مع المعري وطه حسين

طالعنا خلال الأسبوع المنصرم خبرين رغم أن أحدهما من سوريا والآخر من مصر، فهما يتشابهان حد التطابق في المنطلق وفي الطبيعة وفي الغاية، وكلاهما أيضا مفزعان وباعثان على الخشية، ويستحقان الاستنكار.
في سوريا، قامت جماعة محسوبة على(جبهة النصرة)بتحطيم تمثال أبي العلاء المعري(973-1054) في مسقط رأسه معرة النعمان، حيث جرى قطع رأس التمثال، وتم إنزال الهيكل كاملا عن العمود الذي يحمله، وتشويه الكتابات على جداره، وقد لقي ذلك استنكارا واسعا وسط المثقفين والفنانين وعبر مواقع التواصل الاجتماعي… في مصر، حدث الشيء ذاته، حيث تم قطع رأس تمثال عميد الأدب العربي طه حسين في مدينة المنيا جنوب البلاد، ونقلت الصور أن مقترفي هذا الجهل قطعوا الرأس وتركوا البدن وحيدا في الساحة.
ماذا  تعني هذه الجريمة؟
إنها اعتداء أولا على رموز الشعبين السوري والمصري، وعلى رصيدهما التاريخي والثقافي، وعلى ما يمثله كل ذلك من قيم ومشاعر…
إنها حرب حقيقية على الثقافة، لكونها الواجهة الرئيسية في  مقاومة الظلام والجهل..
وإنها ثالثا العنوان الدال عن خطر الظلام والسواد المتربص اليوم بكثير شعوب عربية، والمهدد لمستقبلها وللأفق الديمقراطي المنفتح.
إن الاعتداء على(شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء)أبو العلاء المعري جعله كما لو أنه حاضر بيننا هذه الأيام ولم يمت، ومكن كثيرا من الشباب من إعادة قراءته، والانتباه إلى أن بعض شعره ربما يصلح لزمننا الرديء هذا، خصوصا عندما يشدد على جدلية الربط بين الدين والعقل، وحتى من خلال بذاخة اللغة عند التعبير عن زهده، وهو الذي لقب ب(رهين المحبسين)، وأيضا عند التمعن في قوة مثل هذا التعبير:
(وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم // بإخفاء شمس ضوؤها متكامل
واني وان كنت الأخير زمانه // لآت بما لم تستطعه الأوائل
وأغدو ولو أن الصباح صوارم// وأسري ولو أن الظلام جحافل
واني جواد لم يحل لجامه// ونضو يمان أغفلته الصياقل)
لا يوجد طه حسين اليوم (مع أبي العلاء في سجنه) كما كتب منذ سنوات، وهو يتحدث عن صاحب(رسالة الغفران)، وإنما هما معا اليوم رمزان في معركتنا كلنا ضد الجهل والجهالة، وضد جحافل الظلام، ومن أجل حرية الثقافة وحماية ذاكرتنا الإبداعية والإنسانية.
لقد حاول جاهلون عديد ون طيلة أكثر من عام الاعتداء على تمثال المعري في مسقط رأسه بمعرة النعمان، وواجههم المثقفون السوريون، لكن الظلاميون نجحوا اليوم في قطع رأس التمثال.
الظلاميون يوجهون دائما سيوفهم وجرافاتهم إلى الثقافة…
لنحم ذاكرتنا وروحنا وأفقنا وعقلنا من خلال تقوية جبهة النضال الثقافي…
[email protected]

Top