منظمة الصحة العالمية تشيد بالمبادرة الملكية لإحداث جائزة محمد السادس للسلامة الطرقية

وزراء ومسؤولون دوليون يدعون إلى إدماج السلامة الطرقية في سياسات الصحة والتعليم والتشغيل
شهدت مدينة مراكش، أول أمس الثلاثاء، نقاشات رفيعة المستوى حول ضرورة تبني استراتيجيات استباقية ومبتكرة لمواجهة المخاطر الطرقية، وذلك في إطار النسخة الرابعة من المؤتمر الوزاري العالمي للسلامة الطرقية.
وأشاد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسيوس، بمبادرة جلالة الملك محمد السادس المتعلقة بإحداث “جائزة محمد السادس الدولية للسلامة الطرقية”، والتي تهدف إلى دعم المبادرات الرامية إلى تحسين أمن الطرقات وتقليل الحوادث القاتلة.
وأعرب غيبريسيوس، خلال افتتاح المؤتمر عن فخر منظمة الصحة العالمية بالحصول على الجائزة في دورتها الأولى، مناصفة مع صندوق الأمم المتحدة للسلامة الطرقية.
وأشار المسؤول الأممي، إلى أن أكثر من مليون شخص يفقدون حياتهم سنويا بسبب حوادث السير، خصوصا من فئة الشباب والأطفال، مؤكدا أن العديد من هذه الحوادث يمكن تفاديها عبر سياسات فعالة لتعزيز السلامة الطرقية. كما شدد على ضرورة وضع الإنسان في صلب السياسات المتعلقة بالبنية التحتية، مع إعطاء الأولوية لسلامة الراجلين وراكبي الدراجات، مشيرا إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تنسيقا دوليا وتضافر الجهود.
من جهته، نوه المبعوث الخاص للأمم المتحدة للسلامة الطرقية، جان تود، بانعقاد هذا الحدث البارز لأول مرة على أرض إفريقية، لمناقشة موضوع ذي أهمية قصوى بالنسبة لجميع البلدان.
وأكد في هذا السياق أنه رغم الجهود المبذولة، تظل حوادث السير تحديا كبيرا يتطلب تحركا عاجلا بغية مواجهة ما وصفه بـ”وباء الطرق الصامت”، مشيرا إلى الفجوة الهائلة بين الوعود والواقع.
واعتبر تود في هذا الصدد أن هذا الوضع قد يتفاقم أكثر في ظل الزيادة المستمرة لعدد المركبات والتوسع الحضري.
وأكد وزراء ومسؤولون دوليون أخرون، خلال الجلسات العامة، أن تعزيز السلامة الطرقية يستوجب تعاونا دوليا مكثفا، إلى جانب إدماجها في سياسات الصحة والتعليم والتشغيل لضمان تنقل أكثر استدامة وأمانا، داعين إلى تقاسم الممارسات الفضلى، والعمل سوية لإحداث تغيير موحد ومستدام تكون فيه السلامة الطرقية في صلب اهتمامات الدول.
وفي هذا السياق، استعرض وزير النقل الفرنسي، فيليب تابارو، الجهود التي تبذلها بلاده لمراقبة مؤشرات السلامة الطرقية، مشيرا إلى أن 20% من الحوادث المرورية في فرنسا ناتجة عن القيادة تحت تأثير المخدرات.
كما شدد وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، على أهمية التربية والتوعية، كاشفا أن بلاده أدرجت التربية الطرقية في مناهجها الدراسية، نظرا لكون 30% من الوفيات على الطرق تعود إلى القيادة تحت تأثير الكحول، و20% إلى عدم استخدام حزام الأمان.
من جهته، أكد وزير الداخلية السعودي، الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، أن المملكة العربية السعودية تعمل على تعزيز التعاون المشترك في مجال السلامة الطرقية، معتبرا أن هذه القضية مسألة صحة عمومية وأولوية أمنية واقتصادية لجميع الدول.
وأشار إلى أن التكلفة الاجتماعية والاقتصادية والصحية لحوادث السير مرتفعة، وهو ما يدفع السعودية إلى الالتزام بمواجهة الظاهرة من خلال حلول مبتكرة تتماشى مع الأهداف الدولية للسلامة الطرقية.
وفي إطار الجهود الرامية إلى تحسين السلامة الطرقية في إفريقيا، شددت مفوضة البنية التحتية والطاقة بالاتحاد الإفريقي، أماني أبو زيد، على أن القارة تواجه تحديات جسيمة في هذا المجال، حيث تتحمل خسائر فادحة مقارنة بباقي القارات. وأكدت على ضرورة تضافر الجهود وتنسيق العمل الجماعي للحد من هذه الآفة.
وأوضحت أبو زيد أن إفريقيا تسجل أكثر من 19 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة، مقابل متوسط عالمي يبلغ 15 ضحية، مما يجعلها من أكثر القارات تأثرا بحوادث السير. وأشارت إلى أن تداعيات هذه الحوادث لا تقتصر على الجوانب الإنسانية والاجتماعية فحسب، بل تمتد لتشمل التأثيرات الاقتصادية التي تعيق النمو في العديد من الدول الإفريقية.
وأكدت المفوضة أن المؤتمر يشكل منصة هامة تجمع بين مسؤولين وخبراء وصناع قرار، بهدف تسريع الإجراءات الرامية إلى خفض وفيات الطرق إلى النصف بحلول عام 2030، تماشيا مع استراتيجيات الاتحاد الإفريقي، خاصة الميثاق الإفريقي للسلامة الطرقية ورؤية 2063.
وأبرزت أبو زيد أن مقاربة الاتحاد الإفريقي تركز على محاور رئيسية، تشمل الالتزام بمعايير السلامة في تنفيذ مشاريع الطرق، وتعزيز الشمول الاجتماعي عبر مراعاة احتياجات النساء والأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة، إضافة إلى تحسين وسائل النقل الحضري لتحقيق تنقل آمن ومستدام، وتقليل التلوث الناتج عن وسائل النقل.
وفي هذا السياق، ذكرت المسؤولة الإفريقية بمجموعة من التدابير التي تم اتخاذها لمواجهة تحديات السلامة الطرقية، من بينها إنشاء مرصد السلامة الطرقية في إفريقيا، الذي يسعى إلى تبادل المعلومات والمؤشرات حول تطور هذا القطاع في القارة. إلا أنها حذرت من اتساع الفجوة بين الجهود المبذولة والنتائج المحققة، ووصفت الوضع بالمقلق.
من جانبها، وجهت الناشطة في مجال السلامة الطرقية، ميرا ناران، التي فقدت ابنها البالغ من العمر ثماني سنوات في حادث سير، دعوة إلى الحكومات حول العالم للالتزام الجاد بحماية الأرواح وتحقيق طرق أكثر أماناً للجميع. وأكدت على أن المطلوب هو اتخاذ إجراءات فعلية بدلا من الاقتصار على التعبير عن المشاعر، داعية إلى الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في تقليص عدد الضحايا قبل حلول عام 2030.
واعتبر متدخلون آخرون، أن السلامة الطرقية مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمجتمع المدني، وأنه آت الأوان لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في مراقبة الطرق وتعزيز الأمان.
اليونيسف تحذر
وأصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تقريرها العالمي حول السلامة الطرقية للأطفال والمراهقين، تحت عنوان “حماية الأرواح الصغيرة”، حيث يكشف التقرير عن حجم الخطر الذي تمثله حوادث السير باعتبارها أحد الأسباب الرئيسية لوفيات وإصابات الأطفال والمراهقين على مستوى العالم.
ويهدف التقرير إلى تقييم الوضع الراهن للسلامة الطرقية لفئة الشباب، مع تحديد العوامل التي تجعلهم أكثر عرضة للحوادث، بالإضافة إلى اقتراح سياسات واستراتيجيات فعالة للحد من الخسائر البشرية في صفوف مستعملي الطرق من الأطفال والمراهقين.
ويوجه التقرير رسالته إلى صناع القرار، والخبراء، والمنظمات غير الحكومية، داعيًا إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمنح أولوية قصوى للسلامة الطرقية للأطفال والمراهقين، والعمل على تحسينها من خلال سياسات أكثر صرامة ووعي مجتمعي أوسع.
تعزيز علاجات ما بعد الحوادث
من جهة أخرى، أكد خبراء أن تقوية العلاجات بعد الحوادث تعد عنصرا محوريا في الحد من آثار حوادث السير وتقليل تداعياتها الصحية والاقتصادية.
وشدد المشاركون في مائدة مستديرة تحت عنوان “بعد العلاج الطارئ.. نحو تعزيز مرحلة ما بعد الحادث” على ضرورة تبني مقاربة شاملة تدمج الرعاية الطبية، وإعادة التأهيل، ودعم الضحايا، بما يسهم في تخفيف العبء على الصحة العمومية وتحقيق التنمية المستدامة.
كما أبرز الخبراء أهمية توفير أنظمة إسعاف طارئة أكثر تنظيما وتعزيز التنسيق بين الجهات المعنية، من مصالح طبية وأمنية وبنيات تحتية للنقل، مؤكدين أن التدخلات السريعة والفعالة تساهم في تقليل حدة الإصابات وتحسين فرص نجاة الضحايا.
وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى تقرير “إنقاذ الأرواح بعد سنة 2025.. اتخاذ المزيد من الخطوات”، الذي أعدته الإدارة السويدية للنقل، حيث أكد المدير العام للإدارة، روبرتو مايورانا، أن التقرير يوصي بمقاربة مبتكرة قائمة على المبادرات الحالية لتسريع تقليص عدد الوفيات والإصابات الخطيرة الناجمة عن حوادث الطرق عالميًا.
إلى جانب التدخلات الطبية، شدد المتدخلون على ضرورة تطوير إطار تنظيمي فعال وزيادة الاستثمار في البنيات التحتية الخاصة بالعلاجات بعد الحوادث، داعين إلى تعزيز التعاون بين الحكومات، المنظمات الدولية، والقطاع الخاص لضمان أنظمة صحية أكثر قدرة على مواجهة تحديات حوادث السير.
تجدر الإشارة، إلى أن فعاليات الدورة الرابعة للمؤتمر الوزاري العالمي حول السلامة الطرقية، التي تنظم مابين 18 و 20 فبراير الجاري بمدينة مراكش، من طرف وزارة النقل واللوجيستيك بتعاون مع منظمة الصحة العالمية، بمشاركة وفود رسمية يترأسها أزيد من 100 وزير من مختلف دول العالم يشرفون على قطاعات النقل والداخلية والبنية التحتية والمواصلات والصحة، وبحضور أزيد من 2700 مشارك من ضمنهم ما يناهز 600 خبير رفيع المستوى، بالإضافة إلى ممثلين عن الوكالات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية المهتمة بالسلامة الطرقية مثل البنك الدولي والمنتدى الدولي للنقل والفيدرالية الدولية للطرق والمؤسسة الدولية للسيارات وغيرها من الهيئات الوازنة.
كما تعرف هذه التظاهرة الدولية مشاركة فاعلين اقتصاديين من مختلف دول العالم وكذلك الائتلاف العالمي لمكونات المجتمع المدني الفاعلة في مجال السلامة الطرقية، بالإضافة إلى المنظمة الدولية للشباب التي تنظم أنشطة موازية تحسيسية وتوعوية بحضور أكثر من 200 شاب من مختلف دول المعمور.
الجائزة الدولية محمد السادس للسلامة الطرقية

نحو تنزيل مبادرات فعالة في مجال السلامة الطرقية على الصعيدين القاري والعالمي

تعتبر الجائزة الدولية محمد السادس للسلامة الطرقية، التي تم إطلاقها بمراكش، اعترافا بالرؤية الاستراتيجية لجلالة الملك محمد السادس، التي تضع السلامة الطرقية في صلب الأولويات الوطنية.
وذكر بلاغ لوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك، أن هذه الجائزة، التي تم الإعلان عنها بمناسبة الدورة الرابعة للمؤتمر الوزاري العالمي للسلامة الطرقية، تأتي لتعزز مكانة المملكة المغربية وإشعاعها الدولي ودورها الريادي في تنزيل مبادرات فعالة في مجال السلامة الطرقية، على الصعيدين القاري والعالمي.
ومنحت الجائزة في دورتها الأولى، مناصفة لمنظمة الصحة العالمية ولصندوق الأمم المتحدة للسلامة على الطرق، نظير جهودهما الدؤوبة الرامية إلى بلورة استراتيجيات شاملة للتقليص من المخاطر الطرقية. وقد حددت قيمة الجائزة في مبلغ مالي قدره خمسة ملايين درهم.
وتهدف الجائزة بحسب البلاغ إلى “تثمين التجارب الرائدة والمساهمات الجيدة والممارسات الفضلى الرامية إلى تحسين شروط السلامة الطرقية في شتى دول العالم”. وستمنح جائزة محمد السادس للسلامة الطرقية عند انعقاد كل الدورات المقبلة للمؤتمر للاحتفاء بالمساهمين النموذجيين وبالممارسات الفضلى التي تعنى بالسلامة الطرقية عبر العالم. كما لقي إطلاق هذه الجائزة الدولية صدى طيبا وترحيبا كبيرا وسط كل المشاركين في المؤتمر الوزاري العالمي حول السلامة الطرقية في دورته الرابعة.

  مبعوث بيان اليوم إلى مراكش: حسن عربي
Top