مغاربة متعددون

أعلنت فعاليات وطنية مؤخرا عن مبادرة أطلقوا عليها تسمية معبرة وجميلة هي: “مغاربة متعددون”.
اللافت في المبادرة أنها تضم مغاربة يعيشون داخل الوطن وآخرين يقيمون في الخارج، كما أن شخصيات سياسية وأكاديمية مغربية تشترك في المبادرة إلى جانب نشطاء من الحقل الجمعوي والحقوقي، ومن ثم فالفعل يرتبط  بالقناعة أولا. نعم نحن متعددون، ولذلك فإن الهوية المغربية لا تستقيم مع الإقصاء أو مع الانغلاق أو مع كل التقوقعات الهوياتية.
نعم نحن متعددون، ولذلك فإن قيما كونية مثل: التسامح، الاختلاف، احترام الآخر وغيرها، هي مرادفات لطبيعة المغرب والمغاربة كأمة وكحضارة وكدولة.
التعدد المذكور عاشه المغاربة دائما في حياتهم اليومية وفي علاقاتهم الاجتماعية، ولم يكن بالمطلق يعني أي تناقض مع الوحدة، لأن وحدة المغرب والمغاربة صنعها ثراء حضاري وأصالة أمة ليست بلا جذور…
عندما يتكالب اليوم الفهم الأصولي المتطرف على الأديان، وعندما  يصر البعض على تلفيف رؤوسنا وأبصارنا وقلوبنا بسواد الانغلاق، يحق للمغاربة أن يعرضوا تميز بلدهم على العالم كنموذج في العيش المشترك وفي الهوية الغنية بتعددها، وهنا قوة فكرة “مغاربة متعددون”، التي تروم إعمال المعرفة الرصينة والجدية العلمية والوضوح السياسي في التعاطي مع إشكاليات الهوية والتعدد.
المبادرة، التي يوجد من ضمن القائمين عليها أندريه أزولاي ورشيد بلمختار وإدريس اليزمي ومحمد برادة وأحمد غيات ويونس بومهدي وسعيد موسكير وآخرون، تعنى بالمغرب، ودلالتها تحيلنا على الحاجة اليوم إلى الانكباب على مضامين المقررات الدراسية الموجهة للأطفال والشباب بشأن تاريخ المغرب وهويته، وأيضا استثمار الإعلام، التلفزيون والسينما بالخصوص، لإبراز كل روافد الهوية المغربية المتعددة، وتربية الجمهور على التسامح والاختلاف والعيش المشترك واحترام الآخر، فضلا عن الاعتزاز بالانتماء إلى الهوية المغربية.
الاهتمام بالمغرب في المدرسة وفي الإعلام، هو اهتمام بالعمق الثقافي والقيمي، وانكباب على المخيال، ما يعني ضرورة الابتعاد عن كل المعالجات السهلة والسطحية، والانخراط في أساس المعركة  من أجل  ترسيخ بناء مجتمعي يجمع بين عراقة التاريخ وقيم الانفتاح والتعدد.
انطلاقا مما سبق، لا بد من دعم حركة “مغاربة متعددون”، وتعزيز مبادراتها بما يجعلها منخرطة في الانشغال الوطني، وحاشدة وحاضنة لكل المدافعين عن تقدم بلادنا والمناضلين من أجل ترسيخ قيم الحداثة والانفتاح والتعدد وحقوق الإنسان.
لقد احتمى المغرب عبر التاريخ بغنى وعراقة هويته، وهو ما جعله استثناء وبعيدا عن كل الصراعات الهوياتية التي قادت العالم في كثير من مناطقه إلى حروب وإلى جرائم ومآسي، وبدل ذلك اختار  المغاربة أفقا حداثيا ديمقراطيا لتقدمهم، واليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن مطالبون بالإصرار على اختيارنا المجتمعي القائم على الانفتاح وعلى الحداثة وعلى كونية حقوق الإنسان.

Top