش ويكرمونه دون احترام لأية مشاعر إنسانية، دع عنك عربية أو إسلامية، كما يدعون ويزعمون! والآخر جون بولتون، المندوب الأمريكي السابق في الأمم المتحدة، الذي اشترك مع بلير في الحرب على العراق وغزوه. وافتخر بصهيونيته، وبأنه الذي ألغى قرار الأمم المتحدة 3379، القائل بان الحركة الصهيونية حركة عنصرية وتمييز عنصري. فهل يحتاج أي منهما تعريفا أكثر من ذلك، وبعد كل هذا لماذا يتشرف بعض الإعلام العربي بهما ؟ وما هو الهدف المرسوم من إعادة إحياء هذين الرجلين ؟ وهل هكذا ينتج الحقد على الشعوب العربية ؟
لا يمكن تصور أن من قام بمثل هذه الأعمال في بعض وسائل الإعلام لم يكن عارفا أو غافلا عن عمله، ولا جاهلا بمن يستضيف ودوره. ولا يمكن اعتبار ذلك تنويعا أو رأيا آخر من جانب واحد. فمثل هذه الوسائل وخططها وطبيعتها وضعت ونظمت لخدمة هذه التوجهات وتمريرها على جرعات لأهداف أبعد منها وأعمال أخرى يأتي وقتها أو دورها المنشود منها أو الموضوع لها سلفا وبكل اعتماد وتقصد، كما حصل مع محطة فضائية كسبت جمهورا واسعا دون أن تكشف عن هويتها الحقيقية، بل العكس مررت أهدافها ودخلت بيوت المشاهدين العرب ومن ثم الأجانب في توسعها، بسهولة ويسر، مستغلة غفلة العموم وتهالك الواقع الرسمي وضعف الوعي والفراغ الإعلامي والسياسي حينها. حتى جاء اليوم الذي بانت فيه عورتها وتحولت إلى بوق واضح لمخططي برامجها ومنظمي خططها ومشاركتها الفعلية في العدوان على العرب وأهدافهم والأوطان ومستقبلهم. إن الخدمات التي تقدمها هذه الوسائل الإعلامية هي أكبر مما يقال عنها، وأخطر مما يتصوره إنسان عادي لها.
التأكيد على هذين المجرمين قانونيا لا يعني أن بعض وسائل الإعلام لا تروج لغيرهما، ولكن هذين الرجلين مفضوحان إلى درجة عالية، ولا يحتاجان كغيرهما إلى ما يحصل ويتحقق.
كما أن بعض وسائل الإعلام العربي، وفي ابسط متابعة له، يتكشف الكثير من غثه وسمه ودوره الخبيث في تعميق تشويه الوعي وتخريب المشاعر وتدمير الأحاسيس والضغط والتهديد بصور الرعب والصدمة للعقل العربي والوحدة الوطنية وبناء الإنسان الحر الديمقراطي الواعي لموقعه ومكانه في المشهد السياسي ومستقبله على أرضه وبين أبناء بلاده. وقد تكون هذه إشارة واحدة فقط، وهناك إشارات كثيرة وأخرى أكثر، ولابد من الانتباه منها جميعا.